المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب في قيام شهر رمضان) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٧

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب تفريع صلاة الاستسقاء)

- ‌(باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ)

- ‌ الدعاء في الاستسقاء

- ‌(باب صلاة الكسوف)

- ‌(باب القراءة في صلاة الكسوف)

- ‌(باب الصدقة فيها)

- ‌(باب العتق فيها)

- ‌(باب الصلاة عند الظلمة ونحوها)

- ‌(باب السجود عند الآيات)

- ‌(باب متى يقصر المسافر)

- ‌ المسافر لا يقصر الصلاة إلا إذا فارق بناء البلد

- ‌(باب الأذان في السفر)

- ‌(باب المسافر يصلي وهو يشك في الوقت)

- ‌(باب الجمع بين الصلاتين)

- ‌(باب قصر قراءة الصلاة في السفر)

- ‌(باب التطوع في السفر)

- ‌(باب التطوع على الراحلة والوتر)

- ‌(باب الفريضة على الراحلة من عذر)

- ‌ اقتداء المقيم بالمسافر

- ‌(باب إذا أقام بأرض العدو يقصر)

- ‌ الخوف والعدو في غير جهة القبلة

- ‌ كيفية رابعة لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة

- ‌(باب صلاة الطالب)

- ‌(باب ركعتي الفجر)

- ‌(باب في تخفيفهما)

- ‌(باب الاضطجاع بعدها)

- ‌الاضطجاع قبلهما

- ‌(باب إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتي الفجر)

- ‌(باب من فاتته متى يقضيها)

- ‌(باب الأربع قبل الظهر وبعدها)

- ‌(باب الصلاة قبل العصر)

- ‌(باب الصلاة بعد العصر)

- ‌(باب الصلاة قبل المغرب)

- ‌ استحباب التنفل قبل المغرب وغيره

- ‌(باب صلاة الضحى)

- ‌(باب صلاة النهار)

- ‌(باب صلاة التسبيح)

- ‌(باب ركعتي المغرب أين تصليان)

- ‌(باب الصلاة بعد العشاء)

- ‌(باب نسخ قيام الليل)

- ‌(باب قيام الليل)

- ‌(باب النعاس في الصلاة)

- ‌(باب من نام عن حزبه)

- ‌(باب من نوى القيام فنام)

- ‌(باب أي الليل أفضل)

- ‌(باب وَقْتِ قِيَامِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنَ اللَّيْلِ)

- ‌(باب افتتاح صلاة الليل بركعتين)

- ‌الحكمة في تخفيفهما

- ‌(باب صلاة الليل مثنى مثنى)

- ‌(باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل)

- ‌(باب في صلاة الليل)

- ‌(باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة)

- ‌(باب في قيام شهر رمضان)

- ‌(باب في ليلة القدر)

- ‌(باب من روى أنها ليلة سبع عشر

- ‌(باب من روى أنها في السبع الأواخر)

- ‌(باب من قال سبع وعشرون)

- ‌(باب من قال هي في كل رمضان)

الفصل: ‌(باب في قيام شهر رمضان)

(باب في قيام شهر رمضان)

أي في فضل قيام ليله

(ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ قَالَا نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ -قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ- عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِعَزِيمَةٍ ثُمَّ يَقُولُ "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". فَتُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ رضي الله عنه.

(ش)(قوله قال الحسن الخ) أي قال الحسن بن علي في حديثه حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر ومالك. وأما محمَّد بن المتوكل فجعل شيخ عبد الرزاق معمر بن راشد فقط

(قوله يرغب في قيام رمضان الخ) أي في إحياء لياليه بالطاعات من غير أن يأمرهم بقيامه أمر إيجاب. والعزيمة في الأصل تصميم القلب على إمضاه الأمر

(قوله من قام رمضان الخ) أي أحيى لياليه بالطاعة حال كونه مصدقًا بأنه حق معتقدًا أفضليته مريدًا به وجه الله تعالى مع الإخلاص غفر الله له ما تقدم من ذنيه. فقوله إيمانًا أي تصديقًا منه بحقية الصيام وبوعد الله تعالى عليه بالثواب. وقوله احتسابًا أي مريدًا به وجه الله تعالى خاليًا من الرياء والسمعة. وفي رواية أحمد والنسائي زيادة وما تأخر

(واستشكل) هذا بأن الغفران إنما يكون لذنب سابق فكيف يغفر ما سيقع من الذنوب (وأجيب) بأن المراد الحفظ من الوقوع في الذنوب. أو أن الذنب إذا وقع يقع مغفورًا

"ويحصل إحياء لياليه" بأقل ما يصدق عليه القيام. وليس من شرطه استغراق جميع الليل.

قال في الفتح ذكر النووي أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح يعني أنه يحصل بها المطلوب من القيام لا أن قيام رمضان لا يكون إلا بها. وأغرب الكرماني فقال اتفقوا على أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح اهـ.

والمعول عليه الأخذ بعموم الحديث من أن القيام كما يحصل بصلاة التراويح يحصل بغيرها من أنواع الطاعات

(وظاهر الحديث) عام في غفران الذنوب الصغائر والكبائر. وبه جزم ابن المنذر. لكن قال النووي في شرح مسلم المعروف عند الفقهاء أن هذا مختص بغفران

ص: 306

الصغائر دون الكبائر. وقال بعضهم يجوز أن يخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة اهـ

(قوله فتوفى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والأمر على ذلك الخ) يعني على تفريقهم في إحياء ليالي رمضان في البيوت وصلاتهم منفردين امتثالًا لأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم.

