المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الدعاء في الاستسقاء - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٧

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب تفريع صلاة الاستسقاء)

- ‌(باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ)

- ‌ الدعاء في الاستسقاء

- ‌(باب صلاة الكسوف)

- ‌(باب القراءة في صلاة الكسوف)

- ‌(باب الصدقة فيها)

- ‌(باب العتق فيها)

- ‌(باب الصلاة عند الظلمة ونحوها)

- ‌(باب السجود عند الآيات)

- ‌(باب متى يقصر المسافر)

- ‌ المسافر لا يقصر الصلاة إلا إذا فارق بناء البلد

- ‌(باب الأذان في السفر)

- ‌(باب المسافر يصلي وهو يشك في الوقت)

- ‌(باب الجمع بين الصلاتين)

- ‌(باب قصر قراءة الصلاة في السفر)

- ‌(باب التطوع في السفر)

- ‌(باب التطوع على الراحلة والوتر)

- ‌(باب الفريضة على الراحلة من عذر)

- ‌ اقتداء المقيم بالمسافر

- ‌(باب إذا أقام بأرض العدو يقصر)

- ‌ الخوف والعدو في غير جهة القبلة

- ‌ كيفية رابعة لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة

- ‌(باب صلاة الطالب)

- ‌(باب ركعتي الفجر)

- ‌(باب في تخفيفهما)

- ‌(باب الاضطجاع بعدها)

- ‌الاضطجاع قبلهما

- ‌(باب إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتي الفجر)

- ‌(باب من فاتته متى يقضيها)

- ‌(باب الأربع قبل الظهر وبعدها)

- ‌(باب الصلاة قبل العصر)

- ‌(باب الصلاة بعد العصر)

- ‌(باب الصلاة قبل المغرب)

- ‌ استحباب التنفل قبل المغرب وغيره

- ‌(باب صلاة الضحى)

- ‌(باب صلاة النهار)

- ‌(باب صلاة التسبيح)

- ‌(باب ركعتي المغرب أين تصليان)

- ‌(باب الصلاة بعد العشاء)

- ‌(باب نسخ قيام الليل)

- ‌(باب قيام الليل)

- ‌(باب النعاس في الصلاة)

- ‌(باب من نام عن حزبه)

- ‌(باب من نوى القيام فنام)

- ‌(باب أي الليل أفضل)

- ‌(باب وَقْتِ قِيَامِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنَ اللَّيْلِ)

- ‌(باب افتتاح صلاة الليل بركعتين)

- ‌الحكمة في تخفيفهما

- ‌(باب صلاة الليل مثنى مثنى)

- ‌(باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل)

- ‌(باب في صلاة الليل)

- ‌(باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة)

- ‌(باب في قيام شهر رمضان)

- ‌(باب في ليلة القدر)

- ‌(باب من روى أنها ليلة سبع عشر

- ‌(باب من روى أنها في السبع الأواخر)

- ‌(باب من قال سبع وعشرون)

- ‌(باب من قال هي في كل رمضان)

الفصل: ‌ الدعاء في الاستسقاء

عند سوق المدينة كما تقدم

(قوله يدعو يستسقى رافعا يديه) فيه دلالة على مشروعية رفع اليدين حال‌

‌ الدعاء في الاستسقاء

(قوله قبل وجهه) أي مقابلة لوجهه ومحاذية له لا يجاوز بهما رأسه

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والحاكم وأخرجه الترمذي والنسائي من حديث عمير مولى آبى اللحم عن آبى اللحم

(ص) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَلَفٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ نَا مِسْعَرٌ عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَوَاكِي فَقَالَ "اللهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ". قَالَ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ.

(ش)(رجال الحديث)(ابن أبي خلف) هو محمَّد بن أحمد بن أبي خلف تقدم في الجزء الثاني صفحة 175.

و(مسعر) بكسر فسكون هو ابن كدام بكسر ففتح تقدم في الجزء الأول صفحة 206.

