المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب في ليلة القدر) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٧

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب تفريع صلاة الاستسقاء)

- ‌(باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ)

- ‌ الدعاء في الاستسقاء

- ‌(باب صلاة الكسوف)

- ‌(باب القراءة في صلاة الكسوف)

- ‌(باب الصدقة فيها)

- ‌(باب العتق فيها)

- ‌(باب الصلاة عند الظلمة ونحوها)

- ‌(باب السجود عند الآيات)

- ‌(باب متى يقصر المسافر)

- ‌ المسافر لا يقصر الصلاة إلا إذا فارق بناء البلد

- ‌(باب الأذان في السفر)

- ‌(باب المسافر يصلي وهو يشك في الوقت)

- ‌(باب الجمع بين الصلاتين)

- ‌(باب قصر قراءة الصلاة في السفر)

- ‌(باب التطوع في السفر)

- ‌(باب التطوع على الراحلة والوتر)

- ‌(باب الفريضة على الراحلة من عذر)

- ‌ اقتداء المقيم بالمسافر

- ‌(باب إذا أقام بأرض العدو يقصر)

- ‌ الخوف والعدو في غير جهة القبلة

- ‌ كيفية رابعة لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة

- ‌(باب صلاة الطالب)

- ‌(باب ركعتي الفجر)

- ‌(باب في تخفيفهما)

- ‌(باب الاضطجاع بعدها)

- ‌الاضطجاع قبلهما

- ‌(باب إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتي الفجر)

- ‌(باب من فاتته متى يقضيها)

- ‌(باب الأربع قبل الظهر وبعدها)

- ‌(باب الصلاة قبل العصر)

- ‌(باب الصلاة بعد العصر)

- ‌(باب الصلاة قبل المغرب)

- ‌ استحباب التنفل قبل المغرب وغيره

- ‌(باب صلاة الضحى)

- ‌(باب صلاة النهار)

- ‌(باب صلاة التسبيح)

- ‌(باب ركعتي المغرب أين تصليان)

- ‌(باب الصلاة بعد العشاء)

- ‌(باب نسخ قيام الليل)

- ‌(باب قيام الليل)

- ‌(باب النعاس في الصلاة)

- ‌(باب من نام عن حزبه)

- ‌(باب من نوى القيام فنام)

- ‌(باب أي الليل أفضل)

- ‌(باب وَقْتِ قِيَامِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنَ اللَّيْلِ)

- ‌(باب افتتاح صلاة الليل بركعتين)

- ‌الحكمة في تخفيفهما

- ‌(باب صلاة الليل مثنى مثنى)

- ‌(باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل)

- ‌(باب في صلاة الليل)

- ‌(باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة)

- ‌(باب في قيام شهر رمضان)

- ‌(باب في ليلة القدر)

- ‌(باب من روى أنها ليلة سبع عشر

- ‌(باب من روى أنها في السبع الأواخر)

- ‌(باب من قال سبع وعشرون)

- ‌(باب من قال هي في كل رمضان)

الفصل: ‌(باب في ليلة القدر)

إلا في بزوغ الفجر. وروى مالك عن داود بن الحصين عن عبد الرحمن الأعرج قال كان القارئ يقوم بسورة البقرة في ثمان ركعات وإذا قام بها في ثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف. وروى مالك أيضًا عن عبد الله بن أبي بكر قال سمعت أبي يقول كنا ننصرف في رمضان فنستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر. وروى محمَّد بن نصر عن أبي مجلز أنه كان يقرأ بهم سبع القرآن في كل ليلة. وقال أبو داود سئل أحمد عن الرجل يقرأ القرآن مرتين في رمضان يؤم الناس قال هذا عندي على قدر نشاط القوم وإن فيهم العمال

(فانظر هذا) وما اعتاده أئمة زماننا في صلاتهم التراويح وغيرها من الإسراع في القراءة وتقليلها وتخفيف الأركان وعدم الاطمئنان فيها وترك دعاء الاستفتاح وأذكار الأركان وترك الصلاة علي النبي صل الله عليه وآله وسلم وعلي الآل بعد التشهد وإسراعهم السلام وعدم الخشوع.

وسبب كل هذا إهمال السنن واندراسها لقلة العمل بها حتى صار العامل بها مجهلًا عند كثير من الناس بمخالفته ما عليه أهل عصره فأصبح المعروف لديهم منكرًا والمنكر معروفًا.

