الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرائد فَوَائِد
من اللَّازِم على من يُرِيد التفقه على مَذْهَب من مَذَاهِب الْأَئِمَّة أَن يعرف أمورا الْأَمر الأول أَن يعرف فن الْحساب وَهُوَ الْعلم بقواعد يعرف بهَا طرق اسْتِخْرَاج المجهولات العددية من المعلومات العددية الْمَخْصُوصَة وَالْمرَاد من الاستخراج معرفَة كمياتها وموضوعه الْعدَد إِذْ يبْحَث فِيهِ عَن عوارضه الذاتية وَالْعدَد هُوَ الكمية المتألفة من الوحدات فالوحدة مقومة للعدد
وَأما الْوَاحِد فَلَيْسَ بِعَدَد وَلَا مقوم لَهُ وَقد يُقَال لكل مَا يَقع تَحت الْعد فَيَقَع على الْوَاحِد وَإِنَّمَا جعلنَا فن الْحساب مِمَّا يلْزم المتفقه أَن يُعلمهُ لِأَنَّهُ يدْخل فِي كثير من أَبْوَاب الْفِقْه فَيحْتَاج إِلَيْهِ فِيهَا وَذَلِكَ كضبط الْمُعَامَلَات وَحفظ الْأَمْوَال فِي الشّركَة وَالْمُضَاربَة وَقَضَاء الدُّيُون وَقِسْمَة التركات وَغير ذَلِك وَمَا من علم من الْعُلُوم إِلَّا وَيحْتَاج إِلَيْهِ فيقبح بالمتفقه أَن يكون جَاهِلا بِهِ عَارِيا عَنهُ وخصوصا فِي فن الْفَرَائِض فَإِن مَدَاره على الْحساب وَلَا يَسْتَغْنِي عَنهُ أبدا وَمن ثمَّ قَالَت الْحُكَمَاء الْأَحْسَن الِابْتِدَاء عِنْد التَّعْلِيم بفن الْحساب لِأَنَّهُ معارف منضجة وبراهينه منتظمة فينشأ عَنهُ فِي الْغَالِب عقل يدل على الصَّوَاب وَقد يُقَال إِن من أَخذ
نَفسه بتَعَلُّم الْحساب أول أمره يغلب عَلَيْهِ الصدْق لما فِي الْحساب من صِحَة المباني ومناقشة النَّفس فَيصير لَهُ ذَلِك خلقا ويتعود الصدْق ويلازمه مذهبا
وَمن فروع علم الْحساب علم الْجَبْر والمقابلة وَإِنَّمَا كَانَ من فروعه لِأَنَّهُ علم يعرف بِهِ اسْتِخْرَاج مجهولات عددية من مَعْلُومَات مَخْصُوصَة على وَجه مَخْصُوص وَمعنى الْجَبْر زِيَادَة قدر مَا نقص من الْجُمْلَة المعادلة بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْجُمْلَة الْأُخْرَى ليتعادلا وَمعنى الْمُقَابلَة إِسْقَاط الزَّائِد من إِحْدَى الجملتين للتعادل وَقد كَانَ لكثير من أَصْحَابنَا الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين ولع بفن الْحساب والجبر وَلَهُم فيهمَا مؤلفات
وَقيل إِن أول من ألف فِي فن الْجَبْر الْأُسْتَاذ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُوسَى الْخَوَارِزْمِيّ وَقد كَانَ كِتَابه فِيهِ مَعْرُوفا مَشْهُورا وصنف فِيهِ بعده أَبُو كَامِل شُجَاع بن أسلم كِتَابه الشَّامِل وَهُوَ من أحسن الْكتب فِيهِ وَمن أحسن شروحه شرح الْقرشِي وللمسلمين مؤلفات لَا تحصى فِي هذَيْن الفنين ثمَّ إِن الفرنجة أخذُوا هذَيْن الفنين وهذبوهما ونقحوهما واختاروا أقرب الطّرق وأدخلوهما فِي مدارسهما ثمَّ إِن عُلَمَاء الْمُسلمين أخذُوا كتب