الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِن لم يتعارضا من كل وَجه وَجب الْجمع بَينهمَا بِمَا أمكن من الطّرق كَمثل أَن يكون أَحدهمَا أخص من الآخر فَيقدم أخصهما أَو بِأَن يحمل أَحدهمَا على تَأْوِيل صَحِيح يجمع بِهِ بَين الْحَدِيثين فَإِن كَانَ كل مِنْهُمَا عَاما من وَجه خَاصّا من وَجه تعادلا وَطلب الْمُرَجح الْخَارِجِي وَمن أَمْثِلَة ذَلِك قَوْله عليه السلام من نَام على صَلَاة أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا ذكرهَا مَعَ قَوْله عليه السلام لَا صَلَاة بعد الْعَصْر فَالْأول خَاص فِي الْفَائِتَة الْمَكْتُوبَة عَام فِي الْوَقْت وَالثَّانِي عَكسه عَام فِي الصَّلَاة خَاص فِي الْوَقْت فيتعادلان وَيطْلب الْمُرَجح وَيجوز تعَارض عمومين من غير مُرَجّح بَينهمَا عقلا لَا وجودا
فصل
الْمُخَصّص إِمَّا مُنْفَصِل وَهُوَ المخصصات التسع الَّتِي سبق بَيَانهَا وَإِمَّا مُتَّصِل وَهُوَ الِاسْتِثْنَاء وَالشّرط والغاية والصيغة وَغير ذَلِك مِمَّا سَيَأْتِي
أما الِاسْتِثْنَاء فَهُوَ إِخْرَاج بعض الْجُمْلَة بإلا أَو بِمَا قَامَ مقَامهَا وَهُوَ غير وَسوى وَعدا وخلا وحاشا وَلَيْسَ وَلَا يكون
وَالْفرق بَينه وَبَين التَّخْصِيص بالمنفصل بِغَيْر الِاسْتِثْنَاء بِوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا إِن الِاسْتِثْنَاء يجب اتِّصَاله بالمستثنى مِنْهُ بِخِلَاف التَّخْصِيص بِغَيْر الاستتثناء فَإِنَّهُ يجوز أَن يتراخى وَذَلِكَ لِأَن صِيغَة الِاسْتِثْنَاء غير مُسْتَقلَّة بِنَفسِهَا لِأَنَّهَا تَابِعَة للمستثنى مِنْهُ بِخِلَاف التَّخْصِيص بغَيْرهَا
ثَانِيهَا إِن الِاسْتِثْنَاء يتَطَرَّق إِلَى النَّص كَقَوْلِه لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة بِخِلَاف التَّخْصِيص بِغَيْر الِاسْتِثْنَاء فَإِنَّهُ لَا يَصح فِي النَّص وَإِنَّمَا يَصح فِي الْعَام ودلالته ظنية وَالْفرق بَين الِاسْتِثْنَاء وَبَين النّسخ من وُجُوه أَولهَا أَن الِاسْتِثْنَاء يشْتَرط فِيهِ الِاتِّصَال والنسخ يشْتَرط فِيهِ التَّرَاخِي
ثَانِيهَا أَن الِاسْتِثْنَاء إِنَّمَا يرفع حكم بعض النَّص وَلَا يَصح أَن يكون مُسْتَغْرقا والنسخ يجوز أَن يرد على جَمِيع حكم النَّص فيرفعه
ثَالِثهَا الِاسْتِثْنَاء مَانع لدُخُول الْمُسْتَثْنى تَحت لفظ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ والنسخ يرفع مَا دخل تَحت لفظ الْمَنْسُوخ وَهَهُنَا مسَائِل
أَحدهَا يشْتَرط للاستثناء الِاتِّصَال بِحَيْثُ لَا يفصل بَين الْمُسْتَثْنى والمستثنى مِنْهُ بِكَلَام أَجْنَبِي وَلَا بسكوت يُمكن التَّكَلُّم فِيهِ كَسَائِر التوابع اللفظية من خبر الْمُبْتَدَأ وَجَوَاب الشَّرْط وَالْحَال والتمييز