وفي رواية البخاري ومسلم وغيرهما عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير فصلى فيها ليالي حتى اجتمع عليه ناس ثم فقدوا صوته ليلة وظنوا أنه قد نام في فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم فقال ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في ييوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة.

واستمر الأمر على ذلك زمن خلافة أبي بكر وأول خلافة عمر ثم جمعهم عمر على أبيّ بن كعب فصلى بهم في المسجد جماعة. واستمر على الناس على هذا لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما أمرهم بصلاتها في البيوت خشية الافتراض وقد زالت هذه العلة بوفاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يأمر أبو بكر بصلاتها جماعة في المسجد لأنه كان مشغولًا بما هو أهم من ذلك وكذلك عمر أول خلافته

(فقه الحديث) دلّ الحديث على الترغيب في إحياء ليالي رمضان بالطاعة وتأكد استحباب صلاة التراويح. وعلى غفران ما تقدم من الذنوب بقيامه. وعلى جواز أن يقال رمضان بدون ذكر الشهر قبله. وهو يرد على من قال بكراهة أن يقال جاء رمضان بدون ذكر الشهر مستدلًا بحديث لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان. فإن هذا الحديث ضعفه البيهقي، وضعفه ظاهر لأن أسماء الله تعالى توقيفية ولم ينقل عن أحد أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى. قال العيني وكون رمضان اسمًا من أسماء الله عز وجل غير صحيح لأن أسماء الله تعالى توقيفية لا تطلق عليه إلا بدليل صحيح. والأثر الذي جاء فيه ضعيف اهـ

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الجماعة والبيهقي مختصرًا ومطولًا وأخرجه محمَّد بن نصر ومالك في الموطأ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة فيقول من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه. قال ابن شهاب فتوفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَا رَوَاهُ عُقَيْلٌ وَيُونُسُ وَأَبُو أُوَيْسٍ "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ".

أي روى هذا الحديث عقيل بن خالد ويونس بن يزيد وأبو أويس عبد الله بن عبد الله الأصبحي كلهم عن ابن شهاب بلفظ من قام رمضان كرواية معمر. ورواية عقيل وصلها البخاري

ص: 307

قال حدثنا يبيح بن بكر حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لرمضان من قامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه. ورواية يونس وصلها البيهقي والنسائي قال أخبرنا الربيع بن سليمان قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول في رمضان من قامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه. وأما رواية أبي أويس فلم نقف على من وصلها

(ص) وَرَوَى عُقَيْلٌ "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ".

أي روى عقيل بن خالد هذا الحديث مرة أخرى بلفظ من صام رمضان وقامه. وغرض المصنف بهذا بيان أن عقيلًا روى الحديث مرة مختصرًا على قيام رمضان ومرة رواه بذكر الصيام والقيام معًا. ولم نقف على روايته بالجمع بينهما

(ص) حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ وَابْنُ أَبِي خَلَفٍ قَالَا نَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

(ش)(مخلد) بن خالد تقدم بالثاني صفحة 322. وكذا (ابن أبي خلف) محمَّد بن أحمد بن أبي خلف صفحة 175. و (سفيان) الثوري تقدم بالأول صفحة 65

(قوله من صام رمضان الخ) أي من صام كل أيامه أما من أفطر بعض أيامه بغير عذر فلا ينال هذا الجزاء. ومن أفطر لعذر كان له الجزاء إن أدّى ما وجب عليه من القضاء أو الإطعام كمن صلى جالسًا لعذر فإن له أجر صلاة القائم

(قوله ومن قام ليلة القدر الخ) أي أحياها بالعبادة "ولا يقال" إن قوله في الحديث السابق من قام رمضان يغنى عن هذا "لأن قيام" رمضان من غير موافقة ليلة القدر ومعرفتها سبب لغفران الذنوب، وقيام ليلة القدر لمن وافقها سبب للغفران وإن لم يقم غيرها فلم يغن أحدهما عن الآخر. ورتب على كل من قيام رمضان وصيامه وقيام ليلة القدر أمرًا واحدًا وهو الغفران تنبيها على أنه نتيجة الفتوحات الإلهية ومستتبع للعواطف الربانية "فان قيل" قد ثبت في تكفير الذنوب عدة أحاديث صحيحة "منها" الحديث السابق، وهذا الحديث "وحديث" صوم يوم

ص: 308

عرفة يكفر سنتين "وحديث" صوم عاشوراء يكفر سنة، إلى غير ذلك من الأحاديث، وإذا كانت الذنوب تكفر بأحد هذه الأعمال فما الذي يكفره الآخر "قلنا" المراد أن كل واحدة من هذه الخصال صالحة لتكفير الذنوب فإن صادفتا كفرتها وإن لم تصادفها بأن كان فاعلها سليمًا من الذنوب يكتب له بها حسنات ويرفع بها درجات.

قال النووي المكفرات إن صادفت السيئات تمحها إذا كانت صغائر وتخففها إذا كانت كبائر وإلا تكون موجبة لرفع الدرجات

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الشيخان والنسائي

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ.

(ش) أي روى الحديث يحيى بن أبي كثير ومحمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف مثل رواية الزهري عنه "ورواية يحيى وصلها" محمَّد بن نصر قال حدثنا أبو قدامة حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام الدستوائي حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.

