المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأصل الثالث الإجماع - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران

[ابن بدران]

فهرس الكتاب

- ‌العقد الأول

- ‌رَوْضَة فِي كَلِمَات للْإِمَام فِي مسَائِل من أصُول الدّين

- ‌شذرة أَيْضا فِي كَلَامه فِي الْأُصُول

- ‌العقد الثَّانِي

- ‌فِي السَّبَب الَّذِي لأَجله اخْتَار كثير من كبار الْعلمَاء مَذْهَب الإِمَام أَحْمد على مَذْهَب غَيره

- ‌العقد الثَّالِث

- ‌فِي ذكر أصُول مذْهبه فِي استنباط الْفُرُوع وَبَيَان طَرِيقَته فِي ذَلِك

- ‌العقد الرَّابِع

- ‌فِي مسالك كبار أَصْحَابه فِي تَرْتِيب مذْهبه واستنباطه من فتياه وَالرِّوَايَات عَنهُ وتصرفهم فِي ذَلِك الْإِرْث المحمدي الأحمدي

- ‌شذرة فِي بَيَان طَريقَة الْأَصْحَاب فِي فهم كَلَام الإِمَام أَحْمد وَطَرِيق تصرفهم فِي الرِّوَايَات عَنهُ

- ‌فصل

- ‌فصل أَرَاك أَيهَا النَّاظر قد علمت عَمَّا رقمناه آنِفا

- ‌فصل

- ‌فصل فِي قَول الشَّافِعِي رضي الله عنه إِذا وجدْتُم فِي كتابي خلاف سنة

- ‌العقد الْخَامِس

- ‌فِي الْأُصُول الْفِقْهِيَّة الَّتِي دونهَا الْأَصْحَاب

- ‌مُقَدّمَة

- ‌بسط هَذَا الْإِجْمَال

- ‌فصل فِي التَّكْلِيف

- ‌فصل فِي أَحْكَام التَّكْلِيف

- ‌فصل فِي مَسْأَلَة مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌تَتِمَّة

- ‌فَائِدَة

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل فِي خطاب الْوَضع

- ‌تَنْبِيه

- ‌فَائِدَة

- ‌فصل فِي اللُّغَات

- ‌فصل اعْلَم أَن الْأَسْمَاء على أَرْبَعَة أضْرب

- ‌فصل فِي الْأُصُول

- ‌الْكتاب الْعَزِيز الَّذِي هُوَ أصل الْأُصُول

- ‌فصل فِي شذرات من مبَاحث السّنة

- ‌تَتِمَّة

- ‌بَاب النّسخ

- ‌تَنْبِيه

- ‌فَائِدَتَانِ

- ‌الْأَوَامِر والنواهي

- ‌فصل وَأما النَّهْي

- ‌فَوَائِد

- ‌الْعُمُوم وَالْخُصُوص

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌خَاتِمَة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْمُطلق والمقيد

- ‌فصل الْمُجْمل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم

- ‌الأَصْل الثَّالِث الْإِجْمَاع

- ‌الأَصْل الرَّابِع من الْأُصُول الْمُتَّفق عَلَيْهَا اسْتِصْحَاب الْحَال

- ‌الْأُصُول الْمُخْتَلف فِيهَا

- ‌الأَصْل الْخَامِس الْقيَاس

- ‌فصل

- ‌فصل فِي شَرَائِط أَرْكَان الْقيَاس ومصححاتها

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الأسئلة الْوَارِدَة على الْقيَاس

- ‌فصل

- ‌عقد نضيد فِي الِاجْتِهَاد والتقليد

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌عقد نَفِيس فِي تَرْتِيب الْأَدِلَّة وَالتَّرْجِيح

- ‌فصل

- ‌تَنْبِيه

- ‌العقد السَّادِس

- ‌فِيمَا اصْطلحَ عَلَيْهِ المؤلفون فِي فقه الإِمَام أَحْمد مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمُبْتَدِي وأبرز الْأَسْمَاء الَّتِي تذكر فِي مصنفاتهم

