الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتبه]
وكان مولده لتسع بقين من شهر رمضان سنة أربع وستّين ومائتين. وكان مقتدرا على علم القضاء والفقه. وعمل كتاب أدب القضاة في أربعين جزءا. وكتاب الرائض في الفقه، في نحو مائة جزء. وله كتاب جامع الفقه، وكتاب المسائل المنثورة، وكتاب الردّ على محمد بن عليّ النسائيّ. وكتاب استئذان البكر في تزويجها.
وقال فيه أحمد بن علي الكحّال (1) من أبيات [الكامل]:
كالشافعيّ تفقّها والأصمع
…
يّ تفهّما والتابعين تزهّدا
ولم يزل ينظر منفردا إلى سلخ شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، فكانت أيّامه هذه ستّة أشهر.
ولمّا ورد الحسين بن عيسى بن هارون إلى مصر في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، اتّفق وجوه مصر على أبي بكر ابن الحدّاد. فاستخلفه الحسين بن عيسى وسلّم إليه قضاء مصر وأعمالها. وحكم بحضرته، وركب معه لرؤية شهر رمضان.
وقال في كتاب الذيل على كتاب [103 أ] الأمراء بمصر للكنديّ: وكان كافور مداوما للجلوس في مجلس المظالم في كلّ يوم سبت، ويحضر القضاة والشهود. وكان قاضي مصر يومئذ، عبد الله بن محمد الخصيبيّ، يحضره هو وابنه محمّد. فتكلّم القاضي يوما في شيء جرى. فعارضه أبو بكر ابن الحدّاد لاتّساع علمه، ولأنّه أيضا قاض. فقال له الخصيبيّ: كم تعارض! مائة ألف مثلك على المزابل، وواحد مثلي لا يوجد!
فقال ابن الحدّاد: أترضو [ن] بهذا الكلام؟
فأنكر كافور وكلّ من سمعه هذا الكلام، لأنّ أبا بكر كان عين وقته علما وفصاحة.
[المنافسة مع القاضي الخصيبيّ]
ثمّ عارض أبو بكر ابن الحدّاد الخصيبيّ في مجلس آخر. فقال له الخصيبيّ: كم تعارضني!
فقال له ابن الحدّاد: أعارضك [إذا أخطأت](2) وأدقّ عنقك- وحسر عن ساعده، وفرغ المجلس وانصرفوا. فظهر من كافور إنكار ما جرى، تعصّبا للخصيبيّ. وسعى الخصيبيّ وتشفّع إلى كافور بأن يحجب ابن الحدّاد وجماعة الحاضرين، إلّا الخصيبيّ وابنه وشاهدين- وعاونه على ذلك قوم- فحجب في المجلس الآخر ابن الحدّاد وجماعة.
وسفر نحرير شويزان في أمر ابن الحدّاد، وركب معه عشيّة إلى كافور واستأذنه. فأذن له وحجب ابن الحدّاد. فقال نحرير: لا أدخل إلّا بالشيخ! - فأذن لهما، فدخلا. فقال نحرير لكافور: أيّها الأستاذ، هذا الشيخ أبو بكر الفقيه الفاضل المتقن.
فقال كافور: والخصيبيّ أيضا!
فقال نحرير: ولا سواء. هذا الشيخ عالم، ومثله الذي يتجمّل به. والخصيبيّ خاطب الشيخ بما لا يصلح ولا يحسن.
فقال كافور: وقد خاطبه هو أيضا.
فاغتاظ أبو بكر ابن الحدّاد وقال متمثّلا:
فلو كنت ضبّيّا عرفت قرابتي
…
فوضع أبو محمد السوكيّ كاتب كافور يده على فم ابن الحدّاد لئلّا يتمّ البيت- لأنّه كان يحفظه.
وانصرف ابن الحدّاد، وتخلّف نحرير. فقال
(1) عند الكنديّ 557: أحمد بن أبي الكحّال.
(2)
زيادة من الكندي 553.