فأين هم من قول الله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) وقول النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي رواه أحمد والبخاري. وقوله لمن كان يعبث أثناء صلاته "لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه، رواه الترمذي عن أبي هريرة.

وقد قال عفان بن مسلم عن حماد بن سلمة وقد نظر إلى رجل يصلي فجعل يخفف صلاته فقال له أحسن صلاتك فقال إني رأيت الحسن الجفزي يخفف صلاته يعني في التظوع فقال سمعت يونس بن عبيد يقول ما استخف رجل بالتطوع إلا استخف بالفريضة.

وقال ميمون بن مهران أدركت الناس إذا قرأ "يعني الإِمام، خمسين آية قالوا إنه ليخفف، وأدركت القرّاء في رمضان يقرءون القصة منها قصرت أو طالت فأما اليوم فإني أقشعرّ من قراءة أحدهم يقرأ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} ثم يقرأ في الركعة الأخرى {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} . {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} ذكره محمَّد بن نصر (فعلى العاقل) أن يعمل بما كان عليه النبي صل الله تعالى عليه وعلي آله وسلم وأصحابه والسلف الصالح وأن يأمر غيره بذلك ليحشر مع الفائزين. ولا يغتر بكثرة المخالفين لذلك من أهل زمانه ولا بوقوع ذلك في كثير من المساجد بحضور من ينتسبون إلى العلم. فقد قال الفضيل بن عياض لا تستوحش طرق الهدى لقلة أهلها ولا تغتر بكثرة الهالكين

(باب في ليلة القدر)

أي فيما يدل ثبوتها. وسميت بذلك لعظم قدرها وشرفها. فالقدر الشرف والمنزلة فمن أتى فيها بالطاعات صار ذا قدر وشرف. أو أن الطاعات فيها لها قدر زائد. ويحتمل أن يكون القدر من

ص: 321

التقدير وذلك لأن الله تعالى يظهر فيها ما يشاء من أمره إلى مثلها من السنة القابلة من أمر الموت والأجل والرزق إلى غير ذلك لقوله تعالى (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) وقوله تعالى (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) أي أنه تعالى يظهر ما سيكون في السنة المقبلة ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم مما قدره الله تعالى أزلًا وعلمه.

وأجمع من يعتد به على وجودها ودورانها إلى يوم القيامة للأحاديث الصحيحة الكثيرة الآتية

(ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَمُسَدَّدٌ -الْمَعْنَى- قَالَا نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ قَالَ قُلْتُ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَخْبِرْنِي عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ فَإِنَّ صَاحِبَنَا سُئِلَ عَنْهَا. فَقَالَ مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْهَا. فَقَالَ رَحِمَ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ -زَادَ مُسَدَّدٌ وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يَتَّكِلُوا أَوْ أَحَبَّ أَنْ لَا يَتَّكِلُوا ثُمَّ اتَّفَقَا- وَاللَّهِ إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ لَا يَسْتَثْنِي. قُلْتُ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَنَّى عَلِمْتَ ذَلِكَ قَالَ بِالآيَةِ الَّتِى أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. قُلْتُ لِزِرٍّ مَا الآيَةُ قَالَ تُصْبِحُ الشَّمْسُ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِثْلَ الطَّسْتِ لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ حَتَّى تَرْتَفِعَ.

(ش)(حماد) بن سلمة تقدم بالأول صفحة 26. وكذا (عاصم) بن بهدلة صفحة 90 و (زر) بن حبيش تقدم بالثاني صفحة 32

(قوله أخبرنا عن ليلة القدر الخ) أي عن وقتها فإن صاحبنا أي عبد الله بن مسعود سئل عنها "ففي رواية مسلم" إن أخاك ابن مسعود يقول من يقم الحول الخ. وفي رواية ابن نصر أخبرني عن ليلة القدر فإن ابن أم عبد يقول من يقم الحول يصبها أي من يحيى كل ليالي السنة بالطاعة يدرك ليلة القدر لعدم خلوّ السنة منها فقال أبيّ بن كعب رحم الله أبا عبد الرحمن أي ابن مسعود لقد علم أن ليلة القدر في رمضان لا في غيره لما سيأتي عنه في باب من روى أنها ليلة سبع عشرة قال قال لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اطلبوها ليلة سبع عشرة من رمضان وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ثم سكت. وهذا قول عن ابن مسعود. والمشهور عنه أنها ليلة معينة عند الله تعالى في السنة لا تتغير بتغير السنين ولذا أخبر أن من قام العام أصابها. ولعل أبيّ بن كعب ما عرف عنه إلا القول الأول فلذا جزم بأنه يعلم أنها في

