الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ص) قال أَبُو عَلِيٍّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَنَسًا كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ وَيَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ ذَلِكَ
(ش) غرض المصنف بهذا وما بعده ترجيح رواية أنس التي تدل بظاهرها على أن الجمع حقيقي على رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه التي تفيد أن الجمع بين المغرب والعشاء صوري ولقائل أن يقول ليس في حديث أنس ما يدل على الجمع الحقيقي لاحتمال أن يراد بالشفق الشفق الأحمر. ولم نقف علي من وصل هذا التعليق
(قوله قال أبو علي الخ) وفي نسخة سمعت أبا داود. وهو من كلام أبي علي اللؤلؤي. و (حفص بن عبيد الله) روى عن جده وجابر وأبي هريرة وابن عمر. وعنه يحيى بن سعيد ويحيى بن أبي كثير وابن إسحاق وموسى بن ربيعة. قال أبو حاتم لا يثبت له السماع إلا من جده وذكره ابن حبان في الثقات. روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِثْلُهُ.
(شَ) أي مثل رواية حفص بن عبيد الله في أن الجمع بين المغرب والعشاء كات بعد مغيب الشفق وقد تقدم في حديث أنس في باب الجمع بين الصلاتين أن رواية الزهري عن أنس أخرجها مسلم بلفظ إذا عجل عليه السفر أخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق
(باب إذا أقام بأرض العدو يقصر)
أي إذا نوى الجيش الإقامة بأرض العدوّ يقصرون الصلاة لأن دار الحرب ليست دار مكث وإقامة فحالهم يخالف عزمهم لأنهم بين أن ينتصروا فيقرّوا أو يهزموا فيفرّوا
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ غَيْرُ مَعْمَرٍ لَا يُسْنِدُهُ.
(ش)(رجال الحديث)(عبد الرزاق) بن همام تقدم في الجزء الأول صفحة 106 وكذا (معمر) بن راشد صفحة 107. و (محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان) القرشيّ العامري مولاهم أبو عبد الله المدني. روى عن أبي سعيد وأبى هريرة وجابر وابن عباس وابن عمر وطائفة وعنه أخوه سليمان ويحيى بن أبي كثير ويزيد بن عبد الله والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وآخرون. وثقه النسائي وأبو زرعة وابن سعد وقال كان كثير الحديث وقال أبو حاتم من التابعين لا يسأل عن مثله
(معنى الحديث)
(قوله أقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بتبوك الخ) وفي رواية البيهقي عى جابر قال غزوت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم غزوة تبوك فأقام بها بضع عشرة فلم يزد على ركعتين حتى رجع قال البيهقي ولا أراه محفوظًا
(والحديث) من أدلة من قال إن المسافر إذا أقام. بحهة ينتظر قضاء حاجة غير عازم على إقامة أيام معلومة يقصر الرباعية أبدًا. وبه قال الأئمة كما تقدم في حديث عمران بن حصين أول الباب السابق ولذا قال الترمذي أجمع أهل العلم على أن المسافر يقصر ما لم يجمع إقامة وإن أتى عليه سنون اهـ
ومن هذا القبيل الغزاة المحاصرون للكفار أوللبغاة في دار الإِسلام. ومنه صاحب السفينة وعمالها لا يصيرون مقيمين بإقامتها إلا إن قربوا من مواطنهم
(قوله غير معمر لا يسنده) يعني لم يرو هذا الحديث متصلًا إلا معمر بن راشد
(من روى الحديث أيضًا) رواه ابن حبان والبيهقي وقال تفرد معمر بروايته مسندًا ورواه علي بن المبارك وغيره عن يحيى عن ابن ثوبان عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسلًا. وروى عن الأوزاعي عن يحيى عن أنس وقال بضع عشرة ولا أراه محفوظًا. وأعله الدارقطني في العلل بالإرسال والانقطاع. وقال النووي في الخلاصة هو حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولا يقدح فيه تفرد معمر فإنه ثقة حافظ فروايته مقبوله اهـ وصححه ابن حزم
(باب صلاة الخوف)
أي في بيان كيفيات صلاة الخوف. وفي بعض النسخ أبواب صلاة الخوف وما فيها من الاختلاف.
واعلم أن صلاة الخوف صلاها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علي هيئات مختلفة يتوخى في كل منها ما هو أحوط وأبلغ في الحراسة. وشرعت مع العمل الكثير لعارض الخوف.