و(يزيد الفقير) هو ابن صهيب الكوفي أبو عثمان. روى عن ابن عمر وجابر وأبي سعيد. وعنه الحكم بن عتبة ومسعر والمسعودي وقيس بن سليم ومحمد بن أيوب الثقفي وأبو حنيفة والأعمش وغيرها. قال أبو حاتم وابن خراش صدوق. ووثقه النسائي وابن معين وأبو زرعة وابن حبان وقال في التقريب ثقة من الرابعة. روى له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه

(معنى الحديث)

(قوله أتت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بواكي) بالموحدة المفتوحة وهي الرواية المشهورة ورواية البزار جمع باكية أي نفوس باكية أو نساء باكيات لانقطاع المطر عنهم. وفي نسخة الخطابي رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يواكي بالمثناة التحتية أي يتحامل على يديه إذا رفعهما ومدهما في الدعاء قال النووي والذي ادعاه الخطابي لم تأت به الرواية ولا انحصر الصواب فيه بل ليس هو واضح المعنى وفي رواية البيهقي أتت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هوازل بدل بواكي

(قوله اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا) بضم الميم أي مطرًا معينًا ومخلصا من القحط

(قوله مريئًا مريعًا) أي هنيئًا محمود العاقبة كثير النفع لا ضرر فيه. ومريعًا بفتح الميم وكسر الراء وسكون الياء من مرع الوادى مراعة صار ذا خصب ويروي بضم الميم من أمرع المكان إذا أخصب. ويروى مربعا بموحدة مكسورة من قولهم أربع إذا أكل الربيع. ويروي مرتعًا بضم الميم ومثناة فوقية مكسورة من قولهم أرتع المطر إذا أثبت ما ترتع فيه الماشية

(قوله فأطبقت عليهم السماء) بالبناء للفاعل أو المفعول أي قال جابر ظهر عليهم السحاب من فوق رءوسهم بحيث لا يرون السماء ثم عمهم المطر الدائم يقال أطبق عليه الشيء إذا جعل عليه الطبق وغطاه به، فالمراد بالسماء السحاب. ويحتمل أن يراد به المطر

ص: 10

أي عمهم المطر وغمرهم يقال مطر مطبق. أي عام. وعرّف السماء لقصد التعميم وبيان أنه غمام

مطبق أخذ بآفاق السماء إجابة لدعوة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم.

(فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية الدعاء في الاستسقاء وعلى جواز التجاء المرءوس

للرءيس ولا سيّما عند الحاجة. وعلى كمال رأفة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأمته

حيث بالغ في الدعاء في هذه الحالة، وعلى عظم منزلته عند ربه، وعلى سعة رحمة الله تعالى بعبادة

حيث رفع عنهم ما حل بهم (والحديث) أخرجه الحاكم والبيهقي.

(ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الدُّعَاءِ إِلَاّ فِي الاِسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.

(ش)(سعيد) بن أبي عروبة تقدم في الجزء الأول صفحة 69

(قوله كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء الخ) ظاهرة عدم رفع اليدين حال الدعاء إلا في الاستسقاء. لكنه معارض بالأحاديث الكثيرة الواردة في رفع اليدين في الدعاء في غير الاستسقاء

(منها) ما أخرجه الحاكم في الأدب المفرد عن أبي هريرة قال قدم الطفيل بن عمرو على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إن دوسًا عصت فادع الله عليها فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال اللهم اهد دوسًا

(ومنها) ما أخرجه الترمذي من حديث عمر قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل فأنزل الله عليه يومًا ثم سرى عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه ودعا

(ومنها) ما أخرجه النسائي من حديث أسامة قال كنت ردف النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت به ناقته فسقط خطامها فتناوله بيده وهو رافع اليد الأخرى

(وقد أفرد) البخاري رفع الأيدي في الدعاء بترجمة في كتاب الدعوات وساق فيها عدة أحاديث وصنف المنذري في ذلك جزء. أو قال النووي هي أكثر من أن تحصر قد جمعت منها نحوًا من ثلاثين حديثًا من الصحيحين ويجمع بين حديث الباب وبين هذه الأحاديث بأن أنسًا أراد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان لا يرفع يديه رفعًا يبالغ فيه إلا في الاستسقاء لما في الجدب من عموم الحاجة. أما في غير الاستسقاء فكان يرفع يديه رفعًا دون ذلك. أو يجمع بينهما بأن النفي في حديث أنس متوجه إلى نفي صفة رفع اليدين في الاستسقاء من جعل بطونهما مما يلي الأرض وظهورهما إلى السماء كما في الرواية الآتية. ولا يعكر على هذا أنه جاء في بعض روايات رفع اليدين فيغير الاستسقاء أنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض أبطيه لأن رؤية البياض في الاستسقاء

