الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يروي عن ابن وهب. توفّي يوم الأحد لثمان خلون من جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين ومائتين.
قال مسلمة بن قاسم: يعرف بتليل، مصريّ ثقة.
2262 - البوصيريّ صاحب البردة [- 695]
(1)
[250 أ] محمّد بن سعيد بن حمّاد بن تحسن بن أبي سرور بن عبد الله بن ملاك بن صنهاج- وقيل:
محمّد بن سعيد بن حمّاد بن تحسن بن عبد الله بن حيّانيّ- الحبنونيّ، الصنهاجيّ، أبو عبد الله، شرف الدين، الدلاصيّ المولد، المغربيّ الأصل، البوصيريّ المنشإ، صاحب القصيدة المعروفة بالبردة.
أصله من قلعة حمّاد ببلاد المغرب، من قبيل يقال لهم بنو حبنون، بحاء مهملة ثمّ باء موحّدة بعدها نون وواو ثمّ نون، على وزن زيدون.
وكان أبوه من ناحية بوصير، أمّه من ناحية دلاص، فركّب لنفسه منهما نسبا وقال:
الدلاصيريّ، واشتهر بالبوصيريّ.
ومولده بناحية دلاص في يوم الثلاثاء أوّل شوّال سنة ثمان- وقيل: سنة عشر، وقيل: سنة تسع- وستّمائة. وبرع في النظم، وتخصّص بالوزير زين الدين يعقوب بن الزبير، وانقطع إليه بمصر وصار يقترح عليه.
فاتّفق أنّه أصابه فالج أبطل نصفه، وتعطّل مدّة بحيث عجز عن الانقلاب في الفرش من جانب إلى آخر. فلمّا أمضّه ذلك عزم على نظم قصيدة في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشفع به إلى الله تعالى، عساه ينجّيه ممّا به. فنظم القصيدة التي تعرف بالبردة. وأوّلها [البسيط]:
أمن تذكّر جيران بذي سلم
…
مزجت دمعا جرى من مقلة بدم؟
وكرّر إنشادها مرارا وتشفّع إلى الله سبحانه بنبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم في إزالة كربه، وأكثر من البكاء والدعاء.
ونام فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه وكأنّه يمسح بيده المقدّسة على ما به من الوجع، ثمّ ألقى عليه برده.
فانتبه وقد عوفي. فقام من فوره وخرج من منزله- وكان ما تقدّم ذكره سرّا فيما بينه وبين الله سبحانه لم يطلع عليه أحدا من الناس- فلقيه بعض الفقراء وقد خرج من بيته، وقال له: أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: وأيّ قصيدة تريد؟ فإنّي مدحته صلى الله عليه وسلم بقصائد كثيرة.
فقال: التي أنشأتها في مرضك، التي أوّلها:
…
والله لقد سمعناها البارحة، وهي تنشد بين يدي من صنّفت فيه ورأيته صلى الله عليه وسلم يتمايل عند سماعها كتمايل القضيب الرطب، وأعجبته، وألقى على من أنشدها برده.
[250 ب] فأعطاه القصيدة، وشاع المنام بمصر حتّى بلغ الصاحب الكبير بهاء الدين عليّ بن محمّد بن حنّا، فانتسخها ونذر أن لا يسمعها إلّا وهو قائم مكشوف الرأس. فسمعها كذلك وأعجب بها وتبرّك هو وأهله بسماعها. وشاع ذلك بين الناس. فاتّفق أنّ سعد الدين [
…
] الفارقيّ موقّع الصاحب رمد رمدا شديدا أشفى منه على العمى. فرأى في منامه كأنّه يقال له: اذهب إلى الصاحب بهاء الدين وخذ منه البردة [و] ضعها على عينيك تبرأ من وقتك.
فلمّا أتاه وقصّ عليه ما رأى قال: والله ما عندي من آثار النبيّ صلى الله عليه وسلم بردة.- وفكّر ساعة ثمّ قال: لعلّ المراد قصيدة البردة؟ فنحن نتبرّك بها- وأمر عبده
(1) الوافي 3/ 105 (1045)، ديوان البوصيري نشر محمّد سيّد كيلاني، القاهرة 1955، وقد نقل هذه الترجمة ص 237، دائرة المعارف الإسلاميّة الملحق 158.
