المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رد العجز على الصدر - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران

[ابن بدران]

فهرس الكتاب

- ‌العقد الأول

- ‌رَوْضَة فِي كَلِمَات للْإِمَام فِي مسَائِل من أصُول الدّين

- ‌شذرة أَيْضا فِي كَلَامه فِي الْأُصُول

- ‌العقد الثَّانِي

- ‌فِي السَّبَب الَّذِي لأَجله اخْتَار كثير من كبار الْعلمَاء مَذْهَب الإِمَام أَحْمد على مَذْهَب غَيره

- ‌العقد الثَّالِث

- ‌فِي ذكر أصُول مذْهبه فِي استنباط الْفُرُوع وَبَيَان طَرِيقَته فِي ذَلِك

- ‌العقد الرَّابِع

- ‌فِي مسالك كبار أَصْحَابه فِي تَرْتِيب مذْهبه واستنباطه من فتياه وَالرِّوَايَات عَنهُ وتصرفهم فِي ذَلِك الْإِرْث المحمدي الأحمدي

- ‌شذرة فِي بَيَان طَريقَة الْأَصْحَاب فِي فهم كَلَام الإِمَام أَحْمد وَطَرِيق تصرفهم فِي الرِّوَايَات عَنهُ

- ‌فصل

- ‌فصل أَرَاك أَيهَا النَّاظر قد علمت عَمَّا رقمناه آنِفا

- ‌فصل

- ‌فصل فِي قَول الشَّافِعِي رضي الله عنه إِذا وجدْتُم فِي كتابي خلاف سنة

- ‌العقد الْخَامِس

- ‌فِي الْأُصُول الْفِقْهِيَّة الَّتِي دونهَا الْأَصْحَاب

- ‌مُقَدّمَة

- ‌بسط هَذَا الْإِجْمَال

- ‌فصل فِي التَّكْلِيف

- ‌فصل فِي أَحْكَام التَّكْلِيف

- ‌فصل فِي مَسْأَلَة مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌تَتِمَّة

- ‌فَائِدَة

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل فِي خطاب الْوَضع

- ‌تَنْبِيه

- ‌فَائِدَة

- ‌فصل فِي اللُّغَات

- ‌فصل اعْلَم أَن الْأَسْمَاء على أَرْبَعَة أضْرب

- ‌فصل فِي الْأُصُول

- ‌الْكتاب الْعَزِيز الَّذِي هُوَ أصل الْأُصُول

- ‌فصل فِي شذرات من مبَاحث السّنة

- ‌تَتِمَّة

- ‌بَاب النّسخ

- ‌تَنْبِيه

- ‌فَائِدَتَانِ

- ‌الْأَوَامِر والنواهي

- ‌فصل وَأما النَّهْي

- ‌فَوَائِد

- ‌الْعُمُوم وَالْخُصُوص

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌خَاتِمَة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْمُطلق والمقيد

- ‌فصل الْمُجْمل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم

- ‌الأَصْل الثَّالِث الْإِجْمَاع

- ‌الأَصْل الرَّابِع من الْأُصُول الْمُتَّفق عَلَيْهَا اسْتِصْحَاب الْحَال

- ‌الْأُصُول الْمُخْتَلف فِيهَا

- ‌الأَصْل الْخَامِس الْقيَاس

- ‌فصل

- ‌فصل فِي شَرَائِط أَرْكَان الْقيَاس ومصححاتها

- ‌فصل

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي الأسئلة الْوَارِدَة على الْقيَاس

- ‌فصل

- ‌عقد نضيد فِي الِاجْتِهَاد والتقليد

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌تَنْبِيه

- ‌فصل

- ‌عقد نَفِيس فِي تَرْتِيب الْأَدِلَّة وَالتَّرْجِيح

- ‌فصل

- ‌تَنْبِيه

- ‌العقد السَّادِس

- ‌فِيمَا اصْطلحَ عَلَيْهِ المؤلفون فِي فقه الإِمَام أَحْمد مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمُبْتَدِي وأبرز الْأَسْمَاء الَّتِي تذكر فِي مصنفاتهم

- ‌العقد السَّابِع

- ‌فِي ذكر الْكتب الْمَشْهُورَة فِي الْمَذْهَب وَبَيَان طَريقَة بَعْضهَا وَمَا عَلَيْهِ من التعليقات والحواشي حسب الْإِمْكَان