- ‌العقد السَّابِع

- ‌فِي ذكر الْكتب الْمَشْهُورَة فِي الْمَذْهَب وَبَيَان طَريقَة بَعْضهَا وَمَا عَلَيْهِ من التعليقات والحواشي حسب الْإِمْكَان

- ‌الْمُغنِي ومختصرالخرقي

- ‌الْمُسْتَوْعب

- ‌الْكَافِي

- ‌الْعُمْدَة

- ‌مُخْتَصر ابْن تَمِيم

- ‌رُؤُوس الْمسَائِل

- ‌الْهِدَايَة

- ‌التَّذْكِرَة

- ‌الْمُحَرر

- ‌الْمقنع

- ‌الْفُرُوع

- ‌مغنى ذَوي الأفهام عَن الْكتب الْكَثِيرَة فِي الْأَحْكَام

- ‌مُنْتَهى الإرادات فِي جمع الْمقنع مَعَ التَّنْقِيح وزيادات

- ‌الْإِقْنَاع لطَالب الِانْتِفَاع

- ‌دَلِيل الطَّالِب

- ‌غَايَة الْمُنْتَهى

- ‌عُمْدَة الرَّاغِب

- ‌كَافِي الْمُبْتَدِي وأخصر المختصرات ومختصر الإفادات

- ‌الرعايتان

- ‌مُخْتَصر الشَّرْح الْكَبِير والإنصاف

- ‌العقد الثَّامِن

- ‌فِي أَقسَام الْفِقْه عِنْد أَصْحَابنَا وَمَا ألف فِي هَذَا النَّوْع وَفِي هَذَا العقد دُرَر

- ‌فصل وَأما مَا اتَّصل بِنَا خَبره من كتب التَّفْسِير لِأَصْحَابِنَا

- ‌فصل

- ‌فرائد فَوَائِد

- ‌لطائف قَوَاعِد

- ‌رد الْعَجز على الصَّدْر

الفصل: ‌الأصل الثالث الإجماع

‌الأَصْل الثَّالِث الْإِجْمَاع

الْإِجْمَاع لُغَة الْعَزْم والاتفاق قَالَ تَعَالَى {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} يُونُس 71 أَي اعزموا وَيُقَال أجمع الْقَوْم على كَذَا أَي اتَّفقُوا عَلَيْهِ

وَاصْطِلَاحا اتِّفَاق الْمُجْتَهدين من هَذِه الْأمة فِي عصر من العصور على أَمر أَمر وَمن يرى انْقِرَاض الْعَصْر يزِيد إِلَى انْقِرَاض الْعَصْر وَمن يرى أَن الْإِجْمَاع لَا ينْعَقد مَعَ سبق خلاف مُسْتَقر من حَيّ أَو ميت جوز وُقُوعه يزِيد لم يسْبقهُ خلاف مُجْتَهد مُسْتَقر فَقَوله اتِّفَاق الْمُجْتَهدين يخرج المقلدين لأَنهم من الْعَوام عِنْد أهل الْأُصُول فَلَا تعْتَبر مُخَالفَته وَلَا مُوَافَقَته وَقَوله على أَمر يتَنَاوَل الديني والدنيوي لَكِن المُرَاد بالدنيوي مَا يعود إِلَى الدّين كأمر البيع وَالسّلم وَأما الِاتِّفَاق على أَمر دُنْيَوِيّ مَحْض كالاتفاق على مصلحَة إِقَامَة متجر أَو حِرْفَة أَو على أَمر ديني لكنه لَا يتَعَلَّق بِالدّينِ لذاته بل بِوَاسِطَة كاتفاقهم على بعض مسَائِل الْعَرَبيَّة أَو اللُّغَة أَو الْحساب وَنَحْوه فَإِن ذَلِك لَيْسَ إِجْمَاعًا شَرْعِيًّا أَو اصطلاحيا وَإِن كَانَ إِجْمَاعًا شَرْعِيًّا فِي الْحَقِيقَة لتَعَلُّقه بِالشَّرْعِ وَإِن كَانَ بِوَاسِطَة وَفِي هَذَا الأَصْل مسَائِل أَولهَا أنكر النظام وَبَعض الشِّيعَة جَوَاز الْإِجْمَاع من مجتهدي

