الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشافعيّ من كلامه؟ كان له لسان يضعه فيما شاء.
وقال يونس بن عبد الأعلى: ما كان الشافعيّ إلّا ساحر [ا]. ما كنّا ندري ما نقول إذا قعدنا حوله.
وفي رواية: كانت ألفاظ الشافعيّ كأنّها سكّر.
وقال أبو محمّد عبد الملك بن هشام النحويّ صاحب المغازي (1): طالت مجالستنا محمّد بن إدريس الشافعيّ، فما سمعت منه لحنة قطّ، ولا كلمة غيرها أحسن منها.
وقال أحمد ابن أبي سريج: ما رأيت أحدا أفوه ولا أنطق من الشافعيّ.
وقال الربيع: كان الشافعيّ عربيّ النفس عربيّ اللسان.
وقال أحمد بن حنبل: كان الشافعيّ من أفصح الناس، وكان مالك تعجبه قراءته لأنّه كان فصيحا.
وقال الربيع: كلّما ذكرت ما أكل التراب من لسان الشافعيّ هانت عليّ الدنيا.
وقال ابن هشام صاحب المغازي: الشافعيّ ممّن تؤخذ عنه اللغة.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلّام: كان الشافعيّ ممّن تؤخذ عنه اللغة.
وقال الحسن بن عليّ بن الأشعث: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم- وقيل له: كان الشافعيّ حجّة في اللغة- فقال: إن كان أحد من أهل العلم حجّة في شيء، فالشافعيّ حجّة في كلّ شيء.
وقال المبرّد: الشافعيّ من أشعر الناس، وآدب الناس، وأفصح الناس وأعرفهم بالقراءات.
وقال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعيّ يقول: «تعلّموا العربيّة، فإنّها تثبّت العقل، وتزيد
في المروءة». وسمعته يقول: إعراب القرآن أحبّ إليّ من بعض حروفه.
وقال المزنيّ: قرأ رجل على الشافعيّ فلحن.
فقال الشافعيّ: أضرستني!
وقال المازنيّ: سمعت الأصمعيّ يقول: قرأت شعر الشنفريّ على الشافعيّ بمكّة.
وقال عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ: قلت لعمّي: يا عمّاه، على من قرأت شعر هذيل؟
قال: على رجل من آل المطّلب يقال له محمّد بن إدريس.
وقال الزبير بن بكّار: أخذت شعر هذيل ووقائعها عن عمّي مصعب فسألته عمّن أخذها.
فقال: أخذتها عن محمد بن إدريس الشافعيّ حفظا.
وقال أحمد بن صالح: قال لي الشافعيّ: يا أبا جعفر، تعبّد من قبل أن ترأس، فإنّك إن ترأّست لم تقدر أن تتعبّد. (قال): وكان الشافعيّ إذا تكلّم كأنّ صوته صنج أو جرس من حسن صوته.
وقال بحر بن نصر: كنّا إذا أردنا أن نبكي قلنا بعضنا لبعض: قوموا بنا إلى هذا الفتى المطّلبيّ، فإنّه إذا أتيناه استفتح القرآن حتّى يتساقط الناس بين يديه ويكثر عجيجهم بالبكاء، [162 ب] فإذا رأى ذلك أمسك عن القراءة، من حسن صوته.
[براعته في المناظرة]
وقال ابن عبد الحكم: كنت إذا رأيت من يناظر الشافعيّ رحمته.
وقال: لو رأيت الشافعيّ يناظرك لظننت أنّه سبع يأكلك.
وقال: الشافعيّ علّم الناس الحجج.
وقال هارون بن سعيد الأيليّ: لو أنّ الشافعيّ
(1) هو ابن هشام صاحب السيرة النبوية (ت 213).
ناظر على هذه العمد التي من حجارة أنّها من خشب، لغلب، لاقتداره على المناظرة.
وقال يونس بن عبد الأعلى: قال الشافعيّ:
ناظرت بعض أهل العراق فلمّا فرغت قال: زلفت يا قرشيّ (1).
وقال أبو ثور: قال الشافعيّ: قال لي الفضل بن الربيع: أحبّ أن أسمع مناظرتك للحسن بن زياد اللؤلؤيّ.
(قال الشافعيّ: ) قلت: ليس اللؤلؤيّ في هذا الحدّ، لكن أحضر بعض أصحابي حتى يكلّمه بحضرتك.
قال: ذاك لك.
(قال أبو ثور: ) فحضر الشافعيّ، وأحضر معه رجلا من أصحابنا كوفيّا كان ينتحل قول أبي حنيفة فصار من أصحابنا. فلمّا دخل اللؤلؤيّ أقبل الكوفيّ عليه، والشافعيّ حاضر، بحضرة الفضل بن الربيع، فقال: إنّ أهل المدينة ينكرون على أصحابنا بعض قولهم، وأريد أن أسأل مسألة من ذلك.
فقال اللؤلؤيّ: سل!
فقال له: ما تقول في رجل قذف محصنة وهو في الصلاة؟
فقال: صلاته فاسدة.
فقال له: فما حال طهارته؟
قال: طهارته بحالها، ولا ينقض قذفه طهارته.