- ‌الْمُغنِي ومختصرالخرقي

- ‌الْمُسْتَوْعب

- ‌الْكَافِي

- ‌الْعُمْدَة

- ‌مُخْتَصر ابْن تَمِيم

- ‌رُؤُوس الْمسَائِل

- ‌الْهِدَايَة

- ‌التَّذْكِرَة

- ‌الْمُحَرر

- ‌الْمقنع

- ‌الْفُرُوع

- ‌مغنى ذَوي الأفهام عَن الْكتب الْكَثِيرَة فِي الْأَحْكَام

- ‌مُنْتَهى الإرادات فِي جمع الْمقنع مَعَ التَّنْقِيح وزيادات

- ‌الْإِقْنَاع لطَالب الِانْتِفَاع

- ‌دَلِيل الطَّالِب

- ‌غَايَة الْمُنْتَهى

- ‌عُمْدَة الرَّاغِب

- ‌كَافِي الْمُبْتَدِي وأخصر المختصرات ومختصر الإفادات

- ‌الرعايتان

- ‌مُخْتَصر الشَّرْح الْكَبِير والإنصاف

- ‌العقد الثَّامِن

- ‌فِي أَقسَام الْفِقْه عِنْد أَصْحَابنَا وَمَا ألف فِي هَذَا النَّوْع وَفِي هَذَا العقد دُرَر

- ‌فصل وَأما مَا اتَّصل بِنَا خَبره من كتب التَّفْسِير لِأَصْحَابِنَا

- ‌فصل

- ‌فرائد فَوَائِد

- ‌لطائف قَوَاعِد

- ‌رد الْعَجز على الصَّدْر

الفصل: ‌رد العجز على الصدر

والإقبال فِي عصرنا على الْعلم قد صَار رَوْضَة كالهشيم تَذْرُوهُ الرِّيَاح وغضونه ذابلة وجداوله تشتاق إِلَى المَاء

فنسأله تَعَالَى أَن يرفع لَهُ منارا ويجدد شوقا لأَهله على الإقبال عَلَيْهِ بمنه وَكَرمه

‌رد الْعَجز على الصَّدْر

لَا يخفاك أَيهَا الْفَاضِل أننا صدرنا كتَابنَا وزيناه بِمَا نَقَلْنَاهُ عَن إِمَام أهل السّنة والأثر أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل رضي الله عنه من رسائله الَّتِي نقلت عَنهُ فِي أصُول الدّين مِمَّا فِيهِ كِفَايَة لمن كَانَ سلفيا وَعَن لنا الْآن أَن نختم كتَابنَا بِذكر شَيْء مِمَّا أَلفه عُلَمَاء مَذْهَب السّلف ليَكُون البدء مُوَافقا للختام رَجَاء مِنْهُ تَعَالَى أَنه كَمَا وفقنا للتوحيد وَجَعَلنَا من أَهله أَن تكون الخاتمة على توحيده الْخَالِص من الزيغ والإلحاد بمنه تَعَالَى وَكَرمه فَنَقُول إِن الْكتب الْمُؤَلّفَة فِي هَذَا الْعلم لَيست محصورة بمؤلفات أَصْحَاب الإِمَام أَحْمد بل جَمِيع عُلَمَاء الْقُرُون الثَّلَاثَة وعلماء الحَدِيث بأجمعهم على مُعْتَقد السّلف لَا يشذ مِنْهُم عَن ذَلِك إِلَّا من جعل الفلسفة طَرِيقه الَّتِي يعول عَلَيْهَا وأساسه الَّذِي يَبْنِي عَلَيْهِ غير ملتفت إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة والتابعون وتابعوهم بِإِحْسَان فأعظم كتاب فِي هَذَا النَّوْع كتاب الله تَعَالَى الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه ثمَّ مَا ورد وَصَحَّ عَن نبيه الْمُصْطَفى صلى الله عليه وسلم فهما الشِّفَاء من الدَّاء العضال وَالْهَدْي فِي بيداء الْحيرَة والضلال فَلَا يحْتَاج بعدهمَا إِلَى تأليف وَلَا إِلَى تنميق وترصيف تصنيف

وَلَكِن لما ترجمت كتب الْحُكَمَاء وَظَهَرت الْفرق وَتبع أَهلهَا مقالات أرسطو وأفلاطون وَسموا مَا بنوه على ذَلِك بِالْعلمِ الإلهي