ياقوت أن يقول للخادم: افتح صندوق الآثار وأخرج القصيدة من حقّ العنبر وائت بها.
فلمّا جاءت وضعها الفارقيّ على عينيه وقرئت عليه، وكان الشفاء. فسمّيت من حينئذ «البردة» ، واشتهرت بديار مصر، والشام، والمغرب، والحجاز، واليمن، شهرة لا مزيد عليها. وزادوا في تعظيمها حتى عملوها تميمة تعلّق على الرءوس، وزعموا فيها مزاعم كثيرة من أنواع البركة. وهم على ذلك إلى يومنا هذا.
وكان البوصيريّ شيخا مختصر الجسم، وفيه كرم، وله شعر فائق. قال فيه فتح الدين محمّد ابن سيّد الناس: هو أحسن شعرا من الجزّار والورّاق (1).
وكان يعاني صناعة الكتابة الديوانيّة، ويتصرّف في المباشرات، وباشر في الشرقيّة ببلبيس، ورمى المباشرين بالأوابد.
ومات في يوم [
…
] سنة خمس وتسعين وستّمائة بالمارستان المنصوريّ من القاهرة.
ومن شعره [الطويل]:
تجنّب أحاديث الحسود فواجب
…
تجنّبه فيما يقول ويفعل (2)
وكلّ حسود ما عدته ملامة
…
وكلّ لئيم ما عليه معوّل
متى قال عنّي السوء عندك إنّه
…
كذاك يقول السوء عنك وينقل
وقال في المركب الذي فوق الإمام الشافعيّ رحمه الله عليه [الطويل]:
بقبّة قبر الشافعيّ سفينة
…
رست من بناء محكم فوق جلمود (3)
ومذ غاض طوفان العلوم بموته
…
استوى الفلك من ذاك الضريح على الجودي
وذكره الشهاب أحمد بن فضل الله في كتاب مسالك الأبصار (4)، وقال: حكى لي شيخنا شهاب الدين أبو الثناء محمود رحمه الله قال: كان البوصيريّ على غزارة [251 أ] فضله ممقوتا لإطلاق لسانه في الناس بكلّ قبيح، وذكره لهم بالسوء في مجالس الأمراء والوزراء. (قال):
وكنت أشتهي أن أراه وأتمنّى قدوم مصر للقياه.
فلمّا نقلت إلى مصر في الأيّام الأشرفيّة، سألت عنه في الطريق قبل دخول البلد، فقيل لي أنّه مات. وكان قد مرض مرضة طويلة أغمي عليه فيها، فشيع عليه أنّه مات وطارت هذه الشائعة واستقرّت في كثير من النفوس. (قال): فأسفت على فوات لقائه، ثمّ لم تمض عليّ إلّا مدّة حتّى طرق عليّ الباب، فقلت: من أنت؟
فقال: البوصيريّ.
فشرعت أردّد السؤال لأستثبته إلى أن قال:
كأنّك قيل لك إنّي متّ؟
فقلت: قد قالوا هذا.
فأنشدني بديها [الخفيف]:
عاش [من] بعد موته البوصيري
…
وحياة الكلاب موت الحمير (5)
عاش قوم مذ قيل إنّي قد م
…
تّ فماتوا قبلي بوخز الصدور
(1) الجزّار: يحيى بن عبد العظيم (ت 679)، والورّاق: عمر بن محمد بن الحسن (ت 695) وعثمان بن سعيد اب لؤلؤ (ت 685) الآتي ترجم لهم ابن شاكر في الفوات: 4/ 277 و 3/ 140 و 2/ 440 وكانت بينهم مساجلات.
(2)
ديوان البوصيري 231.
(3)
الديوان 231.
(4)
مسالك الأبصار 18/ 247، والزيادة منها.
(5)
الديوان 231.
