المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

القَاضِي بِالْغَضَبِ عَن اسْتِيفَاء النّظر فَيلْحق بِهِ اشْتِغَاله بِالْجُوعِ أَو - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران

[ابن بدران]

فهرس الكتاب

- ‌العقد الأول

- ‌رَوْضَة فِي كَلِمَات للْإِمَام فِي مسَائِل من أصُول الدّين

- ‌شذرة أَيْضا فِي كَلَامه فِي الْأُصُول

- ‌العقد الثَّانِي

- ‌فِي السَّبَب الَّذِي لأَجله اخْتَار كثير من كبار الْعلمَاء مَذْهَب الإِمَام أَحْمد على مَذْهَب غَيره

- ‌العقد الثَّالِث

- ‌فِي ذكر أصُول مذْهبه فِي استنباط الْفُرُوع وَبَيَان طَرِيقَته فِي ذَلِك

- ‌العقد الرَّابِع

- ‌فِي مسالك كبار أَصْحَابه فِي تَرْتِيب مذْهبه واستنباطه من فتياه وَالرِّوَايَات عَنهُ وتصرفهم فِي ذَلِك الْإِرْث المحمدي الأحمدي

- ‌شذرة فِي بَيَان طَريقَة الْأَصْحَاب فِي فهم كَلَام الإِمَام أَحْمد وَطَرِيق تصرفهم فِي الرِّوَايَات عَنهُ

- ‌فصل

- ‌فصل أَرَاك أَيهَا النَّاظر قد علمت عَمَّا رقمناه آنِفا

- ‌فصل

- ‌فصل فِي قَول الشَّافِعِي رضي الله عنه إِذا وجدْتُم فِي كتابي خلاف سنة

- ‌العقد الْخَامِس

- ‌فِي الْأُصُول الْفِقْهِيَّة الَّتِي دونهَا الْأَصْحَاب

- ‌مُقَدّمَة

- ‌بسط هَذَا الْإِجْمَال

- ‌فصل فِي التَّكْلِيف

- ‌فصل فِي أَحْكَام التَّكْلِيف

- ‌فصل فِي مَسْأَلَة مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌تَتِمَّة

- ‌فَائِدَة

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل فِي خطاب الْوَضع

- ‌تَنْبِيه

- ‌فَائِدَة

- ‌فصل فِي اللُّغَات

- ‌فصل اعْلَم أَن الْأَسْمَاء على أَرْبَعَة أضْرب

- ‌فصل فِي الْأُصُول

- ‌الْكتاب الْعَزِيز الَّذِي هُوَ أصل الْأُصُول

- ‌فصل فِي شذرات من مبَاحث السّنة

- ‌تَتِمَّة

- ‌بَاب النّسخ

- ‌تَنْبِيه

- ‌فَائِدَتَانِ

- ‌الْأَوَامِر والنواهي

- ‌فصل وَأما النَّهْي

- ‌فَوَائِد

- ‌الْعُمُوم وَالْخُصُوص

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌خَاتِمَة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْمُطلق والمقيد

- ‌فصل الْمُجْمل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم

- ‌الأَصْل الثَّالِث الْإِجْمَاع

- ‌الأَصْل الرَّابِع من الْأُصُول الْمُتَّفق عَلَيْهَا اسْتِصْحَاب الْحَال

- ‌الْأُصُول الْمُخْتَلف فِيهَا

- ‌الأَصْل الْخَامِس الْقيَاس

- ‌فصل

- ‌فصل فِي شَرَائِط أَرْكَان الْقيَاس ومصححاتها

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الأسئلة الْوَارِدَة على الْقيَاس

- ‌فصل

- ‌عقد نضيد فِي الِاجْتِهَاد والتقليد

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌عقد نَفِيس فِي تَرْتِيب الْأَدِلَّة وَالتَّرْجِيح

- ‌فصل

- ‌تَنْبِيه

- ‌العقد السَّادِس

- ‌فِيمَا اصْطلحَ عَلَيْهِ المؤلفون فِي فقه الإِمَام أَحْمد مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمُبْتَدِي وأبرز الْأَسْمَاء الَّتِي تذكر فِي مصنفاتهم

- ‌العقد السَّابِع

- ‌فِي ذكر الْكتب الْمَشْهُورَة فِي الْمَذْهَب وَبَيَان طَريقَة بَعْضهَا وَمَا عَلَيْهِ من التعليقات والحواشي حسب الْإِمْكَان