وهي ثابتة بالأحاديث الآتية وبقوله تعالى (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101) وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ
وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ
…
الآية). وليست صلاة الخوف خاصة بزمن وجود النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم فقد صلاها الصحابة بعده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من غير نكير. هذا ولم يعن أحد من أصحاب كتب الحديث بتفصيل صورها المروية عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غير المصنف ذكر لها بحسب الظاهر إحدى عشرة صورة وقد تبلغ أكثر من ذلك وربما دخل بعضها في بعض على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. والمختار أنها كلها جائزة بحسب مواطنها. وكل أمام من الأئمة اختار صورة فجعلت مذهبا له
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ مَنْ رَأَى أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ وَهُمْ صَفَّانِ فَيُكَبِّرُ بِهِمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَرْكَعُ بِهِمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَسْجُدُ الإِمَامُ وَالصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ وَالآخَرُونَ قِيَامٌ يَحْرُسُونَهُمْ فَإِذَا قَامُوا سَجَدَ الآخَرُونَ الَّذِينَ كَانُوا خَلْفَهُمْ ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ إِلَى مَقَامِ الآخَرِينَ وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الأَخِيرُ إِلَى مَقَامِهِمْ ثُمَّ يَرْكَعُ الإِمَامُ وَيَرْكَعُونَ جَمِيعًا ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَسْجُدُ الصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ وَالآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ وَالصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ سَجَدَ الآخَرُونَ ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ.
(ش) الغرض من ذلك بيان كيفيها والعدو في جههّ القبلة "وحاصلها" أن يصفّ الإمام القوم صفين ثم يفتتح الصلاة فيحرم القوم كلهم خلفه ويركعون جميعًا إذا ركع ويرفعون إذا رفع فإذا سجد سجد معه الصف الذي يليه وبقي الصف الآخر قيامًا للحراسة وإذا قام الإمام ومن معه للركعة الثانية سجد الآخرون الذين كانوا قيامًا فإذا قام هؤلاء إلى الركعة الثانية تقدموا من كان الصف الأول وتأخر الصف الأول مكانهم فإذا ركع الإمام ركوع الثانية ركعوا معه جميعًا ثم يرفعون برفعه ثم يسجد معه الصف الذي يليه ويبقى الصف الآخر قيامًا يحرسونهم فإذا جلس الإِمام ومن معه للتشهد سجد الصف الآخر وجلس معه للتشهد أيضًا فإذا سلم سلموا جميعًا
(وبهذه الكيفية) قال سفيان الثوري والشافعي وابن أبي ليلى وهي رواية عن مالك وأحمد. والأفضل عند الشافعي تقدم الصف الثاني وتأخر الأول كما في حديث أبى عياش الآتي. ويجوز بقاء كل صف في مكانه
(ص) حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ نَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ
أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِعُسْفَانَ وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لَقَدْ أَصَبْنَا غِرَّةً لَقَدْ أَصَبْنَا غَفْلَةً لَوْ كُنَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْقَصْرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَالْمُشْرِكُونَ أَمَامَهُ فَصَفَّ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَفٌّ وَصَفَّ بَعْدَ ذَلِكَ الصَّفِّ صَفٌّ آخَرُ فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَرَكَعُوا جَمِيعًا ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِينَ يَلُونَهُ وَقَامَ الآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ فَلَمَّا صَلَّى هَؤُلَاءِ السَّجْدَتَيْنِ وَقَامُوا سَجَدَ الآخَرُونَ الَّذِينَ كَانُوا خَلْفَهُمْ ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ إِلَى مَقَامِ الآخَرِينَ وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الأَخِيرُ إِلَى مَقَامِ الصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَرَكَعُوا جَمِيعًا ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ وَقَامَ الآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ فَلَمَّا جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَالصَّفُّ الَّذِى يَلِيهِ سَجَدَ الآخَرُونَ ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا فَصَلَاّهَا بِعُسْفَانَ وَصَلَاّهَا يَوْمَ بَنِي سُلَيْمٍ.