ص: 322

ْرمضان لا تتعداه إلى غيره

(قوله زاد مسدد الخ) أي زاد مسدد بن مسرهد في روايته علي سلمان بن حرب قول أبيّ ولكن كره ابن مسعود أن تعتمدوا علي قول واحد وهو أنها ليلة السابع والعشرين من رمضان وإنكان هو الصحيح الغالب علي الظن فلا تقوموا إلا تلك الليلة وتتركوا قيام باقي ليالي العام فتفوت حكمة الإبهام التي نسي النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم بسببها تعيين ليلة القدر وهي طلب الاجتهاد في الطاعة في جميع ليالي الشهر فقد روى محمَّد بن نصر من طريق وأهب بن عبد الله المغافري أنه سأل زينب بنت أم سلمة عن ليلة القدر فقالت لم يكن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعلمها ولو علمها لم تقم الناس غيرها، وقوله أو أحب أن لا يتكلوا بالشك من الراوي. وفي رواية مسلم أراد أن لا يتكل الناس بلا شك

(قوله ثم اتفقا والله إنها الخ) أي اتفق سليمان بن حرب ومسدد على قول أبيّ والله إن ليلة القدر لفي رمضان ليلة سبع وعشرين. وفي رواية مسلم أما إنه قد علم أنها في رمضان وأنها في العشر الأواخر وأنها ليلة سبع وعشرين

(قوله لا يستثنى) بياء الغائب، وهو من كلام زر بن حبيش أي حلف أبيّ حال كونه غير مستثن في يمينه بنحو إن شاء الله. وفي بعض النسخ لا نستثني بنون الجماعة فيكون من كلام أبيّ والمعنى لا نستثني في يميننا. ويؤيد الرواية الأولى ما في رواية مسلم ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين

(قوله قلت يا أبا المنذر الخ) كنية أبيّ بن كعب أي قال زر بن حبيش له من أين علمت أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين قال بالعلامة التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له عاصم ما العلامة التي أخبركم بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال تطلع الشمس صبيحتها بيضاء نقية خالية من الشعاع مثل الطست وهو اسم للإناء المعروف معرّب لأن التاء والطاء لا يجتمعان في كلمة عربية. ذكره في المصباح وقد تقدم في باب صفة وضوء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن فيه لغات طست وطس وطسه بفتح الطاء وكسرها في الكل. والشعاع ما يرى من ضوء الشمس عند بروزها كالحبال مقبلة إلى الناظر وذلك لأن الملائكة لكثرة اختلافها في ليلة القدر ونزولها إلى الأرض وصعودها تحجب بأجنحتها وأجسامها اللطيفة شدة ضوء الشمس فلا يرى لها شعاع. وفائدة هذه العلامة مع أنها لا توجد إلا بعد انقضاء الليلة أن يشكر الله تعالى من وفق لقيامها ويستعد لقيامها في السنة المقبلة

(وقد. ورد) لها علامات أخر. منها ما رواه ابن نصر عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال أمارة ليلة القدر أنها ليلة صافية مليحة كأن فيها قمرًا ساطعًا ساكنة لا حر فيها ولا برد ولا يحل لكوكب أن يرى فيها بنجم حتى الصباح وأن أمارة الشمس صبيحتها أن تجري لا شعاع لها مثل القمر ليلة البدر ولا يحل لشيطان أن يخرج معها يومئذ.

