المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في ذكر أصول مذهبه في استنباط الفروع وبيان طريقته في ذلك - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران

[ابن بدران]

فهرس الكتاب

- ‌العقد الأول

- ‌رَوْضَة فِي كَلِمَات للْإِمَام فِي مسَائِل من أصُول الدّين

- ‌شذرة أَيْضا فِي كَلَامه فِي الْأُصُول

- ‌العقد الثَّانِي

- ‌فِي السَّبَب الَّذِي لأَجله اخْتَار كثير من كبار الْعلمَاء مَذْهَب الإِمَام أَحْمد على مَذْهَب غَيره

- ‌العقد الثَّالِث

- ‌فِي ذكر أصُول مذْهبه فِي استنباط الْفُرُوع وَبَيَان طَرِيقَته فِي ذَلِك

- ‌العقد الرَّابِع

- ‌فِي مسالك كبار أَصْحَابه فِي تَرْتِيب مذْهبه واستنباطه من فتياه وَالرِّوَايَات عَنهُ وتصرفهم فِي ذَلِك الْإِرْث المحمدي الأحمدي

- ‌شذرة فِي بَيَان طَريقَة الْأَصْحَاب فِي فهم كَلَام الإِمَام أَحْمد وَطَرِيق تصرفهم فِي الرِّوَايَات عَنهُ

- ‌فصل

- ‌فصل أَرَاك أَيهَا النَّاظر قد علمت عَمَّا رقمناه آنِفا

- ‌فصل

- ‌فصل فِي قَول الشَّافِعِي رضي الله عنه إِذا وجدْتُم فِي كتابي خلاف سنة

- ‌العقد الْخَامِس

- ‌فِي الْأُصُول الْفِقْهِيَّة الَّتِي دونهَا الْأَصْحَاب

- ‌مُقَدّمَة

- ‌بسط هَذَا الْإِجْمَال

- ‌فصل فِي التَّكْلِيف

- ‌فصل فِي أَحْكَام التَّكْلِيف

- ‌فصل فِي مَسْأَلَة مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌تَتِمَّة

- ‌فَائِدَة

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل فِي خطاب الْوَضع

- ‌تَنْبِيه

- ‌فَائِدَة

- ‌فصل فِي اللُّغَات

- ‌فصل اعْلَم أَن الْأَسْمَاء على أَرْبَعَة أضْرب

- ‌فصل فِي الْأُصُول

- ‌الْكتاب الْعَزِيز الَّذِي هُوَ أصل الْأُصُول

- ‌فصل فِي شذرات من مبَاحث السّنة

- ‌تَتِمَّة

- ‌بَاب النّسخ

- ‌تَنْبِيه

- ‌فَائِدَتَانِ

- ‌الْأَوَامِر والنواهي

- ‌فصل وَأما النَّهْي

- ‌فَوَائِد

- ‌الْعُمُوم وَالْخُصُوص

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌خَاتِمَة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْمُطلق والمقيد

- ‌فصل الْمُجْمل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم

- ‌الأَصْل الثَّالِث الْإِجْمَاع

- ‌الأَصْل الرَّابِع من الْأُصُول الْمُتَّفق عَلَيْهَا اسْتِصْحَاب الْحَال

- ‌الْأُصُول الْمُخْتَلف فِيهَا

- ‌الأَصْل الْخَامِس الْقيَاس

- ‌فصل

- ‌فصل فِي شَرَائِط أَرْكَان الْقيَاس ومصححاتها

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الأسئلة الْوَارِدَة على الْقيَاس

- ‌فصل

- ‌عقد نضيد فِي الِاجْتِهَاد والتقليد

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌عقد نَفِيس فِي تَرْتِيب الْأَدِلَّة وَالتَّرْجِيح

- ‌فصل

- ‌تَنْبِيه

- ‌العقد السَّادِس

- ‌فِيمَا اصْطلحَ عَلَيْهِ المؤلفون فِي فقه الإِمَام أَحْمد مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمُبْتَدِي وأبرز الْأَسْمَاء الَّتِي تذكر فِي مصنفاتهم

- ‌العقد السَّابِع

- ‌فِي ذكر الْكتب الْمَشْهُورَة فِي الْمَذْهَب وَبَيَان طَريقَة بَعْضهَا وَمَا عَلَيْهِ من التعليقات والحواشي حسب الْإِمْكَان