(ش) ساق المصنف هذا الحديث دليلًا على كيفية صلاة الخوف التي ذكرها قبل
(رجال الحديث)(منصور) بن المعتمر تقدم في الجزء الأول صفحة 84. وكذا (مجاهد) بن جبر صفحة 58. و (أبو عياش) اسمه زيد بن الصامت وقيل ابن النعمان وقيل اسمه عبيد وقيل عبد الرحمن بن معاوية بن الصامت بن زيد بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا الحديث. وعنه مجاهد بن جبر وأبو صالح الزيات. شهد أحدًا وما بعدها. روى له أبو داود والنسائي. و (الزرقي) نسبة إلى زريق أحد أجداده
(معنى الحديث)
(قوله بعسفان) بضم العين وسكون السين المهملتين قرية بين مكة والمدينة على نحو ثلاثة مراحل من مكة وتسمى الآن بمدرج عثمان. وسميت عسفان لتعسف السيول فيها. وكانت صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بها في جمادى الأولى سنة ست من الهجرة بعد الخندق وبني قريظة
(قوله وعلى المشركين خالد بن الوليد) يعني كان قائدهم خالد بن الوليد بن المغيرة قبل إسلامه والحديث صريح في هذا ولا يعارضه عدم ثبوت ذلك في كتب التاريخ. ولا تتوقف صلاة الخوف على حصول حرب بل يكفي فيها توقع هجوم العدو
(قوله لقد أصبنا غرة الخ) بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء أي أدركنا من المسلمين غفلة في صلاِة الظهر. والمراد أن المسلمين كانوا غافلين عن حفظ مقامهم وما يخشى من مهاجمة العدو. وذكرهم لقد أصبنا غفلة بعد لقد أصبنا غرة إما للتأكيد فرحًا واستبشارًا باشتغال المسلين بصلاتهم وإما أن البعض منهم قال الأولى والبعض الآخر قال الثانية
(قوله لو كنا حملنا عليهم الخ) أي ليتنا حملنا عليهم حال صلاتهم. فلو للتمني. ويحتمل أن تكون شرطية وجوابها محذوف أي لو حملنا عليهم في صلاتهم لظفرنا بهم
(قوله فنزلت آية القصر) يعني بها آية صلاة الخوف لما في رواية النسائي فنزلت يعني صلاة الخوف. ولما في رواية البيهقي من قوله فنزلت هذه الآية (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ) وأطلق عليها في حديث الباب آية القصر لمجاورتها إياها. ويحتمل أن المراد بآية القصر قوله تعالى (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا). إلى قوله (عَذَابًا مُهِينًا) لأن الآيتين قد اشتملتا علي مشروعية القصر في صلاة الخوف وعلى كيفيتها فساقهما معا قال على رضي الله عنه نزل قوله إن خفتم بعد قوله أن تقصروا من الصلاة بسنة في غزوة بني أسد حين صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الظهر قال بعضهم هلا شددتم عليهم وقد أمكنوكم من ظهورهم وقالوا بعدها صلاة أحب إليهم من آبائهم وأولادهم فنزل إن خفتم إلى قوله عذابًا مهينًا لمشروعية صلاة الخوف
(قوله فصف خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخ) أي قام وراءه جماعة متراصون صفًا بعد صف وأحرموا جميعًا ولما أتم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم القراءة ركع وركعوا بعد أن كبر وكبروا جميعا كما في رواية مسلم
(قوله فلما صلى هؤلاء السجدتين الخ) أي بعد أن فرغ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومن سجد معه من السجدتين سجد المتخلفون عن السجود للحراسة ولما قاموا للثانية تأخر الصف الذي كان خلف الإمام وتقدم الصف الذي كان متأخرًا عن السجود مع الإِمام في الركعة الأولى إلى من الصف الأول ليحرزوا فضيلة المصاحبة في سجود الركعة الثانية جبرًا لما فاتهم من المصاحبة في الركعة الأولى. وصريح رواية المصنف أن سجود الصف الأخير في الركعة الأولى كان قبل تبادل الصفوف وهكذا في رواية البيهقي ورواية للنسائي من طريق شعبة عن
منصور. وفي رواية أحمد من طريق الثوري عن منصور. وهذا أرجح لاتفاق من ذكر عليه مما في رواية النسائي من طريق عبد العزيز بن عبد الصمد عن منصور عن مجاهد من أن سجود الصف الأخيركان بعد تبادل الصفوف. ولفظه ثم سجد الذين يلونه وتأخر هؤلاء الذين يلونه وتقدم الآخرون فسجدوا. لانفراد عبد العزيز بن عبد الصمد وإن كان أحفظ وأوعى من جرير ابن عبد الحميد في سند المصنف
(قوله فلما جلس والصف الذي يليه) أي جلس النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والصف الذي خلفه للتشهد. فالصف مرفوع عطفًا على فاعل جلس أو مبتدأ والخبر محذوف أي كذلك. وهو أولى من النصب على أنه مفعول معه لما يلزم عليه من جعل الأشرف تابعًا لغيره ولإيهامه أنهم ساووه في بدء الجلوس وليس كذلك لأن مساواة المأموم الإمام في أفعال الصلاة مكروهة. والمراد بالذى يليه القريب منه
(قوله ثم جلسوا جميعًا) أي جلس كل من الصفين للتشهد
