الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالنسخ. ثمّ سار إلى العراق، فلقي أبا بكر الأبهريّ وأخذ عنه. وأكثر من لقاء الصالحين وأهل العلم ولبس الصوف وقنع وتورّع جدّا وأعرض عن الشهوات، وكان إذا سئم من النسخ الذي جعل قوته منه آجر نفسه في الخدمة، رياضة لها.
فأصبح عابدا متقشّفا مذعنا مخبتا عالما عاملا منقطع القرين، قد جرّبت منه دعوات مجابة وحفظت له كرامات ظاهرة.
ثمّ عاد إلى بلده تدمير سنة ستّ أو سبع وسبعين وثلاثمائة، وبها أبوه أبو الحسام حيّا. فنزل خارج مدينة مرسية تورّعا عن سكناها وعن الصلاة في جامعها، واتّخذ له بيتا سقفه من حطب الشعراء (1) يأوي إليه، واعتمر جنينة بيده يقتات منها.
وصار يغزو مع المنصور محمّد بن أبي عامر.
ثمّ تحوّل من قريته بعد عامين إلى الثغر وواصل الرباط ونزل مدينة طلبيرة. وكان يدخل منها في السرايا إلى بلد العدوّ، فيغزو ويتقوّت من سهمانه ويعوّل على فرس له ارتبطه لذلك. وكان له بأس وشدّة وشجاعة وثقافة يحدّث عنه فيها بحكايات عجيبة، إلى أن استشهد مقبلا غير مدبر في سنة تسع- أو ثمان- وسبعين وثلاثمائة عن اثنتين وأربعين سنة، وأبوه حيّ (2).
2381 - ناصر الدين ابن طرنطاي [- 731]
(3)
محمّد بن طرنطاي [، ناصر الدين، ابن حسام الدين، المنصوريّ].
كان أبوه نائب السلطنة في أيّام المنصور
قلاوون. وولي هو الإمرة (4) للناصر.
ومات [يوم الأربعاء] ثامن رجب سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، واستقرّ في إمرته آص [
…
] (5).
2382 - الإخشيد محمّد بن طغج [268 - 334]
[286 أ] محمّد بن طغج بن جفّ بن يلتكين بن فوران بن فوري بن خاقان، الأمير أبو بكر، ابن الأمير أبي محمّد، صاحب سرير الذهب (6)، المنعوت بالإخشيد- ومعنى الإخشيد بلسان أهل فرغانة: ملك الملوك، وأصل هذه الكلمة: أخ شيد، ومعنى ذلك: الشمس البيضاء- الفرغانيّ، من أبناء ملوك فرغانة، أقدمه المعتصم بالله من فرغانة وأكرمه وأعطى أصحابه قطائع كبيرة.
ولد ببغداد للنصف من رجب سنة ثمان وستّين ومائتين.
وتنقّلت به الأحوال إلى أن ولي طرسوس من قبل أمير المؤمنين المعتضد بالله (7)، فغزا في سنة خمس وثمانين ومائتين، وقدم مع أبيه إلى مصر في الأيّام الطولونيّة، وخرج معه إلى دمشق لمّا
(1) في النفح: السدر.
(2)
النصّ موافق لنصّ النفح تماما، كأنّ المصدر واحد.
(3)
النجوم 9/ 287، السلوك 2/ 238 (سنة 731)، والزيادة منه. أعيان العصر 4/ 480 (1598).
(4)
في السلوك: وهو أحد مقدّمي الألوف.
(5)
الكتابة مطموسة.
(6)
سرير الذهب: يستفاد من فصل «سرير» في معجم البلدان أنّ بعض ملوك الفرس اتّخذ سريرا من ذهب، فلمّا زال ملكه انتقل السرير إلى أولاد بهرام جور. فسمّيت مملكتهم ب «سرير الذهب». وانظر ابن سعيد: المغرب (قسم مصر) 1/ 149 هامش 4. ومروج الذهب 1/ 228.
(7)
يفهم من السياق أنّ محمد بن طغج هو الذي ولي طرسوس. وكتب التاريخ لا تذكر له هذه الولاية، وإنّما ذكر ابن الأثير في حوادث سنة 281 أنّ أباه طغج دخل طرسوس لغزو الصائفة. ومدّة المعتضد: 279 إلى 289.
وليها (1). ثمّ عاد مع أبيه إلى مصر لمّا قدم محمّد بن سليمان الكاتب (2) بجيوش بغداد لأخذ مصر، فشهد زوال دولة بني طولون في سنة اثنتين وتسعين [ومائتين].