ص: 492

احْتَاجَ عُلَمَاء السّلف لتأليف الْكتب وتصنيفها للرَّدّ عَلَيْهِم ولدلالة النَّاس على الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَتكلم الْأَئِمَّة بِالرَّدِّ على من حاد عَن الطَّرِيقَة المثلى فَكثر الشغب وتفاقم الْأَمر وَثَبت اتِّبَاع الإِمَام أَحْمد على سَبِيل الْكتاب وَالسّنة وناضلوا عَنهُ أَشد النضال وألفوا فِي ذَلِك كتبا مختصرة وطولة وَلم يتعدوا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة والتابعون وَالْأَئِمَّة الموثوق بهم كَأبي حنيفَة وسُفْيَان الثَّوْريّ وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي عبيد وَدَاوُد وأمثالهم قدما وَلم يثنهم عَن عزمهم طلاقة لِسَان مخادع وَلَا سفسطة متأول وَلَا بهرجة ملحد وَلَا زخرفة متفلسف وَكلما انْقَضتْ طبقَة مِنْهُم أنشأ الله تَعَالَى طبقَة غَيرهَا على سَبِيل من قبلهَا فهم الأبدال والأخيار والأنجاب كَيفَ لَا وَقد أخبر عَنْهُم الصَّادِق الْأمين فِيمَا روينَاهُ من سنَن ابْن مَاجَه عَن أبي عتبَة الْخَولَانِيّ وَكَانَ قد صلى إِلَى الْقبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لَا يزَال الله يغْرس فِي هَذَا الدّين غرسا يستعملهم فِي طَاعَته وحصلت الْإِشَارَة إِلَيْهِم أَيْضا فِي الحَدِيث الْمَشْهُور الْمَرْوِيّ بطرق كَثِيرَة عَن أبي هُرَيْرَة وَغَيره أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي قَوَّامَة على أَمر الله لَا يَضرهَا من خالفها وَقَالَ ابْن مُفْلِح فِي الْآدَاب الشَّرْعِيَّة نقل نعيم بن طريف عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ فِي حَدِيث لَا يزَال الله يغْرس إِلَى آخِره هم أَصْحَاب الحَدِيث وَنَصّ أَحْمد على أَن لله أبدالا فِي الأَرْض

وَقَالَ أَيْضا عَنْهُم إِن يَكُونُوا هَؤُلَاءِ النَّاس يَعْنِي أهل الحَدِيث فَلَا أَدْرِي من النَّاس

ص: 493

ثمَّ اعْلَم أَن أجل كتب اعْتِقَاد السّلف مَا نَقله الْأَئِمَّة الموثوق بهم وَرَوَاهُ الثِّقَات عَن أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فَإِنَّهُم أَكْثرُوا من القَوْل فِي الِاعْتِقَاد الصَّحِيح وَلم تخطف كلمتهم فِيهِ وَقد بنى أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ عقيدته على مَا رَوَاهُ عَن أبي حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت وَأبي يُوسُف يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ وَصرح بِأَنَّهُ نقل عَنْهُم مَا يَعْتَقِدُونَ من أصُول الدّين ويدينون بِهِ رب الْعَالمين وعقيدته هَذِه سلفية مَحْضَة وليت الْحَنَفِيَّة من بعده جعلُوا هَذِه العقيدة أساس معتقدهم وَأكْثر من روى عَنهُ من هَذَا الشَّأْن الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل لِأَن زَمَنه كَانَ زمن القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَالْقِيَام بتشييد الْبدع وامتحن على ذَلِك فَأكْثر من القَوْل فِيهِ بِحَيْثُ إِن مَا نقل عَنهُ من الرسائل فِي هَذَا السَّبِيل كَاف لمتبع سَبِيل السّلف وَهَذَا سَبِيل جَمِيع الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين وعلماء الحَدِيث دع عَنْك أُولَئِكَ الَّذين يسمون أنفسهم بالخلف ويستندون فِي مقالاتهم إِلَى دَلَائِل التقطوها من مقالات الفلاسفة فَإِنَّهُم مهما جالوا واستطالوا كَانَ قصارى أَمرهم إِلَى الْحيرَة والموفق مِنْهُم من رَجَعَ آخر أمره إِلَى التَّسْلِيم والتفويض وَقدم مَذْهَب سلف الْأَئِمَّة على من انتحله وَلَا يغرنك انتساب أُولَئِكَ إِلَى الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فَإِنَّهُم عِنْد التَّحْقِيق لم يسلكوا مسلكه وَلم يفهموا مرامه لِأَن هَذَا الإِمَام تصدى أَولا للرَّدّ على الْمُعْتَزلَة بعد أَن كَانَ مِنْهُم وَصَاحب الْبَيْت أدرى بِالَّذِي فِيهِ يكون فسلك فِي الرَّد عَلَيْهِم مَسْلَك فن الجدل وَأخذ يقطع عَلَيْهِم الطَّرِيق بِأَيّ وَجه كَانَ ويزيف مقالاتهم بِأَيّ وَاسِطَة كَانَت كَمَا هُوَ شَأْن فن الجدل الَّذِي قصارى أمره غَلَبَة الْخصم بِأَيّ وَجه وَبِأَيِّ طَريقَة كَانَت وَكَثِيرًا مَا يحْتَاج

