الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الرازي: والأشبه بالآية هو الإشارة، وهو أن يعرفهم ذلك إما بالإشارة أو برمز مخصوص لقوله تعالى في سورة آل عمران: قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً [آل عمران: 41].
والرمز لا يكون كتابة للكلام (1).
2 - المعنى الشرعي:
عرفه العلماء بتعريفات كثيرة منهم من أسهب. فقال: (الوحي هو أن يعلم الله من اصطفاه من عباده كلّ ما أراد اطلاعه عليه من ألوان الهداية والعلم ولكن بطريقة سرية خفية غير معتادة للبشر).
وعرفه الشيخ محمد عبده: (بأنه عرفان يجده الشخص من نفسه على اليقين بأنه من قبل الله بواسطة أو غير واسطة، والأول بصوت يتمثل لسمعه أو بغير صوت، ويفرق بينه وبين الإلهام، أن الإلهام وجدان تستيقنه النفس فتنساق إلى ما يطلب على غير شعور منها من أين أتى، وهو أشبه بوجدان الجوع والعطش والحزن والسرور).
ومنهم الموجز في تعريفه بقوله: (كلام الله المنزل على نبي أنبيائه).
كل هذه التعريفات لم تخل من مقال ونقد. وأفضل التعريفات وأحسنها ما قاله ابن حجر في فتح الباري: (الوحي هو الإعلام بالشرع) أو (إعلام الله لنبي من أنبيائه بحكم شرعي ونحوه)(2) أو ما روي عن الزهري حين سئل عن الوحي فقال: (الوحي ما يوحي الله إلى نبي من الأنبياء فيثبته في قلبه فيتكلم به ويكتبه وهو كلام الله)(3).
وبعد:
فلا يسعنا بعد أن عرفنا الوحي بمعنييه: اللغوي والشرعي إلا أن نسأل، هل وحي الله تعالى إلى أم موسى ينتسب إلى الحقيقة اللغوية أو إلى الحقيقة الشرعية؟.
(1) انظر التفسير الكبير، 21/ 190.
(2)
فتح الباري 1/ 9.
(3)
انظر الإتقان في علوم القرآن مبحث الوحي 1/ 14.
ذهب قتادة إلى أن الوحي إلى أم موسى كان بالإلهام الفطري، وممن أيّد ذلك الراغب الأصفهاني، وقد نحا نحوه الحافظ ابن كثير والإمام البيضاوي وغيرهم، كما سار
على هذا النهج من بعد طائفة من الكاتبين في علوم القرآن من أهل هذا العصر، منهم الدكتور صبحي الصالح رحمه الله والدكتور عدنان زرزور والدكتور القصبي زلط حين قال ثلاثتهم: إن الوحي إلى أم موسى هو الإلهام الفطري وهو إلى النحل الإلهام الغريزي، ثم قلدهم كثير ..
وذهب آخرون- قدماء ومحدثون- منهم الأستاذ الدكتور إبراهيم خليفة إلى أن الوحي هنا بمعناه الشرعي، وناقش وردّ على القائلين بأن الوحي هنا بمعناه اللغوي، وهو الإلهام الفطري، فقال:
إن هذا الرأي غير صحيح، وإلا فمن أين لفطرة كائن من كان اعتقاد جازم بأن فلانا سيكون من المرسلين، حتى يتصور ارتكاز مثل هذا الاعتقاد في فطرة أم موسى بالنسبة لولدها عليه السلام حسبما نطقت به الآية الكريمة من سورة القصص: وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص: 7].
هكذا وعلى هذا النحو المؤكد بإن واسمية الجملة إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص: 7] هذه واحدة.
وثانية لا تدنو عن أختها دلالة، وهي تعبيره تعالى عن هاتين البشارتين بالوعد في قوله الكريم: فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [القصص: 13].
فمن أين يصلح أن يقال لمجرد الإلهام، أو حتى لرؤيا منام رآها غير نبيّ كأمّ موسى، مهما تكن درجة رائيها من الصلاح والورع، من أين يصلح أن يقال لشيء من هذا أو ذاك:(وعد).
فمن ثمّ استظهر كل من أبي حيان والألوسي (1) أن يكون الوحي إلى أم موسى عليه السلام، هو من طريق ملك أرسله الله إليها.
(1) انظر تفسير البحر المحيط ج 7 ص 105، وروح المعاني للآلوسي ص 45.
ولعل الذي حمل هؤلاء وأولئك من قدماء ومحدثين والقائلين بدعوى الإلهام الفطري في حسباننا، ما هو إلا خشيتهم أن يظن بأم موسى النبوة، مع إجماع المسلمين وغيرهم على عدم نبوتها، بل مع إجماع المسلمين على أن من شرط النبوة الذكورة، انطلاقا من نحو قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل: 43].
ولكن من أين يقتضي إرسال الملك إلى أحد ضرورة نبوته، أفلا يرون إرساله تعالى جبريل إلى مريم حين تمثل لها بشرا سويا، وكلمها بما ذكر من قصتها في كتابه الكريم.
لذا قال بعض المفسرين: إن الله تعالى أرسل إلى أمّ موسى ملكا، ولا يستبعد أيضا أن يكون هذا الوحي إليها كان عن طريق نبيّ في زمانها لم يقصّ علينا القرآن قصّته، وأي ذلك قد كان مما الله أعلم به، فليس لما قاله أهل دعوى الإلهام، ومثلهم أهل دعوى رؤيا المنام وجه البتة فتنبه (1).
(1) منة المنان في علوم القرآن ج 2، ص 151 - 153.