قال له: فما تقول إن ضحك في صلاته؟
قال: يعيد الطهارة والصلاة.
قال: فقذف المحصنة أيسر من الضحك فيها؟
فقال له: وقفنا في هذا.
ثمّ وثب ومضى، فاستضحك الفضل. فقال له الشافعيّ: ألم أقل لك إنّه ليس في هذا الحدّ؟
*** وعن سعيد بن حاجب: بينما بشر المريسي والشافعيّ يتناظران إذ قال الشافعيّ: هذا كلام تحته معنيان- وكرّر هذه اللفظة.
فقال له بشر: إلى متى تقول: هذا كلام تحته معنيان؟ جعلك الله جرذانة (2) تحت خصى فرعون وهامان!
فغضب الشافعيّ وقال: والله ما يمنعني عن جوابك إلّا ضنّي بعرضي لمثلك يا زنديق! أما علمت أنّ الاستعجال في الكلام فلتات تعتري بعض الأغتام؟
وقال أبو ثور: سمعت الشافعيّ يقول: ناظرت بشرا المريسيّ في القرعة.
فقال: القرعة قمار.
فذكرت ما دار بيني وبينه [163 أ] لأبي البختريّ، وكان قاضيا، فقال: ائتني بآخر يشهد معك حتّى أضرب عنقه.
وسمعت الشافعيّ يقول: قلت لبشر: ما تقول في رجل قتل وله أولياء صغار وكبار: هل للكبار أن يقتلوا دون الأصاغر؟
فقال: لا.
فقلت: فقد قتل الحسن بن عليّ عبد الرحمن بن ملجم، ولعليّ أولاد صغار؟
فقال: أخطأ الحسن بن عليّ.
فقلت له: أما كان جواب أحسن من هذا اللفظ؟
(1) حاشية في الهامش: زلفت: قربت من أفهامهم- لفصاحته.
(2)
الجرذانة: الفأرة (دوزي).
- وهجرته منذ يومئذ.
*** وقال المزنيّ: لمّا وافى الشافعيّ مصر، قلت في نفسي: إن كان أحد يخرج ما في ضميري ويعلق به خاطري من أمر التوحيد، فهو!
فصرت إليه وهو جالس في مسجد مصر، فلمّا جثوت بين يديه قلت له: إنّه قد هجس في ضميري مسألة في التوحيد، فعلمت أنّ أحدا لا يعلم علمك. فما الذي عندك؟
فغضب، ثمّ قال لي: أتدري أين أنت جالس؟
قلت: نعم، أنا جالس بفسطاط مصر في مسجد ما بين أيدي أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ.
قال: هيهات! إنّك بثارات وحثيلات يضرّ بك تياره (1) وأنت لا تعلم. وهذا هو الموضع الذي غرق فيه فرعون. أبلغك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالسؤال عن ذلك؟
قلت: لا.
قال: هل تكلّم فيه الصحابة؟
قلت: لا.
قال: تدري كم نجم [ا] في السماء؟
قلت: لا.
قال: فكوكب من هذه الكواكب التي تراها، تعرف جنسه وطلوعه وأفوله، ممّ خلق؟
قلت: لا.
قال: فشيء تراه بعينك [وهو] خلق ضعيف من خلق الله لست تعرفه، تتكلّم في علم خالقه؟
ثمّ سألني عن مسألة في الوضوء فأخطأت فيها،
ففرّعها على أربعة أوجه، فلم أصب في شيء منها. فقال لي: شيء تحتاج إليه في اليوم مرارا خمسا تدع تعلّمه، وتتكلّف علم الخالق إذا هجس في ضميرك ذلك! ؟ فارجع إلى الله وإلى قوله عز وجل: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ* إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لآيات [البقرة: 163، 164]، فاستدلّ بالمخلوق على الخالق، ولا تتكلّف علم ما لا يبلغه عقلك.
فقلت: قد تبت إذا عدت لذلك.
*** وعن إسحاق بن راهويه: اجتمعت مع الشافعيّ بمكّة، فسمعته يقول عن كراء بيوت مكّة فقلت:
أسألك هذه المسألة لا أجاوز بك إلى [163 ب] غيرها.
قال: ذاك أقدر لك.
وفي رواية: جالست الشافعيّ بمكّة، فأذكرنا في [كراء] بيوت مكّة، وكان يرخّص فيه وكنت لا أرخّص فيه. فذكر الشافعيّ حديثا وسكت.
وأخذت أنا في الباب أسرد. فلمّا فرغت منه قلت لصاحب لي من أهل مرو بالفارسيّة: «مردك مالا نيست» (قرية بمرو). فعلم أنّي راطنت صاحبي بشيء هجّنته فيه. فقال لي: أتناظر؟
قلت: وللمناظرة جئت.
قال: قال الله عز وجل: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ*: أنسبت الديار لمالكيها أم لغير مالكيها؟
وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكّة: من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، وهل ترك لنا عقيل من رباع؟ (2) - فنسب الديار إلى
(1) كلمات غير مفهومة.
(2)
انظر سير أعلام النبلاء 10/ 69 هامش 1 تخريج هذا الحديث.