المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب الصلاة بعد العصر) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٧

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب تفريع صلاة الاستسقاء)

- ‌(باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ)

- ‌ الدعاء في الاستسقاء

- ‌(باب صلاة الكسوف)

- ‌(باب القراءة في صلاة الكسوف)

- ‌(باب الصدقة فيها)

- ‌(باب العتق فيها)

- ‌(باب الصلاة عند الظلمة ونحوها)

- ‌(باب السجود عند الآيات)

- ‌(باب متى يقصر المسافر)

- ‌ المسافر لا يقصر الصلاة إلا إذا فارق بناء البلد

- ‌(باب الأذان في السفر)

- ‌(باب المسافر يصلي وهو يشك في الوقت)

- ‌(باب الجمع بين الصلاتين)

- ‌(باب قصر قراءة الصلاة في السفر)

- ‌(باب التطوع في السفر)

- ‌(باب التطوع على الراحلة والوتر)

- ‌(باب الفريضة على الراحلة من عذر)

- ‌ اقتداء المقيم بالمسافر

- ‌(باب إذا أقام بأرض العدو يقصر)

- ‌ الخوف والعدو في غير جهة القبلة

- ‌ كيفية رابعة لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة

- ‌(باب صلاة الطالب)

- ‌(باب ركعتي الفجر)

- ‌(باب في تخفيفهما)

- ‌(باب الاضطجاع بعدها)

- ‌الاضطجاع قبلهما

- ‌(باب إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتي الفجر)

- ‌(باب من فاتته متى يقضيها)

- ‌(باب الأربع قبل الظهر وبعدها)

- ‌(باب الصلاة قبل العصر)

- ‌(باب الصلاة بعد العصر)

- ‌(باب الصلاة قبل المغرب)

- ‌ استحباب التنفل قبل المغرب وغيره

- ‌(باب صلاة الضحى)

- ‌(باب صلاة النهار)

- ‌(باب صلاة التسبيح)

- ‌(باب ركعتي المغرب أين تصليان)

- ‌(باب الصلاة بعد العشاء)

- ‌(باب نسخ قيام الليل)

- ‌(باب قيام الليل)

- ‌(باب النعاس في الصلاة)

- ‌(باب من نام عن حزبه)

- ‌(باب من نوى القيام فنام)

- ‌(باب أي الليل أفضل)

- ‌(باب وَقْتِ قِيَامِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنَ اللَّيْلِ)

- ‌(باب افتتاح صلاة الليل بركعتين)

- ‌الحكمة في تخفيفهما

- ‌(باب صلاة الليل مثنى مثنى)

- ‌(باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل)

- ‌(باب في صلاة الليل)

- ‌(باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة)

- ‌(باب في قيام شهر رمضان)

- ‌(باب في ليلة القدر)

- ‌(باب من روى أنها ليلة سبع عشر

- ‌(باب من روى أنها في السبع الأواخر)

- ‌(باب من قال سبع وعشرون)

- ‌(باب من قال هي في كل رمضان)

الفصل: ‌(باب الصلاة بعد العصر)

النسائي ليس به بأس وقال ابن حبان كان ردئ الحفظ فاحش الخطأ. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي

(معنى الحديث)

(قوله كان يصلي قبل العصر ركعتين) يعني كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقتصر على صلاة ركعتين قبل العصر أحيانًا وأحيانًا كان يصلي أربعًا كما تقدم في رواية الترمذي عن علي وكما في رواية ابن ماجه عن عاصم بن ضمرة قال سألنا عليًا عن تطوع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالنهار فأخبرهم بأنه كان يصلي ركعتي الضحى وأربعًا قبل الزوال وأربعًا قبل الظهر إذا زالت الشمس وركعتين بعدها وأربعًا قبل العصر يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين. فدلت الروايات علي التخيير بين ركعتين وأربع قبل الظهر. والأربع أفضل لكثرة رواياتها ولثبوتها قولًا وفعلًا. وفي إسناد الحديث عاصم بن ضمرة وهو مختلف فيه

(باب الصلاة بعد العصر)

أتجوز أم لا

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا اقْرَأْ عليها السلام مِنَّا جَمِيعًا وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَقُلْ إِنَّا أُخْبِرْنَا أَنَّكِ تُصَلِّينَهُمَا وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْهُمَا. فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا فَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي بِهِ فَقَالَتْ سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ. فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ بِقَوْلِهَا فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِي بِهِ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عَنْهُمَا ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا أَمَّا حِينَ صَلَاّهُمَا فَإِنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ وَعِنْدِى نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَصَلَاّهُمَا فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ فَقُلْتُ

ص: 164

قُومِى بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْمَعُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ. قَالَتْ فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ "يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ إِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ".

(ش)(رجال الحديث)(عبد الرحمن بن أزهر) بن عوف ابن أخي عبد الرحمن بن عوف أبو جبير المدني. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن جبير بن مطعم وعنه ابناه عبد الله وعبد الحميد والزهري وأبو سلمة وكريب مولى ابن عباس. روى له أبو داود والنسائي. و (المسور بن مخرمة) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي أبو عبد الرحمن أو أبو عثمان. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم. وعنه مروان بن الحكم وأبو أمامة ابن سهل وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعمرو بن دينار وجماعة. ولد بعد الهجرة بسنتين. له عن النبي صلى الله تعالى عيه وعلى آله وسلم اثنان وعشرون حديثًا اتفق الشيخان على حديثين وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بحديث مات سنة أربع وستين أصابه المنجنيق الذي كان يرمى به الحجاج الكعبة في عهد ابن الزبير

(معنى الحديث)