"ورواية محمَّد بن عمرو وصلها" الترمذي قال حدثنا هناد حدثنا عبدة والمحاربي عن محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من صام رمضان وقامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ "قَدْ رَأَيْتُ الَّذِى صَنَعْتُمْ فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَاّ أَنِّى خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْكُمْ". وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ.

(ش)(قوله صلى في المسجد الخ) أي في ليلة من رمضان كما ذكره بعد. وفي رواية

ص: 309

الشيخين صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس مقتدين به. وصلى في المسجد لبيان جواز النافلة فيه وتعليم الناس

(قوله ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة) وفي رواية الشيخين من الليلة الثالثة أو الرابعة بالشك. وفي رواية للبخاري من طريق عقيل عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه فأصبح الناس فتحدثوا فأكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلى فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله

(قوله فلم يخرج إليهم رسول الله الخ) زاد أحمد من رواية ابن جريج فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى سمعت ناسًا يقولون الصلاة. وفي حديث زيد بن ثابت عند الشيخين ففقدوا صوته وظنوا أنه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم. وفي رواية عنه عندهما فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب فخرج إليهم مغضبًا فقال ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم فعليكم بالصلاة في بيوتكم فان خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة

(قوله فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم) وفي رواية البخاري من طريق عقيل حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال أما بعد فإنه لم يخف عليّ مكانكم

(قوله فلم يمنعني من الخزوج إليكم الخ) وفي ننسخة ولم يمنعني أي لم يمنعني مانع من الخروج إليكم إلا مخافة افتراض صلاة الليل عليكم. وفي رواية للبخاري من طريق يونس ولكني خشيت أن تفرض عليم فتعجزوا عنها. وفي رواية له عن أبي سلمة خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل "فدلت هذه الروايات" على أن عدم خروجه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم إليهم إنما كان لخشية افتراض هذه الصلاة. وليس في عدم خروجه دلالة على المنع من إقامة التراويح في المسجد جماعة لفعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإقراره لهم في الليالي السابقة. ولا دليل فيه على النسخ لأنه علل عدم خروجه بخشية الافتراض فإذا زالت العلة ذهب المانع وثبت جواز الإجماع، للتراويح في المسجد.

"واستشكل" خشية الافتراض منه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم مع ما ثبت في حديث الإسراء من أن الله تعالى قال هن خمس في الفعل وخمسون في الأجر لا يبدل القول لديّ فإذا أمن التبديل فكيف يقع خوف الافتراض "ويجاب" باحتمال أن يكون المخوف جعل التهجد في المسجد جماعة شرطًا في صحة التنفل بالليل ويشير إليه قوله في حديث زيد بن ثابت حتى خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم. فمنعهم من صلاته جماعة إشفاقًا عليهم من اشتراط الجماعة وأمن مع إذنه في المواظبة على ذلك في البيوت من افتراضه. ويحتمل أن يكون المخوف افتراض قيام رمضان خاصة لقول عائشة في آخر الحديث وذلك في

ص: 310

رمضان. ويؤيده ما رواه أحمد من طريق سفيان بن حسين وفيه خشيت أن يفرض عليكم قيام هذا الشهر. وعلى هذا فيرتفع الإشكال لأن قيام رمضان لا يتكرر كل يوم بل كل سنهّ فلا يكون قدرًا زائدًا على الخمس. وقال ابن بطال يحتمل أن يكون هذا القول صدر منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما كان قيام الليل فرضًا عليه دون أمته فخشي إن خرج إليهم والتزموا معه قيام الليل أن يسوّي الله بينهم وبينه في حكمه لأن الأصل في الشرع المساواة بين النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وبين أمته في العبادة

(قوله وذلك في رمضان) من كلام عائشة أدرجته في الحديث لبيان أن هذه القصة كانت في رمضان

(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز صلاة النافلة في المسجد جماعة. لكن الأفضل فيها الانفراد إلا ما كانت الجماعة فيه من الشعائر كالكسوف. وكذا التراويح عند الجمهور لحديث الباب ولما فعله عمر والصحابة واستمر عمل المسلمين عليه

(وقال) مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم الأفضل صلاتها فرادى في البيت إن لم تعطل المساجد لحديث أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وحكاه الطحاوي عن ابن عمر وإبراهيم النخعي وإسحاق بن سويد وعروة وسعيد بن جبير والقاسم وسالم ونافع وغيرهم وقال فهؤلاء كلهم يفضل صلاته وحده في شهر رمضان على صلاته مع الإِمام وذلك هو الصواب اهـ

(وأجاب) الجمهور بأن حديث أفضل الصلاة صلاة المرء في ييته إلا المكتوبة مخصوص بغير ما شرعت فيه الجماعة من النوافل كالعيد فكان صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصليها في الصحراء وكذا التراويح فقد صلاها في المسجد جماعة. ودلّ الحديث على جواز الاقتداء بمن لم ينو الإمامة. وهو مذهب الجمهور.