ص: 494

المجادل فِي غَلَبَة خَصمه إِلَى السفسطة بل إِلَى إبراز المستحيل فِي صُورَة الْجَائِز والجائز فِي صُورَة الْوَاجِب ثمَّ إِنَّه فِي آخر أمره ألف كِتَابه الْمُسَمّى بالإبابة فأبان بهَا مَذْهَب أهل الْحق وباح باعتقاده وَلما كَانَت خصومه من الدهاء والفطنة بِدَرَجَة لَا تنكر وَكَانَ لَهُم فِي دولتهم مكانة وَلم يطيقوا مدافعة الإِمَام عَمدُوا من بعده إِلَى كتبه فالتقطوا مِنْهَا مَا قَالَه فِي مقَام المدافعة وَلم تكن من عقيدته مِمَّا يقرب من نحلتهم ودونوا ذَلِك وجعلوه مذهبا مَنْسُوبا إِلَيْهِ ثمَّ أخذُوا يثبتون مَا ادعوا أَنه من معتقده بِمَا ألفوه من أدلتهم ثمَّ أَتَى من بعدهمْ فَدس فِيهِ قَوَاعِد الفلاسفة وقواها بأدلتهم حَتَّى أصبح مَا نسب إِلَيْهِ من جنس مَا يذكر فِي الْعلم الْمُسَمّى عِنْد أُولَئِكَ بالإلهي لَا فرق بَينه وَبَينه ثمَّ جَاءَ من بعدهمْ مِمَّن شَأْنه التَّقْلِيد الْأَعْمَى والتقليد يبعد عَن الْحق ويروج الْبَاطِل فَاعْتقد بِأَن تِلْكَ النتف وَتلك المفتراة هِيَ مَذْهَب الإِمَام الْأَشْعَرِيّ فَأَخذهَا قَضِيَّة مسلمة وتلقى أدلتها بِالْقبُولِ فَمنهمْ من اختصرها وَمِنْهُم من نظمها وَمِنْهُم من شرحها وَلَو أبْصر الْأَشْعَرِيّ مَا نسبوه إِلَيْهِ لتبرأ مِنْهُ ولقال لَهُم أخطأتم المرمى وَمَا الغي مِنْكُم بِبَعِيد ألم تروا كتابي الْإِبَانَة الَّذِي هُوَ آخر مؤلفاتي ألم تعلمُوا مقاصدي فِي مسالكي فِي الرَّد على خصومي وَالْحق يُقَال إِن الْأَشْعَرِيّ أجل من أَن تنْسب تِلْكَ المفتريات إِلَيْهِ وَلَقَد تنبه لذَلِك جمَاعَة من الْعلمَاء فتبعوا مذْهبه الْحق وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ السّلف وَلَوْلَا خوف الْملَل لذكرتهم وَاحِدًا بعد وَاحِد وَلَكِن أَقُول أَجلهم إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَمن رأى كَلَامه فِي آخر عمره يعلم يَقِينا أَنه رَجَعَ عَن جَمِيع مَا كَانَ حَيْثُ قَالَ نِهَايَة إقدام الْعُقُول عقال وَمِمَّنْ صرح بذلك السنوسي صَاحب العقيدة الْمَشْهُورَة

