الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتوفّي يوم الأحد سابع جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، ودفن بالقرافة عند قبر الفقاعي.
قال المسبّحيّ: وكان حسن التديّن متمسّكا بمذهبه مظاهرا به غير مراع لأحد، وجرت له قصّة: سعي به إلى الحاكم بأمر الله فاعتقله بالقصر مدّة، وخاطبه دفعات لم ير منه في شيء منها جزعا، فأطلقه مكرّما لم ينله بؤس.
وقال السّلفي: كان ابن الوشّاء من الصالحين من أهل السنّة فقصده بعض الشيعة في زمان الحاكم حتّى حمل إليه، وكان سفّاكا للدماء. فلمّا دخل عليه قيل له: الأرض! الأرض! - يؤمر بالسجود وتقبيل الأرض. فقال بصوت جهوريّ ارتجّ [ت] منه الآذان: حتى يقول: أنا الله الذي لا إله إلّا أنا!
فقال الحاكم: دعوا الشيخ يمضي إلى مسجده.
فخرج إلى موضعه سالما.
1769 - ابن اللبّان [685 - 749]
(1)
[85 أ] محمد بن أحمد بن عبد المؤمن، شمس الدين، أبو عبد الله، ابن اللبّان، الأسعرديّ الأصل، الدمشقيّ، الشافعيّ.
ولد في حدود سنة خمس وثمانين وستّمائة.
سمع بدمشق والقاهرة والإسكندريّة من جماعة، منهم أبو حفص عمر بن عبد المنعم ابن القوّاس، والشرف الدمياطيّ. وخرّج له الشهاب أحمد بن أيبك جزءا من حديثه. وتفقّه على الفقيه نجم الدين أحمد ابن الرفعة، وبرع في الفقه.
واستوطن القاهرة حتّى مات. ودرّس ووعظ، وسلك على يد الشيخ ياقوت من أصحاب أبي العبّاس المرسيّ صاحب أبي الحسن الشاذليّ، فأنكرت عليه أشياء تكلّم بها، وكتب عليه محضر.
وطلب من السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون أن يمكّن أخصامه منه ليدّعوا عليه فأذن لهم في حمله إلى القضاة. فبادر إلى الأمير جنكلي بن البابا واستجار به. فقام معه، وانتدب لمساعدته الأمير الحاج آل الملك والأمير أيدمر الخطيريّ وحدّثوا السلطان في أمره وأثنوا عليه، وما زالوا به حتّى فوّض أمره لقاضي القضاة جلال
- أما موقف المترجم له هنا فيذكّرنا بموقف فقهاء القيروان- وهم أيضا مالكيّون- إزاء النحلة الإسماعيليّة، كما يذكّرنا تسامح الحاكم معه بحلم أبي عبد الله مع ابن الحدّاد وتسامح المنصور مع خصوم الدعوة.
(1)
الوافي 2/ 168 (524)، الدرر 3/ 420 (3406)، شذرات 6/ 163، السبكيّ 3/ 213 أو 9/ 94 (1304)، الأعلام 6/ 223.
هذا وتتكرّر الترجمة مبتورة في الورقة 111 ب تحت اسم «محمّد بن أحمد بن مؤمن نزيل مصر المولود سنة 679، تفقّه وتفنّن وتقدّم» ، لا غير. فاكتفينا بهذه الترجمة الطويلة.
الدين محمد القزوينيّ الشافعيّ، فاستتابه، ومنع هو وعدّة من الوعّاظ أن يتحدّثوا على الناس.
فلمّا مات الضياء محمد بن إبراهيم المناوي، استقرّ عوضه في تدريس الشافعيّ تاج الدين محمد بن إسحاق المناوي (1) بسفارة قاضي القضاة عزّ الدين عبد العزيز ابن جماعة ودرّس به. فثار ابن اللبّان عليه، وتعصّب معه الأمير جنكلي بن البابا، والأمير آق سنقر وعدّة من الأمراء، وعرّفوا السلطان من تعظيمه ما اقتضى استقراره في التدريس.