(قوله اقرأ عليها السلام أمر من قرأ. وفي نسخة أقرئْ من الإقراء أي أبلغها السلام قال في القاموس قرأ عليه السلام أبلغه كأقرأه وقيل لا يقال أقرأه إلا إذا كان السلام مكتوبًا

(قوله أخبرنا) بضم الهمزة مبنيًا للفعول، ولعل المخبر عبد الله بن الزبير فقد روى ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن الحارث قال دخلت مع ابن عباس على معاوية فأجلسه معاوية على السرير ثم قال ما ركعتان يصليهما الناس بعد العصر قال ذلك ما يفتي به الناس ابن الزبير فأرسل إلى ابن الزبير فسأله فقال أخبرتني بذلك عائشة فأرسل إلى عائشة فقالت أخبرتني أم سلمة فأرسل إلى أم سلمة فانطلقت مع الرسول فذكر القصة. واسم الرسول كثير بن الصلت كما في رواية الطحاوي بإسناد صحيح إلى أبي سلمة أن معاوية قال وهو على المنبر لكثير بن الصلت اذهب إلى عائشة فسلها عن ركعتي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد العصر فقال أبو سلمة فقمت معه وقال ابن عباس لعبد الله بن الحارث اذهب معه فجئناها فسألناها فقالت لا أدري "الحديث"

(قوله إنك تصلينهما) باثبات النون كما في رواية للبخاري

ص: 165

وفي رواية له تصليهما بحذف النون على خلاف الأصل. وفي رواية تصليها بإفراد الضمير راجع إلى الصلاة

(قوله وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنهما) فيه إشارة إلى أنهم لم يسمعوا النهي عنهما منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد ذكر ابن عباس أن الذي سمع النهي عمر كما سيأتي للمصنف في الباب الآتي عن ابن عباس قال شهد عندي رجال مرضيون فيهم عمر وأرضاهم عندي عمر أن نبي الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس. وأما ابن أزهر والمسور بن مخرمة فلم نقف على تسمية الواسطة لهما. وقوله نهى عمر عنهما أي عن صلاة الركعتين بعد العصر وفي رواية عنها أي عن صلاة النافلة بعد العصر. زاد في رواية البخاري وقال ابن عباس وكنت أضرب الناس مع عمر عنها. وقد روى ابن أبي شيبة من طريق الزهري عن السائب بن يزيد قال رأيت عمر يضرب المنكدر على الصلاة بعد العصر

(قوله فقالت أم سلمة) أحالته عليها لأنها هي التي رأت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي بعد صلاة العصر. وفي هذا عظيم النصح والإنصاف والتواضع من عائشة لأنها مع كونها أعلم من أم سلمة وأفضل وكلت الأمر إليها لاحتمال أن يكون عند أم سلمة من العلم ما ليس عندها

(قوله فخرجت إليهم) أي إلى ابن عباس ومن معه وهذا من حسن أدب كريب

(قوله ينهى عنهما) أي عن الركعتين بعد العصر. والمراد منه نهيه عن التنفل مطلقًا بعد العصركما تقدم في حديث ابن عباس ويحتمل أن النهي وقع عنهما بخصوصهما

(قوله أما حين صلاهما آلخ) أي أما زمن صلاته إياهما فكان بعد أن صلي العصر ودخل البيت. ورواية البخاري ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر ثم دخل عليّ فصلاهما بعد الدخول

(قوله وعندي نسوة من بني حرام آلخ) بفتح الحاء المهملة والراء بطن من الأنصار منهم جابر بن عبد الله وذكر المصنف أنهم من الأنصار للاحتراز عن غير الأنصار لأن في العرب عدة بطون يقال لهم بنو حرام بطن في تميم وبطن في خزاعة وبطن في جذام

(قوله أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما) أي فهل نسخ ذلك

(قوله يابنة أبي أمية) كنية أبي أم سلمة واسمه حذيفة وقيل سهيل بن المغيرة المخزومي

(قوله أتاني ناس من عبد القيس آلخ) يعني جاءني ناس من عبد القيس يخبرونني بإسلام جماعة من قومهم فشغلوني عن صلاة هاتين الركعتين. وفي رواية للطحاوي قدم عليّ قلائص من الصدقة فنسيتهما ثم ذكرتهما فكرهت أن أصليهما في المجسد والناس يرون فصليتهما عندك. وقوله فهما هاتان أي الركعتان اللتان صليتهما الآن هما اللتان كنت أصليهما بعد الظهر فشغلت عنهما

(وبالحديث) استدلت الشافعية على أن صلاة التطوع التي لها سبب لا تكره في الوقت المنهي عن الصلاة فيه قالوا وإنما يكره ما لا سبب له. وأن

ص: 166

السنن الراتبة إذا فاتت يستحب قضاؤها. وقال أبو حنيفة ومالك تكره النوافل وقت النهي مطلقًا لها سبب أم لا ولا يقضى من الرواتب إلا سنة الفجر على ما تقدم بيانه. وقال أحمد تكره النوافل مطقًا في وقت النهي وتقضى الراوتب في غيره

(وأجابوا) عن حديث الباب بأن قضاءه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ركعتي الظهر بعد العصر خاص به لما رواه أحمد والطحاوي عن علي بن شيبة قال حدثنا ابن يزيد بن هارون قال أنا حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان عن أم سلمة قالت صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم العصر ثم دخل بيتي فصلى ركعتين فقلت يا رسول الله صليت صلاة لم تكن تصليها قال قدم عليّ مال فشغلني عن ركعتين كنت أصليهما بعد الظهر فصليتهما الآن قلت يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا قال لا. قال الطحاوي فنهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هذا الحديث أحدًا أن يصلي بعد العصر قضاء عما كان يصليه بعد الظهر. فدل ذلك على أن حكم غيره فيهما إذا فاتتاه خلاف حكمه فليس لأحد أن يصليهما بعد العصر ولا أن يتطوع بعد العصر أصلًا اهـ

