المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ومع كل الأسف فقد وجدنا ممن شايعهم قد ذهب إلى - المنار في علوم القرآن مع مدخل في أصول التفسير ومصادره

[محمد علي الحسن]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌بين البرهان والإتقان في علوم القرآن

- ‌الفصل الأول القرآن الكريم

- ‌المبحث الأول تعريف القرآن لغة وشرعا

- ‌1 - المعنى اللغوي:

- ‌2 - المعنى الشرعي:

- ‌المبحث الثاني أسماء القرآن

- ‌الفرق بين القرآن والحديث القدسي:

- ‌المبحث الثالث لغة القرآن

- ‌المناقشة والرد والنقض لهذه الأدلة:

- ‌المبحث الرابع إعجاز القرآن

- ‌وجه الإعجاز القرآني:

- ‌الإعجاز العلمي:

- ‌وجوه فاسدة في إعجاز القرآن (القول بالصّرفة)

- ‌المبحث الخامس ترجمة القرآن

- ‌حكم قراءة الترجمات القرآنية في الصلاة:

- ‌المبحث السادس القصة في القرآن

- ‌الفصل الثاني الوحي

- ‌المبحث الأول تعريف الوحي لغة وشرعا

- ‌1 - المعنى اللغوي:

- ‌2 - المعنى الشرعي:

- ‌المبحث الثاني دليل الوحي

- ‌المبحث الثالث مراتب الوحي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ومظهر النبيّ مع تلك المراتب

- ‌الفصل الثالث نزول القرآن

- ‌تمهيد نزول القرآن [منجما]

- ‌معنى نزول القرآن:

- ‌كيفية نزول القرآن وحكمة تنجيمه:

- ‌هل للقرآن نزول آخر غير المعروف على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الأول أول وآخر ما نزل من القرآن

- ‌أولا: أول ما نزل من القرآن إطلاقا:

- ‌ثانيا: آخر ما نزل من القرآن إطلاقا:

- ‌موقف العلماء من هذه الأقوال:

- ‌شبهات في آخر ما نزل من القرآن:

- ‌خطأ شائع في ادعاء أن آية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ هي آخر ما نزل:

- ‌المبحث الثاني المكي والمدني من القرآن المراد بالمكي والمدني:

- ‌الطريق لمعرفة المكي والمدني:

- ‌مميزات المكي والمدني:

- ‌أما السور المدنية فأهم مميزاتها:

- ‌المبحث الثالث نزول القرآن على سبعة أحرف

- ‌ما يستفاد من هذه الأحاديث:

- ‌معنى الأحرف السبعة

- ‌المعنى اللغوي:

- ‌المعنى الاصطلاحي للأحرف السبعة:

- ‌المبحث الرابع القراءات القرآنية

- ‌أولا: تعريف القراءات:

- ‌معناها اللغوي:

- ‌معناها الاصطلاحي:

- ‌نشأة القراءات:

- ‌أركان القراءات

- ‌1 - صحة السند:

- ‌2 - موافقة القراءة للرسم العثماني:

- ‌3 - موافقة القراءة للغة:

- ‌نظرة في الأركان:

- ‌أشهر القراء من الصحابة:

- ‌أشهر القراء التابعين:

- ‌القراءة السبعة وغيرهم:

- ‌ القراء السبعة

- ‌1 - نافع:

- ‌2 - ابن كثير:

- ‌3 - أبو عمرو البصري:

- ‌4 - ابن عامر الشامي:

- ‌5 - عاصم الكوفي:

- ‌6 - حمزة الكوفي:

- ‌7 - الكسائي الكوفي:

- ‌تمام القراء العشرة:

- ‌8 - أبو جعفر المدني:

- ‌9 - يعقوب البصري:

- ‌10 - خلف البزار:

- ‌تمام القراء الأربعة عشر:

- ‌11 - الحسن البصري:

- ‌12 - ابن محيصن:

- ‌13 - يحيى اليزيدي:

- ‌14 - الأعمش:

- ‌حكم ما رواء العشرة:

- ‌المبحث الخامس أسباب نزول

- ‌لمحة تاريخية سريعة عن هذا العلم

- ‌أولا- تعريف أسباب النزول:

- ‌ثانيا: الألفاظ الدالة على سبب النزول:

- ‌ثالثا: طريق معرفة أسباب النزول:

- ‌فوائد أسباب النزول:

- ‌من هذه الفوائد:

- ‌حالات تعدد روايات أسباب النزول

- ‌الفصل الرابع جمع القرآن الكريم

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول الجمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌كيفية جمع زيد للقرآن (في عهد أبي بكر):

- ‌المبحث الثالث الجمع في عهد عثمان رضي الله عنه

- ‌ما يستفاد من هذه الرواية:

- ‌المبحث الرابع ترتيب الآيات والسور القرآنية

- ‌أولا: ترتيب الآيات:

- ‌معنى الآية لغة:

- ‌حكم ترتيب الآيات:

- ‌ثانيا- السور القرآنية:

- ‌حكم ترتيب السور القرآنية

- ‌في ترتيب السور ثلاثة آراء:

- ‌1 - ترتيب جميع السور توقيفي

- ‌2 - ترتيب جميع السور اجتهادي

- ‌3 - ترتيب بعض السور توقيفي وبعضها الآخر اجتهادي

- ‌المبحث الخامس رسم المصحف

- ‌شكل المصحف وإعجامه

- ‌الفصل الخامس من مباحث علوم القرآن

- ‌المبحث الأول العامّ والخاصّ

- ‌المبحث الثاني المطلق والمقيّد

- ‌متى يحمل المطلق على المقيد:

- ‌المبحث الثالث المنطوق والمفهوم

- ‌1 - المنطوق:

- ‌2 - المفهوم:

- ‌ما لا يعمل به مفهوم المخالفة:

- ‌المبحث الرابع التعريف بالنسخ

- ‌معنى النسخ لغة:

- ‌معنى النسخ شرعا:

- ‌ما يستفاد من هذا التعريف:

- ‌دليل مشروعية النسخ:

- ‌المنكرون للنسخ:

- ‌طريق معرفته:

- ‌أنواع النسخ:

- ‌1 - منسوخ الحكم دون التلاوة:

- ‌2 - منسوخ التلاوة دون الحكم:

- ‌3 - منسوخ التلاوة والحكم معا:

- ‌النسخ بين مصادر التشريع الإسلامي:

- ‌شبهة مردودة في هذا النوع من النسخ:

- ‌«كلمة أخيرة لا بد منها» [في الفرق بين النسخ والتخصيص والتقييد]

- ‌المبحث الخامس المحكم والمتشابه

- ‌مدلولهما اللغوي:

- ‌مدلولهما الاصطلاحي:

- ‌منشأ التشابه

- ‌الفصل السادس أصول التفسير ومصادره

- ‌المبحث الأول معنى التفسير والتأويل

- ‌معناهما اللغوي:

- ‌معناهما الاصطلاحي:

- ‌تعريف التفسير كفن مدون:

- ‌المبحث الثاني لمحة موجزة عن تاريخ التفسير وتطوره

- ‌تاريخ التفسير ومراحل تطوره:

- ‌ الدور الأول

- ‌ الدور الثاني

- ‌وأشهر المفسرين من الصحابة:

- ‌1 - ابن عباس رضي الله عنهما:

- ‌2 - علي بن أبي طالب:

- ‌ الدور الثالث-- التفسير في عهد التابعين

- ‌ مدارس التفسير

- ‌1 - مدرسة مكة:

- ‌2 - مدرسة المدينة:

- ‌3 - مدرسة العراق:

- ‌تدوين التفسير:

- ‌المبحث الثالث مصادر التفسير

- ‌المصدر الأول القرآن الكريم

- ‌كيف تتم عملية تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌أظهر صور تفسير القرآن للقرآن:

- ‌المصدر الثاني سنة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌القدر الذي بينته السنّة من القرآن:

- ‌(فصل في أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه معاني القرآن)

- ‌مناقشة الأدلة التي استشهد بها القائلون بشمول البيان النبوي:

- ‌المصدر الثالث أقوال الصحابة

- ‌موقفنا من اختلاف الصحابة في التفسير:

- ‌المصدر الرابع الرأي أو الاجتهاد

- ‌أدلة المجيزين للتفسير بالرأي:

- ‌أما أدلة المانعين فقد استدلوا:

- ‌المصادر المعتلة في التفسير الإسرائيليات

- ‌كيف تسربت الإسرائيليات إلى التفسير:

- ‌حكم التفسير بالإسرائيليات

- ‌المبحث الرابع شروط المفسر

- ‌أولا: علوم اللغة العربية:

- ‌ومن أهم علوم اللغة العربية:

- ‌أ- علوم النحو:

- ‌ب- علم الصرف:

- ‌ج- الاشتقاق:

- ‌د- علوم البلاغة:

- ‌ثانيا: علم أصول الفقه:

- ‌ثالثا: علم أصول الدين ويطلق عليه علم الكلام:

- ‌رابعا: علوم القرآن:

- ‌أ- علم القراءات:

- ‌ب- أسباب النزول:

- ‌ج- الناسخ والمنسوخ:

- ‌د- علم القصص:

- ‌خامسا: العلم بالأحاديث النبوية المفسرة للآيات القرآنية

- ‌سادسا: العلم بتفسير الصحابي:

- ‌المبحث الخامس أنواع التفسير

- ‌أولا: التفسير بالمأثور

- ‌أشهر المفسرين في التفسير بالمأثور:

- ‌1 - الطبري (224 - 310 ه

- ‌مكانته العلمية:

- ‌طريقته في التفسير:

- ‌2 - ابن عطية الأندلسي

- ‌مكانته العلمية:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌التفسير بالمأثور والرأي- عند ابن عطية:

- ‌ومن أمثلة التفسير بالمأثور عنده:

- ‌تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌ومثال تفسير القرآن بالحديث:

- ‌اهتمامه بالقراءات:

- ‌عرضه للأحكام الشرعية:

- ‌ردّه للإسرائيليات:

- ‌قيمة تفسير ابن عطية:

- ‌3 - السمرقندي: (…- 373 ه

- ‌طريقته في التفسير:

- ‌4 - الثعلبي: (…- 427 ه

- ‌التعريف بتفسيره «الكشف والبيان عن تفسير القرآن» وطريقته في التفسير:

- ‌موقفه من الإسرائيليات:

- ‌5 - ابن كثير: (700 - 774 ه

- ‌مكانته العلمية:

- ‌التعريف بتفسيره (تفسير القرآن العظيم) وطريقته فيه:

- ‌موقفه من الإسرائيليات:

- ‌6 - الثعالبي: (…- 876 ه

- ‌التعريف بتفسيره (الجواهر الحسان) وطريقته فيه:

- ‌7 - السيوطي: (849 - 911 ه

- ‌التعريف بتفسيره (الدر المنثور في التفسير المأثور):

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌ثانيا- التفسير بالرأي والدراية

- ‌أهم كتب التفسير بالرأي:

- ‌1 - الزمخشري (467 - 538 ه

- ‌التعريف بتفسيره (الكشاف) وطريقته فيه:

- ‌اهتمام الزمخشري بالناحية البلاغية للقرآن:

- ‌مبدأ الزمخشري في التفسير عند ما يصادم النص القرآني مذهبه:

- ‌انتصاره لعقائد المعتزلة:

- ‌انتصاره لرأي المعتزلة في أصحاب الكبائر:

- ‌انتصاره لمذهب المعتزلة في الحسن والقبح العقليين:

- ‌حملة الزمخشري على أهل السنة:

- ‌موقف الزمخشري من المسائل الفقهية:

- ‌موقف الزمخشري من الإسرائيليات:

- ‌2 - الرازي وتفسيره مفاتيح الغيب (543 - 606 ه

- ‌3 - أبو حيان وتفسيره البحر المحيط:

- ‌مكانته العلمية:

- ‌منهجه في تفسير البحر المحيط:

- ‌عنايته باللغة والنحو:

- ‌عنايته بالقراءات المتواترة والشاذة:

- ‌اهتمامه بالأحكام الفقهية:

- ‌موقفه من الإسرائيليات والرد على الفرق:

- ‌رده على الفرق الإسلامية:

- ‌ثالثا: التفسير الإشاري

- ‌كتب التفسير الإشاري:

- ‌1 - النيسابوري:

- ‌2 - تفسير التستري:

- ‌3 - تفسير الفتوحات المكية لابن عربي:

- ‌4 - الألوسي:

- ‌نصيحة خالصة:

- ‌رابعا: التفسير الفقهي لآيات الأحكام

- ‌أولا: أحكام القرآن للجصاص (305 - 370 ه

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌ثانيا: أحكام القرآن لإلكيا الهراسي الشافعي (450 - 540 ه

- ‌ثالثا: أحكام القرآن، لابن العربي:

- ‌مكانته العلمية:

- ‌مؤلفاته:

- ‌ظاهرة التعصب للمالكية عند ابن العربي:

- ‌إنصافه لمخالفيه أحيانا:

- ‌موقفه من الإسرائيليات:

- ‌رابعا: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي

- ‌مكانته العلمية:

- ‌مؤلفاته:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌منهجه في التفسير الأخذ بالمأثور والرأي:

- ‌موقفه من القراءات المتواترة والشاذة:

- ‌احتكامه إلى اللغة والنحو:

- ‌اهتمامه بالأحكام الفقهية والأصول:

- ‌ظاهرة التعصب المذهبي:

الفصل: ومع كل الأسف فقد وجدنا ممن شايعهم قد ذهب إلى

ومع كل الأسف فقد وجدنا ممن شايعهم قد ذهب إلى مثل أقوالهم. ولعلّ في تعريف الزركشي ما يجلي هذه الحقيقة وما يبعده هذه الشبهة، إذ قال عن القراءات واختلافها: إنها اختلاف ألفاظ الوحي

فهذا التعريف يلقي الضوء على أن مبنى القراءات الوحي النازل من السماء، وقد تبعه علماء القراءات- قديما وحديثا- في تجلية هذه الحقيقة، فجاءوا بتعريفات واضحة وناصعة، فعرّفوا القراءات (بأنها النطق بألفاظ القرآن كما نطقها النبي صلى الله عليه وسلم.

ومثل هذا التعريف (تلاوة ألفاظ القرآن الكريم كما تلاها المصطفى صلى الله عليه وسلم أو كما علمها أو سمعها منه أصحابه وأقرّهم عليها)(1)، وكلها تعريفات قريبة

مما ذكره الزركشي، فاختلاف ألفاظ الوحي هي مثل النطق بألفاظ القرآن كما نطقها النبي صلى الله عليه وسلم ومثل تلاوة القرآن كما تلاها النبي صلى الله عليه وسلم وصدق الله العظيم: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى [النجم: 3].

‌نشأة القراءات:

هذا العنوان الذي يستعمله كثير من المؤلفين عن حسن قصد، ويؤكده المستشرقون لغرض في نفوسهم، فيه نظر: ذلك أن القراءات المتواترة قرآن لا شك فيه، فقوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وملك يوم الدّين بالألف وبدونها، واهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ واهدنا السراط المستقيم، بسينها وصادها، وكل قراءة قرآنية متواترة، كل ذلك قرآن وهو قديم، فلا يقال لقراءة منه: نشأت، لأن ذلك يشعر بالحداثة لبعضها في وقت من الأوقات.