ص: 495

بَين المدعين بِأَنَّهُم أشاعرة فَإِنَّهُ نَادَى بذلك علنا فِي شرح لَهُ كَمَا تقدم ذَلِك أول الْكتاب وَتبع الْأَشْعَرِيّ الْحَقِيقِيّ لَا الْأَشْعَرِيّ الوهمي الَّذِي لَيْسَ لَهُ وجود فِي الْخَارِج وَأَنت أَيهَا الْمُؤَيد بِنور الْحق إِذا رَأَيْت كتب الَّذين يَزْعمُونَ أَنهم أشاعرة رَأَيْتهمْ على مَذْهَب أرسطاطاليس لَيْسَ وَمن تبعه كَابْن سينا والفارابي وَرَأَيْت كتبهمْ عنوانها علم التَّوْحِيد

وباطنها النَّوْع الْمُسَمّى بالإلهي من الفلسفة وَإِذا كنت فِي ريب مِمَّا قُلْنَاهُ وَالْكَلَام فَانْظُر المواقف لعضد الدّين الآيجي وَشَرحه للسَّيِّد الْجِرْجَانِيّ وَمَا عَلَيْهِ من الْحَوَاشِي ثمَّ تَأمل كتاب الإشارات وَكتاب الشفا لِابْنِ سينا وشروح الأول فَإنَّك تَجِد الْكل من وَاد وَاحِد لَا فرق بَينهمَا إِلَّا بالتصريح باسم الْمُعْتَزلَة والجبرية وَغَيرهمَا فَهَل يُؤْخَذ تَوْحِيد من هَذِه الْكتب إِلَّا بعد الْوُقُوع بِأَلف ورطة ثمَّ إِن سلم السالك من هَذِه الطَّامَّات ظفر بتوحيد من جنس تَوْحِيد الفلاسفة والملاحدة وَمثل هَذَا حَال المشتغل بالطوالع والمطالع وشروحهما وحواشيهما وَمَا أشبههما لطالما أشغلنا بِهَذِهِ الْكتب فَلم نر فِيهَا إِلَّا أَن أَصْحَابهَا فتحُوا على أنفسهم أَبْوَاب شُبُهَات عجزوا عَن سدها فَأخذُوا فِي إقناع أنفسهم وَكلما أغلقوا مِنْهَا بَابا انفتحت لَهُم أَبْوَاب فَأَطَالُوا ذيول الْكَلَام وَكَتَبُوا المجلدات ثمَّ ألزموا النَّاس بهَا وأنفسهم لم ينالوا مِنْهَا هدى فَكيف غَيرهم يَهْتَدِي بهَا على أَنهم لَو أعْطوا عمر نوح وملأوا الدُّنْيَا كتبا يبحثون بهَا عَن الْهدى لم يجدوه إِلَّا فِي الْكتاب وَالسّنة وَالرُّجُوع إِلَى عقيدة السّلف فَكُن عَلَيْهَا أَيهَا الناصح لنَفسِهِ من أول الْأَمر وَلَا تطوح بِنَفْسِك فِي تِلْكَ الأودية فتهلك وَإِنِّي لَك الناصح الْأمين وَالله يتَوَلَّى هداك وَحَيْثُ أفْضى بِنَا الْمقَال إِلَى هَذ الْحَد لزمنا أَن نقُول قد ألف

ص: 496

الْعلمَاء الْأَعْلَام فِي بَيَان مَا كَانَ عَلَيْهِ السّلف كتبا لَا تحصى مُطَوَّلَة ومختصرة وَأَنا أرشدك إِلَى بَعْضهَا لِأَن من طالع كتابا مِنْهَا فَكَأَنَّهُ قد طالع الْكل لاتفاقهم على طَريقَة وَاحِدَة فأجل مَا كتب فِي هَذَا الْمَوْضُوع رسائل الإِمَام أَحْمد وَأحسن طَريقَة لمن يطْلب التَّحْقِيق والبرهان كتب شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين أَحْمد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي رضي الله عنه فَإِنَّهُ انتصر لمَذْهَب السّلف انتصارا لَا مزِيد عَلَيْهِ وأخلص لله تَعَالَى فِي عمله ونصح لله وَلِرَسُولِهِ ولأئمة الْمُسلمين وعامتهم وَلَا يهولنك مَا وصمه بِهِ أعداؤه فَإِن كَلَام الحساد كالزبد يذهب جفَاء ثمَّ من بعده مصنفات صَاحبه شمس الدّين مُحَمَّد بن قيم الجوزية فَإِنَّهُ على طَريقَة شَيْخه مَالك وأثره اقتفى وَحَقِيقَة مؤلفاته بسط مقالات أستاذه وَذَلِكَ كالصواعق المحرقة والجيوش الإسلامية والكافية الشافية الْمُسَمَّاة بالنونية