وقول البيهقي إن هذه الرواية ضعيفة ليس بصحيح فإن رجال سندها ثقات، ولو سلم عدم الاختصاص بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما كان في حديث الباب إلا جواز قضاء سنة الظهر لا جواز كل ذوات الأسباب

(وفي الحديث) أيضًا فوائد أخرى منها أنه يستحب للعالم إذا سئل عن أمر مهم وعلم أن غيره أعلم به أن يرشد السائل إليه. ومنها أنه يطلب ممن أرسل في حاجة أن لا يتصرّف فيها بشيء لم يؤذن له فيه ولذا لم يذهب كريب إلى أم سلمة حتى رجع إلى من أرسله. وأنه يطلب من التابع إذا رأى من المتبوع ما يخالف المعروف أن يسأله عنه ليقف على ما دعا المتبوع إلى مخالفة المألوف. ويترتب على ذلك السلامة من سوء الظن بالمتبوع ومنها أن إشارة المصلي بيده لا تبطل الصلاة. وفيه دليل عدم مشروعية سنة الظهر البعدية. وفيه أنه إذا تعارضت المصالح بدأ بأهمها ولذا بدأ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بحديث القوم في الإسلام وترك سنة الظهر حتى فات وقتها لأن الإشتغال بإرشادهم وتعليمهم الأحكام الشرعية أهمّ. وفيه جواز تكليم المصلي واستماعه إلى كلام غيره وفهمه له ولا يقدح ذلك في صلاته وأن المطلوب من المتكلم معه أن يقوم بجنبه لا أمامه منعًا للتشويش عليه ولا خلفه لتعسر تفهيمه بالإشارة إليه حينئذ. وفيه دلالة على مزيد فطنة أم سلمة رضي الله عنها وحسن تأدبها بملاطفتها في السؤال واهتمامها بأمر الدين. وفيه دليل على مشروعية تزاور النساء في البيوت. ومحله ما لم يترتب على ذلك مخالفة. وفيه مشروعية التنفل في البيت. وفيه طلب المبادرة إلى معرفة الحكم المشكل منعًا للشك

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الشيخان وأحمد وزاد في رواية له عن أم سلمة قالت ما رأيته صلاهما قبلها ولا بعدها. وأخرجه البيهقي والطحاوي وزاد في رواية له عن أم سلمة لم

ص: 167

أره صلاهما قبل ولا بعد.

وأخرج الترمذي عن ابن عباس قال إنما صلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الركعتين بعد العصر لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر ثم لم يعد لهما وقال حديث حسن اهـ

وما في هذه الروايات من أنه لم يعد إليهما ينافيه ما في مسلم عن أبي سلمة أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتان كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يصليهما بعد العصر فقالت كان يصليهما قبل العصر ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما وكان إذا صلى صلاة أثبتها "أي داوم عليها" وفي البخاري في باب ما يصلي بعد العصر من الفوائت عن عائشة أنها قالت ما ترك النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم السجدتين بعد العصر عندي قط. وفيه أيضًا عنها ركعتان لم يكن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يدعهما سرًا ولا علانية ركعتان قبل الصبح وركعتان بعد العصر. ومرادها بذلك أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واظب عليهما من الوقت الذي شغل فيه عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر. ولم ترد أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين من أول ما فرضت الصلوات إلى آخر عمره بدليل قولها في حديث مسلم ثم أثبتهما. وما في حديث الباب من أنه لم يكن يفعلهما قبل الوقت الذي قضاهما فيه. وقد جمع بين روايات النفي وروايات الإثبات بحمل النفي على نفي الصلاة في المسجد أو في بيت غير عائشة وبحمل الإثبات على فعلهما في بيت عائشة فكل راٍو أخبر بما علم

(باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة)

أي في صلاة ركعتين بعد صلاة العصر إذا كانت الشمس مرتفعة

(ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ الأَجْدَعِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَاّ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ.

(ش)(رجال الحديث)(منصور) بن المعتمر تقدم في الجزء الأول صفحة 84 و (وهب بن الأجدع) الهمداني الكوفي روى عن عمر وعلي. وعنه الشعبي وهلال بن يساف قال العجلي تابعي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة وقال كان قليل الحديث: روى له أبو داود والنسائي

ص: 168

(معنى الحديث)

(قوله نهى عن الصلاة آلخ) لفظ النهي عند البيهقي عن علي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة أي إلا صلاة تصلى والحال أن الشمس مرتفعة. فالمستثنى محذوف والواو للحال. وفي رواية النسائي إلا أن تكون الشمس بيضاء نقية مرتفعة. واستدلت الشافعية والحنابلة بهذا على جواز النافلة التي لها سبب بعد العصر ما دامت الشمس مرتفعة. ولكن لا دلالة فيه على تخصيص ذات السبب بل فيه الدلالة على جواز الصلاة مطلقًا بعد العصر ما دامت الشمس مرتفعة. وحمل الحنفية المستثنى في حديث الباب على فائتة المكتوبة والجنازة ونحوها من الواجبًات فإنه لا يكره فعلها بعد العصر بالإجماع ما دامت الشمس مرتفعة فإذا دنت للغروب يكره ذلك أيضًا. وحمله بعضهم على أن معناه نهى عن الصلاة بعد دخول وقت العصر إلا أن تكون الشمس مرتفعة فيصلي العصر. فالمستثنى إنما هو فرض العصر. ويدل على هذا ما أخرجه الطحاوي عن علي أنه صلى بعد العصر ركعتين بطريق مكة فنهاه عمر فتغيظ عليه فقال والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان ينهانا عنهما. وما أخرجه عنه أيضًا قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي دبركل صلاة ركعتين إلا الفجر والعصر وهو الحديث الآتي للمصنف

(والحديث) أخرجه النسائي والبيهقي

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي إِثْرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ رَكْعَتَيْنِ إِلَاّ الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ.