(قوله فصلاها بعسفان الخ) أي صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة الخوف بهذه الكيفية مرتين مرة بعسفان ومرة بأرض بنى سليم. وكانت غزوة بنى سليم بعد بدر وقبل أحد بالكدر بضم الكاف وإسكان المهملة موضع على ثمانية برد من المدينة. وكان اللواء مع علي رضي الله تعالى عنه. واستخلف النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على المدينة ابن أم مكتوم وغنم فيها خمسمائة بعير فقسم أربعمائة على الغانمين فأصاب كل واحد بعيرين وأخذ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مائة كذا في بهجة المحافل "ومنه تعلم" أن ما في بعض كتب التاريخ من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج إلى بني سليم في ثلمائة رجل من أصحابه فوجدهم قد تفرقوا في مياههم ولم يلق كيدا اهـ "غير صحيح" والحديث
صريح في أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى بها صلاة الخوف "ولا يعارضه" عدم ذكر أصحاب السير قصة صلاة الخوف فيها "لاحتمال" أن النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم غزا في سليم مرتين مرة قبل أحد ولم يصل فيها صلاة الخوف ومرة بعد عسفان وصلى بها صلاة الخوف
(فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية صلاة الخوف بتلك الكيفية، وعلى أن أول مشروعيتها كان بعسفان، وعلى مزيد رأفة الله سبحانه وتعالى بهذه الأمة
(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم وكذا البيهقي من طريق المصنف. وأخرجه أيضًا من طريق يونس بن حبيب قال ثنا أبو داود الطيالسي ثنا ورقاء عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعسفان فحضرت الصلاة صلاة الظهر وعلى خيل المشركين خالد بن الوليد قال فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأصحابه الظهر قال فقال المشركون إن لهم صلاة
بعد هذه هي أحب إليهم من أبنائهم وأموالهم وأنفسهم يعنون صلاة العصر فنزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلي الله تعالى عليه وآله وسلم بين الظهر والعصر فأخبره ونزلت هذه الآية (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) الآية إلى آخرها فحضرت الصلاة فصف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صفين وعليهم السلاح فكبر والعدو بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكبروا جميعًا وركعوا جميعًا ثم سجد رسول الله صلي الله تعالى عليه وآله وسلم والصف الذي يليه والآخرون قيامًا يحرسونه فلما فرغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام إلى الركعة الثانية وسجد الآخرون ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وتأخر هؤلاء إلى مصاف هؤلاء فصلى بهم ركعة أخرى فركعوا جميعًا ثم سجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والصف الذي يليه والآخرون قيامًا يحرسونهم فلما فرغوا سجد هؤلاء ثم سلم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. قال أبو عياش فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذه الصلاة مرتين مرة بعسفان ومرة في أرض بني سليم اهـ
وقال البيهقي هذا إسناد صحيح إلا أن بعضهم يشك في سماع مجاهد من أبي عياش ثم ذكر الحديث بإسناد جيد قال حدثنا أبو عياش قال وفي هذا تصريح بسماع مجاهد من أبى عياش. وأخرجه الدارقطني من طريق الثوري
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَى أَيُّوبُ وَهِشَامٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-
(ش) وفي أكثر النسخ رواه أيوب بإثبات الضمير. والأولى أولى أي روى أيوب السختياني وهشام بن عروة عن أبي الزبير محمد بن مسلم عن جابر بن عبد الله معنى حديث أبى عياش عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وغرض المصنف بذكر هذا التعليق وما بعده إلى آخر الباب تقوية حديث أبى عياش
"ورواية أيوب" وصلها ابن ماجه بلفظ إنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى بأصحابه صلاة الخوف فركع بهم جميعًا ثم سجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والصف الذي يلونه والآخرون قيام حتى إذا نهض سجد أولئك بأنفسهم سجدتين ثم تأخر الصف المقدم حتى قاموا مقام أولئك وتخلل أولئك حتى قاموا مقام الصف المقدم فركع بهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جميعا ثم سجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والصف الذي يلونه فلما رفعوا رءوسهم سجد أولئك سجدتين وكلهم قد ركع مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وسجد طائفة بأنفسهم سجدتين وكان العدو مما يلي القبلة "ورواية هشام" وصلها البيهقي في المعرفة بلفظ فكبروا جميعًا وركعوا جميعًا ثم سجد الذين يلونه
والآخرون قيام فلما رفعوا رءوسهم سجد الآخرون ثم تقدم هؤلاء وتأخر هؤلاء فكبروا جميعا وركعوا جميعًا ثم سجد الذين يلونه والآخرون قيام فلما رفعوا رءوسهم سجد الآخرون قال البيهقي هذا إسناده صحيح
(ص) وَكَذَلِكَ رَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