كافور: إيش قال؟ شتمني؟
فقيل له: لا.
ثمّ لم يبرح تحرير حتّى قرّر حضور ابن الحدّاد المجلس. وكان فيما قال لكافور: أيّها الأستاذ، الصدق أنّه ليس يجمل هذا الشيخ الحضور، وإنّما حضوره يجمل، وتأخّره عظيم يكتب إلى الآفاق به [فتحصل الشفاعة](1).
فقال كافور: ما حجبته.- وتقدّم بإكرامه وأن يرسل إليه.
قال ابن زولاق: والبيت الذي أنشده [الطويل]:
فلو كنت ضبّيّا عرفت قرابتي
…
ولكنّ زنجيّا عظيم المشافر
[103 ب] ثمّ انصرف السوكيّ من عشيّته إلى ابن الحدّاد يلومه على ما أنشد. فقال له: يا أبا محمّد، كنت تدع [ن] ي أتمّ البيت، فو الله ما يصل إليّ ولا يقدر على مكروهي.
وتعصّب أبو الفضل جعفر بن الفرات الوزير لأبي بكر ابن الحدّاد فبلّغه في الحضور ما أحبّ.
ولم يزل ابن الحدّاد ملازما لمجلس كافور على مضض، إلى أن تأهّب أبو الفضل الوزير للحجّ، فاغتنم ابن الحدّاد ذلك وتجهّز [للحجّ في] ضيق صدر. وحفظ عليه، وقد ركب محمله وهو يقول:
هو ذا أخرج وأدع مصر للخصيبيّ! - وسار وهو يقول: اللهمّ، لا تمتني في دار غربة!
فاستجيبت الدعوة، واعتلّ في نصف الطريق وهو راجع. وتوفّي في محمله موضع القاهرة اليوم، ودفن في وطنه.
وقال القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة
القضاعي في كتاب الخطط: أبو بكر محمد بن أحمد ابن الحدّاد القاضي: توفّي منصرفه من الحجّ في سنة أربع وأربعين وثلاثمائة بمنية جريج على باب مدينة مصر- وقيل: في موضع القاهرة- وقبره في بحر محمود على يمين من يمضي إلى الخندق، وكان على ظاهر حجرته رخام فقلع. وهو مجاور قبر أبي الحسن بن طاهر الصوّاف.
وكان يخلف القضاة، ثمّ ولي القضاء رئاسة.
وكان متصرّفا في علوم كثيرة: من علوم القرآن، والفقه، والحديث، والشعر، وأيّام العرب، والنحو واللّغة، وغير ذلك. ولم يكن في زمانه مثله وكان محبّبا إلى الخاصّ والعامّ. وحضر جنازته الأمير أبو القاسم أونوجور ابن الإخشيد، وكافور، وجماعة أهل البلد، وله تسع وسبعون سنة وأربعة أشهر ويومان. وكان مولده في اليوم الذي مات فيه المزنيّ، وهو لستّ بقين من شهر رمضان سنة أربع وستّين ومائتين.
وقال السمعانيّ: كان يقال: عجائب الدنيا ثلاث: غضب الجلّاد، ونظافة السّماد، والردّ على ابن الحدّاد. وكان ابن الحدّاد هذا تولّى قضاء مصر دفعتين وتكرّر في نيابة القضاء كرّات. وكان قد حجّ، فلمّا قدم من الحجّ توفّي في طريق الجبّ بين مصر وجبّ عميرة في المحرّم سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، ودخل به ميتا في محمله، ودفن بسفح المقطّم عند أبيه وأمّه.
وقال ابن خلّكان: توفّي يوم قدومه من الحجّ سنة خمس وأربعين. قال ابن زولاق في حوادث سنة خمس وأربعين: ففي صفر منها وافى حاجّ البرّ [104 أ] ووافى أبو بكر ابن الحدّاد الفقيه ميتا في محمله، فأخرج من الغد. وكانت جنازته عظيمة، وحضرها الأمير أونوجور والأستاذ كافور.
(1) الكندي 554.