ونزل يدرّس ومعه الأمير أرغون الكاملي وجماعة أمراء. فأخرج ناصر الدين [85 ب] بن فار السقوفيّ محتسب مصر من سكنه بالشافعيّ وألزمه بالأجر مدّة سكنه. فرتّب على ابن اللبّان فتيا نسبه فيها إلى أمور تكلّم بها توجب إراقة دمه. وطلبه ليدّعى عليه فلم يتمكّن منه لقوّة جاهه بالأمراء.
وتوفّي في طاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة.
وكان بارعا في الفقه والأصول والنحو والتصوّف والوعظ. واختصر كتاب الروضة في الفقه، وبوّب كتاب الأمّ للشافعيّ ورتّبه على المسائل والأبواب. وصنّف كتابا في متشابه القرآن والحديث، وهو مختصر حسن تكلّم فيه على بعض الآيات والأحاديث المتشابهات بكلام حسن على طريقة التصوّف (2).
ومن شعره [المتقارب]:
تشاغل عنّا بوسواسه
…
وكان قديما لنا يطلب
محبّ تناسى عهود الهوى
…
وأصبح في غيرنا يرغب
ونحن نراه ونملي له
ويحسبنا أنّنا غيّب
…
ونحن إلى العبد من نفسه
ووسواس شيطانه أقرب
وممّا أخذ عليه قوله: إلا هي، جلّت عظمتك أن يعصيك عاص أو ينساك ناس، ولكن أوحيت روح أوامرك في أسرار الكائنات فذكرك الناسي بنسيانه وأطاعك العاصي بعصيانه. وإن من شيء إلّا يسبّح بحمدك إن عصى داعي إيمانه فقد أطاع داعي سلطانك، ولكن قامت عليه حجّتك، فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ [الأنعام: 149] لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَهُمْ يُسْئَلُونَ [الأنبياء 24].
[86 أ] وذكره القاضي شهاب الدين أحمد، ابن القاضي محيي الدين يحيى بن فضل الله في كتاب مسالك الأبصار إلى ممالك الأمصار (3)، فقال:
طراز مصر المذهب، وفرد أهلها في علم الحقيقة والمذهب، والفائز المعلّى قدحه، والسّيّد المحلّى بذائب الذهب مدحه، طاب غرسه وأشرقت ملء المشارق والمغارب شمسه، تتوالى منه وليّا تروّى أنواؤه وتجود الأرض سماؤه وتعود بالفرض والنوافل نعماؤه. صحب الشيخ ياقوت الحبشيّ (4) وغيره من مشايخ الإسكندريّة ومصر والشام، وأخذ عنهم من علوم الطريقة والحقيقة ما تقدّم تمهيد العلوم الشرعيّة لسلوكه فيه حتّى برع وبذّ أهل زمانه وساد على أبناء دهره. وأطلق قلمه بالإفتاء، واشتغل عليه أنواع الطلبة وأخذت عنه طوائف المريدين، وتكلّم على رءوس الأشهاد، وحضر مجلسه الخاصّ والعامّ، ولم يزل يشار إليه بالإجلال ويذكر بالتعظيم. وكنت أسمع به ولا يقيّض لي به لقاء. ثمّ أصيب بما لم يخلّ منه مثله مخلّ في بعض
(1) تأتي ترجمة التاج المناوي صهر ابن جماعة برقم 1950.
(2)
ذكر اليافعي كتبه في المرآة 4/ 748، ومولده عنده سنة 679، ولم يعرض لمحاكمته.
(3)
ج 8 ص 276 من مصوّرة سزكين.
(4)
توفّي الشيخ ياقوت في جمادى 732 (البداية والنهاية 14/ 159، وانظر خبر الاستتابة ص 177، أحداث سنة 737).