المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وخطباء أمته، لأن سورة واحدة وآيات يسيرة كانت أنقض لقوله، - المنار في علوم القرآن مع مدخل في أصول التفسير ومصادره

[محمد علي الحسن]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌بين البرهان والإتقان في علوم القرآن

- ‌الفصل الأول القرآن الكريم

- ‌المبحث الأول تعريف القرآن لغة وشرعا

- ‌1 - المعنى اللغوي:

- ‌2 - المعنى الشرعي:

- ‌المبحث الثاني أسماء القرآن

- ‌الفرق بين القرآن والحديث القدسي:

- ‌المبحث الثالث لغة القرآن

- ‌المناقشة والرد والنقض لهذه الأدلة:

- ‌المبحث الرابع إعجاز القرآن

- ‌وجه الإعجاز القرآني:

- ‌الإعجاز العلمي:

- ‌وجوه فاسدة في إعجاز القرآن (القول بالصّرفة)

- ‌المبحث الخامس ترجمة القرآن

- ‌حكم قراءة الترجمات القرآنية في الصلاة:

- ‌المبحث السادس القصة في القرآن

- ‌الفصل الثاني الوحي

- ‌المبحث الأول تعريف الوحي لغة وشرعا

- ‌1 - المعنى اللغوي:

- ‌2 - المعنى الشرعي:

- ‌المبحث الثاني دليل الوحي

- ‌المبحث الثالث مراتب الوحي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ومظهر النبيّ مع تلك المراتب

- ‌الفصل الثالث نزول القرآن

- ‌تمهيد نزول القرآن [منجما]

- ‌معنى نزول القرآن:

- ‌كيفية نزول القرآن وحكمة تنجيمه:

- ‌هل للقرآن نزول آخر غير المعروف على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول أول وآخر ما نزل من القرآن

- ‌أولا: أول ما نزل من القرآن إطلاقا:

- ‌ثانيا: آخر ما نزل من القرآن إطلاقا:

- ‌موقف العلماء من هذه الأقوال:

- ‌شبهات في آخر ما نزل من القرآن:

- ‌خطأ شائع في ادعاء أن آية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ هي آخر ما نزل:

- ‌المبحث الثاني المكي والمدني من القرآن المراد بالمكي والمدني:

- ‌الطريق لمعرفة المكي والمدني:

- ‌مميزات المكي والمدني:

- ‌أما السور المدنية فأهم مميزاتها:

- ‌المبحث الثالث نزول القرآن على سبعة أحرف

- ‌ما يستفاد من هذه الأحاديث:

- ‌معنى الأحرف السبعة

- ‌المعنى اللغوي:

- ‌المعنى الاصطلاحي للأحرف السبعة:

- ‌المبحث الرابع القراءات القرآنية

- ‌أولا: تعريف القراءات:

- ‌معناها اللغوي:

- ‌معناها الاصطلاحي:

- ‌نشأة القراءات:

- ‌أركان القراءات

- ‌1 - صحة السند:

- ‌2 - موافقة القراءة للرسم العثماني:

- ‌3 - موافقة القراءة للغة:

- ‌نظرة في الأركان:

- ‌أشهر القراء من الصحابة:

- ‌أشهر القراء التابعين:

- ‌القراءة السبعة وغيرهم:

- ‌ القراء السبعة

- ‌1 - نافع:

- ‌2 - ابن كثير:

- ‌3 - أبو عمرو البصري:

- ‌4 - ابن عامر الشامي:

- ‌5 - عاصم الكوفي:

- ‌6 - حمزة الكوفي:

- ‌7 - الكسائي الكوفي:

- ‌تمام القراء العشرة:

- ‌8 - أبو جعفر المدني:

- ‌9 - يعقوب البصري:

- ‌10 - خلف البزار:

- ‌تمام القراء الأربعة عشر:

- ‌11 - الحسن البصري:

- ‌12 - ابن محيصن:

- ‌13 - يحيى اليزيدي:

- ‌14 - الأعمش:

- ‌حكم ما رواء العشرة:

- ‌المبحث الخامس أسباب نزول

- ‌لمحة تاريخية سريعة عن هذا العلم

- ‌أولا- تعريف أسباب النزول:

- ‌ثانيا: الألفاظ الدالة على سبب النزول:

- ‌ثالثا: طريق معرفة أسباب النزول:

- ‌فوائد أسباب النزول:

- ‌من هذه الفوائد:

- ‌حالات تعدد روايات أسباب النزول

- ‌الفصل الرابع جمع القرآن الكريم

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول الجمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌كيفية جمع زيد للقرآن (في عهد أبي بكر):

- ‌المبحث الثالث الجمع في عهد عثمان رضي الله عنه

- ‌ما يستفاد من هذه الرواية:

- ‌المبحث الرابع ترتيب الآيات والسور القرآنية

- ‌أولا: ترتيب الآيات:

- ‌معنى الآية لغة:

- ‌حكم ترتيب الآيات:

- ‌ثانيا- السور القرآنية:

- ‌حكم ترتيب السور القرآنية

- ‌في ترتيب السور ثلاثة آراء:

- ‌1 - ترتيب جميع السور توقيفي

- ‌2 - ترتيب جميع السور اجتهادي

- ‌3 - ترتيب بعض السور توقيفي وبعضها الآخر اجتهادي

- ‌المبحث الخامس رسم المصحف

- ‌شكل المصحف وإعجامه

- ‌الفصل الخامس من مباحث علوم القرآن

- ‌المبحث الأول العامّ والخاصّ

- ‌المبحث الثاني المطلق والمقيّد

- ‌متى يحمل المطلق على المقيد:

- ‌المبحث الثالث المنطوق والمفهوم

- ‌1 - المنطوق:

- ‌2 - المفهوم:

- ‌ما لا يعمل به مفهوم المخالفة:

- ‌المبحث الرابع التعريف بالنسخ

- ‌معنى النسخ لغة:

- ‌معنى النسخ شرعا:

- ‌ما يستفاد من هذا التعريف:

- ‌دليل مشروعية النسخ:

- ‌المنكرون للنسخ:

- ‌طريق معرفته:

- ‌أنواع النسخ:

- ‌1 - منسوخ الحكم دون التلاوة:

- ‌2 - منسوخ التلاوة دون الحكم:

- ‌3 - منسوخ التلاوة والحكم معا:

- ‌النسخ بين مصادر التشريع الإسلامي:

- ‌شبهة مردودة في هذا النوع من النسخ:

- ‌«كلمة أخيرة لا بد منها» [في الفرق بين النسخ والتخصيص والتقييد]

- ‌المبحث الخامس المحكم والمتشابه

- ‌مدلولهما اللغوي:

- ‌مدلولهما الاصطلاحي:

- ‌منشأ التشابه

- ‌الفصل السادس أصول التفسير ومصادره

- ‌المبحث الأول معنى التفسير والتأويل

- ‌معناهما اللغوي:

- ‌معناهما الاصطلاحي:

- ‌تعريف التفسير كفن مدون:

- ‌المبحث الثاني لمحة موجزة عن تاريخ التفسير وتطوره

- ‌تاريخ التفسير ومراحل تطوره:

- ‌ الدور الأول

- ‌ الدور الثاني

- ‌وأشهر المفسرين من الصحابة:

- ‌1 - ابن عباس رضي الله عنهما:

- ‌2 - علي بن أبي طالب:

- ‌ الدور الثالث-- التفسير في عهد التابعين

- ‌ مدارس التفسير

- ‌1 - مدرسة مكة:

- ‌2 - مدرسة المدينة:

- ‌3 - مدرسة العراق:

- ‌تدوين التفسير:

- ‌المبحث الثالث مصادر التفسير

- ‌المصدر الأول القرآن الكريم

- ‌كيف تتم عملية تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌أظهر صور تفسير القرآن للقرآن:

- ‌المصدر الثاني سنة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌القدر الذي بينته السنّة من القرآن:

- ‌(فصل في أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه معاني القرآن)

- ‌مناقشة الأدلة التي استشهد بها القائلون بشمول البيان النبوي:

- ‌المصدر الثالث أقوال الصحابة

- ‌موقفنا من اختلاف الصحابة في التفسير:

- ‌المصدر الرابع الرأي أو الاجتهاد

- ‌أدلة المجيزين للتفسير بالرأي:

- ‌أما أدلة المانعين فقد استدلوا:

- ‌المصادر المعتلة في التفسير الإسرائيليات

- ‌كيف تسربت الإسرائيليات إلى التفسير:

- ‌حكم التفسير بالإسرائيليات

- ‌المبحث الرابع شروط المفسر

- ‌أولا: علوم اللغة العربية:

- ‌ومن أهم علوم اللغة العربية:

- ‌أ- علوم النحو:

- ‌ب- علم الصرف:

- ‌ج- الاشتقاق:

- ‌د- علوم البلاغة:

- ‌ثانيا: علم أصول الفقه:

- ‌ثالثا: علم أصول الدين ويطلق عليه علم الكلام:

- ‌رابعا: علوم القرآن:

- ‌أ- علم القراءات:

- ‌ب- أسباب النزول:

- ‌ج- الناسخ والمنسوخ:

- ‌د- علم القصص:

- ‌خامسا: العلم بالأحاديث النبوية المفسرة للآيات القرآنية

- ‌سادسا: العلم بتفسير الصحابي:

- ‌المبحث الخامس أنواع التفسير

- ‌أولا: التفسير بالمأثور

- ‌أشهر المفسرين في التفسير بالمأثور:

- ‌1 - الطبري (224 - 310 ه

- ‌مكانته العلمية:

- ‌طريقته في التفسير:

- ‌2 - ابن عطية الأندلسي

- ‌مكانته العلمية:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌التفسير بالمأثور والرأي- عند ابن عطية:

- ‌ومن أمثلة التفسير بالمأثور عنده:

- ‌تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌ومثال تفسير القرآن بالحديث:

- ‌اهتمامه بالقراءات:

- ‌عرضه للأحكام الشرعية:

- ‌ردّه للإسرائيليات:

- ‌قيمة تفسير ابن عطية:

- ‌3 - السمرقندي: (…- 373 ه

- ‌طريقته في التفسير:

- ‌4 - الثعلبي: (…- 427 ه

- ‌التعريف بتفسيره «الكشف والبيان عن تفسير القرآن» وطريقته في التفسير:

- ‌موقفه من الإسرائيليات:

- ‌5 - ابن كثير: (700 - 774 ه

- ‌مكانته العلمية:

- ‌التعريف بتفسيره (تفسير القرآن العظيم) وطريقته فيه:

- ‌موقفه من الإسرائيليات:

- ‌6 - الثعالبي: (…- 876 ه

- ‌التعريف بتفسيره (الجواهر الحسان) وطريقته فيه:

- ‌7 - السيوطي: (849 - 911 ه

- ‌التعريف بتفسيره (الدر المنثور في التفسير المأثور):

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌ثانيا- التفسير بالرأي والدراية

- ‌أهم كتب التفسير بالرأي:

- ‌1 - الزمخشري (467 - 538 ه

- ‌التعريف بتفسيره (الكشاف) وطريقته فيه:

- ‌اهتمام الزمخشري بالناحية البلاغية للقرآن:

- ‌مبدأ الزمخشري في التفسير عند ما يصادم النص القرآني مذهبه:

- ‌انتصاره لعقائد المعتزلة:

- ‌انتصاره لرأي المعتزلة في أصحاب الكبائر:

- ‌انتصاره لمذهب المعتزلة في الحسن والقبح العقليين:

- ‌حملة الزمخشري على أهل السنة:

- ‌موقف الزمخشري من المسائل الفقهية:

- ‌موقف الزمخشري من الإسرائيليات:

- ‌2 - الرازي وتفسيره مفاتيح الغيب (543 - 606 ه

- ‌3 - أبو حيان وتفسيره البحر المحيط:

- ‌مكانته العلمية:

- ‌منهجه في تفسير البحر المحيط:

- ‌عنايته باللغة والنحو:

- ‌عنايته بالقراءات المتواترة والشاذة:

- ‌اهتمامه بالأحكام الفقهية:

- ‌موقفه من الإسرائيليات والرد على الفرق:

- ‌رده على الفرق الإسلامية:

- ‌ثالثا: التفسير الإشاري

- ‌كتب التفسير الإشاري:

- ‌1 - النيسابوري:

- ‌2 - تفسير التستري:

- ‌3 - تفسير الفتوحات المكية لابن عربي:

- ‌4 - الألوسي:

- ‌نصيحة خالصة:

- ‌رابعا: التفسير الفقهي لآيات الأحكام

- ‌أولا: أحكام القرآن للجصاص (305 - 370 ه

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌ثانيا: أحكام القرآن لإلكيا الهراسي الشافعي (450 - 540 ه

- ‌ثالثا: أحكام القرآن، لابن العربي:

- ‌مكانته العلمية:

- ‌مؤلفاته:

- ‌ظاهرة التعصب للمالكية عند ابن العربي:

- ‌إنصافه لمخالفيه أحيانا:

- ‌موقفه من الإسرائيليات:

- ‌رابعا: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي

- ‌مكانته العلمية:

- ‌مؤلفاته:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌منهجه في التفسير الأخذ بالمأثور والرأي:

- ‌موقفه من القراءات المتواترة والشاذة:

- ‌احتكامه إلى اللغة والنحو:

- ‌اهتمامه بالأحكام الفقهية والأصول:

- ‌ظاهرة التعصب المذهبي:

الفصل: وخطباء أمته، لأن سورة واحدة وآيات يسيرة كانت أنقض لقوله،

وخطباء أمته، لأن سورة واحدة وآيات يسيرة كانت أنقض لقوله، وأفسد لأمره، وأبلغ في تكذيبه، وأسرع في تفريق أتباعه، من بذل النفوس، والخروج من الأوطان،

وإنفاق الأموال.

وهذا من جليل التدبير الذي لا يخفى على من هو دون قريش والعرب، في الرأي والعقل بطبقات، ولهم القصيد العجيب، والرجز الفاخر، والخطب الطوال البليغة، والقصار الموجزة، ولهم الأسجاع، والمزدوج، واللفظ المنصور، ثم يتحدى به أقصاهم بعد أن ظهر عجز أدناهم، فمحال- أكرمك الله- أن يجتمع هؤلاء كلّهم على الغلط في الأمر الظاهر، وهم أشدّ الخلق أنفة، وأكثرهم مفاخرة، والكلام سيد عملهم، وقد احتاجوا إليه. والحاجة تبعث على الحيلة في الأمر الغامض، فكيف بالظاهر الجليل المنفعة!! وكما أنه محال أن يطيقوه ثلاثا وعشرين سنة على الغلط في الأمر الجليل المنفعة، فكذلك محال أن يتركوه وهم يعرفونه، ويجدون السبيل إليه، وهم يبذلون أكثر منه) (1).

‌الإعجاز العلمي:

لقد أوجد المسلمون هذا اللون المعاصر من ألوان التفسير تأكيدا لإعجاز القرآن، أو بابا جديدا من أبوابه، وتأكيدا على عدم معارضة القرآن والإسلام للعلم، حتى قام بعض المفسرين من أمثال طنطاوي جوهري بتفسير آيات الطبيعة في القرآن بحقائق العلم التجريبي ونظرياته، وذهب إلى حشو تفسيره الجواهر- بإجراء المطابقة بين كشوف الغرب العلمية وآيات القرآن الكريم- وتعسف كثيرا في إجراء هذه المطابقة في معظم الأحيان، ووصف كتابه قائلا: «بهذا الكتاب في التفسير وأمثاله سيستيقظ المسلمون سريعا، سيجيء جيل لم تشهد الأرض مثله

أيها المسلمون هذا هو علم التوحيد في الحقل والجبل والزرع والشجر والثمر والشمس والقمر، لا في الكتب المصنفة المشهورة، هي والله مبعدة عن حكمة الله، ومبعدة عن معرفة آياته» (2).

(1) الإتقان في علوم القرآن 4/ 5.

(2)

تفسير الجواهر 1/ 66 طبع بالقاهرة سنة 1352.

ص: 38

لقد أبعد الشيخ طنطاوي جوهري- رحمة الله- النجعة، ولم يتحقق له ما أمل أو أراد! لقد أصبح التفسير العلمي والإعجاز العلمي، قرينين أو شيئا واحدا في عرف كثير من الدارسين والباحثين، ورأوا فيه ميدانا ملائما للدعوة إلى الإسلام، وإقامة الدليل على أن القرآن وحي يوحى، وأنه تنزيل من حكيم حميد، في الوقت الذي ضعفت سليقة العرب اللغوية، وأضحوا غير قادرين على «تذوق الإعجاز البياني للقرآن الكريم»

في الوقت الذي عدّ فيه هذا «الإعجاز الجديد» قادرا على مخاطبة العرب وغير العرب، كما يقوى على إدراكه المسلمون وغير المسلمين، بل إن غير المسلمين من الأوروبيين المكتشفين للسنن، وأصحاب التقدم العلمي، يأتون في مقدمة من يعقل عن القرآن هذا الإعجاز، أو بعبارة أدق: هذا السبق العلمي الباهر الذي جاء به القرآن الكريم قبل مئات السنين.