- ‌الْمُغنِي ومختصرالخرقي

- ‌الْمُسْتَوْعب

- ‌الْكَافِي

- ‌الْعُمْدَة

- ‌مُخْتَصر ابْن تَمِيم

- ‌رُؤُوس الْمسَائِل

- ‌الْهِدَايَة

- ‌التَّذْكِرَة

- ‌الْمُحَرر

- ‌الْمقنع

- ‌الْفُرُوع

- ‌مغنى ذَوي الأفهام عَن الْكتب الْكَثِيرَة فِي الْأَحْكَام

- ‌مُنْتَهى الإرادات فِي جمع الْمقنع مَعَ التَّنْقِيح وزيادات

- ‌الْإِقْنَاع لطَالب الِانْتِفَاع

- ‌دَلِيل الطَّالِب

- ‌غَايَة الْمُنْتَهى

- ‌عُمْدَة الرَّاغِب

- ‌كَافِي الْمُبْتَدِي وأخصر المختصرات ومختصر الإفادات

- ‌الرعايتان

- ‌مُخْتَصر الشَّرْح الْكَبِير والإنصاف

- ‌العقد الثَّامِن

- ‌فِي أَقسَام الْفِقْه عِنْد أَصْحَابنَا وَمَا ألف فِي هَذَا النَّوْع وَفِي هَذَا العقد دُرَر

- ‌فصل وَأما مَا اتَّصل بِنَا خَبره من كتب التَّفْسِير لِأَصْحَابِنَا

- ‌فصل

- ‌فرائد فَوَائِد

- ‌لطائف قَوَاعِد

- ‌رد الْعَجز على الصَّدْر

الفصل: القَاضِي بِالْغَضَبِ عَن اسْتِيفَاء النّظر فَيلْحق بِهِ اشْتِغَاله بِالْجُوعِ أَو

القَاضِي بِالْغَضَبِ عَن اسْتِيفَاء النّظر فَيلْحق بِهِ اشْتِغَاله بِالْجُوعِ أَو الْعَطش أَو الْخَوْف أَو الْأَلَم بِالْقِيَاسِ وككون تلف المَال تَحت الْيَد العادية عِلّة للضَّمَان على الْغَضَب إِجْمَاعًا فَيلْحق بِهِ تلف الْعين بيد السَّارِق وَإِن قطع بهَا لِأَن يَده عَادِية فضمن مَا تلف فِيهَا كَالْغَاصِبِ لاشْتِرَاكهمَا فِي الْوَصْف الْجَامِع وَهُوَ التّلف تَحت الْيَد العادية وَكَذَلِكَ الْإِخْوَة من الْأَبَوَيْنِ أثرت فِي التَّقْدِيم فِي الْإِرْث إِجْمَاعًا فَكَذَا فِي النِّكَاح والصغر أثر فِي ثُبُوت الْولَايَة على الْبكر فَكَذَا على الثّيّب

ثمَّ اعْلَم أَنه إِذا قَاس الْمُسْتَدلّ على عِلّة إجماعية فَلَيْسَ للمعترض الْمُطَالبَة بتأثير تِلْكَ الْعلَّة فِي الأَصْل وَلَا فِي الْفَرْع لِأَن تأثيرها فِي الأَصْل ثَابت بِالْإِجْمَاع وَفِي الْفَرْع لاطرادها فِي كل قِيَاس فينشر الْكَلَام إِذْ مَا من قِيَاس وَإِلَّا وَيتَّجه عَلَيْهِ سُؤال الْمُطَالبَة بتأثير الْوَصْف فِي الْفَرْع

‌فصل

وَأما إِثْبَات الْعلَّة بالاستنباط فَهُوَ على أَنْوَاع أَولهَا إِثْبَاتهَا بالمناسبة وَهِي أَن يقْتَرن بالحكم وصف مُنَاسِب وَتسَمى أَيْضا بالإخالة واستخراجها يُسمى تَخْرِيج المناط وَقد سبق مِثَاله فِي غير مَوضِع