ص: 278

الْأمة على حكم وَذَلِكَ رَاجع إِلَى عدم الْجَوَاز من جِهَة الْعقل وَذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَن جَوَازه مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ لَا يلْزم من فرض وُقُوعه محَال لذاته وَلَا لغيره وَهَذَا هُوَ الْمَعْنى بِالْجَوَازِ الْعقلِيّ

نعم هَؤُلَاءِ استبعدوا وُقُوعه مَعَ كَثْرَة الْعباد وتباعد الْبِلَاد وَاخْتِلَاف القرائح فظنوا الاستبعاد اسْتِحَالَة وَحكى أَصْحَابنَا أَنه رُوِيَ عَن الإِمَام أَحْمد إِنْكَار الْإِجْمَاع وَاعْتَذَرُوا عَنهُ بِأَنَّهُ مَحْمُول على الْوَرع أَو على غير عَالم بِالْخِلَافِ أَو على تعذر معرفَة الْكل أَو على الْعَام النطقي إِلَى غير ذَلِك من الاعتذارات وَعِنْدِي أَن الإِمَام أَحْمد لم يُوَافق النظام على إِنْكَاره لِأَن النظام أنكرهُ عقلا ولإمام صرح بقوله وَمَا يدريه بِأَنَّهُم اتَّفقُوا فَكَأَنَّهُ يَقُول إِن كثيرا من الْحَوَادِث تقع فِي أقاصي الْمشرق وَالْمغْرب وَلَا يعلم بوقوعها من بَينهمَا من أهل مصر وَالشَّام وَالْعراق وَمَا والاهما فَكيف تصح دَعْوَى إِجْمَاع الْكل فِي مثل هَذِه وَإِنَّمَا ثبتَتْ هَذِه بِإِجْمَاع جزئي وَهُوَ إِجْمَاع الإقليم الَّذِي وَقعت فِيهِ أما إِجْمَاع الْأمة قاطبة فمتعذر فِي مثلهَا وَهَذَا النَّوْع هُوَ الَّذِي نقل إِنْكَاره عَن الإِمَام كَمَا يفهم من قَوْله وَمَا يدريه بِأَنَّهُم أتفقوا وَمَا ذَلِك إِلَّا أَن الْإِجْمَاع على الْمَسْأَلَة الَّتِي اتّفق جَمِيع مجتهدي الْأمة عَلَيْهَا فرع الْعلم بهَا والتصديق مَسْبُوق بالتصور فَمن لم يعلم مَحل الحكم كَيفَ يتَصَوَّر مِنْهُ الحكم بِنَفْي أَو إِثْبَات وَهَذَا هُوَ الْحق الَّذِي يلْزم اتِّبَاعه فَلَا يتوهمن متوهم أَن الإِمَام أنكر الْإِجْمَاع إنكارا عقليا وَإِنَّمَا أنكر الْعلم بِالْإِجْمَاع على حَادِثَة وَاحِدَة انتشرت فِي جَمِيع الأقطار وَبَلغت الْأَطْرَاف الشاسعة ووقف عَلَيْهَا كل مُجْتَهد ثمَّ أطبق الْكل فِيهَا على قَول

ص: 279

وَاحِد وَبَلغت أَقْوَالهم كلهَا مدعى الْإِجْمَاع عَلَيْهَا وَأَنت خَبِير بِأَن الْعَادة لَا تساعد على هَذَا كَمَا يُعلمهُ كل منصف تخلى عَن الجمود والتقليد نعم يُمكن أَن يعلم هَذَا فِي عصر الصَّحَابَة دون مَا بعدهمْ من العصور لقلَّة الْمُجْتَهدين يَوْمئِذٍ وتوفر نقل الْمُحدثين على نقل فتاواهم وأرائهم

فَلَا تتهمن أَنَّهَا الْعَاقِل الإِمَام بإنكار الْإِجْمَاع مُطلقًا فتفترى عَلَيْهِ

