الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقرأ بما روي له عن الصحابة في بلده، فيختلف الشامي مع العراقي، والمكي مع المدني، وأظهر بعضهم تكفير بعض، والبراءة منه، وتلاعنوا، فأشفق حذيفة مما رأى منهم، فلما قدم المدينة- فيما ذكر البخاري والترمذي- دخل حذيفة على عثمان قبل أن يدخل إلى بيته، فقال:«أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك» (1) وفي هذا خير بيان للباعث على الجمع أو النسخ بتعبير أدق.
ما يستفاد من هذه الرواية:
2 -
أن عثمان بن عفان قد جعل على رأس القائمين على الجمع زيد بن ثابت، وهو من كتبة الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قام بالجمع في عهد أبي بكر، وبخبرته وعدالته وعقله كما وصفه أبو بكر (إنك شابّ عاقل لا نتهمك) بكل هذا أصبح موضعا للثقة، فولاه عثمان الأمر، ولكنه أمر الكتبة إذا اختلفوا في كتابة كلمة أن يكتبوها بلغة قريش كما في كلمة (التابوت والتابوه)(2).
3 -
أن هذه الرواية مطلقة لم تحدد عدد المصاحف، وهناك رواية حددتها بسبعة، وقيل: أربعة، قال القرطبي: وهو الأكثر (3)، ولكن هذا القول يعوزه الدليل وإن ذهب إليه الأكثر، والحديث الذي سقناه سابقا هو أصح ما في هذا الباب، وقد جاء فيه النص هكذا:(فأرسل إلى كل أفق بمصحف) ولا شك أنه أرسل هذه المصاحف لرفع الخلاف في كل أفق. والآفاق المعروفة آنذاك: المدينة التي استبقى فيها نسخة، ومكة والكوفة والبصرة والشام واليمن والبحرين، فهذه آفاق لا شك أنه نال كل أفق منها نسخة، لذا نميل إلى هذا الرأي الصحيح في سنده، والذي يتفق مع المنطق السليم، لأن القضاء على الاختلاف لا يتم إلا بإرسال مصحف إلى كل مصر من الأمصار.
ولا شك أن المصاحف التي أرسلها نسخة عن الأصل، فهي نقل لعين ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو.
(1) تفسير القرطبي 1/ 51.
(2)
المرجع السابق 1/ 54.
(3)
المرجع السابق 1/ 54.
4 -
في هذه الرواية أخبار عن حرق عثمان للمصاحف، سواء أكانت صحفا أم مصاحف، وفي عمله جمع للمسلمين على المصحف الموحد الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك ما سواه، لما حوته من قراءات شاذة أو تفسيرات زائدة.
ولقد غالى بعض الشيعة في قضية حرق المصاحف، وزعمت ما زعمت، وكان الأحرى بهم أن يقفوا عن هذه المغالاة، وأن يستمعوا إلى قول الإمام علي كرم الله وجهه: فيما ذكره أبو بكر الأنباري عن سويد بن غفلة قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: (يا معشر الناس، اتقوا الله، وإيّاكم والغلو في عثمان، وقولكم: حرّاق المصاحف، فو الله ما حرقها إلّا على ملأ منا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن عمير بن سعيد قال: قال علي بن أبي طالب: (لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان)(1).
هذا كلام علي- رضي الله عنه الذي يتشيعون له ويفضلونه على جميع الصحابة، قد ارتضى فعل عثمان وحسنه، وحث الناس على الثناء عليه من أجله، فطعنهم فيه بأمر ارتضاه عليّ يعتبر طعنا منهم في عليّ نفسه.
لم يكتف بعض الشيعة بالطعن في عثمان، بل زعموا أن عثمان رضي الله عنه قد أسقط شيئا من القرآن، وحرّف بعض آياته، والمنصف منهم يرفض هذا الزعم كما ورد في كتاب أبي جعفر «الأم»:(إن اعتقادنا في جملة القرآن الذي أوحى به الله تعالى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم هو كل ما تحتويه دفتا المصحف المتداول بين الناس، وعدد السور المتعارف عليه هو (114) سورة، أما عندنا فسورتا الضحى والشرح تكونان سورة واحدة، وكذلك سورتا الفيل وقريش، وأيضا سورتا الأنفال والتوبة. أما ما ينسب إلينا الاعتقاد في أن القرآن أكثر من هذا فهو كذب).
ولقد شهد المستشرقون على قطعية القرآن وثبوته دون تغيير ولا تبديل.
يقول جوير: (إن المصحف الذي جمعه- نسخه- عثمان قد تواتر إلينا دون تحريف. ولقد حفظ بعناية شديدة، بحيث لم يطرأ عليه أي تغيير على الإطلاق في
(1) القرطبي 1/ 54.
النسخ التي لا حصر لها، والمتداولة في البلاد الإسلامية، فلم يوجد إلّا قرآن واحد لجميع الفرق الإسلامية المتنازعة، وهذا الاستعمال الجماعي لنفس النص المقبول من الجميع حتى اليوم يعد أكبر حجة ودليل على صحة النص المنزل الموجود معنا).
ويقول لوبلوا: (إن القرآن هو اليوم الكتاب الرباني الوحيد الذي ليس فيه أي تغيير يذكر)(1).
أقول: والفضل ما شهدت به الأعداء.
(1) مدخل إلى القرآن الكريم، للدكتور دراز ص 29، القرآن ونصوصه ص 87 - 88.