الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1951 - الملك السعيد بركة خان [658 - 678]
(1)
[172 أ] محمد- ويدعى بركة- بن بيبرس بن عبد الله، السلطان الملك السعيد، ناصر الدين خان، ابن الملك الظاهر ركن الدين أبي الفتح الصالحيّ النجميّ البندقداريّ.
أمّه [
…
] ابنة الملك حسام الدين بركة خان، ابن دولة خان الخوارزميّ، اليمكيّ.
ومولده بالعشّ [من ضواحي مصر] في صفر سنة ثمان وخمسين وستّمائة.
فلمّا كان يوم الخميس ثالث عشر شوّال سنة اثنتين وستّين وستّمائة، أركبه والده الملك الظاهر بشعار السلطنة وخرج من قلعة الجبل بنفسه في ركابه وحمل الغاشية (2) راجلا بين يديه وأخذها منه الأمراء وعليهم الخلع الفاخرة. ولم يبق أحد من أولياء الخدمة إلّا وعمّته الخلع. ورجع الملك الظاهر إلى مقرّ ملكه. ولم يزل الملوك والأمراء والعالم في خدمته إلى باب النصر، ودخلوا من القاهرة رجّالة يحملون الغاشية، وقد زيّنت البلد أحسن زينة، واهتمّ الأمراء بنصب القباب. فشقّ الملك السعيد القاهرة، وأتابكه الأمير عزّ الدين أيدمر الحلبيّ راكب إلى جانبه. ولم تزل الثياب الأطلس والعتابي وغيرها تفرش له تحت حوافر فرسه حتى عاد إلى قلعة الجبل. فلم يبق أمير إلّا وبسط من جهته ثيابا. فحمل من ذلك عدّة أحمال
تفرّقها المماليك السلطانيّة وأرباب المنافع، فكان يوما مشهودا.
وكتب القاضي محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر تقليد الملك السعيد بتفويض عهد السلطنة إليه [ف]- قرئ في يوم الاثنين سابع عشره وقد اجتمع الأمراء وقاضي القضاة والعلماء.
فلمّا كان في ذي القعدة عرض الملك الظاهر عساكر مصر وخلع على الملوك والأمراء والبحريّة والحجّاب والحلقة وأرباب المناصب والعمائم والوزارء والقضاة وأرباب البيوت في تاسعه.
وأصبح الناس في عاشره وقد مدّ سماط عظيم بقلعة الجبل جلس عليه الملك السعيد، وفي خدمته أولاد الملوك وأولاد الأمراء. فلمّا انقضى السماط ختن الملك السعيد ثم ختن من بعده أولاد الأمراء وختن كثير من الأيتام وأبناء الفقراء بمصر والقاهرة بعد ما كسوا وحملوا إلى القلعةحتى ختنوا بها.
وفي سنة سبع وستّين تحدّث الملك الظاهر مع الأمراء في تفويض أمور المملكة لابنه الملك السعيد وتجديد الحلف له، فأجابوه لذلك.
[172 ب] وأجلسه على تخت الملك في يوم الخميس تاسع صفر من السنة المذكورة. وحضر الأمراء وقبّلوا له الأرض وجلس الأمير عزّ الدين الحلبيّ الأتابك بين يديه، والصاحب بهاء الدين ابن حنّا وكتّاب الإنشاء والقضاة والشهود، وحلف له الأمراء وجميع العساكر.
وفي ثالث عشره ركب في الموكب كما يركب والده وجلس بالإيوان وقرئت عليه القصص. وفي العشرين منه قرئ بالإيوان من قلعة الجبل تقليده بتفويض السلطنة إليه. واستمرّ جلوسه مكان أبيه
(1) الوافي 2/ 274 (697)، الدليل الشافي 609 (2092)، الروض الزاهر لابن عبد الظاهر (الفهرس)، النجوم 7/ 259. وتأتي هذه الترجمة في المخطوط مباشرة بعد ترجمة الشافعيّ المبتورة.
(2)
الغاشية بساط فاخر يحمل أمام السلطان في المواكب، وهو من علامات السلطنة (دوزي).
لقضاء الأشغال، وصار يوقّع ويطلق ويركب في المواكب. وأقام الأمير بدر الدين بيليك الخازندار نائبا عن الأمير عزّ الدين أيدمر الحلبيّ. وخرج الملك الظاهر إلى الشام وجعله بديار مصر.