ثم إذا نوى الإِمام الإمامة بعد الاقتداء به حصلت له ولهم فضيلة الجماعة وإن لم ينوها حصلت لهم دونه على الأصح لأنه لم ينوها. والأعمال بالنيات. ودل الحديث على أنه إذا تعارضت مصلحة وخوف مفسدة قدّم درأ المفسدة لأنه صلي الله عليه وعلى آله وسلم رأى الصلاة في المسجد مصلحة لبيان الجواز فلما عارضه خوف الافتراض عليهم تركه لعظم المفسدة التي يخافها وهي عجزهم عن القيام إذا فرضت عليهم. وعلى أنه يطلب من كبير القوم إذا فعل شيئًا لم يكن يتوقعه أتباعه لعذر أن يبينه لهم تطييبًا لقلوبهم. وعلى ما كان عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الشفقة والرأفة بالأمة

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مالك وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي وأخرجه البيهقي من طريق الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج ليلة من جوف الليل يصلي في المسجد فصلى رجال يصلون بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا بذلك فاجتمع أكثر منهم فخرج رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الليلة

ص: 311

الثانية فصلى فصلوا معه فأصبح الناس فتحدثوا بذلك فأكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد س أهله فلم يخرج إليهم رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فطفق رجال منهم يقولون الصلاة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى صلاة الفجر أقبل علي الناس فتشهد ثم قال أما بعد فإنه لم يخف عليّ شأنكم الليلة ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها. وكان رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يرغبهم في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة أمر فيه فيقول من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه فتوفي رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر علي ذلك خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما

(ص) حَدَّثَنَا هَنَّادُ نَا عَبْدَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ أَوْزَاعًا فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَضَرَبْتُ لَهُ حَصِيرًا فَصَلَّى عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَتْ فِيهِ قَالَ -تَعْنِي النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-- "أَيُّهَا النَّاسُ أَمَا وَاللَّهِ مَا بِتُّ لَيْلَتِى هَذِهِ بِحَمْدِ اللَّهِ غَافِلًا وَلَا خَفِيَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ".

(ش)(هناد) بن السرى تقدم بالأول صفحة 78. و (عبدة) بن سليمان تقدم بالثالث صفحة 102

(قوله يصلون في المسجد في رمضان أوزاعًا) أي متفرقين وهو حال من الضمير في يصلون أي أنهم كانوا يتنفلون في المسجد بعد صلاة العشاء جماعات متفرقة. ففي رواية أحمد ومحمد بن نصر كان الناس يصلون في مسجد رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في رمضان بالليل أوزاعًا يكون مع الرجل الشيء من القرآن فيكون معه النفر الخمسة أو الستة وأقل من ذلك وأكثر يصلون بصلاته الخ

(قوله ضربت له حصيرًا) أي بسطت له حصيرًا على باب حجرتي كما صرح به في رواية أحمد وابن نصر. والحصير ما ينسج من سعف النخل أوسمار أو غيرهما

(قوله بهذه القصة) أي بنحو القصة المذكورة في الحديث السابق وقد ذكرها محمَّد بن نصر في حديثه وفيه فأمرني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم ليلة من ذاك أن أنصب له حصيرًا علي باب حجرتي ففعلت فخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه

ص: 312

وعلي آله وسلم بعد أن صلى العشاء الآخرة فاجتمع إليه من في المسجد فصلى بهم رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلًا طويلًا ثم انصرف فدخل وتركت الحصير علي حاله فلما أصبح الناس تحدثوا بصلاة رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمن كان في المسجد تلك الليلة فأمسى المسجد زاخًا بالناس فصلى بهم رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة العشاء الآخرة ثم دخل بيته وثبت الناس فقال لي رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما شأن الناس فقلت له سمع الناس بصلاتك البارحة بمن كان في المسجد فحشدوا لذلك لتصلي

بهم قال اطوعنا حصيرك يا عائشة ففعلت فبات رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم غير غافل وثبت الناس مكانهم حتى خرج إليهم إلى الصبح فقال يأيها الناس أما والله ما بتّ والحمد لله ليلتي غافلًا وما خفي عليّ مكانكم ولكن تخوفت أن يفرض عليكم اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يملّ حتى تملوا. وقوله زاخا بالناس أي ممتلئًا بهم ودافعًا لهم لكثرة ازدحامهم. وقوله حشدوا أي اجتمعوا

(قوله بحمد الله) الباء بمعنى عن متعلق بغافل أي ما بتّ غافلًا عن حمد الله وطاعته. ويحتمل أن يكون متعلقًا بمحذوف خبر المبتدإ المحذوف والجملة معترضة بين الحال وصاحبها أي ما بتّ ليلتي غافلًا وأنا الآن متلبس بالثناء علي الله تعالى

(قوله ولا خفي عليّ مكانكم) أي ما خفي عليّ حالكم وما أنتم عليه لكن لم أخرج خشية أن يفرض عليكم قيام رمضان

(فقه الحديث) دل الحديث على استحباب الجماعة في صلاة التراويح لصلاة الناس خلف النبي كل الله تعالى عليه وعلي آله وسلم ولم ينكر عليهم. وعلى ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من التمسك والحرص علي الاقتداء بالنبى صلى الله تعاالى عليه وعلى آله وسلم. وعلى مشروعية القسم عند الحاجة إليه. وعلى طلب التحدث بالنعمة وشكر الله تعالى علي التوفيق لطاعته

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد ومحمد بن نصر

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ فَلَمَّا كَانَتِ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ. قَالَ فَقَالَ "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ

ص: 313

لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ". قَالَ فَلَمَّا كَانَتِ الرَّابِعَةُ لَمْ يَقُمْ فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنَّاسَ فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ. قَالَ قُلْتُ مَا الْفَلَاحُ قَالَ السُّحُورُ ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ.