لذا أرى أنّ في استعمال المؤلفين المخلصين هذا العنوان تجاوزا- إن صحّ التعبير- وأرى أنّ في استعمال المستشرقين له مقصدا خبيثا، ونحن قد رأينا فيما أومأنا إليه سابقا من تعريف للقراءات بأنها اختلاف ألفاظ الوحي، مما يشير إلى أن القراءة قرآن لا تنفك قرآنيتها عنه ما دامت قد تواترت، فلا يقال لها: ناشئة إلّا إذا قيل للقرآن: ناشئا، وليس الأمر كذلك فقد نزل الوحي بالقراءة فيما ورد في بعض ألفاظه

(1) انظر القراءات القرآنية تاريخ وتعريف، د. عبد الهادي الفضلي، دار القلم، بيروت، ط 2، 1980، ص 56.

ص: 118

أكثر من قراءة، بل حين بدأ نزول الوحي بدأها بأول كلمة في أول سورة نزلت هي (اقرأ) ففيها قراءتان متواتران:

الأولى: هي قراءة الجمهور بهمزة ساكنة.

والثانية: قراءة أبي جعفر بحذف الهمزة (اقرا يقرا كسعى يسعى)، وإنّه لأمر يسترعي الانتباه أن تكون أول كلمة في أول سورة نزلت كلمة اقرأ وأن يكون القرآن والقراءات مشتقا من مشتقاتها.

بعد هذا التمهيد، أرى أن الحديث عن مصدر القراءات هو الحاسم لكثير من الشبه والأضاليل، التي يتمسك بها المستشرقون، والتي كان لأقوال بعض المفسرين وبعض العلماء قدر غير يسير في الإسهام في مد أولئك الملحدين بشيء من أسباب الضلالة، من غير قصد منهم رحمهم الله لما لم يلزموا جانب الحيطة والحذر، وأقصى غايات الحذر في هذا الأمر الجلل، فقد أمدوا- من حيث لا يشعرون- من في قلبه مرض واستعداد طبيعي لاتخاذ كل شاردة وواردة من القول صيدا ثمينا، وفرصة ذهبية للنيل من مقدسات هذه الأمة وقرآنها.

أقول: إن المصدر الوحيد للقراءات، إنما هو الوحي النازل من السماء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، الذي بلّغه بكل دقة، وبكل حركة إلى أصحابه الكرام، فكان يقرئهم إياه كما أنزل، كما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، فإذا ما علمهم القرآن، فأتقنوا تلاوته، أحبّ أن يسمعه منهم، توثيقا لما سمعوه عنه.

روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود- رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ عليّ القرآن» ، فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل، قال:«إني أحب أن أسمعه من غيري» ، فقرأت عليه سورة النساء

حتى إذا جئت إلى هذه الآية:

فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء: 41](1).

(1) صحيح البخاري. كتاب تفسير القرآن. باب «فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد. الآية» ح (4582)، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظ للاستماع، والبكاء عند القراءة والتدبر 1/ 551، ح (800)(247).

ص: 119

قال: «حسبك الآن» ، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتعهد أصحابه بتعليم القرآن وحفظه حتى أصبحت صدورهم سجلا لما نزل من الحق، وربما علّم النبي- عليه الصلاة والسلام بعض أصحابه قراءة لم يسمعها أصحابه الآخرون، فيقرأ بعضهم القرآن على القراءة التي سمعها، ويقرأ آخر على قراءة غيرها سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم، فيسمع أحدهما الآخر فينكر عليه عدم سماعه لها من الرسول صلى الله عليه وسلم.

