الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل الْمُجْمل
الْمُجْمل لُغَة مَا جعل جملَة وَاحِدَة لَا ينْفَرد بعض آحادها عَن بعض وَاصْطِلَاحا اللَّفْظ المتردد بَين محتملين فَصَاعِدا على السوَاء والإجمال إِمَّا أَن يَقع فِي اللَّفْظ الْمُفْرد أَو الْمركب
وَالْوَاقِع فِي الْمُفْرد إِمَّا أَن يَقع فِي الْأَسْمَاء أَو الْأَفْعَال أَو الْحُرُوف
أما وُقُوعه فِي الْأَسْمَاء فكالعين المترددة بَين مَعَانِيهَا كالباصرة وَعين المَاء وَالذَّهَب وَغير هَذَا والقرء المتردد بَين الْحيض وَالطُّهْر وكالجون المتردد بَين الْأسود والأبيض وكالشفق المتردد بَين الْحمرَة وَالْبَيَاض
وَأما وُقُوعه فِي الْأَفْعَال فنحو عسعس فَإِنَّهُ بِمَعْنى أقبل وَأدبر وَبَان بِمَعْنى غَابَ واختفى وَأما فِي الْحُرُوف فنحو تردد الْوَاو بَين الْعَطف والابتداء وَبَين الْعَطف وَالْحَال وَنَحْو تردد من بَين ابْتِدَاء الْغَايَة والتبعيض
وَأما فِي الْمركب فكقوله تَعَالَى {أَو يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} الْبَقَرَة 237 فَإِنَّهُ مُتَرَدّد بَين الْوَلِيّ وَالزَّوْج
وَالصَّحِيح من مَذْهَب أَحْمد وَالشَّافِعِيّ أَنه الزَّوْج وَقَالَ مَالك هُوَ الْوَلِيّ
وَقد وَقع الْإِجْمَال من جِهَة التصريف كالمختار والمحتال فَإِنَّهُمَا مترددان بَين اعتبارهما اسْم فَاعل أَو اسْم مفعول وَحكم الْمُجْمل التَّوَقُّف على الْبَيَان الْخَارِجِي لِأَن الله تَعَالَى لم يكلفنا الْعَمَل بِمَا لَا دَلِيل عَلَيْهِ والمجمل لَا دَلِيل على المُرَاد بِهِ فَلَا نكلف بِالْعَمَلِ بِهِ والمجمل وَاقع فِي الْكتاب وَالسّنة فِي الْأَصَح خلافًا لداود الظَّاهِرِيّ
قَالَ بَعضهم لَا نعلم أحدا قَالَ بِهِ غَيره
تَنْبِيه ادّعى بعض الْعلمَاء الْإِجْمَال فِي أُمُور وَلكنهَا غير مجملة لَدَى التَّحْقِيق مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} الْمَائِدَة 3
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} النِّسَاء 23 {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} الْمَائِدَة 4 وَغير ذَلِك مِمَّا أضيفت الْأَحْكَام فِيهِ إِلَى الْأَعْيَان لِأَن المُرَاد حرم عَلَيْكُم أكل الْميتَة وَوَطْء الْأُمَّهَات فَالْحكم الْمُضَاف إِلَى الْعين ينْصَرف لُغَة وَعرفا إِلَى مَا أعدت لَهُ
وَهُوَ مَا ذَكرْنَاهُ
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} الْبَقَرَة 275 قَالَ القَاضِي أَبُو يعلى هُوَ مُجمل لِأَن الرِّبَا مَعْنَاهُ لُغَة الزِّيَادَة كَيْفَمَا كَانَت وَفِي الشَّرْع الزِّيَادَة الْمَخْصُوصَة وَالصَّحِيح أَنه من بَاب الْعَام الْمَخْصُوص
وَمِنْهَا حَدِيث لَا صَلَاة إِلَّا بِطهُور لَا صِيَام لمن لم يبيت النِّيَّة
قَالَ الْحَنَفِيَّة هُوَ مُجمل لتردده بَين الْمَعْنى اللّغَوِيّ والشرعي وَالْحق أَن كَلَام الشَّارِع يحمل حَقِيقَة على الموضوعات الشَّرْعِيَّة فالموضوعات اللُّغَوِيَّة فِي مُقَابلَته مجَاز
وَمِنْهَا إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ
قَالُوا إِن الْأَعْمَال مُبْتَدأ وبالنيات مُتَعَلق بِمَحْذُوف مُتَرَدّد بَين تَقْدِير الصِّحَّة أَو الْكَمَال
وَالْحق أَنه لَا تردد لِأَن المُرَاد نفي فَائِدَة الْعَمَل وجد واه بِدُونِ النِّيَّة فَتبقى صِحَّته متعينة للتقدير وَقد أشبعنا الْكَلَام عَلَيْهِ فِي شرحنا عُمْدَة الْأَحْكَام الحديثية وَمِنْهَا قَوْله عليه السلام رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ
فَإِنَّهُ لَيْسَ المُرَاد مِنْهُ رفع الْخَطَأ وَالنِّسْيَان حَتَّى يكون مُجملا بل المُرَاد أَن الْمَرْفُوع حكم الْخَطَأ وَالنِّسْيَان