(ش)(رجال الحديث)(الوليد بن عبد الرحمن) الجرشي الحمصي. روى عن ابن عمر وأبى هريرة وأبى أمامة وجبير بن نفير وغيرهم. وعنه يعلي بن عطاء وإبراهيم بن أبي عبلة وداود بن أبي هند وإبراهيم بن سليمان ومحمد بن مهاجر. وثقه ابن معين وابن خراش وأبو حاتم ومحمد بن عون وابن حبان وقال أبو زرعة جيد الحديث من الطبقة الثالثة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي

(معنى الحديث)

(قوله فلم يقم بنا الخ) أي لم يصل بنا قيام رمضان حتى بقي سبع ليال من الشهر فصلى ليلة الثالث والعشرين نظرًا إلى المتيقن وهو أن الشهر تسع وعشرون

(قوله فلما كانت السادسة الخ) أي الليلة السادسة مما بقي من الشهر وهي ليلة الرابع والعشرين والليلة الخامسة مما بقي من الشهر هي ليلة الخامس والعشرين

(قوله فقلت يا رسول الله لو نفلتنا الخ) بتشديد الفاء وتخفيفها أي قال أبو ذر نتمنى أن تزيدنا في قيام هذه الليلة على النصف فإن ذلك خير لنا. فلو للتمني، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم إن الشخص إذا صلى مع الإِمام الفرض والقيام حصل له ثواب قيام ليلة تامة بخلاف ما إذا صلى مع الإِمام العشاء فقط فإنه يحصل له ثواب قيام نصف ليلة لما رواه مالك والترمذي ومسلم وتقدم للمصنف في باب فضل صلاة الجماعة من الجزء الرابع عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة

(قوله فلما كانت الرابعة الخ) أي الليلة الرابعة مما بقي من الشهر وهي ليلة السادس والعشرين، والليلة الثالثة، ليلة السابع والعشرين جمع النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم أقاربه وأزواجه وخواصه من الصحابة فصلى بهم القيام

(قوله حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح) يعني أطال بنا القيام حتى خفنا فوات السحور. قال الخطابي أصل الفلاح البقاء سمي السحور فلاحًا إذ كان سببًا لبقاء الصوم ومعينًا عليه أي أنه معين على إتمام الصوم المفضي إلى الفلاح وهو الفوز بالسعادة في الدار الآخرة.

(قوله قلت ما الفلاح الخ) أي قال جبير بن نفير لأبي ذر ما الفلاح قال السحور بضم السين وهو تناول الطعام. وبالفتح اسم لما يتسحر به من الطعام والشراب. قال في النهاية. وأكثر ما يروي بالفتح، وقيل إن الصواب بالضم لأنه بالفتح الطعام، والبركة والأجر والثواب في الفعل لا في الطعام اهـ وبه يظهر خشيتهم فوته

(قوله ثم لم يقم بنا بقية الشهر) أي لم يصل بنا القيام

ص: 314

ليلة الثامن والعشرين والتاسع والعشرين

(وبالحديث) استدل الجمهور على أن صلاة التراويح جماعة في المسجد أفضل منها في المنازل، وأنه مخصص لعموم حديث أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة رواه النسائي والطبراني عن زيد بن ثابت "هذا وحديث الباب، يفيد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى التراويح ليلة الثالث والخامس والسابع والعشرين أي أنه صلى بهم ثلاث ليال منفصلة. وحديث عائشة السابق يدل بظاهره على أنه صلى بهم ليلتين متواليتين

(ويجمع بينهما) بأن في حديث عائشة اختصارًا لما تقدم في رواية البخاري من طريق عقيل عن ابن شهاب وفيها فأكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصلى فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله. وبأنه ليس في حديثها ذ كر الوصل صريحًا فيحمل على الانفصال كحديث أبي ذر

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي والطحاوي وابن ماجه ومحمد بن نصر والترمذي وقال حديث صحيح وأخرجه الحاكم وصححه ورواه البيهقي عن أبي ذر قال صمنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رمضان فلم يقم بنا من الشهر شيئًا حتى كانت ليلة ثلاث وعشرين قام بنا حتى ذهب نحو من ثلث الليل ثم لم يقم بنا من الليلة الرابعة وقام بنا في الليلة الخامسة حتى ذهب نحو من نصف الليل فقلنا يا رسول الله لو نفلتنا بقية الليل فقال إن الإنسان إذا قام مع الإِمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته ثم لم يقم بنا الليلة السادسة وقام السابعة وبعث إلى أهله واجتمع الناس حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح قال قلت وما الفلاح قال السحور ورواه وهيب عن داود قال ليلة أربع وعشرين السابع مما يبقى وليلة ست وعشرين الخامس مما يبقى وليلة ثمان وعشرين الثالث مما يبقى اهـ

(ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ وَدَاوُدُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ سُفْيَانَ أَخْبَرَهُمْ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ -وَقَالَ دَاوُدُ عَنِ ابْنِ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسٍ- عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو يَعْفُورٍ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسٍ.