فلمّا كان في سنة اثنتين وسبعين خرج الملك السعيد من قلعة الجبل في ليلة الثاني عشر من شهر رمضان، ومعه عدّة من الأمراء، من غير أن يشعر بخروجه أحد، وتوجّه إلى دمشق فدخلها على حين غفلة من أهلها في سادس عشرينه ولم يدر نائب دمشق إلّا وهو في سوق الخيل بين العسكر.
فنزل بمن معه وقبّلوا له الأرض. ودخل قلعة دمشق وخلع على أمراء الشام يوم عيد الفطر.
وخرج إلى الصيد وسار إلى مصر فوصلها في حادي عشرين شوّال، وذلك كلّه بتدبير أبيه. ثمّ بعث الملك الظاهر من دمشق الأمير بدر الدين بيليك الخازندار لإحضار الملك السعيد من قلعة الجبل، فخرج به على خيل البريد في سلخ المحرّم سنة أربع وسبعين، فدخل إلى دمشق في سادس صفر، وخرج الملك الظاهر إلى لقائه. ثمّ حضر بعد ذلك طلبه ومماليكه. فأقام بدمشق إلى أن عاد مع أبيه في رجب إلى قلعة الجبل، فعقد عقده على غازية خاتون ابنة الأمير سيف الدين قلاوون الألفيّ في يوم الخميس ثاني عشر ذي الحجّة من السنة المذكورة، وقبل العقد عنه الأمير بدر الدين الخازندار، وقبله عن الأمير قلاوون الأمير شمس الدين أقسنقر الفارقانيّ. ومبلغ الصداق خمسة آلاف دينار، المعجّل منها ألفا دينار. وكتب الصداق القاضي محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر وقرأه في المجلس.
فلمّا مات والده الملك الظاهر بدمشق في يوم الخميس ثامن عشرين المحرّم سنة ستّ وسبعين وستّمائة، أخفى الأمراء موته وكتبوا إلى الملك السعيد [173 أ] كتابا صحبة الأمير بدر الدين الحمويّ بذلك، فسار إليه من دمشق إلى قلعة الجبل. فلمّا وقف على الكتاب أظهر الفرح وأخلع على الحمويّ. وبالغ في كتمان موت أبيه وأشاع أنّ الكتاب يتضمّن عود الملك الظاهر إلى ديار مصر.
وأصبح يوم السبت راكبا في المواكب مع الأمراء بسوق الخيل على العادة من غير أن يظهر عليه حزن البتة. فلم يتفطّن أحد بمصر لموت السلطان.
وسار الأمير بدر الدين الخازندار من دمشق بالعساكر والخزائن ومعه محفّة حولها المماليك يوهم الناس أنّ السلطان بها وهو مريض. فمشى ذلك على العسكر حتّى دخلوا إلى قلعة الجبل، وجلس الملك السعيد بالإيوان، ووقف الأمير بدر الدين وغيره بين يديه على العادة. [ف]- صاح الحجّاب: يا أمراء، ترحّموا على السلطان الملك الظاهر، وادعوا لسلطانكم الملك السعيد!
فارتفع الضجيج والبكاء، ووقع الجميع إلى الأرض يقبّلونها، وجدّدت الأيمان للملك السعيد. وتولّى الأمير بدر الدين تحليف العساكر للملك السعيد بحضرة القضاة. فتمّت له السلطنة، وأقرّ الأمير بدر الدين على عادته في النيابة، والصاحب بهاء الدين على حاله في الوزارة، وخلع عليهما وعلى الأمراء والمقدّمين والقضاة والكتّاب. وخطب الخطباء للملك السعيد في يوم الجمعة سابع عشرين صفر، وصلّى على أبيه صلاة الغائب، وبعث البريد إلى الشام بوفاة الملك الظاهر، فدخل إلى دمشق يوم السبت ثاني عشر شهر ربيع الأوّل، وحلف أهل الشام ودخلوا في الطاعة.
فاتّفق موت الأمير بدر الدين الخازندار في
سادس ربيع الأوّل فاتّهم الملك السعيد بأنّه سمّه.
فولي بعده الأمير شمس الدين أقسنقر الفارقانيّ نيابة السلطنة.
وفي يوم الأربعاء سادس عشر ربيع الأوّل ركب الملك السعيد على عادة والده وهو بين الأمراء والمقدّمين والأعيان وعليهم الخلع ونزل من قلعة الجبل إلى تحت الجبل الأحمر، وعاد إلى القلعة، فكان يوما مشهودا لأنّه أوّل ركوبه بعد موت أبيه.