ثمَّ اعْلَم أَن كتب أُولَئِكَ الْقَوْم تَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ الْقسم الأول مِنْهَا قد تكفل بِذكر نحل الْفرق ثمَّ مِنْهُم من يذكر ذَلِك سردا وَلم يتَعَرَّض المرد على أحد مِنْهُم وَذَلِكَ كَأبي مَنْصُور عبد القاهر بن طَاهِر الْبَغْدَادِيّ الْمُتَوفَّى سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة فِي كِتَابه الْفرق بَين الْفرق وكأبي الْفَتْح مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الشهرستاني الْمُتَوفَّى سنة ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَهَذَانِ الكتابان مطبوعان ومشهوران وَمِنْهُم من يذكر الْفرق ويتكفل بِالرَّدِّ عَلَيْهِم وَذَلِكَ كَأبي مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن حزم فِي كِتَابه الْفَصْل بِكَسْر الْفَاء وَفتح الصَّاد وَهُوَ مطبوع مَشْهُور وَكَانَت وَفَاة صَاحبه سنة سِتّ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَقد قَالَ عَنهُ الشهرستاني هُوَ عِنْدِي خير

ص: 497

كتاب صنف وَقد اعْتدى الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب ابْن السُّبْكِيّ على الْفَصْل

فَقَالَ فِي كِتَابه الطَّبَقَات هَذَا من أشهر الْكتب وَمَا برح الْمُحَقِّقُونَ من أَصْحَابنَا ينهون عَن النّظر فِيهِ لما فِيهِ من الازدراء بِأَهْل السّنة وَقد أفرط فِي التعصب على أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ حَتَّى صرح بنسبته إِلَى الْبِدْعَة

هَذَا كَلَامه

أَقُول أَرَادَ بِأَهْل السّنة من كَانَ على شاكلته من أَتبَاع الْأَشْعَرِيّ الموهوم الَّذِي لَا تحقق لَهُ فِي الْخَارِج وَإِنَّمَا وجوده فِي مخيلة أَصْحَابه وهم الَّذين افتروا على الْأَشْعَرِيّ الْحَقِيقِيّ فنسبوا إِلَيْهِ مَا هُوَ بَرِيء مِنْهُ وَابْن حزم كَانَ أندلسيا فاتصلت بِهِ تِلْكَ المفتريات فَظن أَنَّهَا من نحلة الْأَشْعَرِيّ الْحَقِيقِيّ فَرد كَلَامه فالجرم على المتسبب لَا على الإِمَام الْكَامِل ابْن حزم

وَالْقسم الثَّانِي مِنْهَا مَا هُوَ مَوْضُوع لبَيَان مَذْهَب السّلف وَهِي كَثِيرَة جدا كَمَا أسلفناه لكننا نرشد الطَّالِب هُنَا إِلَى مَا فِيهِ مقنع لَهُ فَنَقُول مِنْهَا العقيدة الحموية وَشرح العقيدة الأصفهانية لشيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية وَغَيرهَا من رسائله ومصنفاته

وَمِنْهَا لمْعَة الِاعْتِقَاد الْهَادِي إِلَى سَبِيل الرشاد للْإِمَام موفق الدّين عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن قدامَة الْمَقْدِسِي وَهِي كراسة لَطِيفَة

وَمِنْهَا مُخْتَصر نِهَايَة المبتدئين للشَّيْخ بدر الدّين مُحَمَّد البلباني

وَمِنْهَا الْعين والأثر للشَّيْخ عبد الْبَاقِي

وَمِنْهَا عقيدة الإِمَام حَافظ الْوَقْت عبد الْغَنِيّ بن سرُور عبد الْوَاحِد بن عَليّ بن سرُور الجماعيلي