ثَانِيهَا الْإِجْمَاع حجَّة قَاطِعَة يجب الْعَمَل بِهِ عِنْد الْجُمْهُور خلافًا للنظام وَمعنى كَونه قَاطعا أَنه يقدم على بَاقِي الْأَدِلَّة وَلَيْسَ الْقَاطِع هُنَا بِمَعْنى الْجَازِم الَّذِي لَا يحْتَمل النقيض كَقَوْلِنَا الْوَاحِد نصف الاثْنَي فِي نفس الْأَمر وَإِلَّا لما اخْتلف فِي تَكْفِير مُنكر حكمه

ثَالِثهَا الْمُعْتَبر فِي الْإِجْمَاع قَول أهل الِاجْتِهَاد لَا الصّبيان والمجانين قطعا وَلَا يعْتَبر فِيهِ قَول الْعَامَّة وهم من لَيْسَ بمجتهد وَلَا من عرف الحَدِيث أَو اللُّغَة أَو الْكَلَام وَنَحْوه وَكَذَا من عرف الْفِقْه أَو أُصُوله عِنْد أَحْمد وَأَصْحَابه وَكَذَا من فَاتَهُ بعض شُرُوط الِاجْتِهَاد وَلَا يعْتَبر فِيهِ كَافِر أُصَلِّي مُطلقًا وَلَا كَافِر بارتكاب بِدعَة عِنْد مكفره وَلَا فَاسق مُطلقًا سَوَاء كَانَ فسقه من حَيْثُ الِاعْتِقَاد أَو الْأَفْعَال كالاعتزال وَالزِّنَا وَالسَّرِقَة

قَالَ الطوفي فِي مُخْتَصره وَالْأَشْبَه اعْتِبَار قَول الأصولي والنحوي فَقَط لتمكنهما من درس الحكم بِالدَّلِيلِ وَالْمَسْأَلَة اجتهادية قَالَ وَيعْتَبر فِي إِجْمَاع كل فن قَول أَهله إِذْ غَيرهم بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ عَامَّة هَذَا كَلَامه وَهُوَ مَسْلَك جيد وَلَا يعْتَبر فِي أهل الْإِجْمَاع أَن يبلغُوا عدد التَّوَاتُر

رَابِعهَا لَا يخْتَص الْإِجْمَاع بالصحابة بل إِجْمَاع كل عصر حجَّة خلافًا لداود الظَّاهِرِيّ

خَامِسهَا الْجُمْهُور أَن الْإِجْمَاع لَا ينْعَقد بقول الْأَكْثَر دون الْأَقَل حَتَّى

ص: 280

يتَّفق الْجَمِيع

قلت وَمُقْتَضى مَا قدمْنَاهُ عَن الإِمَام أَحْمد أَنه ينْعَقد بقول الْأَكْثَر فِي غير زمن الصَّحَابَة لتعذر الِاطِّلَاع على اتِّفَاق الْكل فِي غير عصرهم

وَمن ثمَّ قَالَ الطوفي وَغَيره من أَصْحَابنَا بعد ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة خلافًا لِابْنِ جرير وَعَن أَحْمد رحمه الله مثله انْتهى

وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو بكر الرَّازِيّ وَأبي الْحُسَيْن الْخياط من الْمُعْتَزلَة وَابْن حمدَان من أَصْحَابنَا وَجمع

وَالْحق أَن اتِّفَاق الْأَكْثَر حجَّة يجب الْعَمَل بِهِ على أَهله لكنه لَيْسَ فِي رُتْبَة الْإِجْمَاع بل هُوَ فِي رُتْبَة الْقيَاس وَخبر الْوَاحِد

سادسها التَّابِعِيّ الْمُجْتَهد المعاصر للصحابة مُعْتَبر مَعَهم فِي الْإِجْمَاع فَلَا ينْعَقد مَعَ مُخَالفَته فَإِن صَار مُجْتَهدا بعد انْعِقَاد الْإِجْمَاع فَمن قَالَ يشْتَرط فِي الْإِجْمَاع انْقِرَاض الْعَصْر لم يعْتَبر انْعِقَاد الْإِجْمَاع مَعَ مُخَالفَته وَمن لم يشْتَرط انْقِرَاض الْعَصْر لم يعْتَبر وَاعْتبر مُوَافَقَته أَبُو الْخطاب وَابْن عقيل والآمدي