والواقع- والقول الحق- أن الإعجاز الحقيقي في هذا الجانب، أعني جانب الحقائق العلمية عن الكون والإنسان التي أشار إليها القرآن الكريم، يكمن في طريقة القرآن في التعبير عن هذه الحقائق، لا فيما سميناه تفسيرا علميا قد نخطئ فيه أو نصيب! لقد عبّر القرآن الكريم عن هذه الحقائق على نحو يفهم خلال العصور! بمعنى أن أسلوب القرآن ونظمه وبيانه- الذي جعلناه مناط الإعجاز فيما سبق- اتسع للتعبير عن هذه الحقائق العلمية على نحو لا يعجز عن خطاب الإنسان في أيّ عصر، ولا يحمله كذلك أكثر مما يطيق، هذا هو وجه الإعجاز الحقيقي في هذه المسألة.

وغني عن البيان أنه ليس في مقدور أحد من الثقلين، أن يكتب بهذه الطريقة، أو يجيء بمثل ما جاء به القرآن، وهذا هو السبب في أن القرآن الكريم فهم وفسّر خلال هذه العصور.

أما انفراد العصر الحديث- عصر الكشوف العلمية- بهذا اللون من ألوان الفهم، أو ألوان الشرح والتفسير، فيعود إلى أن إدراك المدلول (العلمي) أو الحقيقي للإشارات القرآنية المتعلقة بالطبيعة والإنسان، يتوقف على التجربة والعمل الإنساني، وعلى تطبيق المنهج القرآني في التعامل مع هذه الإشارات والظواهر، أو على الامتثال للأمر القرآني بالنظر والملاحظة والتجربة، وقد قصر المسلمون في الامتثال للمنهج العلمي الذي تضمنه القرآن الكريم ودعا إليه، بوصفه الطريق الصحيح للاكتشاف.

ص: 39

هذا والحديث طويل ودقيق في هذا اللون من ألوان التفسير وبيان الإعجاز، ولكن لن ننهي الحديث قبل أن نلقي الضوء- بإيجاز شديد- على شروط التفسير العلمي:

1 -

أقول أول هذه الشروط أن لا يفسّر القرآن إلا باليقينيات العلمية، أو بالحقائق الثابتة التي ارتقت مندرجة الفروض والنظريات العلمية إلى مقام اليقينيات أو «الفعل الواقع القائم» حسب عبارة موريس بوكاي، والذي لا يمكن أن يتطرق إليه التغيير والتبديل (1).

مثال تطبيقي على ما سبق:

قال تعالى: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ [لقمان: 29].

وقال تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر: 5].

إن العلم الحديث يجعلنا ندرك بسهولة كيف يتداخل كلّ من الليل والنهار في حركة الأرض حول محورها وحول الشمس الثابتة نسبيا. وربط بهذا تعدد المشارق والمغارب (2).

قال تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ [المعارج: 40].

فلا خلاف على جواز تفسير هذه الآيات بما يدل على كروية الأرض، والتي تمثل حقيقة علمية واقعة .. إلخ.

2 -

إن حقائق العلم لا تفسير بها المعجزات والأمور الخارقة للعادة التي نصّت عليها الآيات الكريمة نظرا لافتراق «موضوع» هذه الآيات عن آيات الكون والطبيعة وأطوار الخلق، وسائر الآيات التي يمكن الانتفاع بحقائق العلم وثوابته في تفسيرها وشرح معانيها، بل نقول أبعد من ذلك: إن الآيات القرآنية التي تحدثت عن المعجزات والخوارق لا يمكن إقحامها من باب العلم التجريبي أصلا، لأنها إنما ثبتت بمقدار مخالفة السنن والقوانين، فكيف يتأتى تفسيرها من خلال هذه السنن والقوانين.

(1) دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة تأليف موريس بوكاي ص 184 دار المعارف 1977 م.