(ش) أي روى الحديث داود بن حصين أبو سليمان المدني عن عكرمة عن ابن عباس موقوفًا عليه مثل رواية أبى عياش الزرقي "وروايته" أخرجها النسائي من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن اين عباس قال ما كانت صلاة الخوف إلا سجدتين كصلاة حرّاسكم هؤلاء اليوم خلف أئمتكم هؤلاء إلا أنها كانت عقبًا. قامت طائفة منهم "أي حذاء العدو" وهم جميعًا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسجدت معه طائفة متهم ثم قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقاموا معه جميعًا ثم ركع وركعوا معه جميعًا ثم سجد فسجد معه الذين كانوا قيامًا أول مرة فلما جلس رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والذين سجدوا معه في آخر صلاتهم سجد الذين كانوا قيامًا لأنفسهم ثم جلسوا فجمعهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالتسليم. أخرجها البيهقي بأتم منه
(ص) وَكَذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ
(ش) أي روى عبد الملك بن أبى سليمان عن عطاء بن أَبي رباح عن جابر بن عبد الله الحديث مرفوعًا مثل رواية جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد عن أبى عياش. وقد أخرجه النسائي والبيهقي ومسلم من طريق خالد قال حدثنا عبد الملك عن عطاء عن جابر قال شهدت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة الخوف فصفنا صفين "الحديث"
(ص) وَكَذَلِكَ قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ حِطَّانَ عَنْ أَبِي مُوسَى فِعْلَهُ
(ش) أي روى قتادة بن دعامة هذا الحديث عن الحسن البصري عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن أبى موسى عبد الله بن قيس الأشعري مثل رواية أبى عياش الزرقي من فعله. ولم نقف على هذا التعليق بهذا السند بل أخرج البيهقي وابن أبي شيبة من طريق قتادة عن أبى العالية قال صلى بنا أبو موسى الأشعري بأصبهان صلاة الخوف. وروى ابن أبى شيبة من طريق يونس ابن عبيد وابن جرير في تفسيره عن الحسن أن أبا موسى الأشعري صلى بأصحابه صلاة الخوف بأصبهان إذ غزاها قال فصلى بطائفة من القوم ركعة وطائفة تحرس فنكص هؤلاء الذين صلى بهم ركعة وخلفهم الآخرون فقاموا مقامهم فصلى بهم ركعة ثم سلم فقامت كل طائفة فصلت
ركعة اهـ وليس فيه ذكر حطان بين الحسن وأبي موسى. وسياقه صريح في أن العدو لم يكن جهة القبلة فهو مخالف لحديث أبى عياش
(ص) وَكَذَلِكَ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-
(ش) لم نقف على من وصل هذا التعليق من طريق عكرمة بن خالد بل وصله ابن جرير الطبري من طريق ابن أبى نجيح عن مجاهد بن جبر قال قوم كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه بعسفان والمشركون بضجنان فتوافقوا فصلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأصحابه صلاة الظهر ركعتين ثم ساق الحديث مثل حديث أبى عياش الزرقي وهو حديث مرسل
(ص) وَكَذَلِكَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ.
(ش) لم نقف على من وصل هذا التعليق. وقوله وهو قول الثوري مكرر مع قوله في الترجمة هذا قول سفيان. وتقدم بيانه
(باب من قال يقوم صف مع الإمام وصف وجاه العدو)
(فَيُصَلِّي بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَقُومُ قَائِمًا حَتَّى يُصَلِّيَ الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً أُخْرَى)
(ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ فَيَصُفُّونَ وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَتَجِئُ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً)
(وَيَثْبُتُ جَالِسًا فَيُتِمُّونَ لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً أُخْرَى ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ جَمِيعًا.)
(ش) الغرض منه بيان كيفية لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة
(قوله ثم يقوم قائمًا) أي يستمر قائمًا
(قوله فيصفوا الخ) بضم الصاد المهملة من باب نصر أي يصطفوا قبل العدو وتجئ الفرقة الأخرى التي كانت قبل العدو. والطائفة تطلق على القليل والكثير لكن كره الشافعي أن تكون في صلاة الخوف أقل من ثلاثة مستدلًا بقوله تعالى (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ) فأعاد على كل طائفة ضمير الجمع. وأقل الجمع ثلاثة على المشهور. وخالفه في ذلك غيره
(قوله ثم يسلم بهم جميعًا) أي يسلم الإمام بالطائفتين. لكن حديث الباب لا يدل على ذلك
(ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ نَا أَبِي نَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى
بِأَصْحَابِهِ فِي خَوْفٍ فَجَعَلَهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُمْ رَكْعَةً ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ فَصَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَةً ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ.