(ش) هذا الحديث والثلاثة بعده غير مطابقة للترجمة فالمناسب ذكرها تحت ترجمة كراهية الصلاة بعد صلاتي الصبح والعصر. و (سفيان) بن عيينة تقدم بصفحة 47 من الجزء الأول و (أبو إسحاق) السبيعي بصفحة 34 من الجزء الثاني. و (على) هو ابن أبي طالب تقدم بصفحة 212 من الجزء الأول

(قوله يصلي في إثر كل صلاة آلخ) أي عقب كل صلاة مفروضة ركعتين تطوعًا إلا الفجر والعصر فكان لا يصلي بعدهما ركعتين. وفي الحديث دلالة على كراهة التنفل بعد صلاتي

الصبح والعصر وإن كان له سبب. وأجاب من أباح التنفل الذي له سبب في هذين الوقتين بأن المراد أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يكن يصلي راتبة بعد هاتين الصلاتين لأنهما ليس لهما راتبة بعدية. وهذا لا ينافي ما ثبت أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي

ص: 169

بعد العصر ركعتين في بيت عائشة كما تقدم لاحتمال أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما كان يصليهما بمرأى من الناس أو أن عليًا أخبر بذلك قبل حادثة الركعتين بعد العصر

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي وكذا الطحاوي بلفظ تقدم

(ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا أَبَانُ نَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِى عُمَرُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ".

(ش)(أبان) بن يزيد العطار تقدم في الجزء الأول صفحة 119. وكذا (أبو العالية) رفيع بن مهران صفحة 290

(قوله شهد عندي آلخ) يعني أعلمني وأخبرني وليس المراد شهادة الحكم. والمراد بكونهم مرضيين أنه لا شك في صدقهم ودينهم وأحبهم إليّ عمر كما جاء في رواية للبخاري ومسلم

(قوله لا صلاة بعد صلاة الصبح آلخ) نفي بمعنى النهي أي لا تصلوا. والنهي قيل للتحريم. والأصح أنه للكراهة. والصارف له عن الحرمة إقرار النبي صلى الله عليه وعلي آله وسلم قيس بن عمرو على صلاة الركعتين بعد الصبح كما تقدم. وبالحديث احتج أبو حنيفة وأصحابه على كراهة التنفل ولو كان لسبب بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس. وبه قال مالك والحسن البصري وسعيد بن المسيب والعلاء ابن زياد وهو قول جماعة من الصحابة منهم علي وابن مسعود وأبوهريرة وزيد بن ثابت وابن عمر وابن عمرو ولذا كان عمر يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة من غير نكير فدل علي أن صلاته صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم الركعتين بعد العصرمخصوصة به كما تقدم وكان خالد بن الوليد يضرب الناس علي الصلاة بعد العصر. وذهب الشافعي إلى أنه يجوز من الصلاة في هذين الوقتين ما له سبب واستدل بصلاته صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم سنة الظهر بعد صلاة العصر. وأجاب الجمهور عنه بأنه من خصوصيات النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم كما تقدم. وقالت الحنابلة يحرم التطوع مطلقًا وقوله سبب في هذين الوقتين لظاهر حديث الباب ونحوه إلا ركعتي الطواف لحديث لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار رواه أصحاب السنن عن جبير بن مطعم وصححه ابن خزيمة والترمذي والحاكم وابن حبان (وذهب) أبو بكرة وكعب بن عجرة وغيرهما إلى المنع من الصلاة مطلقًا ولو فرضا بعد صلاة

ص: 170

الصبح وبعد صلاة العصر. وهو مشهور مذهب داود الظاهري مستدلين بالحديث لعموم النهي فيه. ويرده ما تقدم من إقرار النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قيسًا على صلاته ركعتي الفجر بعد صلاة الصبح. ويرده أيضًا حديث يزيد بن الأسود قال شهدت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم حجته وصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف فلما قضى صلاته وانحرف إذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا معه فقال عليّ بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما فقال ما منعكما أن تصليا معنا فقالا يا رسول الله إنا قد كنا صلينا في رحالنا قال فلا تفعلًا إذا صليتما في رحالكم ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنهما لكما نافلة أخرجه النسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح وتقدم للمصنف بصفحة 282 من الجزء الرابع

(وقد أجمع العلماء) على جواز قضاء الفوائت في هذين الوقتين لعموم حديث من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها. رواه الشيخان والمصنف عن أنس. ولمسلم إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها. وذهب جماعة من السلف إلى إباحة الصلاة مطلقًا في جميع الأوقات. وحكى عن داود. وبه جزم ابن حزم. واستدلوا بحديث لاتمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار رواه أصحاب السنن عن جبير ابن مطعم. وزعموا أن أحاديث النهي منسوخة بهذا الحديث وحديث أبي هريرة من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر رواه البخاري وتقدم للصنف في باب وقت العصر من الجزء الثالث وهو دليل علي إباحة الصلاة في هذين الوقتين "ورد استدلالهم" بحديث جبير بن مطعم بأنه خاص بالصلاة في الحرم المكي، ودعواهم عامة فلا يصلح الاستدلال به عليها. ورد دعوى النسخ بأنه قد تقرر أن المبيح والحاظر إذا تعارضا جعل الحاظر متأخرًا فلا يتأتى دعوى نسخه بالمبيح على أن الحديث الأول خاص كما تقدم. وأحاديث النهي عامة فلا يصلح لنسخها على فرض تأخره وكذا الحديث الثاني خاص بالمكتوبة صاحبة الوقت. وأحاديث النهي في غير صاحبة الوقت فلا يصح دعوى نسخها به على فرض تأخره. وروى عن ابن عمر تحريم الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس لظاهر حديث الباب وإباحتها بعد العصر حتى تصفر الشمس. وبه قال ابن حزم محتجًا بحديث عليّ السابق أول الباب أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الشيخان والطحاوي والبيهقي وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعدهم أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس وأما الصلوات الفوائت فلا بأس بأن تقضى بعد العصر وبعد الصبح اهـ