ثَانِيهَا يشْتَرط أَن لَا يكون الْمُسْتَثْنى من غير جنس الْمُسْتَثْنى مِنْهُ فَلَا يَصح أَن يُقَال قَامَ الْقَوْم إِلَّا حمارا مَعَ إِرَادَة الْحَقِيقَة فَإِن أَرَادَ الْمجَاز صَحَّ هُنَا بِأَن يَجْعَل الْحمار كِنَايَة عَن البليد وَالْكَلَام هُنَا فِي فن الْأُصُول لَا فِي فن النَّحْو لِأَن كلامنا فِي التَّخْصِيص وَعَدَمه والنحاة يَتَكَلَّمُونَ على الْجَوَاز لُغَة لَا شرعا على أَن أهل الْعَرَبيَّة يسمون الِاسْتِثْنَاء من غير الْجِنْس مُنْقَطِعًا ويقدرون إِلَّا فِيهِ بِمَعْنى لَكِن لاشْتِرَاكهمَا فِي معنى الِاسْتِدْرَاك بهَا فَافْتَرقَا
وَأما قَول الْخرقِيّ فِي مُخْتَصره وَمن أقرّ بِشَيْء وَاسْتثنى من غير جنسه كَانَ اسْتِثْنَاؤُهُ بَاطِلا إِلَّا أَن يَسْتَثْنِي عينا من ورق أَو وَرقا من عين فَإِنَّهُ رَاجع إِلَى الِاسْتِثْنَاء من الْجِنْس غَايَة مَا فِيهِ أَنه اسْتثْنى من الْجِنْس الْبعيد وَهُوَ المَال
ثَالِثهَا يشْتَرط لصِحَّة الِاسْتِثْنَاء أَن لَا يكون مُسْتَغْرقا فَإِن كَانَ كَذَلِك نَحْو أَن يَقُول لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا عشرَة بَطل إِجْمَاعًا وَفِي الْأَكْثَر وَالنّصف نَحْو لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا سِتَّة أَو إِلَّا خَمْسَة خلاف وَاقْتصر قوم على صِحَة الِاسْتِثْنَاء الْأَقَل نَحْو لَهُ على عشرَة إِلَّا أَرْبَعَة وَهُوَ الصَّحِيح من مَذْهَبنَا
قَالَ الشَّيْخ مجد الدّين من أَصْحَابنَا فِي كِتَابه الْمُحَرر يَصح اسْتثِْنَاء الْأَقَل دون الْأَكْثَر فِي عدد الطَّلَاق والمطلقات والأقارير نَص عَلَيْهِ وَفِي النّصْف وَجْهَان وَقيل فِي الْأَكْثَر أَيْضا وَحكى المرداوي فِي التَّحْرِير أَنه يَصح اسْتثِْنَاء النّصْف فِي الْأَصَح
رَابِعهَا إِذا تعقب الِاسْتِثْنَاء جملا كَقَوْلِه تَعَالَى {وَالَّذين يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} النُّور 4 5 عَاد الِاسْتِثْنَاء إِلَى الْكل عندنَا وَعند الشَّافِعِيَّة وَإِلَى الْأَخِيرَة عِنْد الْحَنَفِيَّة وَتوقف المرتضي من الشِّيعَة فَقَالَ يصلح رُجُوعه إِلَى جَمِيع الْجمل وَإِلَى الْجُمْلَة الْأَخِيرَة على جِهَة الِاشْتِرَاك والتساوي وَلَا رُجْحَان لأَحَدهمَا على الْأُخْرَى وَالْقَوْل الْفَصْل إِنَّه إِن كَانَ فِي الْكَلَام قرينَة معنوية كَقَوْلِه نساؤه طَوَالِق وعبيدي أَحْرَار إِلَّا الْحيض أَو لفظية كَقَوْلِك أكْرم بني تَمِيم والنحاة البصريون إِلَّا البغداديون كَانَ الِاسْتِثْنَاء رَاجعا إِلَى
الْجُمْلَة الأولى وَأما فِي الْمِثَال الثَّانِي فالنظر إِلَى الْوَاو فَإِن ظهر أَنَّهَا للابتداء اخْتصَّ بالأخيرة وَإِن ترددت بَين الْعَطف والابتداء فالوقف