- ‌الْمُغنِي ومختصرالخرقي

- ‌الْمُسْتَوْعب

- ‌الْكَافِي

- ‌الْعُمْدَة

- ‌مُخْتَصر ابْن تَمِيم

- ‌رُؤُوس الْمسَائِل

- ‌الْهِدَايَة

- ‌التَّذْكِرَة

- ‌الْمُحَرر

- ‌الْمقنع

- ‌الْفُرُوع

- ‌مغنى ذَوي الأفهام عَن الْكتب الْكَثِيرَة فِي الْأَحْكَام

- ‌مُنْتَهى الإرادات فِي جمع الْمقنع مَعَ التَّنْقِيح وزيادات

- ‌الْإِقْنَاع لطَالب الِانْتِفَاع

- ‌دَلِيل الطَّالِب

- ‌غَايَة الْمُنْتَهى

- ‌عُمْدَة الرَّاغِب

- ‌كَافِي الْمُبْتَدِي وأخصر المختصرات ومختصر الإفادات

- ‌الرعايتان

- ‌مُخْتَصر الشَّرْح الْكَبِير والإنصاف

- ‌العقد الثَّامِن

- ‌فِي أَقسَام الْفِقْه عِنْد أَصْحَابنَا وَمَا ألف فِي هَذَا النَّوْع وَفِي هَذَا العقد دُرَر

- ‌فصل وَأما مَا اتَّصل بِنَا خَبره من كتب التَّفْسِير لِأَصْحَابِنَا

- ‌فصل

- ‌فرائد فَوَائِد

- ‌لطائف قَوَاعِد

- ‌رد الْعَجز على الصَّدْر

الفصل: ‌في ذكر أصول مذهبه في استنباط الفروع وبيان طريقته في ذلك

‌العقد الثَّالِث

‌فِي ذكر أصُول مذْهبه فِي استنباط الْفُرُوع وَبَيَان طَرِيقَته فِي ذَلِك

أما طَريقَة الإِمَام فِي الْأُصُول الْفِقْهِيَّة فقد كَانَت طَريقَة الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان لَا يتَعَدَّى طريقتهم وَلَا يتجاوزها إِلَى غَيرهَا كَمَا هِيَ عَادَته فِي مسالكه فِي التَّوْحِيد والفتيا فِي الْفِقْه وَفِي جَمِيع حركاته وسكناته وكما تقدم لَك آنِفا مَا كَانَ عَلَيْهِ من الِاعْتِقَاد وكما سنبينه من مسالكه فِي الِاجْتِهَاد

وَحَيْثُ علمت ذَلِك فَاعْلَم أَنه قد صرح المجتهدون من أهل مذْهبه التَّابِعين لَهُ فِي الْأُصُول أَن فَتَاوَاهُ رضي الله عنه مَبْنِيَّة على خَمْسَة أصُول

الأَصْل الأول النَّص كَانَ إِذا وجد النَّص أفتى بِمُوجبِه وَلم يلْتَفت إِلَى مَا خَالفه لَا إِلَى من خَالفه كَائِنا من كَانَ وَلِهَذَا لم يلْتَفت إِلَى خلاف عمر فِي المبتوتة لحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس وَلَا

ص: 113

إِلَى خِلَافه فِي التَّيَمُّم للْجنب لحَدِيث عمار بن يَاسر الْمُصَرّح بِصِحَّة تيَمّم الْجنب وَكَذَلِكَ لم يلْتَفت إِلَى قَول عَليّ وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَأبي أَيُّوب وَأبي بن كَعْب فِي ترك الْغسْل من الإكسال لصِحَّة حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا فعلته هِيَ وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلا إِلَى غير ذَلِك مِمَّا هُوَ كثير جدا وَلم يكن يقدم على الحَدِيث الصَّحِيح عملا وَلَا رَأيا وَلَا قِيَاسا وَلَا قَول صَاحب وَلَا عدم علمه بالمخالف الَّذِي يُسَمِّيه كثير

ص: 114

من النَّاس بِالْإِجْمَاع ويقدمونه على الحَدِيث الصَّحِيح

وَقَالَ الإِمَام ابْن الْقيم وَغَيره من عُلَمَاء الْأُصُول قد كذب أَحْمد من ادّعى هَذَا الْإِجْمَاع وَلم يسغْ تَقْدِيمه على الحَدِيث الثَّابِت وَكَذَلِكَ الشَّافِعِي أَيْضا نَص فِي رسَالَته الجديدة على أَن مَا لم يعلم فِيهِ خلاف لَا يُقَال لَهُ إِجْمَاع وَلَفظه (مَا لَا يعلم فِيهِ خلاف فَلَيْسَ إِجْمَاعًا) وَقَالَ عبد الله ابْن الإِمَام أَحْمد سَمِعت أبي يَقُول مَا يَدعِي فِيهِ الرجل الْإِجْمَاع فَهُوَ كذب وَمن ادّعى الْإِجْمَاع فَهُوَ كَاذِب لَعَلَّ النَّاس اخْتلفُوا مَا يدريه وَلم ينْتَه إِلَيْهِ فَلْيقل لَا نعلم النَّاس اخْتلفُوا