الفرنجة وترجموها إِلَى لغاتهم وسلكوا فيهمَا طريقهم فانتشر انتشارا باهرا وهجرت كتب الْمُسلمين فِي هذَيْن الفنين حَتَّى صَار المشتغلون بفن الْجَبْر يَعْتَقِدُونَ أَن هَذَا الْفَنّ من مخترعات عُلَمَاء أوروبا وَمن حقق الْأَمر وجده من مخترعات عُلَمَاء الْإِسْلَام وَذَلِكَ أَنه عَن لبَعض حكمائهم تَحْلِيل الْمُقدمَة الَّتِي استعملها أرشميدس فِي الرَّابِع من الثَّانِيَة من الكرة والإسطوانة بالجبر فتأدى حلهَا إِلَى كعاب وأموال وأعداد متعادلة فَلم يتَّفق لَهُ حلهَا بعد أَن فكر فِيهَا مَلِيًّا فَجزم بِأَنَّهُ مُمْتَنع حَتَّى تبعه أَبُو جَعْفَر الخازن وحلها بالقطوع المخروطية ثمَّ افْتقر بعده جمَاعَة من
المهندسين إِلَى عدَّة أَصْنَاف مِنْهَا فبعض تِلْكَ الْأَصْنَاف حلل الْبَعْض الآخر
الْأَمر الثَّانِي فن المساحة الَّذِي هُوَ فن من فنون الهندسة وَهُوَ فن يحْتَاج إِلَيْهِ فِي مسح الأَرْض وَمَعْنَاهُ اسْتِخْرَاج مِقْدَار الأَرْض الْمَعْلُومَة بِنِسْبَة شبر أَو ذِرَاع أَو غَيرهمَا أَو نِسْبَة أَرض من أَرض إِذا قويست بِمثل ذَلِك
وَهَذَا الْفَنّ يحْتَاج إِلَيْهِ المتفقه فِي مَسْأَلَة المَاء هَل يبلغ قُلَّتَيْنِ أم لَا على قَول الشَّافِعِي وَأحمد فِيمَا إِذا كَانَ مَكَان المَاء مدورا أَو مثلثا أَو مستطيلا أَو كَانَ على وضع من أوضاع أشكال الهندسة
وَفِي مَسْأَلَة هَل يبلغ سطح المَاء عشرا فِي عشر على قَول الْمُتَأَخِّرين من الْحَنَفِيَّة فِيمَا إِذا كَانَ مَحل المَاء على وضع من الأوضاع الْمَذْكُورَة وَيحْتَاج إِلَيْهِ فِي قسْمَة الأَرْض الْمُشْتَركَة الْمُتَنَازع فِيهَا بَين الشُّرَكَاء وَيحْتَاج إِلَيْهِ أَيْضا فِي توظيف الْخراج على الْمزَارِع والفدن وبساتين الغراسة وَفِي قسْمَة الحوائط والأراضي بَين الشُّرَكَاء أَو الْوَرَثَة وأمثال ذَلِك وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ فن لَا يَسْتَغْنِي النَّاس عَنهُ ويقبح بالمتفقه جَهله
الْأَمر الثَّالِث فن الْمِيقَات إِذْ بِهِ تعرف جِهَة الْقبْلَة للصلوات وتعرف بِهِ الْأَوْقَات وَتَصْحِيح السَّاعَات المخترعة لمعْرِفَة الْأَوْقَات وَهَذَا يعرف بالاسطرلاب وللعمل بِهِ رسائل وَكتب كَثِيرَة وبالربعين الْمُجيب والمقنطر وَلَهُمَا أَيْضا رسائل وبآلات أخر مَشْهُورَة وَأَن يعرف من النُّجُوم مَا بِهِ يعرف الْقبْلَة وَكَانَ للفقهاء اعتناء زَائِد بِهَذَا وَهَذَا موفق الدّين الْمَقْدِسِي كَانَ من العارفين بِهَذَا الشَّأْن وَقد ذكر فِي كِتَابه الْمُغنِي لمعْرِفَة الْقبْلَة عدَّة قَوَاعِد تدل على تمكنه من هَذَا الْفَنّ فاللازم على المتفقه أَن لَا يهمله
الْأَمر الرَّابِع معرفَة تراجم عُلَمَاء مذْهبه وَمَا لَهُم من