(ش)(رجال الحديث)(داود بن أمية) الأزدي. روى عن سفيان بن عيينة ومعاذ ابن هشام. وعنه أبو داود وعبد الله بن محمَّد البغوي وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي. قال في التقريب ثقة من العاشرة. لا يروي إلا عن ثقة. و (أبو يعفور) عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس

ص: 315

الثعلبي السامري الكوفي. روى عن أبيه والسائب بن يزيد وأبي الضحى وإبراهيم النخعي وآخرين. وعنه الحسن بن صالح وابن المبارك والسفيانان ومحمد بن فضيل وجماعة. وثقه أحمد وابن معين وابن حبان ويعقوب بن سفيان وقال أبو حاتم ليس به بأس. روى له الجماعة

(قوله وقال داود الخ) أي قال داود بن أمية في روايته إن سفيان بن عيينة أخبرهم عن ابن عبيد بن نسطاس بكسر النون وسكون السين المهملة وهو أبو يعفور. و (أبو الضحى) هو مسلم بن صبيح تقدم بالخامس صفحة 107

(معنى الحديث)

(قوله إذا كان دخل العشر الخ) أي العشر الأواخر من رمضان أحيى أكثر الليل بالاجتهاد في الطاعة لقول عائشة في حديث سعد بن هشام المتقدم في صلاة الليل ولم يقم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة يتمها إلى الصباح. وقال النووي وقولها أحيى الليل أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها. وأما قول أصحابنا يكره قيام الليل فمعناه الدوام عليه ولم يقولوا بكراهة ليلة أوليلتين والعشر. ولهذا اتفقوا على استحباب إحياء ليلتي العيدين وغير ذلك اهـ ونسبة الإحياء إلى الليل مجاز كأن الزمان المشغول بالعبادة بمنزلة الحي والخالي منها بمنزلة الميت. ويحتمل أن يكون المعنى أحيى نفسه باليقظة للطاعة في الليل لأن النوم موت أصغر، فإسناد الإحياء إلى الليل مجاز عقلي. وقوله وشد المئزر بكسر الميم أي الإزار. وفي رواية مسلم وجدّ وشدّ المئزر وهو كناية عن الاجتهاد في العبادة زيادة على عادته. أو كناية عن اعتزال النساء قال الخطابي يحتمل أنه يراد به الجد في العبادة كما يقال شددت لهذا الأمر مئزري أي تشمرت له. ويحتمل أن يراد التشمير والاعتزال معًا. ويحتمل أن يراد الحقيقة والمجاز فيراد شد مئزره حقيقة فلم يحله واعتزل النساء وشمر للعبادة اهـ

(والحكمة) في اجتهاده صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم في العشر الأواخر من رمضان رجاء مصادفة ليلة القدر فإنها تكون غالبًا في العشر الأواخر كما سيذكره المصنف، والحرص علي إحسان خاتمة العمل في هذا الشهر

(قوله وأيقظ أهله) للطاعة. والمراد من كان يطيق القيام من أهله فقد روى محمَّد بن نصر في قيام الليل عن زينب بنت أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا بقي من الشهر عشرة أيام لم يذر أحدًا من أهله يطيق القيام إلا أقامه

(وفي الحديث) استحباب الإكثارمن العبادة في العشر الأواخر من رمضان لما فيها من مزيد الفضل والترغيب في التعاون علي الاجتهاد في الطاعة فيها

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري ومسلم والبيهقي وابن ماجه والنسائي ومحمد بن نصر

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله تعالى

ص: 316

عليه وعلى آله وسلم - فَإِذَا أُنَاسٌ في رَمَضَانَ يُصَلُّونَ في نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ "مَا هَؤُلَاءِ". فَقِيلَ هَؤُلَاءِ نَاسٌ لَيْسَ مَعَهُمْ قُرْآنٌ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يُصَلِّي وَهُمْ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "أَصَابُوا وَنِعْمَ مَا صَنَعُوا". قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالْقَوِيِّ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ ضَعِيفٌ.

(ش)(رجال الحديث)(مسلم بن خالد) بن فروة وقيل ابن قرقرة أبو خالد الزنجي المخزومي القرشي الفقيه. روى عن يحيى بن زيد بن أسلم والزهري وعمرو بن دينار وعتبة بن مسلم والعلاء بن عبد الرحمن. وعنه ابن وهب والشافعي وعبد الملك بن الماجشون والقعنبي وجماعة. ضعفه المصنف كما ذكره بعد. وقال ابن المديني ليس بشيء وقال البخاري منكر الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به يعرف وينكر. وقال في التقريب فقيه صدوق كثير الأوهام من الثامنة وقال ابن عدي حسن الحديث وأرجو أنه لا بأس به وقال ابن حبان كان من فقهاء الحجاز ومنه تعلم الشافعي الفقه قبل أن يلقى مالكًا وكان يخطئ أحيانًا ووثقه ابن معين والدارقطني وقال الساجي صدوق كان كثير الغلط

(قوله أبيه) هو عبد الرحمن بن يعقوب الحرقى تقدم بالأول صفحة 98

(معنى الحديث)

(قوله ما هؤلاء الخ) أي ما بال هؤلاء مجتمعين فقيل هؤلاء ناس لا يحفظون شيئًا من القرآن يقرءونه في صلاة الليل وأبي بن كعب يصلي بهم لأنه كان يحفظ ويحسن القراءة

(قوله أصابوا ونعم ما صنعوا) أي وافقوا الصواب وحسن صنعهم. وفي هذا دليل علي جواز الجماعة في قيام رمضان

(وبالحديث) استدل الشافعي على أن الأفضل في حق غير القارئ أن يصلي مأمومًا في قيام رمضان بخلاف القارئ فإن الأفضل في حقه الانفراد. قال الترمذي واختار الشافعي أن يصلي الرجل وحده إذا كان قارئًا اهـ