ص: 171

(ص) حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي سَلَاّمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ قَالَ "جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَصَلِّ مَا شِئْتَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ ثُمَّ أَقْصِرْ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَتَرْتَفِعَ قِيْسَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَتُصَلِّي لَهَا الْكُفَّارُ ثُمَّ صَلِّ مَا شِئْتَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ حَتَّى يَعْدِلَ الرُّمْحُ ظِلَّهُ ثُمَّ أَقْصِرْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ تُسْجَرُ وَتُفْتَحُ أَبْوَابُهَا فَإِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلِّ مَا شِئْتَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ثُمَّ أَقْصِرْ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَيُصَلِّي لَهَا الْكُفَّارُ". وَقَصَّ حَدِيثًا طَوِيلًا قَالَ الْعَبَّاسُ هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَاّمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ إِلَاّ أَنْ أُخْطِئَ شَيْئًا لَا أُرِيدُهُ فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ.

(ش)(رجال الحديث)(محمد بن المهاجر) بن أبي مسلم دينار الأنصاري الشامي أخو عمرو بن مهاجر مولى أسماء بنت يزيد الأشهلية. روى عن العباس بن سالم والوليد بن عبد الرحمن الجرشي وربيعة بن يزيد وجماعة. وعنه ابن عيينة وأبو توبة الربيع بن نافع الحلبي وهشام بن سعيد الطالقاني وكثيرون. وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة الدمشقي ودحيم وأبو داود ويعقوب ابن سفيان وقال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان متقنًا وقال العجلي شامي ثقة. مات سنة سبعين ومائة. روى له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه. و (العباس بن سالم) بن جميل بن عمرو بن ثوابة بن الأخنس اللخمي الدمشقي. روى عن أبي إدريس الخولاني وأبي سلام ممطور الأعرج وربيعة بن يزيد ومدرك بن عبد الله الأزدي. وعنه محمد وعمرو ابنا مهاجر. وثقه العجليّ وأبو داود وابن حبان روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. و (أبو أمامة) هو صدى بن عجلان الباهلي الصحابي تقدم بصفحة 68 من الجز. الثاني.

و(عمرو بن عبسة)"بفتحات"(السلمي) بضم السين المهملة ابن عامر ابن خالد بن غاضرة بن عتاب أبو نجيح أسلم قديمًا بمكة رابع أربعة في الإسلام وهاجر بعد أحد ونزل الشام وهو أخو أبي ذر الغفاري لأمه فقد روى مسلم عن عمرو بن عبسة السلمي قال كنت وأنا في الجاهلية

ص: 172

أظن أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا علي شيء وهم يعبدون الأوثان فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارًا فقعدت على راحلتي فقدمت عليه فإذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مستخفيًا جرّاء عليه قومه فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له ما أنت قال أنا نبي فقلت وما نبي قال أرسلني الله فقلت بأي شيء أرسلك قال أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله ولا يشرك به شيء قلت له فمن معك على هذا قال حر وعبد ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به فقلت إني متبعك قال إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا ألا ترى حالي وحال الناس ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فائتني قال فذهبت إلى أهلي وقدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة وكنت في أهلي فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة حتى قدم عليّ نفر من أهل يثرب من أهل المدينة فقلت ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة قالوا الناس إليه سراع وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا فقدمت المدينة فدخلت عليه فقلت يا رسول الله أتعرفني قال نعم ألست الذي لقيتني بمكة فقلت بلى فقلت يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهله أخبرني عن الصلاة قال صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس الخ. روى له عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثمانية وثلاثون حديثًا روى له مسلم حديثًا واحدًا. وروى عنه ابن مسعود وسهل بن سعد وأبو أمامة الباهلي وسلام بن الأسود وغيرهم، نزل الشام وسكن حمص إلى أن مات في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنهما. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي

(معنى الحديث)

(قوله أيُّ الليل أسمع) يعني أي أوقات الليل أقرب إلى إجابة الدعاء والعمل فوضع السمع موضع الإجابة مجازًا مرسل علاقته اللزوم

(قوله جوف الليل الآخر) يعني ثلثه الأخير أقرب للإجابة. فجوف مبتدأ خبره محذوف والآخر صفته

(قوله فصل ما شئت فإن الصلاة الخ) أي صلّ من النوافل ما شئت إلى أن تصلي الصبح فإن الصلاة حينئذ تحضرها الملائكة وتكتب ثوابها. وهو يدل بظاهره علي إباحة التطوع بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتين. ولكن ينافيه ما في حديث أحمد قلت أي الساعات أفضل قال جوف الليل الآخر ثم الصلاة مكتوبة مشهودة حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلا الركعتين حتى تصلي الفجر "الحديث" فهو صريح في كراهة التطوع بعد طلوع الفجر بغير ركعتي الفجر فلعله وقع اختصار في حديث المصنف