ثمّ أخرجه محمّد بن سليمان مع أبيه من مصر إلى العراق في جملة من أخرج من الطولونيّة.
فأقام ببغداد حتّى مات أبوه في سنة عشر وثلاثمائة.
ثمّ ولّاه المقتدر بالله (3) دمشق في سنة ثماني عشرة وثلاثمائة [ولم يزل بها إلى أن](4) ولّاه القاهر بالله محمّد ابن المعتضد مصر بعد الأمير أبي منصور تكين (5)، وورد كتاب ولايته إلى مصر يوم السبت لسبع خلون من رمضان سنة إحدى وعشرين [وثلاثمائة]، فدعي له بها، وهو إذ ذاك بدمشق، مدّة اثنين وثلاثين يوما ولم يدخلها.
ثمّ وليها أحمد بن كيغلغ ثانيا، فقدم الرسول بولايته يوم الخميس لتسع خلون من شوّال.
ثمّ أعيد [إليها] محمّد بن طغج ثانيا من قبل الراضي بالله (6) محمّد بن المقتدر على الصلاة والخراج عوضا عن أحمد بن كيغلغ. وهو الذي لقّبه «الإخشيد» .
فسار إلى مصر وبعث المراكب في البحر، وعليها صاعد بن كلملم (7)، فدخلت تنيس وملكتها وتقدّمت إلى دمياط. فقاتل صاعد عليّ بن بدر رئيس المراكب التي بعث بها محمّد بن عليّ الماذرائيّ لقتاله، وهزمه بأرض سمنود في تاسع عشر شعبان سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وأقبل [صاعد] في مراكبه إلى الفسطاط وأقام على الجزيرة (8).
وأقبل محمّد بن طغج فسلّم إليه [286 ب] أحمد بن كيغلغ. ودخل إلى الفسطاط يوم الخميس من رمضان منها [سنة 323]. ثمّ قدم عليه الوزير أبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمّد بن الفرات مكشفا، ومعه الخلع فخلعت عليه.
ثمّ قدمت جيوش القائم بأمر الله محمّد ابن المهديّ عبيد الله صاحب إفريقيّة تريد مصر. فأمر محمّد بن طغج بإخراج العساكر إلى الإسكندريّة والصعيد في ربيع الأوّل سنة أربع وعشرين [وثلاثمائة] مع أخيه الحسن، فأوقع بهم وعاد، وقد هزم المغاربة، بعدّة من الأسرى (9).
(1) ولي طغج دمشق سنة 285 (الكامل في السنة والصفدي:
أمراء دمشق 46 و 131)، ولكنّ زامباور 44 أرّخ ولايته بسنة 283.
(2)
محمّد بن سليمان «كاتب الجيش» . انظر خبر انقراض الدولة الطولونية على يده في الكامل، سنة 292، وفي ترجمته رقم 2319.
(3)
المقتدر 295 - 320، ثمّ القاهر إلى سنة 322.
(4)
كلام مكرّر في المخطوط، والإصلاح من ترجمة الوفيات (رقم 689).
(5)
تكين الخاصّة: ولي مصر ثلاث مرّات. انظر ترجمته رقم 1029.
(6)
مدّة الراضي العبّاسي: 322 - 328.
(7)
صاعد بن كلملم، قائد أسطول الإخشيد: كبسه خصوم ابن طغج في خليج الفيّوم وقتلوه، فاستراح الإخشيد من اعتداده عليه (ابن سعيد 1/ 160)، ويضيف صاحب المغرب: وكان ابن كلملم كاتبا خبريّا. وقتله كان لتسع بقين من شوّال 323 (الكندي 287).
(8)
المخطوط هنا متآكل والقراءة عسيرة فنقلنا كلام الكندي 285 - 287، ملخّصا وهو موافق لكلام المقريزي في الخطط 2/ 127: «فبعث ابن كيغلغ ليمنع محمّد بن طغج من دخول الفرما، وقد قصد مصر بولاية الراضي له.
فأقبلت مراكب ابن طغج إلى تنيس، وسارت مقدّمته في البرّ، وكانت بينهما حروب في 19 شعبان سنة 323 كانت لأصحاب ابن طغج».
(9)
في المغرب 1/ 161، وفي كتاب الولاة والقضاة 287 أنّ إنفاذ الجيش من القائم كان استجابة لطلب من خصوم ابن طغج.