ص: 11

أبلغ منها في غيره، وعلى فرض عدم إمكان الجمع فتقدم الأحاديث المثبتة لرفع اليدين حال الدعاء في غير الاستسقاء على النافية له

(قوله حتى يرى بياض إبطيه) لعله كان يرى بياض إبطيه وقت أن لم يكن عليه ثوب بأن كان عليه رداء، وبياض إبطيه من خصوصياته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. فإن آباط غيره مغمورة بالشعر متغيرة اللون كريهة الرائحة

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم والدارقطني والحاكم والبيهقي

(ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ نَا عَفَّانُ نَا حَمَّادٌ أَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَسْتَسْقِي هَكَذَا يَعْنِي وَمَدَّ يَدَيْهِ وَجَعَلَ بُطُونَهُمَا مِمَّا يَلِي الأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ.

(ش)(رجال الحَديث)(الحسَن بن محمَّد) بن الصباح أبو علي البغدادي روى عن ابن عيينة وابن أبي عدي ومروان بن معاوية ووكيع وجماعة. وعنه أحمد والبخاري والترمذي وابن ماجه وأبو عوانة والبغويُّ وكثيرون. وثقه النسائي والعقيلي وقال ابن عبد البر يقال إنه لم يكن في وقته أفصح منه ولا أبصر باللغة وكان نبيلًا ثقة مأمونًا. توفي سنة تسع وخمسين ومائتين.

و(الزعفراني) نسبة إلى الزعفرانية قرية قرب بغداد.

و(عفان) بن مسلم تقدم في الجزء الرابع صفحة 143.

و(حماد) بن سلمة تقدم بصفحة 26 جزء أول.

و(ثابت) ابن أسلم البناني تقدم في الجزء الثاني صفحة 245

(معنى الحديث)

(قوله يعني ومد يديه الخ) تصير لاسم الإشارة وفيه بيان كيفية رفع اليدين حال الدعاء. وفي رواية مسلم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استسقى فأشار بظهر كله إلى السماء. ومن هذا قال جماعة إن السنة في كل دعاء لدفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء. وإذا دعا لتحصيل خير جعل بطن كفيه إلى السماء ويشهد له ما سيأتي للمصنف في باب الدعاء من قوله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سألتم الله فسلوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها. والحكمة في جعل بطون الكفين إلى الأرض الإشارة إلى تحول حال الشدة والجدب إلى الرخاء والخصب كما تقدم في تحول الرداء، والإشارة أيضًا إلى ما يسأله وهو أن يجعل باطن السحاب إلى الأرض لينصب ما فيه من الأمطار كما أن الكف إذا جعل بطنها إلى الأرض انصب ما فيها من الماء

(والحديث) أخرجه البيهقي

(ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنِي

ص: 12

(ص) مَنْ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ بَاسِطًا كَفَّيْهِ.

(ش)(شعبة) بن الحجاج بن الورد

(قوله أخبرني من رأى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم) هو عمير مولى آبى اللحم كما في التقريب وتهذيب التهذيب في المبهمات

(قوله باسطًا كفيه) أي مادهما منشورتين جاعلًا بطونهما إلى السماء (وفيه دلالة) على جواز رفع اليدين حال الدعاء وجعل بطونهما إلى السماء في الاستسقاء كما أنه لا يجوز العكس أخذًا من الحديث المتقدم أول الباب. وهذا يرجح أن الحديث من مرويات عمير لا من مرويات مولاه آبي اللحم

(ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ نَا خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مَبْرُورٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ شَكَى النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قُحُوطَ الْمَطَرِ فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَكَبَّرَ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَحَمِدَ اللَّهَ عز وجل ثُمَّ قَالَ "إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ عز وجل أَنْ تَدْعُوهُ وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ". ثُمَّ قَالَ " (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ". ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبْطَيْهِ ثُمَّ حَوَّلَ عَلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَقَلَّبَ أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتِ السُّيُولُ فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الْكِنِّ ضَحِكَ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فَقَالَ "أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ".