قَالَ الْعَلامَة نجم الدّين الطوفي رَحمَه الله تَعَالَى

قلت قد اخْتلف فِي تَعْرِيف الْمُنَاسب واستقصاء القَوْل فِيهِ من الْمُهِمَّات لِأَن عَلَيْهِ مدَار الشَّرِيعَة بل مدَار الْوُجُود إِذْ لَا مَوْجُود إِلَّا وَهُوَ على وفْق الْمُنَاسبَة الْعَقْلِيَّة لَكِن أَنْوَاع الْمُنَاسبَة تَتَفَاوَت فِي الْعُمُوم وَالْخُصُوص والخفاء والظهور فَمَا خفيت مناسبته سمي مُعَللا فقولنا يَعْنِي فِي

ص: 325

مُخْتَصره الْمُنَاسب مَا تتَوَقَّع الْمصلحَة عَقِيبه أَي مَا إِذا وجد أَو سمع أدْرك الْعقل السَّلِيم كَون ذَلِك الْوَصْف سَببا مفضيا إِلَى مصلحَة من الْمصَالح لرابط من الروابط الْعَقْلِيَّة بَين تِلْكَ الْمصلحَة وَذَلِكَ الْوَصْف

قَالَ ومثاله أَنه إِذا قيل الْمُسكر حرَام أدْرك الْعقل أَن تَحْرِيم الْمُسكر مفض إِلَى مصلحَة وَهِي حفظ الْعُقُول من الِاضْطِرَاب

وَإِذا قيل الْقصاص مَشْرُوع أدْرك الْعقل أَن شَرْعِيَّة الْقصاص سَبَب مفض إِلَى مصلحَة وَهِي حفظ النُّفُوس وأمثلة كَثِيرَة ظَاهِرَة وَإِنَّمَا قلت مَا تتَوَقَّع الْمصلحَة عَقِيبه لرابط عَقْلِي أخذا من السَّبَب الَّذِي هُوَ الْقَرَابَة فَإِن الْمُنَاسب هَهُنَا مستعار ومشتق من ذَلِك وَلَا شكّ أَن المتناسبين فِي بَاب النّسَب كالأخوين وَابْني الْعم وَنَحْو ذَلِك إِنَّمَا كَانَا متناسبين لِمَعْنى رابط بَينهمَا وَهُوَ الْقَرَابَة فَكَذَلِك الْوَصْف الْمُنَاسب هَهُنَا لَا بُد وَأَن يكون بَينه وَبَين مَا يُنَاسِبه من الْمصلحَة رابط عَقْلِي وَهُوَ كَون الْوَصْف صَالحا للإفضاء إِلَى تِلْكَ الْمصلحَة عقلا اه

فقد علم أَن الْوَصْف الْمُنَاسب هُوَ مَا تتَوَقَّع الْمصلحَة عَقِيبه لرابط عَقْلِي وَلَا يعْتَبر كَونه منشأ للحكمة كَقَوْلِنَا السّفر منشأ الْمَشَقَّة المبيحة للترخص وَالْقَتْل منشأ الْمفْسدَة وَهِي تَفْوِيت النُّفُوس وَالزِّنَا منشأ الْمفْسدَة وَهُوَ تَضْييع الْأَنْسَاب وإلحاق الْعَار فَهَذِهِ الأوضاف ينشأ عَنْهَا الحكم الَّتِي تثبت الْأَوْصَاف لأَجلهَا بل الِاعْتِبَار الْأَعَمّ من ذَلِك سَوَاء كَانَ منشأ للحكمة كَمَا تقدم أَو كَانَ الْوَصْف مُعَرفا للحكمة ودليلا عَلَيْهَا كَقَوْلِنَا النِّكَاح أَو البيع الصَّادِر من

ص: 326

الْأَهْل فِي الْمحل يُنَاسب الصِّحَّة أَي يدل على أَن الِانْتِفَاع بِالْمَبِيعِ وَالْحَاجة اقْتَضَت جعل البيع سَببا لتَحْصِيل الِانْتِفَاع بِوَاسِطَة الصِّحَّة أَو كَانَ يظْهر عِنْد الْوَصْف وَلم ينشأ عَنهُ وَلم يدل عَلَيْهِ كشكر النِّعْمَة الْمُنَاسبَة للزِّيَادَة مِنْهَا فالشكر هُوَ الْوَصْف الْمُنَاسب وَزِيَادَة النِّعْمَة هِيَ الْحِكْمَة وَوُجُوب الشُّكْر هُوَ الحكم وَهَذِه الْأَمْثِلَة تقريبية وَبِالْجُمْلَةِ مَتى أفْضى الحكم إِلَى مصلحَة علل بِالْوَصْفِ الْمُشْتَمل عَلَيْهَا