ففي البخاري ومسلم أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه قال: سمعت هشام ابن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فانتظرته حتى سلّم. ثم لبّبته بردائه أو بردائي، فقلت: من أقرأك هذه السورة؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت له: كذبت، فو الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرؤها، فانطلقت أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وأنت أقرأتني سورة الفرقان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أرسله يا عمر، اقرأ يا هشام» فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرؤها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هكذا أنزلت» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ يا عمر» فقرأت، فقال:«هكذا أنزلت» . ثم قال: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» (1).

وروى مسلم عن أبيّ بن كعب قال: «كنت في المسجد فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا

جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرءا، فحسّن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما

(2)

الحديث.

(1) صحيح البخاري. كتاب فضائل القرآن. باب أنزل القرآن على سبعة أحرف ح (4992) و (6936)، ومسلم في صحيحه. كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف، وبيان معناه 1/ 560 ح (818)(270).

(2)

صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف 1/ 561 ح (820)(273).

ص: 120

فمن حديث عمر وهشام رضي الله عنهما يتبين لنا أن تعدد القراءات سببه واحد هو أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ كلّا منهما على قراءة، وكلتا القراءتين أنزلت من عند الله تعالى.

ومن حديث أبيّ بن كعب- رضي الله عنه أن عدد القراءات ثلاث، وكلها حسّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها متلوة من الوحي، جعلها الله من باب التهوين والتسهيل على أمته.

يقول الشيخ الزرقاني- رحمه الله: ثم إن الصحابة- رضوان الله عليهم- قد اختلف أخذهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم من أخذ القرآن عنه بحرف واحد، ومنهم من أخذه عنه بحرفين، ومنهم من زاد، ثم تفرّقوا في البلاد وهم على هذه الحال، فاختلف بسبب ذلك أخذ التابعين عنهم، وأخذ تابعي التابعين وهلم جرا، حتى وصل الأمر على هذا النحو إلى الأئمة القراء المشهورين، الذين تخصصوا وانقطعوا للقراءات، يضبطونها ويعنون بها وينشرونها (1).

إذن فالأمر في تعدد القراءات أمر أخذ ونقل من الوحي، فلا يجوز لمسلم أن يعزو أية قراءة لغير ذلك، كما صنع المستشرق (جولد زيهر) وغيره من المستشرقين الذي عزوا القراءات إلى القارئين الذين مارس كل واحد منهم القراءة القرآنية ليصحح القرآن، وأن القارئ يقرأ وفق ما يحتمله الرسم القرآني الخالي من النقط والشكل.

يقول جولد زيهر: (وترجع نشأة قسم كبير من هذه الاختلافات- أي في القراءات- إلى خصوصية الخط العربي، الذي يقدم هيكله مقادير صوتية مختلفة، تبعا لاختلاف النقط الموضوعة فوق هذا الهيكل أو تحته، وعدد تلك النقاط، بل كذلك في حالة تساوي المقادير الصوتية يدعو اختلاف الحركات الذي لا يوجد في الكتابة العربية الأصلية ما يحدده، إلى اختلاف مواقع الإعراب للكلمة، وبالتالي إلى اختلاف دلالتها، وإذا فاختلاف تحلية هيكل الرسم بالنقط، واختلاف الحركات في المحصول الموحّد القالب من الحروف لم يكن منقوطا أصلا، أو لم تتحر الدقة في نقطه أو تحريكه)(2).

(1) مناهل العرفان 1/ 406.

(2)

مذهب التفسير ص 8.

ص: 121

وقد أرجع الدكتور عبد العال سالم أساس هذا الزعم إلى الزمخشري وقال: إن مصدر الوحي لهذا المستشرق جولد زيهر إنما هو الزمخشري الذي قال بخطإ ابن عامر في قراءته للآية القرآنية (1).

فقد زعم الزمخشري أن الذي حمل ابن عامر على قراءته أنه رأى في بعض المصاحف (شركائهم) مكتوبا بالياء، والسبب هو الرسم. اهـ.