ص: 13

(ش)(رجال الحديث)(هارون بن سعيد) بن الهيثم بن محمَّد بن الهيثم التيمي السعدي مولاهم أبو جعفر نزيل مصر. روى عن ابن عيينة وابن وهب وأبي ضمرة ومؤمل ابن إسماعيل وبشر بن بكر.

وروى عنه مسلم وأبو داود والنسائيُّ وابن ماجه وأبو حاتم ومحمد ابن وضاح وآخرون. قال مسلمة بن قاسم كان مقدمًا في الحديث فاضلًا ووثقه ابن يونس والنسائيُّ وقال في التقريب ثقة من العاشرة.

توفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين. و (الأيلي) نسبة إلى أيلة مدينة على ساحل بحر قلزم "البحر الأحمر" مما يلي الشام.

و(خالد بن نزار) بن المغيرة بن سليم الغساني روى عن إبراهيم بن طهمان ومالك بن أنس والأوزاعي وابن عيينه والشافعي. وعنه أحمد ابن صالح وأبو الطاهر بن السرح وهارون بن سعيد وجماعة. وثقه محمَّد بن وضاح وقال ابن حبّان يغرب ويخطئُ وقال في التقريب صدوق يخطئُ. توفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين. روى له أبو داود والنسائي.

و(يونس) بن يزيد تقدم في الجزء الثاني صفحة 102

(قوله عن أبيه) عروة بن الزبير تقدم في الجزء الأوّل صفحة 72

(معنى الحديث)

(قوله شكا الناس) أي أخبروا عن مكروه أصابهم وشكا من باب قتل بالألف أو الياء ويتعدي بنفسه

(قوله قحوط المطر) بضم القاف مصدر قحط من باب خضع كالقحط أو هو جمع قحط وأضيف إلى المطر للإشارة إلى عمومه

(قوله حين بدًا حاجب الشمس) أي ظهر شعاعها من الأفق وسمي حاجبًا لأنه أول ما يبدو منها كحاجب الإنسان (وفي هذا) استحباب الخروج لصلاة الاستسقاء عند طلوع الشمس. وظاهره أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلاها في وقت صلاة العيد

(واختلف) في وقتها. فقيل هو وقت صلاة العيد "وقيل" أوله أول وقت صلاة العيد ويمتدّ إلى صلاة العصر "وقيل" لا تختص بوقت بل تجوز في كل وقت من ليل أو نهار إلا أوقات الكراهة وهو الظاهر وصوبه النووي ورجحه الحافظ وهو قول الجمهور

(قوله فكبر وحمد الله) فيه دليل على أن خطبة الاستسقاء تفتتح بالتكبير والتحميد وهو ظاهر نص الشافعي قال في الأم ويخطب الإِمام في الاستسقاء خطبتين كما يخطب في صلاة العيدين يكبر الله فيهما ويحمده ويصلي على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويكثر فيهما من الاستغفار حتى يكون أكثر كلامه اهـ

(وبهذا قالت) الحنابلة والمحاملي من الشافعية. وقالت المالكية وجمهور الشافعية يفتتح الخطبة بالاستغفار ويكثر منه أثناءها لكن لم نقف لهم على دليل

(قوله إنكم شكوتم جدب دياركم الخ) أي قحطها وتأخر المطر عن أول وقته. فالإبان بكسر الهمزة وتشديد الباء أول الشيء

(قوله وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه الخ) المراد به قوله تعالى (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)

(قوله واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين) المراد أنزل علينا المطر النافع الذي يكون سببًا لإنبات الأرزاق التي هي سبب في قوتنا واجعله كافيًا لنا مدة احتياجنا إليه وفي نسخة (وبلاغًا إلى خير)