هَذِه دَعْوَى بشر المريسي والأصم وَلكنه يَقُول لَا نعلم النَّاس اخْتلفُوا أَو لم يبلغنِي ذَلِك هَذَا لَفظه

ونصوص رَسُول الله أجل عِنْد الإِمَام أَحْمد وَسَائِر أَئِمَّة الحَدِيث من أَن يقدموا عَلَيْهَا توهم إِجْمَاع مضمونه عدم الْعلم بالمخالف وَلَو سَاغَ لتعطلت النُّصُوص وساغ لكل من لم يعلم مُخَالفا فِي حكم مَسْأَلَة أَن يقدم جَهله بالمخالف على النُّصُوص فَهَذَا هُوَ الَّذِي أنكرهُ الإِمَام أَحْمد وَالشَّافِعِيّ من دَعْوَى الْإِجْمَاع مَا لَا يَظُنّهُ بعض النَّاس أَنه استبعاد لوُجُوده

الأَصْل الثَّانِي من أصُول فَتَاوَى الإِمَام أَحْمد مَا أفتى بِهِ الصَّحَابَة فَكَانَ رضي الله عنه إِذا وجد لبَعْضهِم فَتْوَى لَا يعرف لَهُ مُخَالف مِنْهُم فِيهَا لم يتجاوزها إِلَى غَيرهَا وَلم يقل إِن ذَلِك إِجْمَاع بل من ورعه فِي الْعبارَة يَقُول لَا أعلم شَيْئا يَدْفَعهُ أَو نَحْو هَذَا

وَكَانَ إِذا وجد هَذَا النَّوْع عَن الصَّحَابَة لم يقدم عَلَيْهِ عملا وَلَا رَأيا وَلَا قِيَاسا فَكَانَت فَتَاوَاهُ لذَلِك من تأملها وَتَأمل فَتَاوَى الصَّحَابَة رأى مُطَابقَة كل مِنْهُمَا على الْأُخْرَى وَرَأى الْجَمِيع كَأَنَّهَا تخرج من مشكاة وَاحِدَة حَتَّى إِن الصَّحَابَة إِذا اخْتلفُوا على قَوْلَيْنِ جَاءَ عَنهُ فِي الْمَسْأَلَة رِوَايَتَانِ وَكَانَ تحريه لفتاوى الصَّحَابَة كتحري

ص: 115

أَصْحَابه لفتاواه ونصوصه بل أعظم حَتَّى إِنَّه ليقدم فتاواهم على الحَدِيث الْمُرْسل

قَالَ إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم بن هانىء فِي مسَائِله قلت لأبي عبد الله حَدِيث عَن رَسُول الله مُرْسل بِرِجَال ثَبت أحب إِلَيْك أَو حَدِيث عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ مُتَّصِل بِرِجَال ثَبت قَالَ أَبُو عبد الله رحمه الله عَن الصَّحَابَة أعجب إِلَى وَمن ثمَّ صَارَت فَتَاوَاهُ إِمَامًا وقدوة لأهل السّنة على اخْتِلَاف طبقاتهم حَتَّى إِن الْمُخَالفين لمذهبه فِي الِاجْتِهَاد والمقلدين لغيره ليعظمون نصوصه وفتاواه ويعرفون لَهَا حَقّهَا وقربها من النُّصُوص وفتاوى الصَّحَابَة

الأَصْل الثَّالِث من أُصُوله إِذا اخْتلف الصَّحَابَة تخير من أَقْوَالهم مَا كَانَ أقربها إِلَى الْكتاب وَالسّنة وَلم يخرج عَن أَقْوَالهم فَإِن لم يتَبَيَّن لَهُ مُوَافقَة أحد الْأَقْوَال حكى الْخلاف فِيهَا وَلم يجْزم بقول