(2)

دراسة الكتب المقدسة ص 145.

ص: 40

فمثلا معجزة حمل مريم بعيسى عليه السلام ليس لها تفسير علمي، بناء على سنن الحمل والولادة، ولكن هناك من تعسف في تفسير هذه المعجزة، وراح يفسرها تفسيرا علميا حسب زعمه، فقال: إن مريم خنثى، والخنثى له مبيض في جهة، وخصية في الجهة الثانية!! (1).

ولا يدري القارئ مع هذا التفسير العجيب، كيف تكون مريم وابنها آية للعالمين؟ وما معنى قوله تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ [آل عمران: 59] الآيات الدالة على المعجزة و «الاستثناء» في حمله وولادته.

ومثل هذا، أو قريب منه من تحدث عن الكهرباء، وكيف يصعق التيار الكهربائي الأحياء

في سياق شرحه لقوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً .. [الأعراف: 143].

ويضيف طنطاوي جوهري حديثا عن معجزة موسى التي نصّت عليها الآية الكريمة وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً [البقرة: 60].

قال: إن الله اختار الحجر ليضربه موسى بعصاه دون غيره ليلفت العقول إلى بدائع خلقه ومعجزاته في الكون، فالحرارة تحول الماء بخارا، والبرد يجمّده وهو بين الصخور فيصدعها.

ثم يمضي في تفسيره للآية 12 من سورة سبأ وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ [سبأ: 12].

يقول طنطاوي في تفسيرها: إن سليمان- عليه السلام كان له سفر هوائي منظم!! ومن ذلك يتضح أن اختراع الطائرات في هذا العصر قد سبق إليه العصر السليماني، وهذا من معجزات القرآن (2).

(1) الدكتور محمد توفيق صدقي: دروس في سنن الكائنات 1/ 15 ط 1 في مجلة المنار بمصر سنة 1333 هـ.

(2)

تفسير الجواهر 1/ 70.

ص: 41

ومن العجيب حقا هذا القلب للحقائق تحت عنوان التفسير العلمي، أو في سبيل حض المسلمين على الأخذ بأسباب التقدم العلمي.

3 -

ومن أصول التفسير المسلّمة أنه لا يجوز تفسير القرآن باصطلاح حادث بعد نزوله؛ لأننا لو فعلنا ذلك لعدنا على معاني القرآن بالتحوير والتبديل، أو بالإبطال والإلغاء؛ فالملائكة المسوّمون الذين قاتلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر لا صلة لهم «بالجنود الذين يهبطون بوساطة الطائرات في الحروب الحالية» ، والغواصات التي عمّ استعمالها في جميع البحار لم تكن مستعملة في عصر سليمان عليه السلام، على خلاف (1) من استنتج ذلك من قوله تعالى: وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ [ص: 37] وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ [الأنبياء: 82] الآية.

فلا تكفي كلمة «غواص» أو «يغوصون» في سياق الحديث عن الشياطين!! للزعم بأن الغواصات التي عرفتها الحروب الحديثة كانت معروفة في عصر سليمان! وكأن عالم الشياطين- بوصفه من عالم الغيب- لا معنى له أو لا وجود له في القرآن! وكأن عصر سليمان- على عكس ما يدل عليه التاريخ- عرف هذا التقدم العلمي والسبق في ميدان الاختراع.

وأخيرا تحسن الإشارة إلى أن من أبرز الباحثين المعاصرين الذين يسارعون إلى أخذ الآية القرآنية شاهدا على صحة «نظرية» من النظريات العلمية، أو يحاولون تفسير الآية بنظرية من النظريات: عبد الرزاق نوفل، الذي كتب كثيرا من الأعاجيب، ومصطفى محمود في كتابه السقيم:«القرآن محاولة لفهم عصري» ، والدكتور جمال الدين الفندي في كتابه «الله والكون» الذي ردّ فيه كثيرا من الأحاديث! ووقع في كثير من المجاز وضروب التأويل. والله تعالى أعلم (2).

(1) علي فكري «القرآن ينبوع العلوم والفرقان» 1/ 51 ط 1 المطبعة السلفية.

(2)

هذا البحث الإعجاز العلمي من كتاب علوم القرآن للأستاذ الدكتور عدنان زرزور ونقلناه بتصرف يسير.

ص: 42