ثمَّ إِنَّه بِاعْتِبَار تَأْثِيره وَهُوَ اقتضاؤه لحكم الْمُنَاسبَة لترتب الحكم عَلَيْهِ يَنْقَسِم إِلَى أَقسَام أَحدهَا الْمُؤثر وَهُوَ مَا ظهر تَأْثِير عينه فِي عين الحكم أَو جنسه بِنَصّ أَو إِجْمَاع كَقَوْلِنَا سَقَطت الصَّلَاة عَن الْحرَّة الْحَائِض بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاع لمَشَقَّة التّكْرَار لِأَن الصَّلَاة تَتَكَرَّر فَلَو وَجب قَضَاؤُهَا لشق عَلَيْهَا ذَلِك فقد ظهر تأثر الْمَشَقَّة الْمَذْكُورَة فِي إِسْقَاط الصَّلَاة بِالْإِجْمَاع وكتعليل الْحَدث بِمَسّ الذّكر بِالنَّصِّ وَلَا يضر هَذَا الْقسم ظُهُور مُؤثر آخر مَعَه فِي الأَصْل فيعلل بِالْكُلِّ وَذَلِكَ كالمعتدة وَالْحَائِض والمرتدة يُعلل امْتنَاع وَطئهَا بالأسباب الثَّلَاثَة الْحيض وَالْعدة وَالرِّدَّة

فَلَو أردنَا أَن نقيس الْأمة على الْحرَّة فِي ذَلِك بِأحد الْأَوْصَاف الْمَذْكُورَة صَحَّ وَكَانَ من بَاب الْمُنَاسب الْمُؤثر بِتَقْدِير أَن لَا يكون النَّص شَامِلًا لَهَا

الثَّانِي الملائم وَهُوَ مَا ظهر تَأْثِير عينه فِي جنس الحكم كَقَوْلِنَا الْأَخ من الْأَبَوَيْنِ مقدم فِي ولَايَة النِّكَاح قِيَاسا على تَقْدِيمه فِي الْإِرْث فالوصف الَّذِي هُوَ الْأُخوة فِي الأَصْل وَالْفرع مُتحد بالنوع وَالْحكم الَّذِي هُوَ الْولَايَة فِي الْإِرْث مُتحد بِالْجِنْسِ

ص: 327

لَا بالنوع فَهَذَا وصف أثر عينه فِي جنس الحكم وَهُوَ جنس التَّقْدِيم فعين الْأُخوة أثرت فِي جنس التَّقْدِيم وَمن هَذَا النَّوْع عكس مَا تقدم وَهُوَ مَا أثر جنسه فِي عين الحكم كَقَوْلِنَا سَقَطت الصَّلَاة عَن الْحَائِض لأجل الْمَشَقَّة قِيَاسا على الْمُسَافِر فقد أثر جنس الْمَشَقَّة فِي عين السُّقُوط وَمِنْه أَيْضا مَا ظهر تَأْثِير جنسه فِي جنس الحكم كإلحاق بعض الْأَحْكَام بِبَعْض بِجَامِع الْمُنَاسبَة للْمصْلحَة الْمُطلقَة كإلحاق شَارِب الْخمر بالقاذف فِي جلده ثَمَانِينَ كَمَا قَالَ عَليّ رضي الله عنه أرَاهُ إِذا سكر هذى وَإِذا هذى افترى فَأرى عَلَيْهِ حد المفتري

فَأخذ مُطلق الْمُنَاسبَة وَمُطلق المظنة وَهَذَا النَّوْع سَمَّاهُ بعض الْأُصُولِيِّينَ الملائم وَسَماهُ

ص: 328

بَعضهم بالغريب وَقيل هَذَا هُوَ الملائم وَمَا سواهُ مُؤثر وَقَالَ المرداوي فِي التَّحْرِير أَن اعْتبر بترتب الحكم على الْوَصْف فَقَط

إِن اعْتبر بِنَصّ أَو إِجْمَاع أَو اعْتِبَار عينه فِي جنس الحكم أَو بِالْعَكْسِ أَو جنسه فِي جنس الحكم فالملائم وَهُوَ حجَّة عِنْد الْمُعظم وَإِلَّا فالغريب وَهُوَ حجَّة وَمنعه أَبُو الْخطاب وَالْحَنَفِيَّة انْتهى