ووردت عليه ولاية دمشق والزيادة في اسمه بلقب «الإخشيد» لكونه من أولاد ملوك فرغانة.
وهذا اللقب وضع لكلّ من ملك تلك الجهة، كما قيل لملك الترك «خاقان» ، وملك فارس «كسرى» ، وملك الروم «قيصر» ، وملك الشام «هرقل» ، وملك القبط «فرعون» ، وملك اليمن «تبّع» ، وملك الحبشة «نجاشي» ، ونحو ذلك.
فدعي له بهذا اللقب على المنبر في شهر رمضان سنة سبع وعشرين [وثلاثمائة].
ووردت الأخبار بمسير محمّد بن رائق إلى الشام. ففرض الفروض (1)، وبعث بمراكبه إلى الشام وقدّم جيشا بين يديه، ثمّ سار إلى الشام في أوّل المحرّم سنة ثمان وعشرين [وثلاثمائة]، وقد ملك ابن رائق دمشق ووصل إلى الرملة. فنزل الفرما، فأتاه الحسن بن طاهر بن يحيى العلويّ يسأله الصلح، فبعث بعليّ بن محمّد بن كلا (2) ليوافق ابن رائق على ذلك. [ف] تمّ الصلح بينهما على أن سلّم ابن رائق الرملة وخرج عنها. وعاد الأمير الإخشيد إلى مصر من الفرما، فدخل الفسطاط يوم الخميس مستهلّ جمادى الأولى [سنة 328].
ثمّ إنّ ابن رائق نقض الصلح، وسار من دمشق إلى الرملة في شعبان منها، فبعث الإخشيد الجيوش إلى الرملة، وخرج يوم الأربعاء لستّ عشرة خلت من شعبان المذكور، فالتقى مع ابن رائق يوم الأربعاء للنصف من رمضان بالعريش، فكانت بينهما وقعة عظيمة واضطربت ميسرة
الإخشيد وانهزم من فيها. ثمّ كرّ عليهم الإخشيد بنفسه في خاصّته فهزمهم وأسر كثيرا منهم وأثخنهم قتلا وأسرا.
ومضى ابن رائق منهزما، والإخشيد يتبعه، إلى الرملة، فدخلها وبعث بالأسرى إلى الفسطاط فطيف بهم، وهم خمسمائة رجل في ثاني شوّال [سنة 328].
وسار الحسن بن طغج من الرملة وكان باللّجون (3) فأسرى عليه محمّد بن رائق فقتله في حادي عشر ذي القعدة [328]. فبعث ابن رائق ابنه مزاحم بن محمّد بن رائق إلى الإخشيد فداء لأخيه الحسن، وبعث يعتذر إليه. فخلع عليه الإخشيد وأنفذه إلى أبيه (4)، ووقع الصلح بينهما، فمضى ابن رائق إلى دمشق وعاد الإخشيد إلى مصر، فدخلها يوم الخميس ثالث المحرّم سنة تسع وعشرين.
ومات الراضي بالله، وبويع إبراهيم ابن المقتدر ولقّب «المتّقي لله» (5)، فورد كتابه على الإخشيد بإقراره [287 أ] على مصر، وضمّ إليه الشام والحجاز، وذلك في يوم الخميس لستّ بقين من شوّال سنة تسع وعشرين، فاتّسعت مملكته وعظم شأنه.
وقتل محمّد بن رائق في حروب بني حمدان بالموصل في شعبان سنة ثلاثين وثلاثمائة، فاتّسعت مملكة الإخشيد وعظم شأنه. وبعث بالجيوش إلى الشام مع علي بن محمّد بن كلا. ثمّ عسكر وسار إلى الشام لستّ خلون من شوّال، ثمّ قدم يوم الأحد لثلاث عشرة خلت من جمادى
(1) فرض الفروض: أي انتدب الجند وجيّش الجيوش (انظر دوزي في المادّة).
(2)
عليّ بن محمّد بن كلا: «كاتب محمّد بن طغج ورسوله وثقته» ، إلى أن غضب عليه وصادره في سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة (ابن سعيد 165).
(3)
اللّجون: بلدة بالأردن، على عشرين ميلا من طبريّة (ياقوت). والحسن بن طغج أحد إخوة الإخشيد الستّة، وهو غير الحسين.
(4)
مرت هذه التفاصيل في ترجمة ابن رائق 2256.
(5)
المتّقي لله 329 - 333.
الأولى سنة إحدى وثلاثين، وأخذ على جميع القوّاد البيعة لابنه أبي القاسم أونوجور في يوم الخميس الثامن والعشرين من ذي القعدة منها.