ثمّ إنّ الخاصّكيّة أوهموا الملك السعيد من أقسنقر فقبض عليه بعد أيّام يسيرة وقتله وولّى الأمير سيف الدين كوندك الساقي، فاتّفق مع الأمير قلاوون. وغلب شخص من المماليك يعرف بلاجين الزينيّ على الملك السعيد وضمّ إليه جماعة من الخاصّكيّة [173 ب] وأخذ لهم الإقطاعات واستنجز لهم الصلات وصار كلّما انحلّ إقطاع أخرجه لمن يختار، ونافر النائب ففسد ما بينهما وأخذ كلّ منهما يعمل الحيلة في تلاف الآخر. ومال الأمراء والأكابر مع النائب فصاروا حزبين، وخلا الملك السعيد بنفسه مع مماليكه الأحداث وفرّق فيهم الأموال وقدّم أصاغرهم فحسّنوا له إبعاد الأمراء الأكابر. هذا، وفيهم من الصالحيّة خوشداشيّة أبيه مثل قلاوون الألفيّ وسنقر الأشقر وعلم الدين الحلبيّ وبيسريّ وأمثالهم ممّن كان يأنف من سلطنة الملك السعيد (1) ويستقلّه عن ذلك. فصار السعيد يضع من أقدارهم وقبض على بعضهم ثم أطلقه من يومه. فنفرت قلوبهم منه، إلى أن كان يوم الجمعة خامس عشرين ربيع الأوّل [ف] قبض على الأمير سنقر الأشقر والأمير بدر الدين بيسري واعتقلهما ثلاثة وعشرين يوما، وهذان كانا جناحي أبيه، فعظم ذلك على الأمراء. ودخل خاله الأمير
[محمد بن](2) بركة خان إلى أخته أمّ السعيد وتحدّث معها في أمرهما وقبّح ما فعله السعيد.
فلمّا بلغه ذلك عنه قبض عليه واعتقله ثمّ أفرج عنه وعن الآخرين وخلع عليهم وردّهم إلى مكانهم، فلم تطب قلوبهم له. وتوهّم منه سائر الأمراء وخافوا أن يفعل معهم كما فعل مع الأمير بيليك، فإنّه لم يرع له حفظه المملكة عليه بل سمّه. فاجتمعوا لإجالة الرأي وتدبير أمرهم، فأشار بعضهم بالرحيل إلى الشام. ثمّ اتّفقوا وطلعوا بكرة يوم الخميس إلى القلعة في مماليكهم والزامهم وأجنادهم وأتباعهم ومن انضمّ إليهم، وبعثوا إلى السعيد إنّك قد أفسدت الخواطر وتعرّضت إلى الأمراء الأكابر، فإمّا أن ترجع عن ذلك وإلّا كان لنا ولك شأن. فلاطفهم وبعث إليهم التشاريف فامتنعوا من لبسها. وتردّدت بينهم الرسل حتى تقرّر الصلح، وحلّفه الأمير بدر الدين الأيدمريّ وانصرفوا.
فلمّا كانت سنة سبع وسبعين سار السعيد من القلعة إلى الشام ليتنزّه بها، فدخل دمشق في خامس ذي الحجّة ومعه أخوه الملك المسعود نجم الدين خضر، وأمّه. فبلغه موت الصاحب بهاء الدين ابن حنّا، فولي الوزارة بعده قاضي القضاة برهان الدين السنجاريّ، وجلس بدار العدل وأسقط عن أهل دمشق ما كان قرّره أبوه على البساتين في كلّ سنة.
ثمّ إنّ [174 أ] الخاصّكيّة حسّنوا للسعيد إبعاد الأمراء الأكابر عنه ليتمّ تمكّنهم من عمل أغراضهم (3). فجهّز الأمير قلاوون الألفيّ في عسكر، وجهز الأمير بيسري في عسكر، وأنفق فيهم
(1) في المخطوط: من الملك الظاهر.
(2)
الزيادة من الدليل الشافي 608 (2088) ترجمة «محمد بن بركة خان خال الملك السعيد» .
(3)
الضمير يعود على الخاصّكيّة.
الأموال وسيّرهم إلى جهة سيس فساروا على كره.