فَفرق بَينهمَا ثمَّ قَالَ وَإِن اعْتبر الشَّارِع جنسه الْبعيد فِي جنس الحكم فمرسل ملائم وَإِلَّا فمرسل غَرِيب مَنعه الْجُمْهُور أَو مُرْسل ثَبت إلغاؤه كإيجاب الصَّوْم على واطىء قَادر فِي رَمَضَان وَهُوَ مَرْدُود اتِّفَاقًا والمرسل الملائم لَيْسَ حجَّة عِنْد الْأَكْثَر وَقيل فِي الْعِبَادَات وَقَالَ مَالك حجَّة وَأنْكرهُ أَصْحَابه وَقَالَ الْغَزالِيّ بِشَرْط كَون الْمصلحَة ضَرُورِيَّة قَطْعِيَّة كتترس كفار بِمُسلم وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ لاعتباره فَهُوَ حق قطعا وَمعنى كَلَام الْمُوفق وَالْفَخْر والطوفي أَن غير الملغي حجَّة وَقيل لَا يشْتَرط فِي الموثر كَونه مناسبا انْتهى

ثمَّ اعْلَم أَن للجنسية مَرَاتِب فأعمها فِي الْوَصْف كَونه وَصفا ثمَّ مناطا ثمَّ مصلحَة خَاصَّة وَفِي الحكم كَونه حكما ثمَّ وَاجِبا وَنَحْوه

ثمَّ عبَادَة ثمَّ صَلَاة ثمَّ ظهرا وتأثير الْأَخَص فِي الْأَخَص أقوى وتأثير الْأَعَمّ فِي الْأَعَمّ يُقَابله وتأثير الْأَخَص فِي الْأَعَمّ وَعَكسه واسطتان وَبِهَذَا الطَّرِيق تظهر الْأَجْنَاس الْعَالِيَة المتوسطة والأنواع السافلة للْأَحْكَام والأوصاف من الْمُنَاسب وَغَيره فالإسكار مثلا نوع من الْمفْسدَة

ص: 329

والمفسدة جنس لَهُ وَالإِخْوَة نوع من الْأَوْصَاف والتقديم فِي الْمِيرَاث نوع من الْأَحْكَام فَهُوَ تَأْثِير نوع فِي نوع

النَّوْع الثَّانِي من أَنْوَاع إِثْبَات الْعلَّة بالاستنباط إِثْبَاتهَا بالسبر والتقسيم فَالْأول إبِْطَال كل عِلّة علل بهَا الحكم بِالْإِجْمَاع إِلَّا وَاحِدَة فتتعين وَمعنى ذَلِك أَن الْمُسْتَدلّ بِالْقِيَاسِ إِذا أَرَادَ أَن يبين عِلّة الأَصْل الْمَقِيس عَلَيْهِ كَذَا ليلحق بِهِ الْفَرْع الْمَقِيس وَأَرَادَ تَبْيِين الْعلَّة بالسبر والتقسيم ذكر كل عِلّة علل بهَا حكم الأَصْل ثمَّ يبطل الْجَمِيع إِلَّا الْعلَّة الَّتِي يختارها فَيتَعَيَّن التَّعْلِيل فَيثبت الحكم فِي الْفَرْع بواسطتها مثل أَن يَقُول عِلّة الرِّبَا فِي الْبر وَنَحْوه إِمَّا الْكَيْل وَإِمَّا الطّعْم وَإِمَّا الْقُوت وَهَذِه الْعِلَل كلهَا بَاطِلَة إِلَّا الأولى مثلا وَهِي الْكَيْل إِن كَانَ حنبليا أَو حنفيا أَو إِلَّا الطّعْم إِن كَانَ شافعيا أَو إِلَّا الْقُوت إِن كَانَ مالكيا فَيتَعَيَّن للتَّعْلِيل وَيلْحق الْأرز الذّرة وَنَحْو ذَلِك بِجَامِع الْكَيْل وَيُقِيم الدَّلِيل على بطلَان مَا أبْطلهُ إِمَّا بانتقاضه انتقاضا مؤثرا أَو بِعَدَمِ مناسبته أَو غير ذَلِك بِحَسب الْإِمْكَان والاتفاق وَيشْتَرط لصِحَّة السبر أمورا أَحدهَا أَن يكون الحكم فِي الأَصْل مُعَللا إِذْ لَو كَانَ تعبدا لامتنع الْقيَاس عَلَيْهِ