وقوله مليحة بضم الميم من ألاح يليح إذا تلألأ أي ليلة مضيئة بالأنوار. وروى أحمد عن

ص: 323

عبادة أيضًا نحوه مرفوعًا بلفظ أنها صافية بلجة كأن فيها قمرًا ساطعًا ساكنة ضاحية لا حر فيها ولا برد ولا يحل لكوكب يرمي به فيها. وقوله بلجة أي مضيئة. ونحوه ضاحية. والمراد بسكونها سكون الأصوات فيها. ونحوه عند ابن حبان من حديث جابر بن عبد الله. ومنها ما ذكره الطبري عن قوم من أن الأشجار في تلك الليلة تسقط علي الأرض ثم تعود إلى منابتها وأن كل شيء يسجد فيها

(فقه الحديث) دل الحديث علي أنه يطلب ممن اشتبه عليه أمر أن يسأل عنه أهل الذكر. وعلي أن ابن مسعود يرى أن ليلة القدر لا تختص برمضان. وعلى أن أبيّ بن كعب يرى أنها تختص بليلة سبع وعشرين من رمضان ويعتقد أن ابن مسعود يرى ذلك لما ثبت عنده من الأحاديث. وقد علمت أن مشهور مذهب ابن مسعود خلاف ذلك. وعلي جواز الحلف على غلبة الظن. وعلي بيان علامة ليلة القدر

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي ومحمد بن نصر وكذا الترمذي مختصرًا وقال حديث حسن صحيح

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ ضَمُرَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ فِي مَجْلِسِ بَنِي سَلِمَةَ وَأَنَا أَصْغَرُهُمْ فَقَالُوا مَنْ يَسْأَلُ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَذَلِكَ صَبِيحَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ. فَخَرَجْتُ فَوَافَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةَ الْمَغْرِبِ ثُمَّ قُمْتُ بِبَابِ بَيْتِهِ فَمَرَّ بِي فَقَالَ "ادْخُلْ". فَدَخَلْتُ فَأُتِيَ بِعَشَائِهِ فَرَآنِي أَكُفُّ عَنْهُ مِنْ قِلَّتِهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ "نَاوِلْنِي نَعْلِي". فَقَامَ وَقُمْتُ مَعَهُ فَقَالَ "كَأَنَّ لَكَ حَاجَةً". قُلْتُ أَجَلْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَهْطٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَسْأَلُونَكَ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَقَالَ "كَمِ اللَّيْلَةُ". فَقُلْتُ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ قَالَ "هِىَ اللَّيْلَةُ". ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ "أَوِ الْقَابِلَةُ". يُرِيدُ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ.

(ش)(رجال الحديث)(أحمد بن حفص) بن عبد الله بن راشد أبو علي السلمي النيسابوري. روى في أبيه والحسين بن الوليد والجارود بن بن يد العامري وجماعة. وعنه

ص: 324

البخاري وأبو داود والنسائي وأبو حاتم وأبو عوانة وابن خزيمة وكثيرون. قال النسائي لا بأس به صدوق قليل الحديث وقال في التقريب صدوق من الحادية عشرة. توفي سنة ثمان وخمسين ومائتين. و (أبوه) هو حفص بن عبد الله بن راشد السلمي قاضي نيسابور. روى عن إبراهيم بن طهمان وإسراءيل بن يونس وابن أبي ذئب والثوري ومسعر وجماعة. وعنه ابنه أحمد ومحمد بن عقيل ومحمد بن يزيد وآخرون. ذكره ابن حبات في الثقات وقال في. التقريب صدوق من التاسعة. توفي سنة تسع ومائتين. روى له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه و (إبراهيم بن طهمان) تقدم بالسادس صفحة 59. و (عباد بن إسحاق) أو عبد الرحمن ابن إسحاق تقدم بالخامس صفحة 260. و (محمَّد بن مسلم الزهري) تقدم بالأول صفحة 48

و(ضمرة بن عبد الله بن أنيس) الجهني حليف الأنصار، روى عن أبيه، وعنه الزهري وبكير بن عبد الله وبكير بن مسمار. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من الثالثة، روى له أبو داود والنسائي هذا الحديث لا غير

(قوله عن أبيه) هو عبد الله بن أنيس تقدم بصفحة 130

(معنى الحديث)

(قوله بني سلمة) بكسر اللام "بطن من الأنصار"

(قوله وذلك صبيحة إحدى وعشرين من رمضان) أي أن اجتماعهم وتشاورهم فيمن يسأله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ليلة القدر كان صبيحة إحدى وعشرين من رمضان

(قوله فوافيت مع رسول الله الخ) يعني أتيته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقت صلاة المغرب فأديتها معه فأتى بعشائه بفتح العين أي طعام الليل فرأيت من نفسي عدم الإكثار من الطعام لأجل قلته

