الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس القصة في القرآن
لقد تناول القرآن- موضوع القصة- لا كما يتناوله القصاص والأدباء، بل نهج فيه نهجا مختلفا ليحقق الأهداف والمرامي التي يريدها، فقصصه كما يقول الشاطبي لا يراد بها سرد تاريخ الأمم والأنبياء والأشخاص، وإنما المراد منها العظة والعبرة وهو الأعمّ، وبيان الأحكام أحيانا، الذي يرى فيه بعض المجتهدين (أن شرع من قبلنا شرع لنا). وقد ذكر القرآن لنا بعض أهدافه ومراميه والحكمة التي يقصدها: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ [هود: 120].
لذا جاءت القصة القرآنية متناثرة في سور متعددة، لتحقق الغرض الذي سيقت من أجله في كل سورة وردت فيها، إلّا ما ورد استثناء في قصة يوسف عليه السلام، التي وردت كاملة متكاملة غير منقوصة في سورة سمّيت باسمه عليه السلام، أما بقية قصص الأنبياء فقد وردت مشتتة ومجزأة، في مواضع مختلفة من السور؛ لتحقق العبرة والعظة التي سيقت من أجلها في تلك المواضع، وفي ذلك حكمة ربانية قد نعلمها أو لا نعلمها، وقصور علمنا البشري عن إدراك ذلك يجعلنا في حيرة، بل ليقول الذين في قلوبهم مرض ماذا أراد الله بهذا مثلا من هذا السرد القصصي، وهذا التكرار الذي لا داعي له، إذ ما معنى أن يقول عن قصة إبراهيم في سورة الذاريات مثلا: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إلى قوله: فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ [الذاريات: 24 - 26]، ويقول في سورة أخرى: أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ [هود: 69] وهلم جرا من الآيات التي تقص طرفا من القصة وقد يأتي في موضع آخر من سورة أخرى بمثل ما ورد في الأولى.
وقد راح بعض المفسرين يجمع الأشتات في المواضع المتعددة وكوّن منها جميعا قصة، وكثيرا ما يدخل إليها تلك الإسرائيليات، ليكوّن منها مسلسلا عجيبا،
وقد تجد فيه العجب العجاب الذي تطير منه الألباب، وما علموا أن هذا القصص ليس للتسلية والتاريخ، إنما هو للعبر والاتعاظ وللتنبيه إلى سنن الله في الاجتماع البشري، وبيان مآل الأقوام حين تحيد عن منهاج الله وتسلك سبيل الظلم والضلال.
وما علموا أن الذي أضافوه من الغث والسمين، لا يضر ولا ينفع، وكأنهم يرون نوعا من الاستدراك على القرآن وإكمالا للنقص في القصة، وفي هذا وذاك قصور في النظر في محتوى القصص القرآني، لأن الله سبحانه وتعالى حين قص علينا أحسن القصص بالصورة التي وردت في القرآن، قد استوفى الفائدة المرجوة من القصة على الصورة التي وردت من غير زيادة ولا نقص، ولو كان شيئا يهمنا ويفيدنا في زيادة أكثر مما هو مذكور لقصّه لنا، فمثلا حين قصّ علينا قصة أهل الكهف لم يذكر لنا أسماءهم، ولا وصف حالهم في نومهم ويقظتهم، ولا اسم الملك الظالم في زمنهم، ولا اسم كلبهم، ولا مكان كهفهم الذين نزلوا فيه، وإنه وإن كانت النفوس تتشوق لمثل ذلك إشباعا لغريزة حب الاستطلاع، إلا أن هدف ومراد القصص لم يسق لتحقيق شيء من ذلك، ولو كان ذكر ذلك مقصودا لذكره الله لنا، فإن الله ينزه عن إهمال ذكر شيء ينفعنا علمه، بل هو كما قال المفسرون:(هو شيء لا ينفعنا ذكره ولا يضرنا جهله، ولو كان ينفعنا أو يضرنا لذكره الله لنا)(1).
وإنما كان المفسرون لا يرون كبير بأس في التوسع في ذكر هذه القصص، لأنها لا تتعلق بعقائد أو أحكام، ولكنها من قبيل الاعتبار والعظة، وغرس فضائل الأعمال. قال الإمام أحمد بن حنبل:(إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا)(2)، فبالأحرى القصص.
وممن توسع في إيراد القصص في التفسير أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعالبي النيسابوري المتوفى سنة سبع وعشرين وأربعمائة صاحب «التفسير الكبير» ، وكذلك عبد الله بن عمرو بن العاص الذي أصاب جملة من كتب أهل الكتاب، وأدمن
(1) جامع البيان في تأويل آي القرآن للطبري 7/ 135.
(2)
القول المسدد في الذب عن المسند للإمام أحمد لابن حجر العسقلاني ص 11.
النظر فيها، ورأى فيها عجائب، ووردت عنه أشياء تتعلق بالقصص وأخبار الفتن والآخرة (1).
ثم أولع بعض المفسرين المتأخرين بالغرائب والتفصيلات في القصص، لا طائل تحتها، فأوقعهم في كثير من المحاذير، حتى صعب على بعض الناس التفريق بين فهم هؤلاء المفسرين للقرآن وقصصه وبين النصّ القرآني نفسه، وأوضح ما كان ذلك في القصص الإسرائيلي حول الأنبياء وحياتهم.
لعل في تفسير الخازن خير شاهد على ذلك.
(1) تذكرة الحفاظ 1/ 41.