ص: 14

أي زادًا نبلغ وتتوصل به إلى خيري الدنيا والآخرة فالبلاغ ما يتوصل به إلى المطلوب

(قوله ثم رفع يديه الخ) يعني رفعهما شيئًا فشيئا إلى أن ظهر بياض إبطيه

(قوله ثم حول إلى الناس ظهره) يعني وهو على المنبر

(قوله ونزل فصلى ركعتين) فيه دليل على أن الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة، وبه قال الليث وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطّاب وغيره وحكاه العبدري عن عمر ابن عبد العزيز، وقال المالكية والشافعية والحنابلة يصلي ثم يخطب وهو قول الجماهير. ويدل لهم ما رواه أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة قال خرج نبي الله يومًا يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا ودعا الله غزّ وجلّ "الحديث" وما رواه أحمد عن عبد الله بن زيد قال خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة وبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم استقبل القبلة فدعا. ولا منافاة بين أحاديث تقديم الصلاة على الخطبة وأحاديث تقديم الخطبة على الصلاة لأن الكل جائز. قال النووي قال أصحابنا لو قدم الخطبة على الصلاة صحتا. لكن الأفضل تقديم الصلاة كصلاة العيد وخطبتها. وجاء في الأحاديث ما يقتضي جواز التقديم والتأخير واختلفت الرواية في ذلك عن الصحابة اهـ

قال في النيل وجواز التقديم والتأخير بلا أولوية هو الحق

(قوله فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت) أي أوجد الله سحابة سمع منها صوت الرعد ورؤى منها لمعان البرق. وإسناد الرعد والبرق إلى السحاب مجاز لأن الرعد ملك موكل بالسحاب والبرق لمعان يظهر من خلال السحاب وقيل لمعان المطراق الذي يزجر به السحاب

(قوله فلم يأت مسجده حتى سالت السيول) يعني لم يأت صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المسجد من المكان الذي صلى فيه حتى نزل المطر وكثر

(قوله فلما رأى سرعتهم إلى الكن الخ) يعني لما رأى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سرعة القوم إلى ما يسترهم من المطر ضحك حتى ظهرت نواجده أي أقصى أضراسه. وقيل هي الأنياب والأضراس كلها

(قوله فقال أشهد أن الله على كل شيء قدير) استعظام منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لقدرته تعالى حيث أنزل الغيث الكثير بعد أن كانت الأرض جدبًا واعتراف منه بالعبودية وإظهار للتذلل والخضوع وإظهار أنه مؤيد من عند الله تعالى بقبول دعائه من ساعته لكونه رسوله

(فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية الالتجاء إلى كبير القوم عند حصول الشدائد وعلى مشروعية خروج الإِمام بالناس إلى الصحراء للاستسقاء، وعلى استحباب الخروج للاستسقاء أول النهار وتقدم بيانه، وعلى استحباب الخطبة على مرتفع في الاستسقاء، وعلى استحباب ابتداء الخطبة بالتكبير والتحميد وتقدم بيانه، وعلى أنه ينبغي أن تكون الخطبة في كل مقام بما يناسبه فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جعل الخطبة مناسبة للاستسقاء

ص: 15

وعلى جواز تكرار الحمد في خطبة الاستسقاء، وعلى أنه ينبغي أن يكون الخطيب الكبير الذي اشتهر بالزهد والورع ليكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة، وعلى أنه يستحب للإمام أن يستقبل القوم حال الخطبة، وعلى استحباب المبالغة في رفع اليدين حال الدعاء في الاستسقاء، وعلى جواز تحويل الإِمام ظهره للناس بعد الدعاء، وعلى استحباب تحويل الرداء تفاؤلًا بتحول الحال كما تقدم، وعلى جواز الخطبة قبل الصلاة وتقدم إيضاحه، وعلى أن الضحك لحاجة إلى ظهور النواجذ مشروع، وعلى أنه ينبغي شكر الله تعالى على نعمائه

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أبو عوانة وابن حبان والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقْرَءُونَ (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حُجَّةٌ لَهُمْ.