(والحديث) أخرجه ابن نصر وهو ضعيف كما ذكره المصنف بقوله وليس هذا الحديث بالقوي مسلم بن خالد ضعيف. لكن تقدم أن ابن حبان ذكره في الثقات ووثقه ابن معين وغيره. وقد أخرج الحديث البيهقي في المعرفة عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي وقال إسناده جيد وثعلبة ابن أبي مالك قد رأى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيما زعم أهل العلم بالتاريخ اهـ

وقال الذهبي في تجريد أسماء الصحابة ثعلبة بن أبي مالك أبو يحيى القرظي ولد في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وله رواية وطال عمره اهـ

ص: 317

تتميم مباحث تتعلق بصلاة التراويح

(الأول) اختلف العلماء في عدد ركعاتها. فذهب أهل الحديث إلى أنها ثمان ركعات غير الوتر. واستدلوا بما أخرجه محمَّد بن نصر قال حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا يعقوب بن عبد الله حدثنا عيسى بن جارية عن جابر قال صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رمضان ليلة ثمان ركعات والوتر فلما كان من القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج إلينا فلم ينزل فيه حتى أصبحنا قال إني كرهت وخشيت أن يكتب عليكم الوتر.

ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما. واستدلوا أيضًا بما رواه مالك في الموطأ ومحمد بن نصر عن محمَّد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. ورواه سعيد بن منصور من طريق آخر.

وبما رواه الشيخان عن عائشة وتقدم للمصنف في باب صلاة الليل قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره علي إحدى عشرة ركعة "وما رواه البيهقي" عن ابن عباس من أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي في شهر رمضان في غير جماعة عشرين ركعة والوتر "فقد قال البيهقي" تفرد به أبو شيبة إبراهيم بن عثمان وهو ضعيف (وقال بعضهم) عدد ركعات التراويح عشر غير الوتر. لحديث رواه محمَّد بن إسحاق عن محمَّد بن يوسف عن السائب بن يزيد قال كنا نصلي في زمن عمر بن الخطاب في رمضان ثلاث عشرة ركعة ولكن والله ما كنا نخرج إلا في وجاه الصبح كان القارئ يقرأ في كل ركعة بخمسين آية ستين آية. رواه محمَّد بن نصر وقال قال ابن إسحاق وما سمعت في ذلك حديثًا هو أثبت عندي ولا أحرى بأن يكون كان من حديث السائب وذلك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم كانت له من الليل ثلاث عشرة ركعة اهـ

(وذهبت) الحنفية والشافعية والحنابلة وداود وكثيرون إلى أنها عشرون ركعة بعشر تسليمات وذلك خمس ترويحات كل ترويحة أربع ركعات بتسليمتين، سميت بذلك لأنه يجلس عقب كل أربع جلسة خفيفة للاستراحة وهو مشهور مذهب المالكية. واستدلوا بما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد قال كانوا يقومون على عهد عمر بعشرين ركعة وعلي عهد عثمان وعلي مثله. وقال الترمذي وأكثر أهل العلم علي ما روى عن عمر وعلي وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم عشرين ركعة. وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي وقال هكذا أدركت الناس بمكة يصلون عشرين ركعة اهـ. وبما رواه محمَّد بن نصر عن السائب أيضًا أنهم كانوا يقومون في رمضان بعشرين ويقرءون بالمئين من القرآن وأنهم كانوا يعتمدون على العصيّ في زمان عمر بن الخطاب. ورواه مالك من طريق بن يزيد بن خصيف عن السائب. وبما روى عبد الرزاق عن محمَّد بن يوسف أنهم كانوا يقومون بإحدى وعشرين. وبما رواه مالك في الموطأ ومحمد بن نصر عن يزيد بن رومان

ص: 318

قال كان الناس في زمن عمر يقومون بثلاث وعشرين ركعة. وروى محمَّد بن نصر عن محمَّد بن كعب القرظي قال كان الناس يصلون في زمن عمر بن الخطاب في رمضان عشرين ركعة يطيلون فيها القراءة ويوترون بثلاث. وروى عن عطاء قال أدركتهم يصلون في رمضان عشرين ركعة والوتر ثلاث ركعات

(ويجمع بين هذه الروايات) المبينة لعدد ركعات التراويح في زمن عمر أنهم أولًا كانوا يقومون بإحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة يطيلون فيها القراءة كما كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر ثم لما رأوا ملل القوم من تطويل القراءة خففوها وزادوا في عدد الركعات فصلوها عشرين غير الوتر

(واختار مالك) في أحد قوليه أن عددها ست وثلاثون ركعة غير الوتر. فقد قال ابن القاسم سمعت مالكًا يذكر أن جعفر بن سلمان أرسل إليه يسأله أننقص من قيام رمضان فنهاه عن ذلك قال وقد قام الناس هذا القيام قديمًا. قيل له فكم القيام فقال تسع وثلاثون ركعة بالوتر ذكره محمَّد بن نصر وذكر نحوه في المدوّنة. وروى محمَّد بن نصر عن نافع مولى ابن عمر قال لم أدرك الناس إلا وهم يصلون تسعًا وثلاثين ركعة ويوترون منها بثلاث، ذكره في المدونة. وروى محمَّد أيضًا عن داود بن قيس قال أدركت المدينة في زمان أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز والناس يصلون ستًا وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث. ورواه ابن أبي شيبة

(وسبب) هذه الزيادة ما جاء من ضعف الناس من طول القراءة (قال) الزرقاني في الموطأ وذكر ابن حبان أن التراويح كانت أولًا إحدى عشرة ركعة كانوا يطيلون القراءة فثقل عليهم فخففوا القراءة وزادوا في عدد الركعات فكانوا يصلون عشرين ركعة غير الشفع والوتر بقراءة متوسطة ثم خففوا القراءة وجعلوا الركعات ستًا وثلاثين غير الشفع ومضى الأمر على ذلك اهـ.