ترجمة البوصيري
251 أمن مخطوط ليدن 1
لست ممّن يموت أو يقدموني
…
وأبكّي عليهم في القبور
وصحيح بأنّي قد كنت قد م
…
تّ وأحياني جود هذا الوزير
فقلت له: الحمد لله على بقائك وسلامتك- ثمّ أدخلته الدار، فتحادثنا. وشكا إليّ فاقة عظيمة وضرورة زائدة، فقلت له: أتقول إنّ جود هذا الوزير أحياك، وهذه شكواك؟
فقال: أحياني بتجبّره بهؤلاء الفعلة الصنعة الكتّاب.
فقلت: دع هذا، وكمّل على هذه الأبيات في مدح الوزير لأعرضها لك عليه، فلعلّها تكون سببا لإحسانه إليك.
ففعل، فكان كما قلت.
(قال): وأمّا البردة، فحكى لي غير واحد ممّن أثق به أنّ رجلا كان من الكتّاب بمطابخ السكر [251 ب] السلطانيّ مغرى بكتابة هذه القصيدة- يعني البردة- مغرما بها، ولا يزال يذكر عظيم النفع بها، وأنّه ما استشفى بها أحد إلّا شفي واستغنى بها عن الدواء. وكان رفيق نصراني معاند يهزأ به إذا قال مثل هذا، ولا يقدر أن يتكلّم، إلى أن حصل لابن صغير له رمد كاد يذهب بعينه.
فأتاه به غلام له يحمله يوما وهو في مكان مباشرته، والنصرانيّ إلى جانبه. فلمّا رآه أبوه قال للغلام: اذهب إلى الكحّال فأره له ودعه يكحّله [ويصف له ما يراه من الطعام والشراب وغير ذلك].
فرأى النصرانيّ أن قد جاءه وقت الكلام، فقال: ما حاجة إلى الكحّال؟ تكفيه البردة!
فغضب المسلم وقال: نعم! تكفيه البردة! والله لا طبّبته بغيرها! خذ يا غلام هذه البردة وضعها على عينيه، ولا تكحّله. ودعه يأكل ما أراد- ودفعها إليه.
فأخذه الغلام وذهب به. وكان ذلك يوم السبت. فلمّا أصبح بكرة يوم الأحد، نظر إليه أبوه فرأى الحمرة قد تقشّعت، وصفت حمرة عينيه، وسكن ما به. فحمله وأتى به النصرانيّ في كنيسته، وقال: انظر! كيف ترى نفع البردة؟
فوجم النصرانيّ ولم يتكلّم، فلمّا كان يوم الاثنين زال ما كان بالصغير حتّى كأنّه لم يكن، فأتى به أبوه النصرانيّ فقال: انظر كيف هو اليوم!
فقال النصرانيّ: لا شكّ بعد عيان! - وأسلم وحسن إسلامه، ثمّ كان من أشدّ الناس تعلّقا بها.
وكان الملك الظاهر قد أمر بكسر أوعية الخمر وشدّد فيها، فقال [الوافر]:
نهى السلطان عن شرب الحميّا
…
وصيّر حدّها حدّ اليمانيّ (1)
فما جسرت ملوك الجنّ منه
…
لخوف القتل تدخل في القنانيّ
فبلغت السلطان فقال: لو كنت أجتمع بشاعر لاجتمعت به.
ولمّا عمّرت [252 أ] المدرسة المنصوريّة والمارستان بالقاهرة، أكثر الشعراء في وصفهما ومدحوا الأمير سنجر الشجاعيّ متولّي عمارتها. فممّن أنشده، البوصيري، [ب] قصيدة فريدة أوّلها [الكامل] (2):
عمّرت مدرسة ومارستانا
…
لتصحّح الأديان والأبدانا
(1) الديوان 6/ 231.
(2)
بالهامش من خطّ مغاير: ح: هذه القصيدة التي ذكر المترجم مطلعها إنّما هي للسراج عمر بن [محمد بن] الحسن الورّاق، وهي مذكورة في ديوانه بخطّه. وليست للبوصيريّ. وهي مفقودة من ديوان البوصيري.