قَالَ المرداوي فِي التَّحْرِير وَلَعَلَّ المُرَاد عدم مُخَالفَته ثمَّ قَالَ فَائِدَة تَابع التَّابِعِيّ مَعَ التَّابِعِيّ كَهُوَ مَعَ الصَّحَابِيّ

قَالَه القَاضِي

سابعها الْجُمْهُور لَا يشْتَرط لصِحَّة الْإِجْمَاع انْقِرَاض عصر المجمعين وَحكى أَصْحَابنَا عَن أَحْمد وَأكْثر أَصْحَابه أَنه يشْتَرط انْقِرَاض الْعَصْر وَحكى الطوفي القَوْل الأول وَمَال إِلَيْهِ

وَقَالَ وَقَول الإِمَام أَحْمد الْمُوَافق لِلْجُمْهُورِ أَوْمَأ إِلَيْهِ إِيمَاء انْتهى

قلت ومعتمد مذْهبه عدم الِاشْتِرَاط

ثامنها إِذا قَالَ بعض الْأَئِمَّة قولا سَوَاء كَانَ من الصَّحَابَة أَو مِمَّن بعدهمْ وَسكت الْبَاقُونَ مَعَ اشتهار ذَلِك القَوْل فيهم وَكَانَ ذَلِك القَوْل مُتَعَلقا بِأَحْكَام التَّكْلِيف كَانَ ذَلِك إِجْمَاعًا على الْمُخْتَار

ص: 281

وَيُسمى إِجْمَاعًا سكوتيا فَلَو لم يشْتَهر القَوْل فيهم لم يدل سكوتهم على الْمُوَافقَة وَلَو لم يكن تكليفا لم يكن إِجْمَاعًا وَلَا حجَّة لِأَن الْإِجْمَاع أَمر ديني وَمَا لَيْسَ تكليفا لَيْسَ دينيا بل دنيويا وَلَكِن اخْتِلَاف الزَّمَان أحدث للْإِجْمَاع السكوتي شرطا وَهُوَ أَنه إِذا أفتى وَاحِد بِحكم على مذْهبه مَعَ مُخَالفَته لمَذْهَب غَيره وَسكت الْبَاقُونَ عَنهُ فَإِن ذَلِك السُّكُوت لَا يعد إِجْمَاعًا لما تقرر عِنْد أهل الْمذَاهب من عدم إِنْكَار بَعضهم على بعض إِلَّا أَن يُقَال فرض الْمَسْأَلَة فِي الْأَحْكَام الَّتِي يتداول المجتهدون الْبَحْث عَنْهَا لَا فِي الْأَحْكَام الَّتِي يتداولها المقلدون لأَنهم لَا فِي العير وَلَا فِي النفير

تاسعها إِذا اخْتلف أهل الْعَصْر على قَوْلَيْنِ امْتنع على من بعدهمْ إِحْدَاث قَول ثَالِث

وَقَالَ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُول والآمدي فِي مُنْتَهى السول وتبعهما الطوفي أَن القَوْل الثَّالِث إِن رفع الْإِجْمَاع الأول على الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلين لم يجز وَإِن لم يرفعهُ جَازَ

مِثَاله لَو قَالَ بعض الْأمة بِاعْتِبَار النِّيَّة فِي كل طَهَارَة وَقَالَ الْبَعْض الآخر باعتبارها فِي بعض الطهارات دون بعض كَمَا هُوَ قَول أبي حنيفَة يعْتَبر هَذَا للتيمم دون الْوضُوء

فالنافي اعْتِبَارهَا فِي جَمِيع الْعِبَادَات مُطلقًا يكون رَافعا للْإِجْمَاع الأول