(ش) لا يظهر وجه مناسبة الحديث للترجمة إلا أن يقال معنى قوله فيه فجعلهم خلفه صفين أن الصف الأول كان خلفه حقيقة وأما الصف الثاني فكان وجاه العدو وعبر عنه بكونه خلف الإمام باعتبار ما يؤول إليه. يدل عليه ما في رواية أحمد عن سهل بن أبي حثمة قال يقوم الإمام وصف خلفه وصف بين يديه فيصلي بالذين خلفه ركعة وسجدتين ثم يقوم قائمًا حتى يصلوا ركعة أخرى ثم يتقدمون إلى مكان أصحابهم ثم يجئ أولئك فيقومون مقام هؤلاء فيصلي بهم ركعة وسجدتين ثم يقعد حتى يقضوا ركعة أخرى ثم يسلم عليهم
(رجال الحديث)
(قوله حدثنا أبي) هو معاذ بن معاذ تقدم في الجزء الأول صفحة 116 وكذا (شعبة) بن الحجاج بن الورد صفحة 32. و (صالح بن خوات) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو ابن جبر بن النعمان الأنصاري. روى عن أبيه وسهل بن أبى حثمة. وعنه ابنه خوات والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وعامر بن عبد الله ويزيد بن رومان. وثقه النسائي وابن حبان وقال في التقريب ثقة من الرابعة
(معنى الحديث)
(قوله صلى بأصحابه في خوف) أي في غزوة ذات الرقاع كما صرح به في رواية لمسلم ومالك في الموطأ وستأتي للمصنف
(قوله فصلى بالذين يلونه ركعة) أي صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالصف الذي يقرب منه. ولم يذكر في هذه الرواية أن الطائفة الأولى صلوا ركعة أخرى أم لا لكن سيأتي للمصنف في الباب الآتي أنهم أتموا لأنفسهم الركعة الباقية. والمصنف حمل حديث الباب على هذا حيث قال في الترجمة حتى يصلي الذين معه ركعة أخرى
(قوله فلم يزل قائمًا) أي استمر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قائمًا لتتمكن الطائفة الأولى من إتمام صلاتها وتدركه الطائفة الأخرى في قيام الركعة الثانية له
(قوله حتى صلى الذين خلفهم ركعة الخ) هكذا بضمير الجمع في جميع نسخ أبى داود ورواية مسلم (وظاهره) أن الصف الأول صلى مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعة ثم ذهب إلى جهة العدو وصلى الصف الثاني ركعة لأنفسهم ثم تقدموا وصلوا الثانية مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولما جلسوا جميعًا للتشهد صلى أهل الصف الأول ركعتهم الباقية ثم سلم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بهم جميعًا
(وهذا الظاهر) مخالف لترجمة المصنف ولرواية البيهقي
وابن جرير الطبري في تفسيره الحديث بهذا السند وفيه حتى صلى الذين خلفه ركعة بإفراد الضمير ولما سيأتي للمصنف عن صالح بن خوات وفيه فصلى بالتى معه ركعة ثم ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم "فإنه صريح" في أن الطائفة الأولى صلت ركعتيها قبل أن تصلي الطائفة الثانية ركعتها الأولى مع الإمام وما في الروايات المذكورة من إفراد الضمير هو الأقرب إلى الصواب لما تقدم في رواية أحمد. ويمكن توجيه رواية المصنف بأن ضمير الجمع في قوله حتى صلى الذين خلفهم ركعة عائد على الصف الثاني لأنه كان وجاه العدو وأمام الإمام جهة القبلة فالمراد بالموصول الصف الأول وبضمير الجمع الصف الثاني وعليه فمعنى كلام المصنف فصلى الإمام بالذين يلونه ركعة مع سجدتيها وهم الصف الأول ثم قام إلى الركعة الثانية وثبت قائمًا حتى صلى أهل الصف الأول ركعتهم الثانية ثم تقدموا وجاه العدو وتأخر الذين كانوا قدامهم وهم أهل الصف الثاني خلف الإمام فصلى بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ركعتهم وهي الثانية له صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم قعد للتشهد واستمرّ حتى أتم أهل الصف الثاني صلاتهم ثم سلم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بهم جميعًا. ويدل هذا التوجيه ما تقدم في رواية أحمد
(وبالحديث) على هذا التوجيه أخذ مالك والشافعي وأبو ثور ومن الصحابة على وابن عباس وأبوهريرة وابن عمر
(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي
(تنبيه) يوجد في أصول المصنف بعد هذا الحديث ما نصه: "قال أبو داود وأما رواية يحيى ابن سعيد عن القاسم نحو رواية في يزيد بن رومان إلا أنه خالفه في السلام ورواية عبيد الله نحو رواية يحيى بن سعيد قال ويثبت قائمًا اهـ
ولا محل لهذه العبارة هنا لأنه لم يتقدم ذكر رواية يحيى ولا رواية يزيد بن رومان وستأتي بنصها في آخر الباب الآتي وهو محلها فذكرها هنا خطأ من النساخ
(باب من قال إذا صلى ركعة وثبت قائمًا أتموا لأنفسهم ركعة)
(ثُمَّ سَلَّمُوا ثُمَّ انْصَرَفُوا فَكَانُوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَاخْتُلِفَ فِي السَّلَامِ)
بيان لكيفية ثانية لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة وهي أن يصلي الإمام ركعة بإحدى الطائفتين ويثبث قائمًا حتى تتمّ هذه الطائفة ركعة أخرى ويسلمون ثم ينصرفون قبالة العدو وتجئ الطائفة الأخرى ويصلى بهم الإمام الركعة التي بقيت له ثم يثبت جالسًا حتى يصلوا ركعة أخرى ثم يسلم بهم أولا ينتظر بل يسلم ثم يتمون صلاتهم. وهذا هو الاختلاف في السلام المشار إليه في الترجمة
(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَمَّنْ
صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِالَّتِى مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِى بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ. قَالَ مَالِكٌ وَحَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَىَّ.
