الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن الربيع: كان الشافعيّ معي يفتي وهو ابن خمس عشرة سنة. وكان يحيي الليل إلى أن مات.
وقال أبو نعيم الحافظ: سمعت سليمان بن أحمد- يعني الطبرانيّ- يقول: سمعت أحمد بن محمد الشافعيّ يقول: كانت الحلقة في الفتيا بمكّة في المسجد الحرام لابن عبّاس. وبعد ابن عبّاس لعطاء ابن أبي رباح. وبعد عطاء، لعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. وبعد ابن جريج لمسلم بن [149 أ] خالد الزنجيّ. وبعد مسلم لسعيد بن سالم القدّاح. وبعد سعيد، لمحمّد بن إدريس الشافعيّ، وهو شابّ.
[نفوره من الكلام والمتكلّمين]
وقال الربيع: سمعت الشافعيّ يقول: لئن يلقى الله العبد بكلّ ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من الهوى.- وفي رواية: خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء.
وذلك أنّه رأى قوما يتجادلون في القدر بين يديه، فقال: في كتاب الله تعالى: المشيئة له دون خلقه، والمشيئة إرادة الله، قال الله تعالى: وَما تَشاؤُنَإِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ
[الإنسان: 30]، فأعلم عز وجل خلقه أنّ المشيئة له. (قال): وكان يثبت القدر.
وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم:
سمعت الشافعيّ يقول: لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفرّوا منه كما يفرّ من الأسد! (قال): كان الشافعيّ بعد أن ناظر حفص الفرد يكره الكلام. وكان يقول: لأن يفتي العالم فيقال:
«أخطأ العالم» خير له من أن يتكلّم فيقال:
«زنديق» ، وما شيء أبغض إليّ من الكلام وأهله.
وقال الربيع: وأنشدنا الشافعيّ [البسيط]:
قد نظر الناس حتى أحدثوا بدعا
…
في الدين بالرأي لم تبعث بها الرسل
حتّى استخفّ بحقّ الله أكثرهم
…
وفي الذي حمّلوا من حقّه شغل
(قال): وناظر رجل الشافعيّ في مسألة، فدقّق، والشافعيّ ثابت يجيب ويصيب. فعدل الرجل إلى الكلام في مناظرته، فقال له الشافعيّ:
هذا غير ما نحن فيه! هذا كلام! لست أقول بالكلام: واحدة. وأخرى: ليست المسألة متعلّقة به!
ثمّ أنشأ يقول [الطويل]:
متى ما تعد بالباطل الحقّ يأبه
…
وإن قدت بالحقّ الرواسي تبعد
إذا ما أتيت الأمر من غير بابه
…
ضللت، وإن تقصد إلى الباب تهتد
فدنا منه الرجل فقبّل يده. (قال): وسمعت الشافعيّ يقول: الإيمان قول وعمل: يزيد وينقص.
وقال حرملة بن يحيى: اجتمع حفص الفرد ومصلان الإباضيّ عند الشافعيّ في دار الجرويّ- يعني بمصر- وتناظرا في الإيمان. فاحتجّ مصلان في الزيادة والنقصان، واحتجّ حفص الفرد في أنّ الإيمان قول. فعلا حفص على مصلان وقوي عليه، وضعف مصلان. فحمي الشافعيّ وتقلّد المسألة على أنّ الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فطحن حفص الفرد وقطعه.
وعن أبي عثمان محمد بن محمد الشافعيّ:
سمعت أبي- يعني محمد بن إدريس الشافعيّ- يقول ليلة للحميديّ: ما تحتجّ عليه- يعني الإرجاء-[149 ب] بآية أحجّ من قوله تعالى: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ
وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البيّنة: 5].
وقال الربيع: لمّا كلّم الشافعيّ حفص الفرد فقال حفص: «القرآن مخلوق» ، قال له الشافعيّ:
كفرت بالله العظيم! (قال): وسمعت الشافعيّ يقول: من حلف باسم من أسماء الله تعالى فحنث، فعليه الكفّارة، لأنّ اسم الله غير مخلوق.
ومن حلف بالكعبة وبالصفا والمروة، فليس عليه كفّارة لأنّه مخلوق، وذلك غير مخلوق.
وعن عليّ بن سهل الرمليّ: سألت الشافعيّ عن القرآن، فقال لي: كلام الله، غير مخلوق.
قلت: فمن قال بالمخلوق، فما هو عندك؟
قال لي: كافر!
(قال): وقال الشافعيّ: ما لقيت أحدا منهم- يعني من أستاذيه- إلّا قال: من قال: القرآن مخلوق، فهو كافر.
وعن الربيع: سمعت الشافعيّ يقول في قول الله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطفّفون: 15]: علّمنا بذلك أنّ قوما غير محجوبين، ينظرون [الله] سبحانه، لا يضامون في رؤيته، كما جاء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال:«ترون ربّكم يوم القيامة كما ترون الشمس لا تضامون في رؤيتها» . وفي رواية عن المزنيّ: سمعت إبراهيم بن هرم القرشيّ يقول: سمعت الشافعيّ يقول في قوله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍلَمَحْجُوبُونَ
: فلمّا حجبهم في السخط كان في هذا دليل على أنّهم يرونه في الرّضى- فقال له أبو النجم القزويني: يا أبا إبراهيم، به تقول؟
قال: نعم، وبه أدين.
فقام إليه عصام فقبّل رأسه، وقال: يا سيّد الشافعيّين، اليوم بيّضت وجوهنا!
وعن سعيد بن أسد: قلت للشافعيّ: ما تقول في حديث الرؤية؟
فقال لي: يا ابن أسد، اقض عليّ، حييت أو متّ، أنّ كلّ حديث يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنّي أقول به، وإن لم يبلغني.
وقال الربيع: سمعت الشافعيّ يقول: أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، ثمّ عمر، ثمّ عثمان، ثمّ عليّ.- وفي رواية: سمعت الشافعيّ يقول في الخلافة والتفضيل: نبدأ بأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ. وعن حرملة: سمعت الشافعيّ يقول: الخلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعمر بن عبد العزيز.
وعن الحارث بن سريج النّقّال: سمعت إبراهيم بن عبد الله الحجبيّ يقول للشافعيّ: ما رأيت هاشميّا يفضّل أبا بكر عن عليّ؟
فقال له الشافعيّ: عليّ بن أبي طالب ابن عمّي وابن خالي (1)، وأنا رجل من بني عبد مناف، وأنت رجل من بني عبد الدار، [150 أ] ولو كانت هذه مكرمة، لكنت أولى بها منك، ولكن ليس الأمر على ما تمنّيت.
وعن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم:
سمعت الشافعيّ يقول: ما أرى الناس ابتلوا بشتم أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم إلّا ليزيدهم الله بذلك ثوابا عند انقطاع عملهم.
وعن الحسن بن محمد بن الصبّاح الزعفرانيّ:
قال الشافعيّ: إذا حضر الرافضيّ الوقعة وغنموا لم يعط من الفيء شيئ [ا]، لأنّ الله تعالى ذكر آية الفيء فقال فيها: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ
(1) في الحاشية: صوابه: ابن خالتي، يعني ابن خالة جدّه من قبل أمّه.