وَمِثَال مَا لَيْسَ رَافعا للْإِجْمَاع الأول مَا سبق فِي هَذَا الْمِثَال من النَّفْي فِي إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ دون الْأُخْرَى وكما لَو اخْتلفُوا فِي اعْتِبَار النِّيَّة فِي الطهارات نفيا وإثباتا فَالْقَوْل فِي إِثْبَاتهَا فِي الْبَعْض دون الْبَعْض لَا يمْتَنع لِأَنَّهُ لم يرفع الْإِجْمَاع الأول بل وَافق كل فريق فِي بعض مَا ذهب إِلَيْهِ وَرُبمَا كَانَ هَذَا المسلك أولى من الَّذِي قبله

ص: 282

عَاشرهَا إِذا اخْتلف الصَّحَابَة على قَوْلَيْنِ فاتفق التابعون على أَحدهمَا كَانَ ذَلِك إِجْمَاعًا خلافًا للْقَاضِي أبي يعلى وَبَعض الشَّافِعِيَّة

حادي عشرهَا اتِّفَاق الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة بعد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَعَ مُخَالفَة غَيرهم لَهُم لَيْسَ إِجْمَاعًا وَإِذا لم يكن اتِّفَاق الْأَرْبَعَة إِجْمَاعًا

فَقَوْل اثْنَيْنِ مِنْهُم أولى بِأَن لَا يكون إِجْمَاعًا وَنقل عَن الإِمَام أَحْمد أَن اتِّفَاق الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة حجَّة وَكَذَا اتِّفَاق أبي بكر وَعمر رضي الله عنهما لحَدِيث عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي عضوا عَلَيْهَا بالنواجذ

وَحَدِيث اقتدوا بالذين من بعدِي أبي بكر وَعمر وَلَو لم تقم الْحجَّة بقَوْلهمْ لما أمرنَا باتبَاعهمْ وَهَذَا القَوْل هُوَ الْحق

ثَانِي عشرهَا إِجْمَاع أهل الْمَدِينَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ لَيْسَ بِحجَّة خلافًا لمَالِك وَلَا ينْعَقد الْإِجْمَاع بِأَهْل الْبَيْت وحدهم خلافًا للشعية

ثَالِث عَاشرهَا لَا يكون الْإِجْمَاع إِلَّا عَن دَلِيل لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا من الْمُجْتَهدين والمجتهد لَا يَقُول فِي الدّين بِغَيْر دَلِيل فَإِن القَوْل بِغَيْر دَلِيل خطأ وَيجوز كَون الْإِجْمَاع عَن اجْتِهَاد وَقِيَاس وَقد وَقع كَذَلِك وَتحرم مُخَالفَته

وَقَالَ ابْن حَامِد وَجمع يكفر مُنكر حكم الْإِجْمَاع الْقطعِي

ص: 283

وَقَالَ أَبُو الْخطاب وَجمع لَا يكفر وَلكنه يفسق

وَقَالَ الطوفي والآمدي وَمن تبعه يكفر بِنَحْوِ الْعِبَادَات الْخمس وَهُوَ معنى كَلَام أَصْحَابنَا فِي الْفِقْه

قَالَ القَاضِي عَلَاء الدّين المرداوي فِي التَّحْرِير وَالْحق أَن مُنكر الْمجمع الضَّرُورِيّ وَالْمَشْهُور الْمَنْصُوص عَلَيْهِ كَافِرًا قطعا وَكَذَا الْمَشْهُور فَقَط لَا الْخَفي فِي الْأَصَح فيهمَا هَذَا كَلَامه

وَمِثَال الْخَفي إِنْكَار اسْتِحْقَاق بنت الابْن السُّدس مَعَ الْبِنْت وَتَحْرِيم نِكَاح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وخالتها وَنَحْو ذَلِك فَهَذَا لَا يكفر منكره لعذر الخفاء خلافًا لبَعض الْفُقَهَاء فِي قَوْله أَنه يكفر لتكذيب الْأمة ورد بِأَنَّهُ لم يكذبهم صَرِيحًا إِذا فرض أَنه مِمَّا يخفى على مثله فالإجماع الْخَفي هُوَ مَا كَانَ خافيا على من رده وَلم يعلم بِهِ