(ش) غرض المصنف بهذا بيان حال الحديث وأنه صالح للاحتجاج به والغريب ما تفرد به راو وهو هنا خالد بن نزار لأنه يغرب كما تقدم عن ابن حبان

(قوله أهل المدينة يقرءون ملك يوم الدين) يعني بإسقاط الألف وهي قراءة أكثر القراء وقرأ عاصم والكسائي مالك بالألف وهما قراءتان سبعيتان ثابتتان عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالتواتر فلا يتوقف ثبوت إحداهما على الاحتجاج بدليل ظني كحديث الباب

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَبَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُنَا يَوْمَ جُمُعَةٍ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْكُرَاعُ هَلَكَ الشَّاءُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا قَالَ أَنَسٌ وَإِنَّ السَّمَاءَ لَمِثْلُ الزُّجَاجَةِ فَهَاجَتْ رِيحٌ ثُمَّ أَنْشَأَتْ سَحَابَةً ثُمَّ اجْتَمَعَتْ ثُمَّ أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازِلَنَا فَلَمْ يَزَلِ الْمَطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَحْبِسَهُ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله

ص: 16

تعالى عليه وعلى آله وسلم - ثُمَّ قَالَ "حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا". فَنَظَرْتُ إِلَى السَّحَابِ يَتَصَدَّعُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ.

(ش)(يونس بن عبيد) بالرفع عطف على حماد أي رواه مسدد عن يونس بن عبيد عن ثابت بن أسلم البناني عن أنس بن مالك كما رواه عن حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس

(قوله إذ قام رجل) قال الحافظ لم أقف على اسمه. وفي مسند أحمد ما يدل على أنه كعب بن مرة اهـ

وفي البيهقي من طريق مرسلة ما يدل على أنه خارجة بن حصن الفزاري

(قوله هلك الكراع) بوزن غراب يذكر ويؤنث اسم لجماعة الخيل

(قوله هلك النساء) جمع شاة وهي من الغنم تذكر وتؤنث

(قوله فمد يديه) يعني رفعهما مبسوطتين إلى السماء

(قوله وإن السماء لمثل الزجاجة) يعني في الصفاء لخلوها من السحاب والواو للحال. وفي رواية للبخاري قال أنس والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئًا

(قوله فهاجت ريح الخ) أي ثارت ريح وأنشأت سحابة أي أحدثتها وإسناد الإنشاء إلى الريح من باب الإسناد إلى السبب

(قوله ثم اجتمعت) أي انضم بعضها إلى بعض متكاثفة

(قوله ثم أرسلت السماء عزاليها) بفتح العين المهملة وكسر اللام جمع عزلاء وهو فم المزادة الأسفل شبه اتساع المطر وتدفقه بالماء الذي يخرج من أفواه القرب

(قوله نخوض الماء) أي نمشي فيه لكثرته

(قوله حوالينا ولا علينا) يعني أنزل المطر حول المدينة مواضع الشجر والنبات لا على الأبنية والمساكن

(قوله يتصدع) أي يتفرق ويتقطع عن المدينة

(قوله كأنه إكليل) يريد أن الغيم انكشف عن المدينة واستدار بآفاقها كالحلقة. والإكليل بكسر الهمزة شبه عصابة مزينة بالجوهر يوضع على الرأس

(فقه الحديث) دل الحديث على علو منزلته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند ربه حيث أجاب دعاءه على الفور في المبدأ والمنتهى. وعلى كمال حكمته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حيث أجاب السائل بما فيه المصلحة

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري بلفظ أن رجلًا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائمًا فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا قال فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يديه فقال اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا قال أنس ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئًا وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار قال فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس قال فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت قال والله ما رأينا الشمس سبتا

ص: 17

ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قائم يخطب فاستقبله قائمًا وقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها قال فرفع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يديه ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والجبال والظراب والأدوية ومنابت الشجر قال فانقطعت وخرجنا نمشى في الشمس. قال شريك فسألت أنسًا أهو الرجل الأول قال لا أدري اهـ. والآكام جمع أكمة بفتحات وهي التل المرتفع قليلًا والظراب بكسر الظاء المعجمة جمع ظرب بكسر الراء وقد تسكن وهو الجبل الصغير المنبسط قليل الارتفاع وأخرجه البيهقي بنحوه

(ص) حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ أَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ بِحِذَاءِ وَجْهِهِ فَقَالَ "اللَّهُمَّ اسْقِنَا". وَسَاقَ نَحْوَهُ.