(قوله قال هي الليلة الخ) أي قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هي ليلة اثنتين وعشرين ثم رجع عن قوله هذا فقال بل هي القابلة، فأوللإضطراب فأفاد أنها ليلة ثلاث وعشرين، ويحتمل أن تكون أوللإبهام فكأنه قال هي الليلة أوالليلة القابلة فتكون دائرة بين ليلة ثنتين وعشرين وثلاث وعشرين

(فقه الحديث) دل الحديث على اعتناء الصحابة بأمر الدين، وعلى مشروعية الانتقال لطلب العلم، وعلى أن ليلة القدر ليلة ثنتين أو ثلاث وعشرين من رمضان

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والنسائي قال المنذري قال أبو داود هذا حديث غريب لم يرو الزهري عن ضمرة غير هذا الحديث اهـ

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي بَادِيَةً أَكُونُ فِيهَا

ص: 325

وَأَنَا أُصَلِّي فِيهَا بِحَمْدِ اللهِ فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ أَنْزِلُهَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ. فَقَالَ "انْزِلْ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ". فَقُلْتُ لاِبْنِهِ كَيْفَ كَانَ أَبُوكَ يَصْنَعُ قَالَ كَانَ يدخلُ الْمَسْجِدَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ لِحَاجَةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ وَجَدَ دَابَّتَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَجَلَسَ عَلَيْهَا فَلَحِقَ بِبَادِيَتِهِ.

(ش)(زهير) بن معاوية تقدم بالأول صفحة 112. و (ابن عبد الله بن أنيس) هو ضمرة المذكور في سندالحديث السابق

(قوله إن لي بادية الخ) يعني أن لي سكنًا بالبادية أقيم فيه وأصلى إمامًا بأهلها فدلني علي ليلة ذات شأن من شهر رمضان أنزل فيها إلى المسجد النبوى لإحيائها بعبادة الله فيه لأجمع بين فضيلتي الزمان والمكان، وفي رواية ابن نصر مرني بليلة من هذا الشهر أنزلها إلى المسجد فأصليها فيه فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنزل إلى المسجد ليلة ثلاث وعشرين زاد ابن نصر في روايته فصلها فيه فإن أحببت أن تستتم أخر الشهر فافعل وإن أحببت فكف ولعل اختياره صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم لتلك الليلة لكونها ليلة القدر

(قوله فقلت لابنه الخ) أي قال محمَّد بن إبراهيم لضمرة بن عبد الله كيف كان يصنع أبوك وقت نزوله المسجد في هذه الليلة قال كان إذا صلي عصر اليوم الثاني والعشرين في البادية خرج منها إلى المسجد فلا يخرج منه لحاجة غير ضرورية حتى يصلي الصبح رغبة في الخير، وفي رواية ابن نصر فلم يخرج إلا في حاجة يعني إلا لحاجة ضرورية كالبول والغائط

(وفي الحديث) دليل على أن ليلة القدر ليلة الثالث والعشرين من رمضان، وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة عبد الله بن أنيس، فقد روى محمَّد بن نصر من طريق معاذ بن عبد الله عن أخيه قال جلس إلينا عبد الله بن أنيس فقلنا هل سمعت من رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم في هذه الليل المباركة من شيء قال نعم جلسنا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في أخر هذا الشهر فقلنا له يا رسول الله متى نلتمس هذه الليلة المباركة قال التمسوا هذه الليلة لمساء ثلاث وعشرين فقال رجل من القوم فهي إذا أولى ثمان قال إنها ليست بأولى ثمان ولكنها أولى سبع إن الشهر لا يتم

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه ابن نصر وفي سنده محمَّد بن إسحاق وحديثه صحيح إذا صرّح بالتحديث كما هنا وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده مرفوعًا عن رجل من بني بياضة له صحبة قال قلت يا رسول الله إن لي بادية أكون فيها فمرني بليلة القدر فقال أنزل ليلة ثلاث وعشرين

ص: 326

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا وُهَيْبٌ أَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى وَفِي سَابِعَةٍ تَبْقَى وَفِي خَامِسَةٍ تَبْقَى".

