الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذا الكلام يدلنا على شرطين لا ثالث لهما: وهما صحة السند وموافقة العربية، وأسقط موافقة الرسم، وذهب إلى ذلك الإمام أبو الحسن البغدادي شيخ القراء بالعراق فأسقط موافقة القراءة للرسم العثماني.
وقد توسع بعض العلماء في موافقة القراءة للرسم العثماني، فرأى احتمال الموافقة كافيا، بل توسع بعضهم فرأى موافقة القراءة للرسم وحده وإن لم تتواتر.
ونحن إذ نرد القراءة التي لم توافق الرسم، إلا أننا لا نقبلها لمجرد موافقتها الرسم.
3 - موافقة القراءة للغة:
ابتدأ بذكره صاحب النشر فجعله أول الأركان، وثنّى بذكره مكي بن أبي طالب والإمام الكواشي، وجعله ثاني الشروط بعد صحة السند، وقد قيد كل منهم هذا الشرط بقيد يختلف عن الآخر، فبينما يكتفى الكواشي بشرط موافقة القراءة للغة لأي وجه من الوجوه. نرى مكي بن أبي طالب يشترط أن يكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن شائعا.
وذهب أبو الفرج الشنبوذي إلى تأييد رأي الكواشي في التساهل والاكتفاء بموافقة القراءة لأي وجه من الوجوه اللغوية، سواء أكان الوجه فصيحا مجمعا عليه أم كان مختلفا فيه اختلافا لا يضير مثله كما يقولون.
نظرة في الأركان:
لو تأملنا هذه الأركان لوجدناها أركانا تخضع لاستقراء العلماء واستنباطهم، فمنهم من جعلها ركنا واحدا، ومنهم من جعلها ركنين، مع اختلاف في تحديد الركنين، ومنهم من جعلها ثلاثة أركان وأضاف الموافقة للغة، وفي كل شرط خلاف، ففي السند: من العلماء من ذهب إلى اشتراط التواتر، ومنهم من اشتراط الشهرة، ومنهم من اكتفى بصحة السند ولو نقل آحادا.
وفي موافقة الرسم: منهم من اشتراط الموافقة تحقيقا، ومنهم من قبلها ولو تقديرا أو احتمالا، وفي موافقة اللغة كلام استوفيناه في موضعه.
والذي لا شك فيه بل المجمع عليه، هو صحة السند، بل أرى أنه الركن الوحيد الذي ينبغي أن يقتصر عليه، والذي أعنيه بصحة السند ليس مجرد الصحة، بل التواتر، ذلك لأن القرآن كله متواتر، لا يشك في ذلك مسلم من المسلمين، وقراءته يتعبد بتلاوتها المؤمنون، وقراءاته المختلفة لا ضير بالاكتفاء ببعضها، لأنها كلها قرآن، فأرجلكم من قوله تعالى: .. وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ .. [المائدة: 6] قرآن.
وأرجلكم بالكسر في الموضع نفسه قرآن، ومالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إن قرأت بهذه القراءة قرآن، وملك يوم الدّين قرآن، إن شئت قرأت بهذه أو بتلك. فالقراءة قرآن يتعبد بتلاوتها فلا بد من تواترها لإثبات قرآنيتها.
أما القراءة التي لم تتواتر سندا فلا تعتبر قرآنا مهما أضفت إليها من معايير وشروط، وقد أخطأ من حكم بقرآنيتها إذا وافقت الرسم ووافقت اللغة، وأنزلها منزلة المتواتر في السند.
إن التواتر لا يكون إلّا بالسند الذي يرويه جمع عن جمع
…
إلخ إذا وضح عندنا صحة اعتبار تواتر السند، فلا ضير علينا في الركنين الأخيرين، لأنه لم يثبت لدينا أن قراءة من القراءات المتواترة قد خالفت الرسم القرآني، أو خالفت العربية.
ودع عنك ما يقال إن بعض القراءات القرآنية المتواترة قد خالفت العربية، كما زعموا في قوله تعالى: .. وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ .. [النساء: 1].
والأرحام بالكسر أو قراءة فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ [البقرة: 54] بالتسكين مخففة فإن كلام النحاة الذين خالفوا كلام القراء لا يستند إلى دليل.
أعود لأقول: إن شرط القراءة أو ركنها الوحيد هو صحة السند وتواتره، ولا ثاني له والله أعلم.
يقول الأستاذ سعيد الأفغاني: (والشرط الأساسي- كما يظهر للمتأمل- هو الأول، أي: صحة السند، أما الثاني والثالث فالغالب أنهما أضيفا ليتكون من الثلاثة ما ينطبق تمام المطابقة على القراءات العشر المعروفة)(1) ثم أضاف: «إن أول وأشهر
(1) حجة القراءات، ص 12.