(ش)(الليث) هو ابن سعد الإِمام

(قوله فرفع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يديه الخ) غرض المصنف بهذا بيان الفرق بين رواية شريك هذه ورواية عبد العزيز السابقة فإن عبد العزيز قال في حديثه عن أنس فمدّ يديه ودعا. وقال شريك في حديثه عن أنس فرفع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يديه بحذاء وجهه فقال اللهم اسقنا

(قوله وساق نحوه) أي وساق شريك بعد ذلك حديثه نحو حديث عبد العزيز بن صهيب

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرج البخاري ومسلم والنسائي نحوه

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ ح وَنَا سَهْلُ بْنُ صَالِحٍ نَا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اسْتَسْقَى قَالَ "اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ". هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مَالِكٍ.

(ش)(رجال الحديث)(سهل بن صالح) بن حكيم الأنطاكي أبو سعيد البزار روى عن يحيى القطان ويزيد بن هارون ووهب بن جرير وابن علية ووكيع وآخرين. وعنه

ص: 18

أبو داود والنسائي والحسن بن أحمد وأبو أسامة الحلبي وآخرون. وثقه أبو حاتم وابن حبان وأبو زكرياء ومسلمة بن قاسم وقال النسائي لا بأس به.

و(على بن قادم) الخزاعي أبو الحسن الكوفي. روى عن الأعمش والثوري وجعفر بن زياد الأحمر ويونس بن أبي إسحاق وسعيد ابن أبي عروبة وعلى بن صالح وآخرين. وعنه القاسم بن زكرياء وسهل بن صالح ويوسف ابن موسى ويعقوب بن سفيان ومحمد بن عبد الرحمن البزار ومحمد بن عوف الطائي وآخرون وثقه ابن حبان والعجلي وقال ابن سعد منكر الحديث شديد التشيع وقال الساجي صدوق وفيه ضعف وضعفه ابن معين وقال ابن عدي نقموا عليه أحاديث رواها عن سفيان الثوري غير محفوظة. توفي سنة ثنتي عشرة أو ثلاث عشرة ومائتين

(معنى الحديث)

(قوله اللهم اسق عبادك وبهائمك الخ) المراد بالبهائم كل حيوان غير آدمي وفي إضافة العباد والبهائم إليه تعالى مزيد استعطاف

(قوله وانشر رحمتك) وفي رواية مالك وابسط رحمتك على عبادك. وفي هذا إشارة لقوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ)

(قوله وأحي بلدك الميت) يعني الذي لا خصب فيه لانقطاع الماء عنه فالإحياء النماء والخصب. والموت كناية عن الجدب وعدم الخصب. وكأنه يشير إلى قوله تعالى (الله الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)، وظاهر الحديث أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اقتصر في الاستسقاء على الدعاء.

ولا ينافي ما تقدم من أنه صلى أيضًا لأن الاستسقاء أنواع. أدناها الدعاء المجرد عن الصلاة كما في هذا الحديث، وأوسطها الدعاء خلف الصلوات المكتوبة، وأكملها صلاة ركعتين بنية الاستسقاء وخطبتان ودعاء. هذا وأحاديث الباب صريحة في أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو الذي كان يستسقي للقوم في حياته. وبعد وفاته كان يستسقى الناس بأصلحهم وأقربهم إلى الله تعالى. فقد روى أن معاوية استسقى بيزيد ابن الأسود فقال اللهم إنا نستسقي بخيرنا وأفضلنا اللهم إنا نستسقي بيزيد بن الأسود يا يزيد ارفع يديك إلى الله تعالى فرفع يديه ورفع الناس أيديهم فثارت سحابة من المغرب كأنها ترس وهب لها ريح فسقوا حتى كاد الناس لا يبلغون منازلهم. وروى البخاري عن أنس أن عمر ابن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا فيسقون

قال في النيل وقد بين الزبير بن بكار في الأنساب صفة مادعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك فأخرج بإسناده أن العباس لما استسقى به عمر قال اللهم إنه لا ينزل بلاءً إلا بذنب ولا يكشف إلا بتوبة وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض

ص: 19