(ش)(وهيب بن خالد) تقدم بالأول صفحة 33. وكذا (أيوب) السختياني صفحة 257

(قوله التمسوها الخ) أي اطلبوا ليلة القدر المعلومة من السياق في تاسعة تبقى وهي ليلة الحادى والعشرين لأن المحقق المقطوع بوجوده بعد العشرين تسعة أيام لاحتمال أن يكون الشهر تسعة وعشرين يومًا وليوافق الأحاديث الدالة على أنها في الأوتار. والسابعة الباقي ليلة ثلاث وعشرين والخامسة الباقية ليلة خمس وعشرين. وهذا كله مبني على أن الشهر تسعة وعشرون يومًا. أما على أنه ثلاثون فلا تكون إلا في شفع فتكون التاسعة الباقية ليلة ثنتين وعشرين والسابعة الباقية ليلة أربع وعشرين والخامسة الباقية ليلة ست وعشرين، ويؤيده ما سيأتي لأبي سعيد من قوله إذا مضت واحدة وعشرون فالتى تليها التاسعة الخ، وهذا على طريقة العرب في التاريخ إذا جاوز نصف الشهر يؤرخون بالباقي منه وإذا لم يجاوز نصفه أرخوا بما مضى

(والحديث) يدل على انتقال ليلة القدر من وتر إلى شفع وبالعكس فإن الشهر كما يكون ناقصًا يكون كاملًا وهو صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يأمر أمته بالتماسها في شهر ناقص دون كامل بل أطلق طلبها في كل المشهور على حسب ما قدر الله من كمال أو نقص

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البخاري والبيهقي وأخرج أحمد والترمذي نحوه عن أبي بكرة أنه سمع رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يقول التمسوها في تسع بقين أوسبع بقين أو خمس بقين أو ثلاث بقين أو أخر ليلة.

(باب فيمن قال ليلة إحدى وعشرين)

أي في بيان دليل من قال إن ليلة القدر هي ليلة إحدى وعشرين

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ

ص: 327

فَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِى يَخْرُجُ فِيهَا مِنَ اعْتِكَافِهِ قَالَ "مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ وَقَدْ رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ مِنْ صَبِيحَتِهَا في مَاءٍ وَطِينٍ فَالْتَمِسُوهَا في الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا في كُلِّ وِتْرٍ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَمُطِرَتِ السَّمَاءُ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صَبِيحَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ.

(ش)(قوله كان رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعتكف العشر الأوسط) هكذا في أكثر الروايات، والمراد العشر الليالي فكان القياس أن يقول العشر الوسط بالتأنيث كما في رواية مالك في الموطأ بضم الواو والسين جمع وسطى لأنه وصف لمؤنث لكن ذكره باعتبار لفظ العشر أو هو صفة لموصوف محذوف والتقدير كان يعتكف الليالي العشر التي هي الثلث الأوسط، وروى وسط بضم الواو وسكون السين جمع واسط مثل بازل وبزل وفي رواية وسط بضم الواو وفتح السين مثل كبرى وكبر

(قوله فاعتكف عامًا) يعني في العشر الوسطى في قبة ضربت له في المسجد لالتماس ليلة القدر قبل أن يعلمها كما في رواية مسلم عن أبي سعيد قال إن رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير قال فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه فقال إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة "يعني ليلة القدر" ثم اعتكفت العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لي إنها في العشر الأواخر فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف فاعتكف الناس معه الخ، وعند البخاري في باب السجود علي الأنف في الطين قال اعتكف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العشر الأول من رمضان واعتكفنا معه فأتاه جبريل فقال إن الذي تطلب أمامك فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه فأتاه جبريل فقال إن الذي تطلب أمامك "الحديث"

(قوله حتى إذاكانت ليلة إحدى وعشرين الخ) برفع ليلة علي أنها اسم كان أو فاعل لها على أنها تامة، وهي الليلة التي اعتاد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الخروج فيها بعد غروب الشمس من معتكفه لكنه لم يخرج في هذه الليلة وقال من كان اعتكف معي فليثبت على

ص: 328

اعتكافه العشر الأواخر، ففي الصحيحين عن أبي سعيد أيضًا قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يجاور في العشر التى في وسط الشهر فإذا كان من حين يقضي عشرون ليلة ويستقبل إحدى وعشرين يرجع إلى مسكنه ورجع من كان يجاور معه ثم إنه قام في شهر جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها فخطب الناس فأمرهم بما شاء الله ثم قال إني كنت أجاور هذه العشر ثم بدًا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي فليبت في معتكفه الخ. وفي رواية أخرى فليثبت. في معتكفه.

