الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ 128 فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة: 128 - 129].
فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر (1).
كيفية جمع زيد للقرآن (في عهد أبي بكر):
يقول زيد نفسه فيما رواه البخاري: (فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال) وهذا يفيد أن طريقة الجمع تعتمد على أمرين:
1 -
ما كان محفوظا في صدور الصحابة رضوان الله عليهم.
2 -
ما كان مكتوبا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقبل المكتوب إلّا بشهادة عدلين.
روى ابن أبي داود- في كتاب المصاحف- من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: (قام عمر، فقال من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأت به)(2)، فأقبل الناس بما كان معهم وعندهم حتى جمع على عهد أبي بكر في الورق (3)، فكان أبو بكر رضي الله عنه أول من جمع القرآن في المصحف).
وكان زيد- رضي الله عنه لا يقبل شيئا مكتوبا حتى يشهد عدلان على أن المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر ذلك صاحب الفتح حيث قال:(وعند ابن أبي داود من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه).
(1) صحيح البخاري. كتاب فضائل القرآن. باب جمع القرآن ح (4986).
(2)
رجاله ثقات مع انقطاعه والحديثان في فتح الباري 9/ 11.
(3)
في المصباح يعني بالورق في الأزمان المتقدمة الجلود الرقاق التي يكتب عليها.
ونقل السيوطي عن السخاوي (1) أنه قال: (المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب من الوجوه التي نزل بها القرآن، أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو شامة: (إنما كان قصدهم أن ينقلوا من عين المكتوب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم (2).
يتضح للمتأمل أن الجدير بالقبول هو أن المراد بالشهادة فيهما، الشهادة على الكتابة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لا الشهادة على القرآنية، لأن القرآنية لم تكن موضع شك حتى تحتاج إلى شهادة، لكثرة الحفاظ في ذلك الوقت، بخلاف الكتابة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فإن كثيرا من الصحابة كانوا يكتبون القرآن لأنفسهم على حسب ما يتيسر لهم، ولو في غير مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، ويلاحظ أن ما قاله ابن حجر من أنه يجوز أن يكون قد أريد بالشاهدين الحفظ والكتابة، لا عدلان من الناس يشهدان، هو احتمال في غاية البعد، لأن اللفظ متبادر جدا في هذا المعنى دون ما قصه ابن حجر، والله أعلم.
وبعد فلا يفوتنا أن ندفع الشبهة التي تعلق بها المغرضون في الرواية التي أثبت بها زيد كتابة آية لم يثبتها إلّا شاهدان اثنان، وهذا كاف لإثبات عدم التواتر لهذه الآية المفقودة.
نقول: إن بعض هذه الروايات منقطع كما يقول علماء الحديث، ولو سلمنا أن هذه الروايات صحيحة، لما ثبتت الدعوى، بل على فرض أن زيدا قد أثبتها منفردا، لم يكن ذلك قادحا في تواتر القرآن، لأن التعويل في توثيق القرآن إنما هو على الرواية، والتلقي طبقة عن طبقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع تحقيق للتواتر في الرواية دون الكتابة، بل لو لم يكتب أصلا ما قدح في تواتره، حيث نقل سماعا ومشافهة على سبيل التواتر في كل طبقة من طبقات رواته (3).
(1) الإتقان 1/ 238، والبيان ص 179.
(2)
المرشد الوجيز لأبي شامة، ص 57.
(3)
البيان ص 182.
وبعد: هذا معنى جمع القرآن في عهد أبي بكر الذي كان أول من جمع القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال عليّ رضي الله عنه: أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله، ذكر ذلك ابن كثير وقال: إن أبا بكر وضع الصحف التي جمع فيها القرآن بين لوحين (1)، ومن الواضح البين أنه لا يمكن أن يجمع القرآن كله مع ترتيب آياته وسوره إذا كانت الأشياء التي كتب عليها مختلفة حجما ونوعا، طولا وعرضا، كما أن عددها لا يحصى، لأن الآيات قد نزلت في مدى ثلاثة وعشرين عاما وفي كل مرة ينزل فيها الوحي يكتب النازل من القرآن على شيء من الأشياء المذكورة سابقا.
لذا فقد تمت الكتابة على شيء واحد صالح للبقاء، متماثل في طوله وعرضه، حتى يتأتى جمعه بين اللوحين وربطه بخيط كما في بعض الروايات، هذا الدور الذي قام به زيد بن ثابت، فكان له سبق التنفيذ، ولعمر بن الخطاب سبق الاقتراح، ولأبي بكر الصديق الأمر بذلك، رضي الله عنهم أجمعين.
(1) فضائل القرآن ص 23.