وقدم الخبر بورود المتّقي لله إلى الشام، ومعه بنو حمدان، فأخرج الإخشيد مضاربه، وسار إلى لقائه يوم الأربعاء سادس رمضان سنة ثنتين وثلاثين [وثلاثمائة]، فبلغ الرقّة ولقي أمير المؤمنين المتّقي بالله في منتصف المحرّم سنة ثلاث وثلاثين [وثلاثمائة].
وحمل إليه من حلب مائة ألف دينار سوى الآلات والثياب. وحمل إلى الوزير أبي الحسن عليّ بن محمّد بن مقلة (1) ثلاثين ألف دينار، وإلى الحاجب أبي العبّاس أحمد بن خاقان عشرين ألف دينار، وإلى القاضي الخرقي وسائر الحجّاب والخدم.
وكان قدوم الإخشيد عليه بكتابه إليه (2) وهو يشكو فيه حاله ويستقدمه، فلمّا قدم عليه بالرقّة وقف بين يديه ومشى عند ركوبه، فأمره المتّقي بالركوب فلم يفعل، فألحّ عليه المتّقي وأكرمه وكنّاه وكنّى ابنه وجعله خليفة له. واجتهد المتّقي أن يسير معه إلى مصر، فأشار عليه بالمقام مكانه ولا يرجع إلى بغداد. وأشار على ابن مقلة أن يسير معه إلى مصر ليحكّمه في جميع البلاد، فلم يجبه.
فخوّفه من طوزون فلم يوافقه، وبعث رسلا إلى طوزون في الصلح، فحلّفوا طوزون للمتّقي وللوزير ابن مقلة، وكتبوا إليهما بذلك. فانحدر
المتّقي من الرقّة في الفرات إلى بغداد لأربع بقين من المحرّم [سنة 333]. وعاد الإخشيد إلى مصر، فدخل الفسطاط يوم الاثنين لأربع خلون من جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة.
وأتى الخبر أنّ المتّقي لمّا وصل إلى هيت (3) - تلقّاه طوزون، وقبّل الأرض وقال: ها قد وفيت بيميني والطاعة لك. ثمّ وكّل به وبابن مقلة وبالجماعة، وأنزلهم في مضرب بنفسه. ثمّ كحّل المتّقي وأذهب عينيه (4) ومضى به إلى بغداد.
وأحضر عبد الله ابن المكتفي ولقّبه المستكفي بالله (5)، فكان ابن مقلة يقول: نصحني الإخشيد فلم أقبل نصيحته. وكان ورد الخبر ببيعة المستكفي إلى مصر يوم الجمعة سادس جمادى الآخرة [333]. وورد الكتاب مع البيعة بإقرار الإخشيد على ما بيده.
وسار سيف الدولة عليّ بن حمدان إلى حلب، وبها أحمد (6) بن سعيد الكلابي من قبل الإخشيد فملكها. وبلغ ذلك الإخشيد، فبعث فاتك وكافور بالجيوش إلى الشام. ثمّ خرج يوم السبت [287 ب] لخمس خلون من شعبان سنة ثلاث وثلاثين يريد محاربة سيف الدولة، وقد سار إلى حمص وحارب كافورا وهزمه، وأخذ حمص وسار إلى دمشق فحصرها فلم يقدر عليها ورجع. فأدركه الإخشيد بأرض قنّسرين وقاتله، فلم يظفر أحدهما بالآخر، ورجع سيف الدولة إلى الجزيرة وعاد
(1) عليّ بن محمّد بن مقلة: هو ابن الوزير محمّد بن مقلة المشهور الذي وزر للمقتدر والقاهر والراضي (انظر فصل محمّد بن مقلة في دائرة المعارف الإسلاميّة). وعليّ بن مقلة وزر للمتّقي سنة وخمس أشهر (زامبارو 9).
(2)
الخليفة هو الذي كاتب الإخشيد (انظر الكامل تحت سنة 333).
(3)
هيت: بلدة على الفرات قريبة من بغداد، وتوقّف المتّقي بهيت وخرج طوزون من بغداد، فالتقى بالخليفة بالسنديّة (الكامل، سنة 333)، والسنديّة باب بغداد (ابن سعيد 1/ 193).
(4)
في المخطوط: وعمي، وهو حشو.
(5)
المستكفي بالله: 333، 334.
(6)
الاسم مطموس وفي الكامل (سنة 333) أن والي حلب هو يانس المؤنسي.