قَالَ إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم بن هانىء فِي مسَائِله قيل لأبي عبد الله يكون الرجل فِي قومه فَيسْأَل عَن الشَّيْء فِيهِ اخْتِلَاف قَالَ يُفْتِي بِمَا وَافق الْكتاب وَالسّنة وَمَا لم يُوَافق الْكتاب وَالسّنة أمسك عَنهُ قيل لَهُ أفيجاب عَلَيْهِ قَالَ لَا

الأَصْل الرَّابِع الْأَخْذ بالمرسل والْحَدِيث الضَّعِيف إِذا لم يكن فِي الْبَاب شَيْء يَدْفَعهُ وَهُوَ الَّذِي رَجحه على الْقيَاس وَلَيْسَ المُرَاد بالضعيف عِنْده الْبَاطِل وَلَا الْمُنكر وَلَا فِي رِوَايَته مُتَّهم بِحَيْثُ لَا يسوغ الذّهاب إِلَيْهِ فَالْعَمَل بِهِ بل الحَدِيث الضَّعِيف عِنْده قسيم الصَّحِيح وَقسم من أَقسَام الْحسن وَلم يكن يقسم الحَدِيث إِلَى صَحِيح وَحسن وَضَعِيف بل إِلَى صَحِيح وَضَعِيف وللضعيف عِنْده مَرَاتِب فَإِذا لم يجد فِي الْبَاب أثرا يَدْفَعهُ وَلَا قَول صَحَابِيّ وَلَا إِجْمَاع على خِلَافه كَانَ الْعَمَل بِهِ عِنْده أولى من الْقيَاس

ص: 116

وَلَيْسَ أحد من الْأَئِمَّة إِلَّا وَهُوَ مُوَافق لَهُ على هَذَا الأَصْل من حَيْثُ الْجُمْلَة فَإِنَّهُ مَا مِنْهُم أحد إِلَّا وَقد قدم الحَدِيث الضَّعِيف على الْقيَاس فَأَبُو حنيفَة قدم حَدِيث القهقهة فِي الصَّلَاة على مَحْض الْقيَاس على مَا فِيهِ من الْمقَال بِحَيْثُ إِنَّه أجمع أهل الحَدِيث على ضعفه وَقدم حَدِيث الْوضُوء بنبيذ التَّمْر على الْقيَاس وَأكْثر أهل الحَدِيث يُضعفهُ وَقدم حَدِيث أَكثر الْحيض عشرَة أَيَّام وَهُوَ ضَعِيف باتفاقهم على مَحْض الْقيَاس فَإِن الَّذِي ترَاهُ فِي الْيَوْم الثَّالِث عشر مسَاوٍ فِي الْحَد والحقيقة وَالصّفة لدم الْيَوْم الْعَاشِر

ص: 117

وَقدم حَدِيث لَا مهر أقل من عشرَة دَرَاهِم وَأَجْمعُوا على ضعفه بل بُطْلَانه على مَحْض الْقيَاس فَإِن بذل الصَدَاق مُعَاوضَة فِي مُقَابلَة بذل الْبضْع فَمَا تراضينا عَلَيْهِ جَازَ قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا وَقدم الشَّافِعِي خبر تَحْرِيم صيدوج مَعَ ضعفه على الْقيَاس وَقدم خبر جَوَاز الصَّلَاة بِمَكَّة فِي وَقت النَّهْي مَعَ ضعفه ومخالفته لقياس غَيرهَا من الْبِلَاد وَقدم فِي أحد قوليه حَدِيث من قاء أَو رعف فَليَتَوَضَّأ أَو ليبن على صلَاته على الْقيَاس مَعَ ضعف الْخَبَر وإرساله

ص: 118

وَأما مَالك فَإِنَّهُ يقدم الحَدِيث الْمُرْسل والمنقطع والبلاغات وَقَول الصَّحَابِيّ على الْقيَاس فَإِذا لم يكن عِنْد الإِمَام أَحْمد فِي الْمَسْأَلَة نَص وَلَا قَول الصَّحَابَة أَو وَاحِد مِنْهُم وَلَا أثر مُرْسل أَو ضَعِيف عدل إِلَى الأَصْل الْخَامِس الَّذِي سَنذكرُهُ

الأَصْل الْخَامِس الْقيَاس كَانَ الإِمَام أَحْمد يَسْتَعْمِلهُ للضَّرُورَة على مَا علمت مِمَّا سبق فَفِي كتاب الْخلال عَن أَحْمد قَالَ سَأَلت الشَّافِعِي عَن الْقيَاس فَقَالَ إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ عِنْد الضَّرُورَة أَو مَا هَذَا مَعْنَاهُ فَهَذِهِ الْأُصُول الْخَمْسَة من أصُول فَتَاوَى الإِمَام أَحْمد وَعَلَيْهَا مدارها