(قوله ثم أقصر حتى تطلع الشمس الخ) أقصر بقطع الهمزة أمر من الإقصار وهو الكف عن الشيء مع القدرة عليه وقيس رمح بكسر القاف أي قدر رمح يقال قيس رمح وقاس رمح أي قدره والمعنى كفّ عن الصلاة إلى ظهور الشمس وارتفاعها في رأي العين قدر رمح أو رمحين. وقوله فإنها تطلع بين قرني

ص: 173

شيطان تعليل للأمر بالكف عن الصلاة. وتنكير الشيطان للتحقير والمراد بقرني الشيطان جانبا رأسه وذلك أنه يدني رأسه من الشمس حين طلوعها فيكون الساجد من الكفار للشمس كالساجد له وحينئذ يتمكن هو وجنوده من أن يلبسوا على المصلي صلاته فلذا نهى عن الصلاة وقتئذ صيانة لها

(قوله ويصلي لها الكفار) أي يسجد لها عبادةا. وفي رواية مسلم وحينذ يسجد لها الكفار

(قوله حتى يعدل الرمح ظله) يعني حتى يستوى الظل مع الرمح أي لا يبقى على الأرض منه شيء وهذا يكون بمكة والمدينة وما حولهما في أطول يوم في السنة وهو أول فصل الصيف وفي هذه الحالة يقف الظل فلا يزيد ولا ينقص فإذا أخذ في الزيادة إلى جهة المشرق كان وقت الزوال.

وفي رواية مسلم حتى يستقل الظل بالرمح أي يرتفع الظل فلا يبقى على الأرض منه شيء .. وتخصيص الرمح بالذكر لأن العرب كانوا إذا أرادوا معرفة الوقت ركزوا رماحهم في الأرض ثم نظروا إلى ظلها. وإلا فمثل الرمح غيره من كل مستقيم قائم

(قوله فإن جهنم تسجر) بالبناء للمفعول مشددًا ومخففًا أي توقد يقال سجر التنور إذا أوقده. ولعل تسجيرها حينئذ لمقارنة الشيطان الشمس واستعداد عباد الشمس للسجود لها. فلذا نهي عن الصلاة في هذا الوقت لما فيه من التشبه بعباد الشمس. وجهنم علم على النار وهو أعجمي معرب ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. وقيل إنه عربي مشتق من الجهومة وهي كراهة المنظر. أو من قولهم بئر جهام أي عميق فتكون ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث

(قوله فإذا زاغت الشمس) أي مالت في رأى العين عن كبد السماء إلى جهة الغروب

(قوله ثم أقصر حتى تغرب الشمس الخ) أي كف بعد صلاة العصر عن الصلاة مطلقًا ولا سيما حال الغروب لما فيه من التشبه بعباد الشمس. وأما ما بين صلاة الصبح والطلوع وما بين صلاة العصر والغروب فالحكمة في النهي عن الصلاة فيهما أن ما قارب الشيء يعطى حكمه وأن عباد الشمس ربما يستعدون لتعظيمها من أول هذين الوقتين مراقبين طلوعها أو غروبها ليسجدوا لها فلو أبيح التنفل في هذين الوقتين لكان فيه تشبه بهم أو إيهام التشبه بهم. قال الخطابي وذكر تسجير جهنم وكون الشمس بين قرني الشيطان وما أشبه ذلك من الأشياء التي تذكر على سبيل التعليل لتحريم شيء أولنهي عن شيء أمور لا تدرك معانيها من طريق الحس والعيان وإنما يجب الإيمان بها والتصديق للخبر بها والانتهاء إلى أحكامها التي علقت بها اهـ

(قوله وقص حديثًا طويلًا) أي ذكر عمرو بن عبسة بعد ذلك تمام حديثه الطويل وهو كما في مسلم قال فقلت يا نبي الله ما الوضوء حدثني عنه قال ما منكم رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فيستنثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرّت خطايا يديه من أنامله مع الماء ثم يمسح رأسه إلا خرّت خطايا رأسه من أطراف شعره

ص: 174

مع الماء ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرّت خطايا رجليه من أنامله مع الماء فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذى هو له أهل وفرّغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئة يوم ولدته أمه فقال أبو أمامة يا عمرو بن عبسة انظر ما تقول في مقام واحد يعطى هذا الرجل فقال عمرو يا أبا أمامة لقد كبرت سني ورقّ عظمي واقترب أجلي وما بي حاجة أن أكذب على الله ولا على رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثًا حتى عد سبع مرات ما حدثت به أبدًا ولكن سمعته أكثر من ذلك

(قوله قال العباس هكذ احدثني أبو سلام الخ) غرض العباس به بيان أنه بذل جهده في نقل الحديث على ما هو عليه فكأنه يقول حدثني أبو سلام عن أبي أمامة الباهلي بهذا الحديث كما حدثت به مع التحري فإن تبين فيه شيء من الخطأ فليس مقصودًا إلي وأطلب من الله المغفرة وقبول التوبة. وليس المراد أنه شاك فيما نقله.