فلمّا دخلت سنة ثمان وسبعين قرّر الخاصّكيّة مع السعيد القبض على الأمراء عند عودهم من غزاة سيس وعيّنوا أخبازهم لأقوام منهم. فاطّلع النائب كوندك على هذا، واستغرق السعيد في لذّاته مع خواصّه وبسط يده بإعطاء الأموال الكثيرة لهم وخالف طريقة أبيه. وأطلق لمملوك منهم ألف دينار فتوقّف النائب كوندك فيها ولم يمضها، فاجتمع إليه الخاصّكيّة وفاوضوه في ذلك وأسمعوه كلاما قبيحا وقاموا عنه على غيظ.
وصاروا إلى السعيد وأرادوا منه عزل كوندك عن النيابة، فلم يوافقهم، فألحّوا عليه حتى عزله.
وخرجوا إليه ليمسكوه أو يقتلوه، فحماه عنهم سنقر الأشقر وأخذه عنده فأقام سبعة أيّام. وخرج إليه مرسوم بإمرة أربعين فارسا بحلب.
وأمّا الأمراء فإنّهم غزوا سيس وقتلوا وسبوا، وعبر الأمير بيسري إلى قلعة الروم، وعاد هو والأمراء إلى دمشق. فخرج إليهم كوندك وحدّثهمبما وقع، وأنّ العزم قد قوي على القبض عليهم وحلف لهم على ذلك. فحرّك قوله ما عندهم من الإحن على السعيد، وبعثوا من عذراء (1) إلى السعيد أن يفرّق عنه الصبيان ويرسل إليهم لاجين الزينيّ. فلم يعبأ بقولهم. وكتب إلى من معهم من الظاهريّة يأمرهم بمفارقة الصالحيّة وعبور دمشق.
فوقع حامل الكتب في أيديهم وأخذوا منه الكتب.
وعند ما وقفوا عليها أظهروا الخلاف وساروا إلى الجسور من جهة داريّا، وأعلنوا بذمّ السعيد وأنّه قد أسرف وأفرط في سوء الرأي وأفسد التدبير.
فلمّا بلغه ذلك خاف، وكان لم يتأخّر عنده من الأمراء سوى الأمير سنقر الأشقر، والأمير عزّ
الدين أيدمر نائب الشام، والأمير علم الدين سنجر الحلبيّ الكبير، فبعث إليهم الأمير سنقر الأشقر فعاد من غير أن يبلغ منهم غرضا. فزاد قلقه وتردّدت الرسل بينه وبينهم وهم لا يرضون بالدخول إليه. فبعث إليهم أمّه مع سنقر الأشقر ليسترضيهم [174 ب] فلم يصغوا لقولها ولا انخدعوا لخضوعها، وعادت خائبة. فرحل الأمراء بمن معهم إلى مصر فلم يثبت السعيد وخرج بنفسه في آثارهم جريدة ليتلافى أمرهم فلم يدركهم.
فعاد إلى دمشق وبات بها. وأصبح وجهّز أمّه وخزائنه إلى الكرك وسار من دمشق يوم الجمعة ثامن ربيع الأوّل واستدعى العساكر الشاميّة والعربان وأنفق فيهم، فلمّا وصل غزّة، تسلّل أكثر العربان. وسار إلى بلبيس فنزلها في نصف ربيع الأوّل، وقد سبقه الأمراء إلى القاهرة ونزلوا تحت الجبل الأحمر. فلمّا بلغ الأمراء الذين بقلعة الجبل نزولهم، امتنعوا من تسليمها وحصّنوها. وكان بها الأمير عزّ الدين أيبك الأفرم أمير جاندار، والأمير أقطوان الساقي، وبلبان الزريقيّ. فنزل إلى الأمراء أيبك الأفرم وأقطوان في أصحابهما ليعرفوا الخبر.
فقبضوا عليهما وبعثوا بهما إلى القاهرة فسجنا بدار الأمير قلاوون، وفتحوا أبواب البلد وعبر كلّ أحد إلى داره.
وزحفوا إلى القلعة وحصروها وقد امتنع بها بلبان الزريقيّ، فلمّا بلغ ذلك السعيد وهو في بلبيس خامر عليه من معه من عساكر الشام وعادوا إلى دمشق، ولم يبق مع السعيد إلّا مماليكه وخواصّه، ومن الأمراء الأكابر سنقر الأشقر فقط.