وَكَانَ رضي الله عنه يتَوَقَّف أَحْيَانًا فِي الْفَتْوَى لتعارض الْأَدِلَّة عِنْده أَو لاخْتِلَاف الصَّحَابَة فِيهَا أَو لعدم اطِّلَاعه فِيهَا على أثر أَو قَول أحد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَكَانَ شَدِيد الْكَرَاهَة وَالْمَنْع للإفتاء بِمَسْأَلَة لَيْسَ فِيهَا أثر عَن السّلف كَمَا قَالَ لبَعض أَصْحَابه إياك أَن تَتَكَلَّم فِي مَسْأَلَة لَيْسَ لَك فِيهَا إِمَام

وَكَانَ يسوغ استفتاء فُقَهَاء الحَدِيث وَأَصْحَاب مَالك وَيدل عَلَيْهِم وَيمْنَع من استفتاء من يعرض عَن الحَدِيث وَلَا يَبْنِي مذْهبه عَلَيْهِ وَلَا يسوغ الْعَمَل بفتواه قَالَ ابْن هانىء سَأَلت أَبَا عبد الله عَن الَّذِي جَاءَ فِي الحَدِيث أجرؤكم على الْفتيا أجرؤكم على النَّار

ص: 119

قَالَ أَبُو عبد الله يُفْتِي بِمَا لم يسمع قَالَ وَسَأَلته عَمَّن أفتى يفتيا يَعْنِي فِيهَا قَالَ فإثمها على من أفتاها قلت على أَي وَجه يُفْتِي حَتَّى يعلم مَا فِيهَا قَالَ يُفْتِي بالبحث لَا يدْرِي (إيش أَصْلهَا)

وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي مسَائِله مَا أحصى مَا سَمِعت أَحْمد سُئِلَ عَن كثير مِمَّا فِيهِ الِاخْتِلَاف فِي الْعلم فَيَقُول لَا أَدْرِي قَالَ وسمعته يَقُول مَا رَأَيْت مثل ابْن عُيَيْنَة فِي الْفَتْوَى أحسن فتيا مِنْهُ كَانَ أَهْون عَلَيْهِ أَن يَقُول لَا أَدْرِي

وَقَالَ عبد الله ابْنه فِي مسَائِله سَمِعت أبي يَقُول وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي سَأَلَ رجل من أهل الغرب مَالك ابْن أنس عَن مَسْأَلَة فَقَالَ لَا أَدْرِي فَقَالَ يَا أَبَا عبد الله تَقول لَا أَدْرِي قَالَ نعم فأبلغ من ورائك أَنِّي لَا أَدْرِي

وَقَالَ عبد الله كنت أسمع أبي كثيرا يسْأَل عَن الْمسَائِل فَيَقُول لَا أَدْرِي وَيقف إِذا كَانَت مَسْأَلَة فِيهَا اخْتِلَاف وَكَثِيرًا مَا كَانَ يَقُول سل غَيْرِي فَإِن قيل لَهُ من نسْأَل قَالَ سلوا الْعلمَاء وَلَا يكَاد يُسَمِّي رجلا بِعَيْنِه قَالَ وَسمعت أبي يَقُول كَانَ ابْن عُيَيْنَة لَا يُفْتِي فِي الطَّلَاق وَيَقُول من يحسن هَذَا قَالَ ابْن الْقيم قلت الجرأة على الْفتيا تكون من قلَّة الْعلم وَمن غزارته وسعته فَإِذا قل علمه أفتى عَن كل مَا يسْأَل عَنهُ بِغَيْر علم وَإِذا اتَّسع علمه اتسعت فتياه وَلِهَذَا كَانَ ابْن عَبَّاس من أوسع الصَّحَابَة فتيا فقد جمع أَبُو بكر مُحَمَّد ابْن مُوسَى بن يَعْقُوب ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمَأْمُون فتيا ابْن عَبَّاس فِي عشْرين كتابا وَأَبُو بكر مُحَمَّد الْمَذْكُور أحد أَئِمَّة الْعلم