أما ما في رواية زياد عن مالك من قوله حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي كان يخرج فيها من صبحها من اعتكافه قال الخ فقد وافقه عليها يحيى بن يحيى ويحيى بن بكير والشافعي عن مالك وهذه تقتضي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اعتاد الخروج صبيحة إحدى وعشرين.

وقد خالف زيادًا ومن معه ابن القاسم وابن وهب ومعن والقعنبي وجماعة عن مالك فقالوا هي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه بإسقاط من صبحها وهي رواية المصنف. وهي تقتضي أن خروجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من معتكفه كان في ليلة إحدى وعشرين لا في صبيحتها وهو الصواب لما روى ابن وهب وابن عبد الحكم عن مالك قال من اعتكف أول الشهر أو وسطه فإنه يخرج إذا غابت الشمس من آخر يوم من اعتكافه ومن اعتكف في آخر الشهر فلا ينصرف إلى بيته حتى يشهد العيد.

قال ابن عبد البر لا خلاف في الأول وإنما الخلاف فيمن اعتكف العشر الأواخر هل يخرج إذا غابت الشمس أولا يخرج حتى يصبح اهـ.

وأما ما في رواية البخاري عن أبي سعيد أيضًا من قوله فخرج صبيحة عشرين فخطبنا الخ فالظاهر أن هذا كان في سنة أخرى بدليل قوله في الحديث فمن كان اعتكف معي فليرجع فرجعنا

(وقوله وقد رأيت هذه الليلة) أي علمت علامتها أو أبصرتها وهي السجود في الماء والطين. وفي رواية للشيخين قد أريت بضم الهمزة بالبناء للجهول أي أنه رأى في النوم من يقول له ليلة القدر ليلة كذا وعلامتها كذا. وليس معناه أنه رأى ليلة القدر نفسها لأن مثل ذلك لا ينسى صبيحتها

(قوله ثم أنسيتها) أي أنسيت علم تعيينها. وفي رواية لمسلم نسيتها أو نسيتها بضم النون وتشديد السين "وسبب نسيانه" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لها ما في حديث البخاري عن عبادة ابن الصامت قال خرج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى "أي تخاصما" رجلان من المسلين فقال خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرًا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة. ولعل الحكمة في نسيان تعيينها أن لا يتكل الناس عليها فيقتصرون على إحيائها ويتركون إحياء غيرها

(قوله وقد رأيتني) بضم التاء أي رأيت نفسي ففيه عمل الفعل في ضميري المتكلم الفاعل والمفعول وهذا

ص: 329

من خصائص أفعال القلوب

(قوله أسجد من صبيحتها) أي في صبيحة ليلة القدر

(قوله والتمسوها في كل وتر) أي من العشر وخص الوتر بالذكر مع دخوله في العشر لأنه أرجى لياليها كما أن أرجى العشر السبع الأواخر منها كما يدل عليه الحديث الآتي فلا تنافي بين الأحاديث

(قوله فمطرت السماء من تلك الليلة) أي في تلك الليلة التي رأى فيها أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين. ومطرت بفتحتين

(قوله وكان المسجد على عريش) يعني على هيئة عريش وهو بيت سقفه من أغصان الشجر والجريد وجمعه عرش بضمتين مثل بريد وبرد. وفي رواية للبخاري من طريق همام وكان سقف المسجد جريد النخل وما نرى في السماء شيئًا فجاءت قزعة فأمطرنا فصلى بنا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأرنبته تصديق رؤياه

(قوله فوكف المسجد) أي سال ماء المطر من سقفه، ففيه إسناد ما للحال للمحل

(قوله فأبصرت عيناي) مراده أنه رأى رؤية لا شك فيها. وذكر العينين للتوكيد لأن الأبصار لا يكون إلا بهما على حد قوله أخذت بيدي لأن الأحذ لا يكون عادة إلا باليد

(قوله وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين) جملة حالية. وفي رواية مالك في الموطأ فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم انصرف وعلى جبهته ألخ