رَابِع عشرهَا إِذا اسْتدلَّ أهل الْعَصْر بِدَلِيل أَو أولُوا تَأْوِيلا فَهَل يجوز لمن بعدهمْ إِحْدَاث دَلِيل آخر أَو تَأْوِيل من غير إِلْغَاء الأول ذهب الْجُمْهُور إِلَى جَوَاز ذَلِك وَذهب بَعضهم إِلَى الْوَقْف وَابْن حزم إِلَى التَّفْصِيل بَين النَّص فَيجوز الِاسْتِدْلَال بِهِ وَبَين غَيره فَلَا يجوز فِيهِ

خَامِس عشرهَا هَل يُمكن وجود دَلِيل لَا معَارض لَهُ اشْترك أهل الْإِجْمَاع فِي عدم الْعلم بِهِ قيل بِالْجَوَازِ إِن كَانَ عمل الْأمة مُوَافقا لَهُ وَعَدَمه إِن كَانَ مُخَالفا لَهُ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيّ وَابْن الْحَاجِب والصفي الْهِنْدِيّ

وَقيل بِالْمَنْعِ مُطلقًا

سادس عشرهَا الْإِجْمَاع الْمَنْقُول بطرِيق الْآحَاد حجَّة وَقَالَ الْجُمْهُور يشْتَرط فِي نَقله عدد التَّوَاتُر وَقَول الْقَائِل لَا أعلم خلافًا بَين أهل الْعلم فِي كَذَا كَمَا يَقُوله صَاحب الشافي فِي شرح الْمقنع

ص: 284

وَغَيره لَا يكون إِجْمَاعًا لجَوَاز أَن يكون ثمَّة مُخَالف لم يطلع الْقَائِل على خِلَافه وَفَوق كل ذِي علم عليم وَقد نَص على ذَلِك أَحْمد

سَابِع عشرهَا لَا يَصح التَّمَسُّك بِالْإِجْمَاع فِيمَا يتَوَقَّف صِحَة الْإِجْمَاع عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كوجود الْبَارِي وَصِحَّة الرسَالَة وَدلَالَة المعجزة وَيصِح فِيمَا لَا يتَوَقَّف وَهُوَ ديني كالروية وَنفي الشّرك وَوُجُوب الْعِبَادَات أَو عَقْلِي كحدوث الْعَالم خلافًا لأبي الْمَعَالِي مُطلقًا وللشيرازي فِي كليات أصُول الدّين كحدوث الْعَالم وَإِثْبَات النُّبُوَّة أَو دُنْيَوِيّ كرأي فِي حَرْب وَنَحْوه فِي ظَاهر كَلَام القَاضِي وَأبي الْخطاب وَابْن عقيل وَغَيرهم

وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيّ وَمن تبعه وَهُوَ أظهر

وَقيل بعد اسْتِقْرَار الرَّأْي

وَقيل لَيْسَ بِحجَّة وَهُوَ ظَاهر الرَّوْضَة وَالْمقنع ومختصر الطوفي

أَو يكون لغويا وَقيل إِن تعلق بِالدّينِ

خَاتِمَة الْإِجْمَاع إِمَّا نطقي أَو سكوتي وكل وَاحِد مِنْهُمَا إِمَّا أَن يكون متواترا وَإِمَّا أَن يكون آحادا فالنطقي مَا كَانَ اتِّفَاق مجتهدي الْأمة جَمِيعهم عَلَيْهِ نطقا نفيا أَو إِثْبَاتًا

والسكوتي مَا نطق بِهِ الْبَعْض وَسكت عَنهُ الْبَعْض الآخر وكل وَاحِد من هذَيْن إِمَّا أَن ينْقل أَن جَمِيع الْمُجْتَهدين نطقوا بِهِ نقلا متواترا أَو آحادا أَو نطق بِهِ الْبَعْض وَسكت عَنهُ الْبَعْض الآخر تواترا أَو أحادا وَالْكل حجَّة وَلَكِن تخْتَلف مراتبها فأقواها النطقي تواترا ثمَّ آحادا ثمَّ السكوتي تواترا ثمَّ آحادا وَقد سبق الْخلاف فِي أَن الْإِجْمَاع يثبت بِخَبَر الْآحَاد أم لَا وَالله الْمُوفق

ص: 285