(ش)(رجال الحديث)(يزيد بن رومان) الأسدى أبو روح المدني مولى آل الزبير روى عن أنس وابن الزبير والزهري وصالح بن خوات. وعنه هشام بن عروة وسلمة بن دينار وابن إسحاق ومالك وجماعة. وثقه النسائي وابن معين وابن سعد وقال كان عالمًا كثير الحديث توفي سنة ثلاثين ومائة. روى له الجماعة
(قوله عمن صلى مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) قيل هو سهل بن أبي حثمة كما في الرواية السابقة وهو الظاهر من رواية البخارى وقيل هو خوات أبو صالح فقد روى الحديث ابن منده عن أبي أويس عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن أبيه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وأخرجه البيهقي من طريق عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن أبيه. ورجحه الحافظ في الفتح وجزم به النووي في تهذيبه وقال إنه محقق من رواية مسلم وغيره
(معنى الحديث)
(قوله يوم ذات الرقاع) بكسر الراء غزوة مشهورة بأرض غظفان من نجد كانت سنة خمس أو سبع على ما اختاره البخاري. سميت بذلك لأن أقدام المسلمين نقبت من الحفاء فلفوا عليها الخرق وذلك من قلة الظهر هذا هو الصحيح كما ذكره البخارى عن أبي موسى الأشعري. وقيل سميت باسم جبل هناك يقال له الرقاع لأن فيه بياضًا وحمرة وسوادًا. وقيل غير ذلك
(وسبب) هذه الغزوة أن قادمًا قدم المدينة فأخبر أن أنمارًا وثعلبة وغطفان قد جمعوا جموعًا لغزو المسلمين فبلغ ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم فاستخلف على المدينة عثمان بن عفان وخرج صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في أربعمائة رجل وقيل في سبعمائة فمضى حتى أتى ذات الرقاع فلم يجد إلا نسوة فأخذهن وفيهن جارية وضيئة وهربت الأعراب إلى رءوس الجبال ولم يقع ثمّ قتال ولكن توقع المسلمون ذلك فصلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة الخوف
(قوله وأتموا لأنفسهم) يعني صلوا الركعة الباقية منفردين وسلموا كما في الرواية الآتية
(قوله ثم ثبت جالسًا الخ) يعني من غير سلام منتظرًا إتمام
الطائفة الأخرى الركعة الباقية فلما أتموها سلم بهم ليحصل لهم فضل التسليم معه كما حصل للأولى فضل التحريمة معه
(قوله قال مالك وحديث يزيد الخ) هذا نقله القعنبي عن مالك. ولفظ مالك في الموطأ. وحديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات أحب ما سمعت إليّ في صلاة الخوف ويجمع بينهما بأن مراد مالك أن حديث صالح بن خوات أحب إليه سواء أكان من حديث يزيد ابن رومان أم من حديث القاسم بن محمد. وقال الدارقطني بعد تخريج حديث يزيد بن رومان قال ابن وهب قال لي مالك أحب إلي هذا ثم رجع فقال يكون قضاؤهم بعد السلام أحب إلى اهـ
وما ذكر يقتضي أن مالكًا سمع في كيفية صلاة الخوف صفات متعددة واختار منها هذه الكيفية ووافقه على ذلك الشافعي وأحمد وداود الظاهرى. وإنما اختار هذه لأنها أقرب لموافقتها لظاهر قوله تعالى (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ. الآية) لأن قوله (وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا) دليل على أن الطائفة الأولى قد فرغوا من صلاتهم. وقوله (فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) أي تمام الصلاة كما يقتضيه ظاهر العبارة وفي غير هذه الكيفية لا يصلون معه إلا بعضها وقد ذكر الطائفتين ولم يذكر عليهما قضاء فدل على أن كل واحدة منهما إنما انصرفت بعد كمال الصلاة فهذه الكيفية أحوط لأن الصلاة فيها تتأدى على سنتها في استقبال القبلة. وفي غير هذه الكيفية يقع الاستدبار لها ويكثر العمل في الصلاة فكان الأخذ بحديث الباب أولى