ص: 498

وَمِنْهَا نجاة الْخلف فِي اعْتِقَاد السّلف للشَّيْخ عُثْمَان بن أَحْمد النجدي

وَمِنْهَا الدرية المضية فِي عقد أهل الْفرْقَة المرضية وَهِي مِائَتَا بَيت وَبضْعَة عشر بَيْتا نظمها الشَّيْخ الْعَلامَة مُحَمَّد بن أَحْمد السفاريني ثمَّ شرحها فِي مُجَلد وَسَماهُ لوامع الْأَنْوَار البهية

وسواطع الْأَسْرَار الأثرية لشرح الدرة المرضية وَهُوَ شرح مُفِيد إِلَّا أَنه جرى فِيهِ مسلكا وسطا بَين أهل الْأَثر وَبَين طَريقَة الْمُتَأَخِّرين وسلك فِيهِ غير مَسْلَك التَّحْقِيق وَزَاد فِي آخر النّظم وَالشَّرْح أَشْيَاء لم يرض بذكرها من سلف وَلم يجعلوها من الِاعْتِقَاد فِي شَيْء كذكر الْمهْدي وأمثال ذَلِك مِمَّا حَقه أَن يذكر فِي كتب الْمَلَاحِم والواعظ لَا فِي كتب الِاعْتِقَاد وَقد اختصر شيخ مَشَايِخنَا الشَّيْخ حسن الشطي الْحَنْبَلِيّ الدِّمَشْقِي هَذَا الشَّرْح إِلَّا أَنه أَخذ كَلَامه السفاريني بِلَفْظِهِ وَحذف الْأَقْوَال وَالْخلاف فَحق هَذَا الْمُخْتَصر أَن ينْسب للسفاريني لَا لَهُ وعَلى كل فَهَذَا الشَّرْح مُفِيد وَقد طبع واشتهر

وَمِنْهَا كتاب الْمُعْتَمد ومختصره كِلَاهُمَا للْقَاضِي أبي يعلى

وَمِنْهَا كتاب الْإِبَانَة عَن شَرِيعَة الْفرْقَة النَّاجِية ومجانبة الْفرق المذمومة للْإِمَام عبيد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حمدَان بن بطة العكبري أحد شُيُوخ الإِمَام ابْن حَامِد وَمن مؤلفاته الْإِبَانَة الْكَبِير وَالصَّغِير وَغَيرهمَا من الرسائل

وَقيل إِن مصنفاته تزيد على مائَة مُصَنف

توفّي سنة سبع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وبطة بِفَتْح الْبَاء والطاء الْمُشَدّدَة قَالَه فِي المطلع

وَمِنْهَا كتاب التَّوْحِيد وَمَعْرِفَة أَسمَاء الله تَعَالَى وَصِفَاته على الِاتِّفَاق والتفرد للْإِمَام مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن يحيى بن مَنْدَه

ص: 499

الْأَصْبَهَانِيّ وَكَانَ من أَصْحَابنَا وَحكي عَنهُ فِي الْمَقْصد الأرشد أَنه قَالَ طفت الشرق والغرب مرَّتَيْنِ وَلم أسمع من المبتدعين حَدِيثا

توفّي سنة نَيف وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَكتابه هَذَا فِي سَبْعَة أَجزَاء وَابْن مَنْدَه اثْنَان وهما من أَصْحَابنَا

أَولهمَا هَذَا

وَالثَّانِي الإِمَام الْحَافِظ صَاحب التصانيف الْكَثِيرَة الَّتِي مِنْهَا تَارِيخ أَصْبَهَان ومناقب الإِمَام أَحْمد رضي الله عنه وَهُوَ مُجَلد كَبِير وَفِيه فَوَائِد حَسَنَة