الثَّانِي أَن يكون مجمعا على تَعْلِيله كَمَا قَالَه أَبُو الْخطاب إِذْ بِتَقْدِير أَن يكون مُخْتَلفا فِي تَعْلِيله فللخصم الْتِزَامه التَّعَبُّد فِيهِ فَيبْطل الْقيَاس وَقَالَ غَيره هَذَا الشَّرْط بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُجْتَهد لِأَنَّهُ لَا حجر عَلَيْهِ إِلَّا بِإِجْمَاع الْأمة إِذْ بِدُونِهِ لَهُ أَن يلْتَزم التَّعَبُّد فِي الأَصْل وَيفْسد كل عِلّة علل بهَا خَصمه بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ

ص: 330

الْمُسْتَدلّ مناظرا أَو خَصمه منتميا إِلَى مَذْهَب ذِي مَذْهَب فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ تكفيه مُوَافقَة الْخصم على التَّعْلِيل وَلم يعْتَبر الْإِجْمَاع عَلَيْهِ من الْأمة لِأَنَّهُ لَيْسَ بصدد استنباط الْأَحْكَام

الثَّالِث أَن يكون سبره حاصرا لجَمِيع الْعِلَل إِذْ لَو لم يكن حاصرا لجَاز أَن يبْقى وصف هُوَ الْعلَّة فِي نفس الْأَمر لم يذكرهُ فَيَقَع الْخَطَأ فِي الْقيَاس وَلَا يَصح السبر

وَطَرِيق ثُبُوت حصر السبر من وَجْهَيْن أَحدهمَا مُوَافقَة الْخصم على انحصار الْعلَّة فِيمَا ذكره الْمُسْتَدلّ

الثَّانِي أَن يعجز الْخصم عَن إِظْهَار وصف زَائِد على مَا ذكره الْمُسْتَدلّ فَإِذا تمّ أحد الْأَمريْنِ وَجب على الْخصم الْمُعْتَرض إِمَّا تَسْلِيم الْحصْر فَيحصل مَقْصُود الْمُسْتَدلّ أَو إِظْهَار مَا عِنْد الْمُعْتَرض من الْأَوْصَاف الزَّائِدَة على مَا ذكره الْمُسْتَدلّ لينْظر فِيهِ فيفسده وَلَا يسمع قَول الْمُعْتَرض عِنْدِي وصف زَائِد لكني لَا أذكرهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إِمَّا صَادِق فَيكون كَاتِما لعلم دعت الْحَاجة إِلَيْهِ فيفسق بذلك أَو كَاذِب فَلَا يعول على قَوْله وَيلْزمهُ الْحصْر وَإِذا أبرز الْخصم الْمُعْتَرض وَصفا زَائِدا على مَا ذكره الْمُسْتَدلّ لزم صَاحب الِاسْتِدْلَال أَن ينظر فِي ذَلِك الْوَصْف فيفسده وَيبين عدم اعْتِبَاره وَله إِلَى ذَلِك طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن يبين بَقَاء الحكم مَعَ عَدمه فِي بعض الصُّور مثل أَن يَقُول الْحَنْبَلِيّ أَو الشَّافِعِي يَصح أَمَان العَبْد لِأَنَّهُ أَمَان وجد من عَاقل مُسلم غير مُتَّهم فَيصح قِيَاسا على الْحر فَيَقُول الْحَنَفِيّ إِن مَا ذكرت أَوْصَاف الْعلَّة فِي الأَصْل فَقَط وَتركت وَصفا آخر وَهُوَ الْحُرِّيَّة هُوَ مَفْقُود فِي العَبْد وَحِينَئِذٍ لَا يَصح الْقيَاس فَيَقُول الْمُسْتَدلّ وصف الْحُرِّيَّة ملغي بِالْعَبدِ الْمَأْذُون لَهُ فَإِن أَمَانه يَصح

ص: 331

بِاتِّفَاق مَعَ عدم الْحُرِّيَّة فَصَارَ وَصفا لاغيا لَا تَأْثِير لَهُ فِي الْعلَّة

الثَّانِي أَن يبين كَون الْوَصْف الزَّائِد وَصفا طرديا أَي لم يلْتَفت الشَّرْع إِلَيْهِ فيمَ عهد من تصرفه كالطول وَالْقصر والذكورة وَالْأُنُوثَة مِثَاله مَا لَو قَالَ الْمُسْتَدلّ يسري الْعتْق فِي الْأمة قِيَاسا على العَبْد بِجَامِع الرّقّ إِذْ لَا عِلّة غَيره عملا بالسبر