فسار من بلبيس إلى المطريّة، ففارقه سنقر الأشقر واعتزل عنه وعن الأمراء. فبلغ الأمراء مسير السعيد على طريق الجبل الأحمر، فركبوا ليحولوا بينه وبين القلعة. وكان الضباب في هذا اليوم
(1) عذراء بالغوطة (ياقوت).
متراكما بحيث إنّ الفارس لا ينظر من يسايره.
فنجا منهم واستتر عن رؤيتهم وطلع القلعة. فلمّا انكشف الضباب بلغ الأمراء أنّه في القلعة، فزحفوا إلى حصارها. وعند ما استقرّ السعيد بالقلعة تشاجر لاجين الزينيّ مع بلبان الزريقيّ فنزل بلبان إلى الأمراء وصار معهم، وتبعه المماليك شيئا بعد شيء. فأشرف السعيد من برج الرفرف المطلّ على الإسطبل وصاح: يا أمراء، [أنا] أرجع إلى رأيكم ولا أعمل إلّا ما تقولو [ن] هـ!
فلم يجبه أحد منهم، وأظهروا كتبا عنه تطلب جماعة من الفداويّة لقتلهم. فلم يزل الحصار بالقلعة مدّة أسبوع. وكان القائم بهذا الحرب الأمير بيسري، والأمير قلاوون، والأمير أيتمش السعديّ، والأمير أيدكين البندقدار، والأمير بكتاش الفخريّ أمير سلاح، والأمر بيليك الأيدمريّ، في غيرهم من الأمراء والمقدّمين والمغاربة والبحريّة.
فلمّا طال [175 أ] الحصار، بعث الخليفة الحاكم بأمر الله أحمد يقول: يا أمراء، ما غرضكم؟
فقالوا: يخلع السعيد نفسه من الملك ونعطيه الكرك.
فأذعن السعيد لذلك وحلف له الأمراء، وحضر الخليفة والقضاة والأعيان. وأنزل السعيد من القلعة في سابع ربيع الآخر وأشهد عليه أنّه لا يصلح للملك وأنّه قد خلع نفسه. وحلف أنّه لا يتطرّق إلى غير الكرك ولا يكاتب أحدا من نوّاب السلطنة ولا يستميل أحدا من الأجناد.
وس [ا] فر من وقته إلى الكرك ومعه أخوه الملك المسعود (1) نجم الدين خضر في مائة فارس.
فكانت مدّة ملكه بعد أبيه سنتين وشهرين وثمانية أيّام. فوصل إلى الكرك وتسلّمها في خامس عشر جمادى الآخرة فأقام بها.
وملك أخوه بدر الدين سلامش (2) ثمّ خلع، وقام في السلطنة الملك المنصور قلاوون. فبلغه أنّ الملك السعيد قد كاتب النوّاب واستولى على الشوبك فبعث إليه كتابا ينهاه عن ذلك فلم ينته، فجرّد إليه الأمير بدر الدين بيليك الأيدمريّ على جيش في تاسع شوّال سنة ثمان وسبعين، فأخذ الشوبك بعد حصار في عاشر ذي القعدة. فاتّفق أنّ الملك السعيد ركب بميدان الكرك للّعب بالكرة فتقطّر عن فرسه، فصدع وحمّ أيّاما ومات في يوم الخميس عاشر ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وستّمائة- وقيل: في ثالث عشره، وقيل: في ثامن عشره.
فلمّا ورد الخبر بوفاته في العشرين منه، عمل له الملك المنصور عزاء عظيما بإيوان قلعة الجبل وجلس كئيبا ببياض، واجتمع الأمراء والقضاة والأعيان والقرّاء والوعّاظ فكان يوما مشهودا، وكتب إلى سائر الممالك بالصلاة عليه.
وكان ملكا جوادا فيه لين ومحبّة لفعل الخير.
أزال في أيّامه عدّة مظالم وأبطل جهات من المكوس.
ثمّ إنّه نقل من الكرك إلى دمشق فوصلت به أمّه في ثامن عشرين ربيع الآخر سنة ثمانين وستّمائة، فرفع من خارج سور دمشق ودلّي إلى المدينة، وحمل إلى مدرسة أبيه في الليل فوضع معه في قبره. وألحده القاضي عن الدين [
…
] ابن
(1) في المخطوط: السعيد.
(2)
العادل سلامش تسلطن ثلاثة أشهر وخلعه قلاوون.
الدليل الشافي 315 (1071). أمّا المسعود خضر فملك الكرك بعد أخيه السعيد، الدليل 288 (988).