(والحديث) يدل على النهي عن التنفل بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وترتفع قدر رمح ووقت الاستواء حتى نزول وبعد صلاة العصر حتى تغيب الشمس فهذه ثلاثة أوقات لكنها خمسة تفصيلًا باعتبار تفاوت النهي فيها فإنه في وقت طلوع الشمس ووقت غروبها أشد منه في الأوقات الثلاثة الأخر. وهذه الأوقات الخمسة باعتبار متعلق النهي قسمان

"أحدهما" ما يتعلق فيه النهي بفعل المصلى الصلاة وذلك بعد صلاة الصبح وصلاة العصر فإذا صلى فريضته في هذين الوقتين فهو منهي عن التنفل بعدها. وتقدم في الحديث السابق بيان مذاهب العلماء في ذلك

"ثانيهما" ما يتعلق النهي فيه بالوقت وهو وقت الطلوع إلى الارتفاع ووقت الاستواء ووقت الغروب

(وقد اختلف) العلماء في حكم الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة فقال أبو حنيفة وأصحابه لا تصح في هذه الأوقات صلاة مطلقًا مفروضة أو واجبة أو نافلة قضاء أو أداء. مستدلين بعموم النهي عن الصلاة في هذه الأوقات بناء على أن النهي يقتضي الفساد. واستثنوا من ذلك عصر اليوم لحديث أبي هريرة مرفوعًا من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر رواه الشيخان وتقدم للمصنف بصفحة 330 من الجزء الثالث فيصح أداؤه وقت الغروب لأنه أداه كما وجب ويكره تحريمًا تأخيره إلى هذا الوقت. واستثنوا أيضًا صلاة الجنازة إن حضرت في وقت من هذه الأوقات فإنها تصل فيها بلا كراهة لحديث عليّ مرفوعًا ثلاث لا يؤخرن الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيمّ إذا وجدت كفؤا رواه الحاكم والترمذي وقال غريب ليس بمتصل. ولما سيأتي للمصنف في باب التعجيل بالجنازة عن الحصين بن وحوح أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعوده فقال إني لأرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فإنه

ص: 175

لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله. واستثنوا أيضًا سجدة تلاوة تليت آيتها في وقت من هذه الأوقات فإنها تؤدي فيه بلا كراهة لأنها أدّيت كما وجبت لكن الأفضل تأخيرها لتؤدى في الوقت المستحب لأنها لا تفوت بالتأخير.

وقد فرقوا بين الصبح والعصر حيث قالوا بعدم صحة أداء الصبح وقت الطلوع وبصحة أداء العصر وقت الغروب بما تقدم في حديث أبي هريرة في باب وقت العصر صفحة 333 من الجزء الثالث.

ولكنه فرق لا وجه له بعد أن سوّى بينهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر رواه البخاري وغيره كما تقدم هناك ..

واستثنى أبو يوسف أيضًا التنفل يوم الجمعة وقت الاستواء مستدلًا بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ندب الناس إلى التبكير يوم الجمعة ورغب في الصلاة إلى خروج الإمام كما تقدم وعليه الإجماع وجعل الغاية خروج الإمام وهو لا يخرج إلا بعد الزوال فدل على عدم الكراهة وجاء فيه حديث أبي قتادة مرفوعًا أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وقال إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة رواه المصنف في باب الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال، وفيه انقطاع لأنه من رواية أبي الخليل عن أبي قتادة ولم يسمع منه وفي سنده الليث بن أبي سليم وهو ضعيف وقد ذكر له البيهقي شواهد ضعيفة يقوى بها

(وقالت الحنابلة) لا ينعقد النفل مطلقًا في هذه الأوقات الثلاثة حتى ما له سبب كسجود تلاوة وشكر وصلاة كسوف وتحية مسجد لعموم أدلة النهي. ولا فرق في ذلك بين مكة وغيرها ولا يوم الجمعة وغيره إلا تحية المسجد يوم الجمعة فإنهم قالوا بجواز فعلها بلا كراهة وقت الاستواء وحال الخطبة لحديث أبي قتادة المتقدم. وفيه أنه يفيد إباحة الصلاة مطلقًا وقت الاستواء يوم الجمعة وهم لا يقولون إلا بإباحة تحية المسجد حينئذ، ويحرم عندهم أيضًا صلاة الجنازة في هذه الأوقات إلا إن خيف عليها التغير فتجوز للضرورة، وقالوا يجوز بلا كراهة في هذه الأوقات قضاء الفرائض لحديث من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها وجعلوه مخصصًا لأحاديث النهي

"قال في النيل" وهو تحكم لأنه أعم منها من وجه وأخص من وجه وليس أحد العمومين أولى بالتخصيص من الآخر. وكذلك الكلام في فعل الصلاة المفروضة في هذه الاوقات أداء إلا أن حديث من أدرك من الفجر ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر أخص من أحاديث النهي مطلقًا فيقدم عليها اهـ

وجوّزوا أيضًا في هذه الأوقات الصلاة المنذورة ولو كان نذرها فيها بأن قال لله علي أن أصلي ركعتين عند طلوع الشمس مثلًا لأنها صلاة واجبة فأشبهت الفرائض. وقد علمت أن دليلهم في قضاء الفرائض لا ينهض. وأباحوا أيضًا تأدية ركعتي الطواف ولو نفلًا في كل وقت

ص: 176

لحديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى آية ساعة شاء من ليل أو نهار. رواه الأربعة وقال الترمذي صحيح كما تقدم

(وقالت المالكية) تحرم النوافل ولو لها سبب والمنذورة وسجدة التلاوة وقت الطلوع والغروب لحديث الباب ونحوه من أحاديث النهي. وكذا تحرم صلاة الجنازة في هذين الوقتين إلا إن خيف تغيرها فتجوز.

وأباحوا الفرائض العينية قضاء أو أداء في هذين الوقتين مستدلين بما تقدم للمصنف في الجزء الرابع صفحة 37 من قوله صلى الله عليه وآله وسلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها وأباحوا الصلاة مطلقًا فرضًا ونفلًا وقت الاستواء.

قال الزرقاني في شرح الموطأ قال الجمهور والأئمة الثلاثة بكراهة الصلاة عند الاستواء.