وذكر نحوه الباجي (وقال) النووي قال أصحابنا والسبب في أن أهل المدينة كانوا يصلونها ستًا وثلاثين أن أهل مكة كانوا يطوفون بالكعبة بين كل ترويحتين ولا يطوفون بعد الترويحة الخامسة فأراد أهل المدينة مساواتهم فجعلوا مكان كل طواف أربع ركعات فزادوا على العشرين ست عشرة ركعة اهـ ببعض تصرف

وقيل إن عدد التراويح ثمان وثلاثون ركعة غير الوتر فقد روى محمَّد بن نصر عن أبي أيمن قال قال مالك أستحب أن يقوم الناس في رمضان بثمان وثلاثين ركعة ثم يسلم الإِمام والناس ثم يوتر بواحدة وهذا العمل بالمدينة قبل الحرة منذ بضع ومائة سنة إلى اليوم

(ويمكن) رد هذا إلى ما قبله بضم ركعتي الشفع إلى ست وثلاثين. ويوافقه ما رواه ابن نصر عن محمَّد بن أبي ذئب عن صالح مولى التوءمة قال أدركت الناس قبل الحرة يقومون بإحدى وأربعين ركعة يوترون منها بخمس. قال ابن أبي ذئب فقلت لا يسلمون بينهن "أي الخمس الوتر" فقال بل يسلمون بين كل ثنتين ويوترون بواحدة إلا أنهم يصلون جميعًا.

والحرة أرض خارج المدينة ذات حجارة سود سميت بها الواقعة التي نهب فيها المدينة جيش يزيد بن معاوية وقاتلوا أهلها سنة ثلاث وستين. وقال الترمذي في جامعة

ص: 319

واختلف أهل العلم في قيام رمضان فرأى بعضهم أن يصلي إحدى وأربعين ركعة مع الوتر وهو قول أهل المدينة. وقال إسحاق بل نختار إحدى وأربعين ركعة على ماروى عن أبيّ بن كعب اهـ المقصود منه

(ونقل) ابن عبد البر عن الأسود بن يزيد أنها تصلى أربعين ويوتر بسبع. وعن زرارة بن أوفى أنه كان يصلي بهم بالبصرة أربعًا وثلاثين ويوتر. وعن سعيد بن جبير أنه كان يصليها أربعًا وعشرين.

وقيل ست عشرة غير الوتر. هذا حاصل ما قيل في عددها

(وما كان) في زمن النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأبى بكر وأول خلافة عمر أولى وأحق أن يتبع فتصلى ثماني ركعات أو عشرًا غير الوتر وهو الأفضل. ويليه في الفضل صلاتها عشرين عملًا بما كان في آخر زمن عمر وزمن عثمان وعلي فإن قيام الليل مرغب فيه ولم يرد فيه تحديد من الشارع وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ رواه المصنف وغيره. وروى محمَّد بن نصر عن الزعفراني عن الشافعي قال رأيت الناس يقومون بالمدينة تسعًا وثلاثين ركعة قال وأحب إلي عشرون وكذلك يقومون بمكة وليس في شيء من هذا ضيق ولا حد ينتهي إليه لأنه نافلة فإن أطالوا القيام وأقلوا السجود فحسن وهو أحب اليّ وإن أكثروا الركوع والسجود فحسن اهـ

(المبحث الثاني في وقتها) وهو بعد صلاة العشاء إلى آخر الليل قبل الوتر وبعده. والأفضل أن تصلى قبل الوتر وبعد سنة العشاء وهو قول الجمهور. وقيل إن وقتها ما بين صلاة العشاء والوتر. وهو قول للحنفية

(المبحث الثالث فيما يقرأ فيها) المختار الذي قاله الأكثر واتفق العلماء على العمل به أن يقرأ القرآن بتمامه في التراويح في جميع الشهر فيقرأ في كل ليلة نحو جزء من ثلاثين ولا يترك ذلك لكسل القوم. وقيل يقرأ في كل ركعة من عشرين آية إلى ثلاثين آية كما أمر عمر بن الخطاب الأئمة الثلاثة. فقد روى البيهقي بإسناده عن أبي عثمان النهدي قال دعا عمر بن الخطاب بثلاث من القراء فاستقرأهم فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية وأمر أوسطهم أن يقرأ خمسًا وعشرين وأمر أبطأهم أن يقرأ عشرين آية. ورواه محمَّد بن نصر.

والأمر في ذلك واسع فليفعل الإِمام ما لا يؤدي إلى نفور القوم مع مراعاة ما يطلب لها من سنن وآداب "ومن وقف" على ما كان عليه السلف الصالح من الاهتمام بها وإطالة القراءة فيها والاطمئنان في باقي الأركان مع تمام الخشوع حتى كانوا لا ينصرفون منها إلا قبيل الفجر"عرف" أنه خلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات. وقد كان السلف يراعون حال القوم من النشاط وعدمه. فقد روى مالك ومحمد بن نصر عن محمَّد بن يوسف عن السائب بن يزيد قال أمر عمر ابن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس في رمضان فكان القارئ يقرأ بالمائتين حتى كنا نعتمد على العصى من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر. وفي نسخة

ص: 320