فَقَالَ الْمُعْتَرض الذكورية وصف زَائِد مُعْتَبر فِي الأَصْل لِأَن العَبْد إِذا كمل عتقه بِالسّرَايَةِ حصل مِنْهُ مَا لَا يحصل من الْأمة من تأهله للْحكم والإمامة وأنواع الولايات وَلَا يلْزم من ثُبُوت السَّرَايَة فِي الْأَكْمَل ثُبُوته فِي غَيره فَيَقُول الْمُسْتَدلّ مَا ذكرت من الْفرق مُنَاسِب غير أَنا لم نر الشَّرْع اعْتبر الذكورية والأنوثية فِي بَاب الْعتْق فَيكون ذَلِك على خلاف مَعْهُود تصرفه فَيكون وَصفا طرديا فِي ظَاهر الْأَمر وَلَا يَكْفِي الْمُسْتَدلّ فِي إِفْسَاد الْوَصْف الَّذِي أبرزه الْمُعْتَرض أَن يبين كَونه منتقضا بل يُوجد بِدُونِ الحكم لِأَن الْوَصْف الْمَذْكُور يجوز أَن يكون جُزْء الْعلَّة أَو شرطا لَهَا فَلَا يسْتَقلّ بالحكم وَلَا يلْزم من عدم استقلاله صِحَة عِلّة الْمُسْتَدلّ بِدُونِهِ فَلَو قَالَ الْمُسْتَدلّ عِلّة الرِّبَا فِي الْبر الْكَيْل فعارضه الْمُعْتَرض بالطعم فنقضه الْمُسْتَدلّ بِالْمَاءِ أَو غَيره مِمَّا يطعم وَلَا رَبًّا فِيهِ لم يكفه ذَلِك فِي بطلَان كَون الطّعْم عِلّة لجَوَاز أَن يكون جُزْء عِلّة الرِّبَا بِأَن تكون الْعلَّة مَجْمُوع الْكَيْل والطعم أَو شرطا فِيهَا فَتكون عِلّة الرِّبَا الْكَيْل بِشَرْط أَن يكون الْمكيل مطعوما وَحِينَئِذٍ لَا يلْزم من بطلَان كَون الطّعْم عِلّة مُسْتَقلَّة أَن يكون الْكَيْل عِلّة صَحِيحَة لجَوَاز أَن يكون الطّعْم جزءها أَو شَرطهَا وَالْفرق بَين النَّقْض وَبَين بَقَاء الحكم مَعَ صدق الْوَصْف حَيْثُ كَانَ مُبْطلًا لَهُ دون النَّقْض هُوَ أَن بَقَاء الحكم مَعَ عدم الْوَصْف يدل

ص: 332

على أَنه غير مُؤثر وَلَا يعْتَبر فِي الحكم عِلّة وَلَا جُزْء عِلّة وَلَا شرطا إِذْ لَو اعْتبر فِيهِ بِأحد هَذِه الْوُجُوه لما وجد بِدُونِهِ أصلا بِخِلَاف وجود الْوَصْف بِدُونِ الحكم فَإِنَّهُ لَا يدل على عدم اعْتِبَاره فِي الحكم بِوَجْه من الْوُجُوه

وَأَيْضًا لَا يفْسد الْوَصْف الَّذِي أبداه الْمُعْتَرض بقول الْمُسْتَدلّ إِنِّي لم أعثر بعد الْبَحْث على مُنَاسبَة علتك أَيهَا الْمُسْتَدلّ فيتعارض الكلامان وَيقف الْمُسْتَدلّ

وَإِذا أتفق خصمان على فَسَاد عِلّة غَيرهمَا فِي الحكم الْمُتَنَازع فِيهِ ثمَّ أفسد أَحدهمَا عِلّة الآخر مثل أَن يتَّفق الْحَنْبَلِيّ وَالشَّافِعِيّ على أَن مَا عدا الْكَيْل والطعم عِلّة فَاسِدَة ثمَّ نقض الشَّافِعِي عِلّة الْكَيْل بِالْمَاءِ إِذْ هُوَ مَكِيل وَلَا رَبًّا فِيهِ فَفِي كَون ذَلِك مصححا قَولَانِ فَقَالَ بعض الْمُتَكَلِّمين يكون ذَلِك مصححا وَصحح فِي الرَّوْضَة وَغَيرهَا خلاف هَذَا