أقول: ونحن إذ نضع في الاحتمال أن يكون للزمخشري أثر في قول زيهر، إلّا أننا نجزم أن مراد كل منهم يختلف عن الآخر، إذ يهدف زيهر للوصول إلى قياس تعدد القراءات على تعدد الأناجيل، وهذه خطيئة ما نظن أن الزمخشري يقع في مثلها.

وفي ضوء دراسة هذه الردود يمكن إيجازها في الأمور التالية:

أولا: إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على خط المصاحف والكتب، فإن القراءات وجدت قبل مرحلة تدوين المصاحف وكتابتها، وبعد تدوينها كانت في البداية غير منقوطة ولا مضبوطة الشكل، ومع ذلك كانت القراءات معروفة ومنتشرة وكانوا يقرءون الآيات حسب السماع والرواية لا حسب الرسم والكتابة.

ثانيا: لو كانت القراءة تابعة للرسم لصحت كل قراءة يحتملها رسم المصحف، ولكن الأمر على غير ذلك، فإن بعض ما يحتمل الرسم صحيح مثل (فتثبتوا) في قول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا .. [النساء: 94] الآية.

وبعضه مردود مثل قراءة حماد الرواية (أباه) في قوله تعالى: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ [التوبة: 114] الآية.

وكذلك قراءة: «تستكثرون» في قوله تعالى: قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ [الأعراف: 48].

(1) أثر القراءات القرآنية في الدراسات النحوية ص 25.

ص: 122

وهذه وتلك قراءة منكرة بالاتفاق، فليست من السبع، ولا الأربع عشرة، ولو كان مجرد الخط والرسم كافيا لاعتمدت.

وعلى مثل هذه القراءات المنكرة اعتمد جولد زيهر في الاستدلال على قضيته الباطلة، ودعواه الخبيثة ضد القرآن الكريم.

ثالثا: لقد ثبت بالتاريخ الصحيح أننا لا نزال نرى الكثير من المقرئين حتى يومنا هذا، يعطون تلاميذهم بعد أن يتموا حفظه على أيديهم إجازة تتضمن سند التلقي المتصل عنهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن كثيرا من الأسانيد الصحيحة المتصلة مدونة محفوظة في كتب القراءات، فما ينكر هذا إلّا جاهل أو مكابر.

كذلك إذا نظرنا إلى الأمصار الإسلامية وجدنا أن كل مصر التزم قراءة قارئ بعينه، مع احتمال رسم المصحف لهذه القراءة، وأن القرّاء انتشروا في هذه الأمصار ليعلموا الناس قراءة القرآن إيمانا منهم بأن رسم المصحف وحده لا يعني شيئا في مجال القراءة، وبخاصة أنه مجرد من النقط والشكل.

يقول الشيخ الزرقاني: «لذلك اختار عثمان حفاظا يثق بهم، وأنفذهم إلى الأقطار الإسلامية، واعتبر هذه المصاحف أصولا ثواني، مبالغة في الأمر، وتوثيقا في القرآن، ولجمع كلمة المسلمين، فكان يرسل إلى كل إقليم مصحفه، مع من يوافق قراءته في الأكثر الأغلب، روي أن عثمان- رضي الله عنه أمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن أبي شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري (1).

فلو كان الاعتماد على المصحف، لما كلف أمير المؤمنين نفسه بإرسال أولئك القراء إلى تلك الأمصار، وملاحظة أن اختيار القارئ كان موافقا لرسم المصحف المرسل إلى ذلك البلد، وهذا يؤكد أن دعامة القرآن هي التلقي والرواية.

وإذا كان للمستشرقين عذرهم في تعصبهم للباطل وحقدهم الدفين ضد الإسلام ومبادئه، فما عذر من جاراهم من المسلمين وقال: بأن القراءات القرآنية منشؤها

(1) المناهل 1/ 96.

ص: 123