الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن عكرمة أنه قيل له عند ذكر الرؤية: أليس قد قال الله: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ؟
قال: ألست ترى السماء، قال: بلى، قال: أفكلها ترى؟
ومن ذلك قوله تعالى: .. أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ..
[المائدة: 1]. فسره قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ .. [المائدة: 3].
5 -
القراءات القرآنية: ذكرنا أهم صور تفسير القرآن بالقرآن، وقد أفردنا صورة مهمة منها ألا وهي القراءات القرآنية والتفسير، والتي تعدّ من تفسير القرآن بالقرآن وذلك بشروط واعتبارات معينة منها:
أن كثيرين ممن يتصدون للحديث في مثل هذا النوع حين يضربون له المثال، يعمدون إلى طائفة من القراءات الشاذة، التي لا تصلح في شيء من معايير التحقيق الواجب الأخذ به، ولا سيما في نحو هذا المجال المهم من العلم والدين، أن يعد شيء منها من القرآن أصلا حتى يصلح أن يقال فيه: إنه من تفسير القرآن بالقرآن.
نقول: يعمدون إلى طائفة من هذا النوع فيأخذونه مثالا لما هو تفسير قراءة لأخرى، ولو لزموا الجادة وسلكوا السبيل المستبين لأبعدوا هذا النوع مما نحن فيه بالكلية، وسلكوه فيما هو من قبيل التفسير بالسنة، أو بما هو من أقوال الصحابة- رضوان الله عليهم- فإن هذا هو التحقيق الذي لا مرية في صحته لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، على ما اختاره المحقق السيوطي وغيره.
المصدر الثاني سنة الرسول صلى الله عليه وسلم
ليس في القرآن نفسه ما يبين جميع القرآن، فتفسير القرآن للقرآن قدر يسير، فما بقي من القرآن الذي لم يتناوله بيان القرآن بحاجة إلى بيان، لا تكفي اللغة والعقل إلى بيانه البتّة، فلا يمكن- لغة ولا عقلا- تفصيل المجمل الذي جاء في فرض الصلاة، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ .. [البقرة: 43] لا يمكن فهم المراد منه إلّا بوحي سماوي
عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن للغة ولا لعقل أن يأتي بشيء فضلا عن أن يستقل به، ومن ثم كان لا بد من الرجوع إلى البيان منه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كما رجع إليه الصحابة- رضوان الله عليهم- لذا فإنا نؤيد العلماء (1)، فيما نقدوا لابن خلدون قوله:
(إن القرآن نزل بلغة العرب، وعلى أساليب بلاغتهم، فكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه)(2).
وأقرب دليل على خطأ ابن خلدون ما نشاهده اليوم من الكتب المؤلفة على اختلاف لغاتها، وعجز كثير من أبناء هذه اللغات عن فهم كثير مما جاء فيها بلغتهم، إذ الفهم لا يتوقف على معرفة اللغة وحدها، بل لا بد لمن يفتش عن المعاني ويبحث عنها من أن تكون له موهبة عقلية خاصّة، تتناسب مع درجة الكتاب وقوة تأليفه (3).
يقول الدكتور سيد أحمد خليل (4): إن هذا التعميم من ابن خلدون في مقدمته، فيه شيء من المجازفة التي لا يقرها تاريخ التفسير نفسه، لذا استدرك ابن خلدون بعد هذه العبارة قائلا: إن في القرآن نواحي في حاجة إلى البيان، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبين المجمل، والناسخ والمنسوخ يعرفه أصحابه فعرفوه، وعرفوا سبب نزول الآيات ومقتضى الحال منقولا عنه.
فهذا إقرار من ابن خلدون بأن فهم اللغة غير كاف لمعرفة تفسير القرآن الكريم، بل لا بد من الرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لفهم المعاني الأخرى التي يتعذر معرفتها بدونه صلى الله عليه وسلم، ثم إن ابن خلدون نفسه قد ساق قصة وردت في صحيح الإمام البخاري أن عديّ ابن حاتم لم يفهم قوله تعالى: .. وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ .. [البقرة: 187](5). وساق قصته المعروفة.
(1) من هؤلاء العلماء محمد حسين الذهبي رحمه الله، والزميل الأستاذ إبراهيم خليفة، ود. سيد أحمد خليل، أما الأستاذ الدكتور محيي الدين خليل رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الرياض، فقد ذهب إلى رأي صاحب المقدمة ثم رجع عن قوله.
(2)
مقدمة ابن خلدون ص 366 الأميرية.
(3)
دراسات في مناهج المفسرين ص 249.
(4)
انظر: كتابه نشأة التفسير في الكتب المقدسة ص 32، والكتاب طبع بالإسكندرية سنة 1954 م.
(5)
وانظر صحيح البخاري (1916).