ص: 120

وَكَانَ سعيد بن الْمسيب وَاسع الْفتيا وَمَعَ ذَلِك كَانُوا يسمونه الجريء

هَذَا مُجمل مسالك الإِمَام أَحْمد فِي الْفتيا وَالِاجْتِهَاد واستنباط الْكَلَام

تَتِمَّة وَرَأَيْت لِلْحَافِظِ عبد الرَّحْمَن بن رَجَب الْحَنْبَلِيّ مُحدث الشَّام كلَاما حسنا فِي هَذَا الْمَوْضُوع فِي كِتَابه جَامع الْعُلُوم وَالْحكم عِنْد كَلَامه على الحَدِيث التَّاسِع من الْأَرْبَعين النواوية قَالَ قَالَ الْمَيْمُونِيّ سَمِعت أَبَا عبد الله يَعْنِي أَحْمد يسْأَل عَن مَسْأَلَة فَقَالَ وَقعت هَذِه الْمَسْأَلَة بليتم بهَا بعد قَالَ ابْن رَجَب وَقد انقسم النَّاس فِي هَذَا أقساما فَمن أَتبَاع أهل الحَدِيث من سد بَاب الْمسَائِل حَتَّى قل فقهه وَعلمه بحدود مَا أنزل الله على رَسُوله وَصَارَ حَامِل فقه غير فَقِيه وَمن فُقَهَاء أهل الرَّأْي من توسع فِي توليد الْمسَائِل قبل وُقُوعهَا مَا يَقع فِي الْعَادة مِنْهَا وَمَا لَا يَقع وَاشْتَغلُوا بتكليف الْجَواب عَن ذَلِك وَكَثْرَة الْخُصُومَات فِيهِ والجادل عَلَيْهِ حَتَّى يتَوَلَّد من ذَلِك افْتِرَاق الْقُلُوب ويستقر فِيهَا بِسَبَبِهِ الْأَهْوَاء والشحناء والعداوة والبغضاء ويقترن ذَلِك كثيرا بنية المغالبة وَطلب الْعُلُوّ والمباهاة وَصرف وُجُوه النَّاس وَهَذَا مِمَّا ذمه الْعلمَاء الربانيون ودلت السّنة على قبحه وتحريمه وَأما فُقَهَاء أهل الحَدِيث الْعَامِلُونَ بِهِ فَإِن مُعظم هممهم الْبَحْث عَن مَعَاني كتاب الله عز وجل وَمَا يفسره من السّنَن الصَّحِيحَة وَكَلَام الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ

ص: 121

لَهُم بِإِحْسَان وَعَن سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وصحيحها وسقيمها ثمَّ الْفِقْه فِيهَا وتفهيمها وَالْوُقُوف على مَعَانِيهَا ثمَّ معرفَة كَلَام الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان فِي أَنْوَاع الْعُلُوم من التَّفْسِير والْحَدِيث ومسائل الْحَلَال وَالْحرَام وأصول السّنة والزهد وَالرَّقَائِق وَغير ذَلِك وَهَذَا هُوَ طَريقَة الإِمَام أَحْمد وَمن وَافقه من أهل الحَدِيث الربانيين وَفِي معرفَة هَذَا شغل شاغل عَن التشاغل بِمَا أحدث من الرَّأْي مِمَّا لَا ينْتَفع بِهِ وَلَا يَقع وَإِنَّمَا يُورث التجادل فِيهِ الْخُصُومَات والجدال وَكَثْرَة القيل والقال

وَكَانَ الإِمَام أَحْمد كثيرا إِذا سُئِلَ عَن شَيْء من الْمسَائِل المولدات الَّتِي لَا تقع يَقُول دَعونَا من هَذِه الْمسَائِل المحدثة

قَالَ ابْن رَجَب وَمن سلك طَريقَة طلب الْعلم على مَا ذَكرْنَاهُ تمكن من فهم جَوَاب الْحَوَادِث الْوَاقِعَة غَالِبا لِأَن أُصُولهَا تُوجد فِي تِلْكَ الْأُصُول الْمشَار إِلَيْهَا وَلَا بُد أَن يكون سلوك هَذَا الطَّرِيق خلف أَئِمَّة أَهله الْمجمع على هدايتهم ودرايتهم كالشافعي وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي عبيد وَمن سلك مسلكهم فَإِن من ادّعى سلوك هَذَا الطَّرِيق على غير طريقهم وَقع فِي مفاوز ومهالك وَأخذ بِمَا لَا يجوز الْأَخْذ بِهِ وَترك مَا يجب الْعَمَل بِهِ انْتهى

وَمن هُنَا تزداد علما بمسالك الإِمَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ

ص: 122