المؤلفات وَأَن يعرف طبقاتهم وَإِلَّا فقد يمر بِهِ اسْم وَاحِد من الْحَنَابِلَة فيظنه حنفيا أَو من الْحَنَفِيَّة فيظنه شافعيا أَو من الْمُتَقَدِّمين فيظنه مُتَأَخِّرًا أَو من أَرْبَاب الْأَقْوَال وَالْوُجُوه فِي مذْهبه فيظنه مُقَلدًا بحتا وَمثل هَذَا يقبح بالمتفقه وينادي على انحطاطه عَن ذرْوَة الْكَمَال وَالله يتَوَلَّى الصَّالِحين
الْأَمر الْخَامِس أَن يكون لَهُ إِلْمَام بفن الْعرُوض والقوافي وَذَلِكَ أَن كل مَذْهَب لَا يَخْلُو من كتاب فِيهِ منظوم وَقد يذكر الْفُقَهَاء كثيرا من الشُّرُوط أَو الْوَاجِبَات أَو السّنَن أَو الْآدَاب أَو الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة منظومة وَلم يذكروها كَذَلِك إِلَّا ترغيبا للطَّالِب فِي حفظهَا فَإِذا كَانَ المريد لحفظها جَاهِلا بفني الْعرُوض والقوافي حفظهَا مختلة الْوَزْن غير مُسْتَقِيمَة وَرُبمَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يفرق بَين المنظوم والمنثور وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ النَّاسِخ جَاهِلا فَكتب النّظم ككتابه للنثر فهناك يفوت الْمَقْصُود ويعد ذَلِك من الْجَهْل وَقد أدْركْت من عُلَمَاء بلدنا الْكِبَار من إِذا قَرَأَ نظما قَرَأَهُ كقراءته للنثر بِلَا فرق وَرُبمَا لحن فِيهِ لحنا فَاحِشا وَمَا ذَلِك إِلَّا لعدم مزاولته هَذَا الْفَنّ فاللائق بالمتفقه أَن يُعلمهُ لِئَلَّا يكون جَاهِلا بِهِ
الْأَمر السَّادِس أَن يعلم من مُفْرَدَات اللُّغَة مَا بِهِ يَسْتَعِين على فهم الْكتاب الَّذِي يطالع فِيهِ وَإِلَى هَذَا وَجه الْفُقَهَاء أنظار الطّلبَة فقد ألف الْمِصْبَاح الْمُنِير للغات الشَّرْح الْكَبِير على الْوَجِيز للرافعي وَألف الْمغرب للحنفية لهَذِهِ الْغَايَة أَيْضا ولمثلها ألف المطلع على أَبْوَاب الْمقنع الْحَنْبَلِيّ والدر النقي لشرح أَلْفَاظ الْخرقِيّ وَألف الحجاوي كتابا فِي بَيَان غَرِيب كِتَابه الْإِقْنَاع فَيَنْبَغِي للمتفقه أَن لَا يكون خلوا من معرفَة اللُّغَة فَإِن هَذَا يشينه ويعيبه
الْأَمر السَّابِع أَن يتَعَلَّم من فن التجويد مَا يعرف مِنْهُ مخارج الْحُرُوف وَمَا لَا بُد للقارىء أَن يُعلمهُ فَإِن جهل مثل ذَلِك رُبمَا أخل بِصَلَاتِهِ وخصوصا فَإِن لهَذَا مدخلًا فِي بَاب الْإِمَامَة حَيْثُ يَقُول الْفُقَهَاء يقدم الأقرأ فالأقرأ وَمن لم يكن عَارِفًا بفن التجويد كَيفَ يُمَيّز بَين القارىء والأقرأ وَكم رَأينَا من المتصدرين لأقراء الْفِقْه وللإمامة ثمَّ إِنَّهُم إِذا قرأوا فِي الصَّلَاة كَانَت قِرَاءَة الأعجمي أحسن حَالا من قراءتهم وَرُبمَا لم يفرقُوا بَين السِّين وَبَين الثَّاء الْمُثَلَّثَة الْفَوْقِيَّة وَيزِيدُونَ فِي الْكَلِمَات حروفا لَيست مِنْهَا وهم لَا يَشْعُرُونَ وَمثل هَذَا يعاب بِهِ الْعَاميّ فضلا عَن المتفقهه