النَّوْع الثَّالِث من أَنْوَاع إِثْبَات الْعلَّة بالاستنباط إِثْبَاتهَا بالدوران وَهُوَ ترَتّب حكم على وصف وجودا وعدما ويفيد الْعلَّة ظنا عِنْد جُمْهُور أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيَّة والمالكية وَبَعض الْحَنَفِيَّة وَقيل قطعا ثمَّ إِنَّه قد يكون فِي مَحل وَاحِد كالإسكار فِي الْعصير فَإِن الْعصير قبل أَن يُوجد الْإِسْكَار كَانَ حَلَالا فَلَمَّا حدث الْإِسْكَار حرم فَلَمَّا زَالَ الْإِسْكَار وَصَارَ خلا صَار حَلَالا فدار التَّحْرِيم مَعَ الْإِسْكَار وجودا وعدما وَأما فِي محلين كالطعم فِي تَحْرِيم الرِّبَا فَإِنَّهُ لما وجد الطّعْم فِي التفاح كَانَ ربويا وَلما لم يُوجد فِي الْحَرِير مثلا لم يكن ربويا فدار جَرَيَان الرِّبَا مَعَ الطّعْم

وَهَذَا الْمِثَال إِنَّمَا يجْرِي على قَول من يَقُول إِن عِلّة الرِّبَا الطّعْم وكقولهم فِي وجوب الزَّكَاة فِي

ص: 333

حلي الِاسْتِعْمَال الْمُبَاح الْعلَّة الْمُوجبَة لِلزَّكَاةِ فِي كل من النَّقْدَيْنِ كَونه أحد الحجرين لِأَن وجوب الزَّكَاة دَار مَعَ كَونه أحد الحجرين وَلَا زَكَاة فِيهِ

قَالَ الطوفي لَكِن الدوران فِي صُورَة أقوى مِنْهُ فِي صُورَتَيْنِ على مَا هُوَ مدرك ضَرُورَة أَو نظرا ظَاهرا انْتهى

وَالْفرق بَينه وَبَين الطَّرْد أَن الطَّرْد عبارَة عَن الْمُقَارنَة فِي الْوُجُود دون الْعَدَم والدوران عبارَة عَن الْمُقَارنَة فِي الْوُجُود والعدم وَلما بَينا الطّرق الدَّالَّة على صِحَة الْعلَّة أَخذنَا نبين الطّرق الْفَاسِدَة الَّتِي لَا تدل على صِحَّتهَا وَذَلِكَ فِي أُمُور أَولهَا اطراد الْعلَّة لَا يدل على صِحَّتهَا لِأَن معنى اطرادها سلامتها عَن النَّقْص وَهُوَ بعض مفسداتها أَو سلامتها عَن مُفسد وَاحِد لَا يَنْبَغِي بُطْلَانهَا بمفسد آخر ككونها قَاصِرَة أَو عدمية أَو طردية غير مُنَاسبَة عِنْد من لَا يرى التَّعْلِيل بذلك

ثَانِيهَا الِاسْتِدْلَال على صِحَّتهَا باقتران الحكم وَهَذَا فَاسد أَيْضا لِأَن الحكم يقْتَرن بِمَا يلازم الْعلَّة وَلَيْسَ بعلة كاقتران تَحْرِيم الْخمر بلونها وطعمها وريحها وَإِنَّمَا الْعلَّة الْإِسْكَار

ثَالِثهَا مَا ذكره الْغَزالِيّ وَهُوَ اطرادها وانعكاسها وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن الدوران لَا يُفِيد الْعلية وَهَذَا مَمْنُوع إِذْ التَّحْقِيق أَنه يُفِيد الْعلية

خَاتِمَة إِذا كَانَ الْوَصْف المصلحي الْمُنَاسب يسْتَلْزم أَو يتَضَمَّن مفْسدَة مُسَاوِيَة لمصلحته أَو راجحة عَلَيْهَا فَقَالَ الْمُوفق وَالْفَخْر وَالْمجد وَابْن الْجَوْزِيّ والرازي والبيضاوي لم تنخرم مناسبته

وَقَالَ الْآمِدِيّ وَأَتْبَاعه

تنخرم

ص: 334