(والحديث) أخرجه الشيخان والنسائي ومالك وأحمد والترمذي والبيهقي والدارقطني ولا يقدح فيه جهالة من روى عنه صالح بن خوات لأنه صحابي والصحابة كلهم عدول كما تقدم
(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ الأَنْصَارِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ أَنْ يَقُومَ الإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَطَائِفَةٌ مُوَاجِهَةَ الْعَدُوِّ فَيَرْكَعُ الإِمَامُ رَكْعَةً وَيَسْجُدُ بِالَّذِينَ مَعَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ سَلَّمُوا وَانْصَرَفُوا وَالإِمَامُ قَائِمٌ فَكَانُوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ ثُمَّ يُقْبِلُ الآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُكَبِّرُونَ وَرَاءَ الإِمَامِ فَيَرْكَعُ بِهِمْ وَيَسْجُدُ بِهِمْ ثُمَّ يُسَلِّمُ فَيَقُومُونَ فَيَرْكَعُونَ لأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ.
(ش) هذا الحديث موقوف وهو كالذى قبله في صلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة غير أنه يخالفه في أن الطائفة الثانية جلست مع الإمام للتشهد في ركعتهم الأولى ولما سلم قاموا وأتموا لأنفسهم الركعة الباقية ثم سلموا كما سيأتي بيانه بعد
(قوله أن يقوم الإمام) أي مستقبل القبلة كما في رواية الترمذي وابن ماجه
(قوله وطائفة مواجهة العدو) أي مقابلة العدو وفي رواية البخاري والنسائي والترمذي وطائفة من قبل العدو وجوههم إلى العدو
(قوله فيركع الإمام ركعة الخ) أي يركع الإمام بالطائفة الأولى ركوعًا ويسجد بهم سجدتين
(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مالك والبخارى والنسائي وابن ماجه والدارقطني والطحاوي والبيهقي والترمذي قال حدثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم محمد عن صالح بن خوات بن جبير عن سهل بن أبى حثمة أنه قال في صلاة الخوف يقوم الإمام مستقبل القبلة وتقوم طائفة منهم معه وطائفة من قبل العدو وجوههم إلى العدو فيركع بهم ركعة ويركعون لأنفسهم ويسجدون لأنفسهم سجدتين في مكانهم ثم يذهبون إلى مقام أولئك ويجئ أولئك فيركع بهم ركعة ويسجد بهم سجدتين فهي له ثنتان ولهم واحدة ثم يركعون ركعة ويسجدون سجدتين قال محمد بن بشار سألت يحيى بن سعيد "يعني القطان" عن هذا الحديث فحدثني عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح ابن خوات عن سهل بن أبى حثمة عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمثل حديث يحيى ابن سعيد الأنصاري وقال لي اكتبه إلى جنبه ولست أحافظ الحديث "يعني حديث شعبة" ولكنه مثل حديث يحيى بن سعيد الأنصاري قال أبو عيسى وهذا حديث حسن صحيح لم يرفعه يحيى ابن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد وهكذا رواه أصحاب يحيى بن سعيد الأنصاري موقوفًا ورفعه شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد اهـ
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ نَحْوُ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ إِلَاّ أَنَّهُ خَالَفَهُ فِي السَّلَامِ
(ش) رواية مبتدأ خبره نحو وهو على تقدير الفاء جواب أما. والمعنى أن رواية يحيى بن سعيد الأنصاري مثل رواية يزيد بن رومان السابقة إلا أن يحيى بن سعيد خالف يزيد بن رومان في وقت سلام الإمام ففي رواية يحيى يسلم الإمام إذا كملت صلاته ثم تكمل الطائفة الثانية صلاتها. وفي رواية يزيد ينتظر الإمام جالسًا حتى تتم الطائفة الثانية صلاتها ويسلم بها. وقد ترجح عند مالك الأخذ بكل من الحديثين فقد روى عنه عبد الرحمن بن مهدي وابن وهب وقتيبة بن سعيد والقعنبي أنه قال أحب ما في ذلك إليّ حديث يزيد بن رومان وقد تقدم