(قوله من صبيحة إحدى وعشرين) أي أبصرته في صبيحة ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي رأى أنها ليلة القدر. وفي رواية فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح ووجهه وأنفه فيهما الماء والطين تصديق رؤياه

(فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية الباعث الاعتكاف وتأكده في العشر الأواخر من رمضان واستحباب إحياء لياليها. وعلى أن ليلة القدر تكون ليلة إحدى وعشرين. وعلى جواز النسيان عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكنه في غير الأحكام وفي الأحكام بعد تبليغها وتقدم بيانه. وعلى الترغيب في العمل بالأفضل وتحصيل الأكثر ثوابًا. وعلى جواز السجود على الطين، وقد حمله الجمهور على الخفيف. وعلى استحباب ترك مسح الجبهة في الصلاة من أثر التراب ونحوه. وعلى أنه ينبغي أن يكون السجود على الجبهة والأنف جميعًا. وتقدم بيانه صفحة 345 من الجزء الخامس

(والحديث) أخرجه أيضًا مالك في الموطأ والبخاري ومسلم والنسائي ومحمد بن نصر

(باب آخر)

وفي أكثر النسخ إسقاط الباب. والأولى إثباته لأن الحديث على إسقاطه لا يناسب الترجمة الأولى.

ص: 330

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الأَعْلَى أَنَا سَعِيدٌ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ". قَالَ قُلْتُ يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّكُمْ أَعْلَمُ بِالْعَدَدِ مِنَّا. قَالَ أَجَلْ. قُلْتُ مَا التَّاسِعَةُ وَالسَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ قَالَ إِذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ فَالَّتِى تَلِيهَا التَّاسِعَةُ وَإِذَا مَضَى ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ فَالَّتِى تَلِيهَا السَّابِعَةُ وَإِذَا مَضَى خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَالَّتِى تَلِيهَا الْخَامِسَةُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَا أَدْرِي أَخَفِىَ عَلَيَّ مِنْهُ شَىْءٌ أَمْ لَا.

(ش)(سعيد) بن أبي عروبة تقدم بالأول صحة 69. و (أبو نضرة) المنذر بن مالك بالثالث صفحة 372

(قوله قال قلت يا أبا سعيد الخ) أي قال أبو نضرة قلت يا أبا سعيد إنكم أعرف بالعدد منا قال نعم نحن أعرف منكم. وفي رواية مسلم قال أجل نحن أحق بذلك منكم. وكانوا أعرف لأنهم أقرب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منه فإنه تابعي

(قوله فالتي تليها التاسعة الخ) وهي ليلة ثنتين وعشرين؛ صرح به في رواية أحمد ومسلم. وهي تاسعة بالنظر إلى مابقى من الشهر على أنه ثلاثون يوما، وهذا لا ينافي قوله في الحديث السابق التمسوها في الأوتار لأن الغرض مما هنا إنما هو بيان معنى التاسعة والسابعة والخامسة بأنها تطلق على ثنتين وعشرين وأربع وعشرين وست وعشرين باعتبار كون الشهر ثلاثين يومًا وليس المراد بيان كون ليلة القدر فيها لأنه يصير مخالفًا لما صح من أنهما في الأوتار وعليه فيكون معنى قوله فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة أي التمسوا ليلة القدر في الليلة التي تبقى التاسعة بعدها وهي ليلة إحدى وعشرين وفي الليلة التي تبقى السابعة بعدها وهي ليلة ثلاث وعشرين وفي الليلة التي تبقى الخامسة بعدها وهي ليلة خمس وعشرين، ويحتمل بقاؤه على ظاهره ويكون الغرض منه ومن الحديث السابق الحث على الاجتهاد في كل ليلة من الليالي العشر الأواخر وترها وشفعها ليتحقق إدراك الفضيلة

(قوله قال أبو داود لا أدري الخ) أي لا أعلم أخفي علي شيء من ألفاظ هذا الحديث أم لا. وأشار به إلى أنه ليس متحققًا من ألفاظه وذلك أنه لما رأه ظاهره مخالفا لما صح من أن ليلة القدر في الأوتار كما في حديث أبي سعيد السابق ظن أنه إما أن يكون خفي عليه من الحديث شيء يصح به معناه ويتفق مع ما سبق أولم يخف عليه منه شيء وتكون المخالفة فيه من بعض الرواة. وقد علمت المراد منه

ص: 331