قَالَ فِي أَوله وَمن أعظم جهالتهم يَعْنِي المبتدعة وغلوهم فِي مقالتهم وقوعهم فِي الإِمَام المرضي إِمَام الْأَئِمَّة وكهف الْأمة نَاصِر الْإِسْلَام وَالسّنة وَمن لم تَرَ عين مثله علما وزهدا وديانة وإمامة إِمَام أهل الحَدِيث أبي عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل الشَّيْبَانِيّ قدس الله روحه وَبرد عَلَيْهِ ضريحه الإِمَام الَّذِي لَا يجارى والفحل الَّذِي لَا يُبَارى وَمن أجمع أَئِمَّة الدّين رضوَان الله عَلَيْهِم وَرَحمته فِي زَمَانه على تقدمه فِي شَأْنه ونبله وعلو مقَامه ومكانه وَالَّذِي لَهُ من المناقب مَا لَا يعد وَلَا يُحْصى قَامَ لله مقَاما لولاه لجهم النَّاس ولمشوا على أَعْقَابهم الْقَهْقَرَى ولضعف الْإِسْلَام واندرس الْعلم وَلَقَد صدق الإِمَام أَبُو رَجَاء قُتَيْبَة بن سعيد حَيْثُ قَالَ إِن أَحْمد بن حَنْبَل فِي زَمَانه بِمَنْزِلَة أبي بكر وَعمر فِي زمانهما وَأحسن من قَالَ لَو كَانَ أَحْمد فِي بني إِسْرَائِيل لَكَانَ آيَة أعاشنا الله على عقيدته وحشرنا يَوْم الْقِيَامَة فِي زمرته وَحين وقفت على سرائر هَؤُلَاءِ وخبث اعْتِقَادهم فِي هَذَا الإِمَام قصدت لمجموع نبهت فِيهِ على بعض فضائله ونبذه من مناقبه وَذكرت طرفا مِمَّا منحه الله من الْمنزلَة الرفيعة والرتبة الْعلية فِي الْإِسْلَام وَالسّنة مَعَ أَنِّي لست أَدْرِي لنَفْسي أَهْلِيَّة لذَلِك وَأَن الْمَشَايِخ الماضين رَحِمهم الله تَعَالَى قد عنوا بجمعه فشفوا لكني أردْت أَن يبْقى لي بِجمع مناقبه ذكر وَأَن أكون مشرفا فِيمَا بَين أهل الْعلم من أهل السّنة بانتسابي

ص: 500

إِلَيْهِ ومحلى بمذهبه وطريقته

هَذَا كَلَامه

توفّي سنة إِحْدَى عشرَة

وَقيل اثْنَتَا عشرَة وَخَمْسمِائة بأصبهان وَبهَا دفن عِنْد آبَائِهِ رَحمَه الله تَعَالَى

وَمِنْهَا كتاب التَّنْبِيه وَالرَّدّ على أهل الْأَهْوَاء والبدع للمحدث الْكَبِير أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَلْطِي الْمَعْرُوف بالطرائفي وَهُوَ كتاب لطيف يذكر فِيهِ الْفرق المبتدعة وينصر مَذْهَب أهل الحَدِيث

وَمِنْهَا غير ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصى مِمَّا هُوَ مَشْهُور وَأكْثر من أَن يذكر وَلَيْسَ قصدنا استقصاء أَسمَاء الْكتب بل قصدنا التَّنْبِيه على بعض مَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ مِمَّا لَو طبع لأتى بفوائد جمة تعود على مطالعه بالنفع وَإِلَّا فَفِي كتاب كشف الظنون مَا فِيهِ مقنع لمن أَرَادَ معرفَة أَسمَاء كتب لَا يُمكن الْحُصُول إِلَّا على أقل الْقَلِيل مِنْهَا وَالله الْهَادِي والموفق وَهنا ألْقى عَصَاهُ وَاسْتقر بِهِ النَّوَى فَمَا أَجَاد بِهِ فَمن فضل الله مفيض الْجُود وَالْإِحْسَان وَالْكَرم وَمَا عساه أَن يكون زل بِهِ التمس عَنهُ عذرا فَإِن الْإِنْسَان مَحل الْخَطَأ وَالنِّسْيَان

فنسأله تَعَالَى أَن ينفع بِمَا حررناه وَأَن يقبل مَا رقمناه وَأَن يَجعله مَقْبُولًا مُنْتَفعا بِهِ فَإِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل

وَكَانَ الْفَرَاغ من كِتَابَة هَذِه المسودة فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَألف فِي دمشق الزاهرة فِي مدرسة المرحوم عبد الله باشا الْعظم على يَدي وَأَنا مُؤَلفه الْفَقِير عبد الْقَادِر ابْن أَحْمد ابْن مصطفى بن عبد الرَّحِيم ابْن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن بدران

اللَّهُمَّ اغْفِر لي ولوالدي ولمشايخي وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين أَجْمَعِينَ آمين

ص: 501