تَنْبِيه حَيْثُ إِن الِاسْتِثْنَاء إِذا تعقب جملا عَاد إِلَيْهَا كلهَا على الْمُخْتَار وَكَانَ الشَّرْط فِي مثل قَول الْقَائِل وَالله لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إِن شَاءَ الله أَو لأصومن ولأتصدقن ولأصلين إِن شَاءَ الله يعود إِلَى الْجمل كلهَا سمى الْفُقَهَاء مثل هَذَا اسْتثِْنَاء بِجَامِع افتقار كل مِنْهُمَا إِلَى مَا يتَعَلَّق بِهِ إِذْ الشَّرْط يتَعَلَّق بمشروطه وَلَا يسْتَقلّ بِدُونِهِ وَالِاسْتِثْنَاء يتَعَلَّق بالمستثنى مِنْهُ وَلَا يسْتَقلّ بِدُونِهِ
خَامِسهَا لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء إِلَّا نطقا إِلَّا فِي يَمِين خَائِف بنطقه وَقيل قِيَاس مَذْهَب مَالك صِحَّته بِالنِّيَّةِ وَيجوز تَقْدِيمه عِنْد الْكل
سادسها ذهب أَصْحَابنَا والمالكية وَالشَّافِعِيَّة إِلَى أَن الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات وَمن الْإِثْبَات نفي خلافًا للحنفية فِي الأولى وَسوى بَعضهم بَينهمَا وَاسْتثنى الْقَرَافِيّ من الأول الشَّرْط كلا صَلَاة إِلَّا بِطهُور
سابعها إِذا وَقع بعد الْمُسْتَثْنى مِنْهُ والمستثنى جملَة تصلح أَن تكون صفة لكل وَاحِد مِنْهُمَا فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّة أَن تِلْكَ الْجُمْلَة ترجع إِلَى الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَعند الْحَنَفِيَّة إِلَى الْمُسْتَثْنى وَهَكَذَا إِذا جَاءَ بعد الْجمل ضمير يصلح لكل وَاحِدَة مِنْهُمَا
وَأما التَّخْصِيص بِالشّرطِ وَهُوَ مَا توقف عَلَيْهِ تَأْثِير الْمُؤثر على غير جِهَة السَّبَبِيَّة ومثاله قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} النِّسَاء 101 فَإِنَّهُ أجَاز قصر الصَّلَاة بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا الضَّرْب فِي الأَرْض وَالْآخر خوف فتْنَة الْكفَّار لَكِن نسخ اعْتِبَار الشَّرْط الثَّانِي بِالرُّخْصَةِ حَتَّى جَازَ الْقصر مَعَ الْأَمْن وَبَقِي الشَّرْط الأول وَهُوَ الضَّرْب فِي الأَرْض فَلَا يجوز الْقصر بِدُونِهِ وينقسم الشَّرْط إِلَى أَرْبَعَة أَقسَام عَقْلِي كالحياة للْعلم
وشرعي كالطهارة للصَّلَاة
ولغوي كالتعليقات نَحْو إِن قُمْت قُمْت
وعادي كالسلم لصعود السَّطْح
وَقد يَتَعَدَّد وَمَعَ التَّعَدُّد قد يكون كل وَاحِد شرطا على الْجَمِيع فَيتَوَقَّف الْمَشْرُوط على حُصُولهَا جَمِيعهَا وَقد يكون كل وَاحِد شرطا مُسْتقِلّا فَيحصل الْمَشْرُوط بِحُصُول أَي وَاحِد مِنْهَا وَالشّرط كالاستثناء فِي اشْتِرَاط الِاتِّصَال
وَإِن تعقب جملا متعاطفة كَانَ حكمه رَاجعا إِلَيْهَا كلهَا عِنْد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم وَحكي إِجْمَاعًا وَقيل يخْتَص بِالَّتِي تليه وَلَو كَانَت مُتَأَخِّرَة
وَقَالَ الرَّازِيّ بِالْوَقْفِ وَيجوز إِخْرَاج الْأَكْثَر بِهِ
وَأما الْغَايَة فَهِيَ نِهَايَة الشَّيْء الْمُقْتَضِيَة لثُبُوت الحكم قبلهَا وانتفائه بعْدهَا وَلها لفظان وهما حَتَّى وَإِلَى
وَكَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} الْبَقَرَة 222 وَقَوله {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} الْمَائِدَة 6 وَاخْتلفُوا فِي الْغَايَة نَفسهَا هَل تدخل فِي المغيا أم لَا وَالَّذِي صرح بِهِ أَكثر الْأَصْحَاب أَن مَا بعْدهَا مَحْكُوم عَلَيْهِ بنقيض حكم مَا قبلهَا مَا لم يتَقَدَّم على الْغَايَة عُمُوم يشملها فَإِذا تقدمها ذَلِك نَحْو قطعت أَصَابِعه كلهَا من الْخِنْصر إِلَى الْإِبْهَام يكن مَا بعْدهَا مُخَالفا لما قبلهَا وَمثله {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} لم
(الْقدر 5) وَأما الصّفة فَهِيَ كالاستثناء إِذا وَقعت بعد مُتَعَدد وَالْمرَاد بِالصّفةِ هُنَا هِيَ المعنوية على مَا حَقَّقَهُ عُلَمَاء الْبَيَان لَا مُجَرّد النَّعْت الْمَذْكُور فِي علم النَّحْو
قَالَ الْمَازرِيّ وَلَا خلاف فِي اتِّصَال التوابع وَهِي النَّعْت والتوكيد والعطف وَالْبدل
وَقَالَ الصفي الْهِنْدِيّ إِن كَانَت الصِّفَات كَثِيرَة وَذكرت على الْجمع عقب جملَة تقيدت بهَا أَو على الْبَدَل فلواحدة غير مُعينَة مِنْهَا وَإِن ذكرت عقب جمل فَفِي الْعود إِلَى كلهَا أَو إِلَى الْأَخِيرَة خلاف انْتهى
وَأما إِذا توسطت بَين جمل فَلَا وَجه للْخلاف فِي ذَلِك فَإِن الصّفة تكون لما قبلهَا لَا لما بعْدهَا
وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام أَحْمد بن تَيْمِية التوابع المخصصة كالبدل وَعطف الْبَيَان والتوكيد وَنَحْوه كالاستثناء والشروط المعنونة بِحرف الْجَرّ كَقَوْلِه على أَنه أَو بِشَرْط أَنه أَو بِحرف الْعَطف كَقَوْلِه وَمن شَرطه كَذَا فَهِيَ كالشرط اللّغَوِيّ وَيتَعَلَّق حرف مُتَأَخّر بِالْفِعْلِ الْمُتَقَدّم انْتهى
وَالْإِشَارَة بذلك بعد جمل تعود إِلَى الْكل كَقَوْلِه تَعَالَى {وَمن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} الْفرْقَان 68 والتمييز إِذا جَاءَ بعد جمل يعود إِلَى جَمِيع الْجمل الْمُتَقَدّمَة فَإِذا قَالَ مثلا لَهُ عَليّ ألف وَخَمْسُونَ درهما فالجميع دَرَاهِم على الصَّحِيح من الْمَذْهَب كَمَا قَالَه البقلي فِي قَوَاعِده الْأُصُولِيَّة وَقَالَ التَّمِيمِي يرجع فِي تَفْسِير الْألف إِلَيْهِ
تَنْبِيه قَوْلنَا وَالْمرَاد بِالصّفةِ المعنوية مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَشْمَل كل مَا أشعر بِمَعْنى يَتَّصِف بِهِ إِفْرَاد الْعَام سَوَاء كَانَ الْوَصْف نعتا أَو عطف بَيَان
أَو حَالا وَسَوَاء كَانَ ذَلِك مُفردا أَو جملَة أَو شبهها وَهُوَ الظّرْف وَالْجَار وَالْمَجْرُور وَلَو كَانَ جَامِدا مأولا بمشتق لَكِن يخرج من ذَلِك الْوَصْف الَّذِي خرج مخرج الْغَالِب كَمَا يَأْتِي فِي المفاهيم أَو الْبَيَان الْوَصْف بمدح أَو ذمّ أَو ترحم أَو توكيد أَو تَفْصِيل فَلَيْسَ شَيْء مِنْهُ ذَلِك مُخَصّصا للْعُمُوم