الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العقد الرَّابِع
فِي مسالك كبار أَصْحَابه فِي تَرْتِيب مذْهبه واستنباطه من فتياه وَالرِّوَايَات عَنهُ وتصرفهم فِي ذَلِك الْإِرْث المحمدي الأحمدي
اعْلَم أَن الإِمَام أَحْمد رضي الله عنه كَانَ يكره وضع الْكتب الَّتِي تشْتَمل على التَّفْرِيع والرأي وَمَا ذَلِك إِلَّا ليتوفر الِالْتِفَات إِلَى النَّقْل ويزرع فِي الْقُلُوب التَّمَسُّك بالأثر وَقَالَ يَوْمًا لعُثْمَان بن سعيد لَا تنظر فِي كتب أبي عبيد وَلَا فِيمَا وضع إِسْحَاق وَلَا سُفْيَان وَلَا الشَّافِعِي وَلَا مَالك وَعَلَيْك بِالْأَصْلِ
وَقَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن هانىء سَأَلت أَحْمد عَن كتب أبي ثَوْر فَقَالَ كتاب ابتدع فِيهِ بِدعَة وَلم يُعجبهُ وضع الْكتب وَكَذَلِكَ كَانَ يكره أَن يكْتب شَيْء من رَأْيه وفتواه
وروى الْحَافِظ ابْن الْجَوْزِيّ فِي مناقبه عَن أَحْمد أَنه قَالَ القلانس من السَّمَاء تنزل على رُؤُوس قوم يَقُولُونَ برؤوسهم هَكَذَا وَهَكَذَا
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ الْمَعْنى لَا يريدها وَقَوله هَكَذَا وَهَكَذَا أَي يميلون رؤوسهم عَن أَن تتمكن مِنْهَا
وَمعنى الْكَلَام أَنهم لَا يُرِيدُونَ الرياسة وَهِي تقع عَلَيْهِم وَيحْتَمل أَن يُرِيد أَنهم يطأطؤن رؤوسهم تواضعا فَلذَلِك كَانَ أَحْمد ينْهَى عَن كتب كَلَامه تواضعا فَقدر الله لَهُ أَن دون ورتب وشاع انْتهى
قلت وَالْمعْنَى الثَّانِي هُوَ الْأَقْرَب فقد رُوِيَ عَنهُ أَنه كَانَ
يَقُول طُوبَى لمن أخمل الله عز وجل ذكره وَكَانَ لَا يدع أحدا يتبعهُ فِي مَشْيه وَرُبمَا كَانَ مَاشِيا فيتبعه أحد من النَّاس فيقف حَتَّى ينْصَرف الَّذِي يتبعهُ وَكَانَ يمشي وَحده متواضعا
وَحَيْثُ إِن الإِمَام أَحْمد كَانَ يحب توفر الِالْتِفَات إِلَى النَّقْل ويختار التَّوَاضُع أشغل أوقاته فِي جمع السّنة والأثر وَتَفْسِير كتاب الله تَعَالَى وَلم يؤلف كتابا فِي الْفِقْه وَكَانَ غَايَة مَا كتب فِيهِ رِسَالَة فِي الصَّلَاة كتبهَا إِلَى إِمَام صلى وَرَاءه فأساء فِي صلَاته وَهِي رِسَالَة قد طبعت ونشرت فِي أيامنا فَعلم الله من حسن نِيَّته وقصده فَكتب عَنهُ أَصْحَابه من كَلَامه وفتواه أَكثر من ثَلَاثِينَ سفرا انتشرت كلهَا فِي الْآفَاق ثمَّ جَاءَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن هَارُون أَبُو بكر الْخلال فصرف عنايته إِلَى جَمِيع عُلُوم أَحْمد بن حَنْبَل وَإِلَى كِتَابَة مَا رُوِيَ عَنهُ وَطَاف لأجل ذَلِك الْبِلَاد وسافر للاجتماع بأصحاب أَحْمد وَكتب مَا رُوِيَ عَنهُ بِالْإِسْنَادِ وَتبع فِي ذَلِك طرفه من الْعُلُوّ وَالنُّزُول وصنف كتبا فِي ذَلِك مِنْهَا كتاب الْجَامِع وَهُوَ فِي نَحْو مِائَتي جُزْء وَلم يقارنه أحد من أَصْحَاب الإِمَام أَحْمد فِي ذَلِك وَكَانَت وَفَاته سنة إِحْدَى عشرَة وثلاثمائة هَذَا مَا ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي المناقب من أَن جَامع الْخلال فِي نَحْو من مِائَتي جُزْء
وَقَالَ ابْن الْقيم فِي أَعْلَام الموقعين وَجمع الْخلال نصوصه فِي الْجَامِع الْكَبِير فَبلغ نَحْو عشْرين سفرا أَو أَكثر انْتهى
وَلَا مُعَارضَة بَين قوليهما لِأَن الْمُتَقَدِّمين كَانُوا يطلقون على الكراس وعَلى مَا يقرب من الكراسين جُزْءا وَأما السّفر فَهُوَ مَا جمع أَجزَاء فَتنبه
وَمن ثمَّ كَانَ جَامع الْخلال هُوَ الأَصْل لمَذْهَب أَحْمد فَنظر الْأَصْحَاب فِيهِ وألفوا كتب الْفِقْه مِنْهُ وَكَانَ من جملَة من سلك فِي مذْهبه مسالك الِاجْتِهَاد فِي تَرْجِيح الرِّوَايَات المنقولة
عَنهُ بَعْضهَا على بعض عمر بن الْحُسَيْن بن عبد الله بن أَحْمد أَبُو الْقَاسِم الْخرقِيّ فَإِنَّهُ صنف فِي مَذْهَب أَحْمد مُخْتَصره الْمَشْهُور الَّذِي شَرحه القَاضِي أَبُو يعلى وَشَيْخه ابْن حَامِد وموفق الدّين الْمَقْدِسِي فِي كِتَابه الْمُغنِي وَغَيرهم وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْبَرْمَكِي عدد مسَائِل الْخرقِيّ أَلفَانِ وثلاثمائة مَسْأَلَة
وَكتب أَبُو بكر عبد الْعَزِيز على نُسْخَة مُخْتَصر الْخرقِيّ خالفني الْخرقِيّ فِي مُخْتَصره فِي سِتِّينَ مَسْأَلَة وَلم يسمهَا قَالَ القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن فتتبعتها فَوَجَدتهَا ثَمَانِيَة وَتِسْعين مَسْأَلَة وَكَانَت وَفَاة الْخرقِيّ فِي دمشق سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَأما أَبُو بكر فَهُوَ عبد الْعَزِيز بن جَعْفَر بن أَحْمد بن دَارا كَانَ يعرف بِغُلَام الْخلال فَهُوَ صَاحب كتابي الشافي والتنبيه فِي فقه الْمَذْهَب الأحمدي وَصَاحب الْخلاف مَعَ الشَّافِعِي وَكَانَت وَفَاته سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وثلاثمائة وعَلى الْجُمْلَة فَإِن الْخلال لما جمع الرِّوَايَات عَن أَحْمد ومهدها فِي كتبه أَخذ الْأَصْحَاب فِي الْجمع وَتَدْوِين الْمَذْهَب وتأليف كتب الْفِقْه فجزاهم الله خيرا