الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا- تعريف أسباب النزول:
من المسلمات والبدهيات أن من القرآن ما نزل ابتداء، ومنه ما نزل عقب حادثة أو جوابا عن سؤال، وأكثر القرآن نزل ابتداء ليعالج الأوضاع والعادات الفاسدة القائمة آنذاك، فليس لكل آية سبب، وليس كل ما ذكر من الأسباب سببا في الحقيقة، فسبب النزول:(هو الحادثة التي وقعت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ونزل بشأنها قرآن، أو الأسئلة والاستفسارات الموجهة للنبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت الآيات مجيبة عنها) وأحسن تعريف لذلك ما ذكره السيوطي قائلا:
(والذي يتحرر في أسباب النزول أنه ما نزلت الآية أو الآيات مبينة لحكمه أيام وقوعه) ليخرج ما ذكره الواحدي في تفسيره سورة الفيل، من أن سببها قصة قدوم الحبشة، فإن ذلك ليس من أسباب النزول في شيء، بل هو من باب الإخبار عن الوقائع الماضية، كذكر قصة نوح وعاد وثمود وبناء البيت الحرام، ونحو ذلك، وكذلك ذكره في قوله تعالى: .. وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا [النساء: 125] سبب اتخاذه خليلا فليس ذلك من أسباب نزول القرآن كما لا يخفى (1).
فعند النظر في الرواية التي ذكرت أنها سبب النزول يجب أن يتحقق من مزامنة نزول الآية مع حدوث القصة أو الحادثة أو السؤال فإن تزامنت جاز أن تكون سبب نزول وإلّا فلا.
ثانيا: الألفاظ الدالة على سبب النزول:
جدير بالذكر أن الصحابة رضوان الله عليهم هم الطريق الوحيد لمعرفة أسباب النزول، لأنهم هم الذين عاينوا نزول القرآن، فلا خلاف أنه إذا قال الصحابي سبب نزول الآية كذا، فإن هذا يدل صراحة على السبب دون حاجة إلى بيان، ومثل ذلك إذا أخبر الصحابي عن حادثة أو سؤال وجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر بعد ذلك الآيات عقيب الحادثة، أو إجابة للسؤال فإنه ذلك يعتبر نصا في سبب النزول.
(1) الإتقان في علوم القرآن 1/ 42، ولباب النقول في أسباب النزول، ص 4.
ومثالا له ما رواه البخاري عن أنس بن مالك قال: قال أبو جهل: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) فنزل قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ 33 وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [الأنفال: 33 - 34](1).
وهناك ألفاظ وقرائن تدل على سبيل الرجحان على سبب النزول، كأن ترد الفاء التعقيبية داخلة على مادة نزول الآية بعد سرد حادثة ما، أو بذكر سؤال طرح على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا فنزلت.
فهذا يدل على الرجحان، لا على سبيل الجزم، كما رأى ذلك بعض الباحثين لأنني وجدت آثارا كذلك ولم تدل على السبب، ويستوي في ذلك أن يكون السؤال الذي نزلت الآيات بسببه متصلا بأمر مضى كقوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ [الكهف: 83].
أو بأمر حاضر كقوله: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ ..
[النساء: 153].
فنزلت في اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت نبيا فأتنا بكتاب جملة من السماء كما أتى موسى.
أو بأمر مستقبل نحو قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها .. [الأعراف: 187].
كما لا ينبغي أن يفهم كل سؤال ورد في القرآن وأجيب عنه، يدل على سبب النزول، فقد ورد لفظ يسألونك في اثني عشر موضعا، ولم يثبت لأكثرها سبب للنزول، وإن حاول بعض المفسرين أن يتمحل لها سببا وأتى بما لا طائل تحته.
بقي تحقيق القول فيما إذا قال الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا، هل يدل ذلك على سبب؟.
نقل السيوطي عن ابن تيمية أنه قال: قولهم: نزلت هذه الآية في كذا، يردا به تارة سبب النزول، ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية، وإن لم يكن السبب، كما
(1) والحديث رواه البخاري في صحيحه (4648) و (4649).