وقال مالك بالجواز مع روايته هذا الحديث "يعني حديث عبد الله الصنابحي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها ونهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الصلاة في تلك الساعات"

قال ابن عبد البر فإما أنه لم يصح عنده. أو ردّه بالعمل الذي ذكره بقوله ما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار اهـ

قال الزرقاق والثاني أولى أو متعين فإن الحديث صحيح بلا شك إذ رواته ثقات مشاهير. وعلى تقدير أنه مرسل فقد تقوّى بأحاديث عقبة وعمرو يعني ابن عبسة "وهو حديث الباب" وقد صححهما مسلم اهـ

"أقول" وحيث ثبتت صحة الحديث فهو مذهب مالك ولا وجه للتفرقة بين أجزائه بعمل الناس فإنه لا كلام لأحد مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: على أن عمل الناس إنما هو في الصلاة وقت الاستواء يوم الجمعة وقد تقدم ما يدل على استثنائه ولذا قال الباجي في شرح الموطأ.

وفي المبسوط عن ابن وهب سئل مالك عن الصلاة نصف النهار فقال أدركت الناس وهم يصلون يوم الجمعة نصف النهار.

وقد جاء في بعض الحديث نهي عن ذلك فأنا لا أنهى عنه للذى أدركت الناس عليه ولا أحبه للنهي عنه اهـ

وقول مالك لا أحبه للنهي عنه محمول على أنه لم يثبت عنده الحديث الدال على إباحة الصلاة وقت الاستواء يوم الجمعة. وقد تقدم ما فيه

(وقالت الشافعية) يكرة النفل الذي لا سبب له في هذه الأوقات. أما الفرض مطلقًا والنفل الذي له سبب فلا يكره مستدلين بحديث من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها. وتقدم ما فيه. وأباحوا أيضًا التنفل مطلقًا في الحرم المكي في هذه الأوقات لحديث الترمذي وغيره المتقدم يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار. وأباحوا النفل أيضًا وقت الاستواء يوم الجمعة لما تقدم عن أبي قتادة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة. والمشهور عن داود منع الصلاة في هذه الأوقات مطلقًا

ص: 177

وحكي عنه إباحتها. وقد روى عن جمع من الصحابة. ولعلهم لم يسمعوا أحاديث النهي. إذا علمت هذا تعلم أن المعوّل عليه أن الصلاة مطلقًا ممنوعة في هذه الأوقات الثلاثة إلا أداء الصبح وقت الطلوع والعصر وقت الغروب والنفل وقت الاستواء يوم الجمعة

(والحديث) أخرجه أحمد والبيهقي وابن ماجه والطحاوي وأخرجه مسلم مطولًا والترمذي مختصرًا

(ص) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا وُهَيْبٌ نَا قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى عَنْ أَيُّوبَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ يَسَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَآنِي ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا أُصَلِّي بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَالَ يَا يَسَارُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ فَقَالَ "لِيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الْفَجْرِ إِلَاّ سَجْدَتَيْنِ".

(ش)(رجال الحديث)(قدامة ابن موسى) بن عمرو بين قدامة بن مظعون الجمحي المكي روى عن أنس وسالم بن عبد الله وأبي صالح السمان وأيوب بن حصين وغيرهم. وعنه ابنه إبراهيم وابن جريج ووهيب بن خالد ويحيى بن أيوب المصري ووكيع ويحيى بن سعيد وجماعة. وثقه ابن معين وأبو زرعة وابن حبان وقال الزبير بن بكار كان ثبتًا. مات سنة ثلاثة وخمسين ومائة روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. و (أيوب بن حصين) وقيل محمد بن حصين وهو أصح كما قاله أبو حاتم. روى عن أبي علقمة ويسار بن نمير. وعنه قدامة بن موسى. ذكره أبي حبان في الثقات وقال الدارقطني مجهول. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. و (أبو علقمة) هو مولى بنى هاشم تقدم بصفحة 24 من الجزء الثاني، و (يسار مولى ابن عمر) هو ابن نمير القرشي العدوي. ووى عن ابن عمر. وعنه أبو علقمة وأبو أمامة. وثقه أبو زرعة وابن حبان. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه

(معنى الحديث)

(قوله رآني ابن عمر وأنا أصلي الخ) يعني نفلًا مطلقًا غير سنة الصبح بدليل إنكار ابن عمر عليه. وقوله إلا سجدتين أي ركعتين وهما سنة الصبح. وفي هذا دليل على كراهة التنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من سنة الصبح وبه قال سعيد بن المسيب والعلاء بن زياد وحميد بن عبد الرحمن والحنفية وروى ذك عن ابن عمر وابن عمرو وهو المشهور عن أحمد

(وذهب) الحسن البصري والشافعي إلى جواز التنفل بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح قالوا والنهى عن الصلاة بعد الصبح المراد منه بعد صلاة الفريضة. واستدلوا بما تقدم في حديث عمرو بن عبسة من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلّ ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة

ص: 178

حتى تصلي الصبح. وبه قال ابن حزم "وقد تقدم" في حديث أحمد ما ينافيه من قوله. قلت أيّ الساعات أفضل قال جوف الليل الآخر ثم الصلاة مكتوبة مشهودة حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلا الركعتين حتى تصلي الصبح. فلعل في رواية أبي داود اختصارًا فلا يصح الاحتجاج بها

(وقال مالك) يجوز ذلك لمن فاتته صلاة الليل لما رواه في الموطأ عن سعيد بن جبير أن عبد الله بن عباس رقد ثم استيقظ ثم قال لخادمه انظر ما صنع الناس وهو يومئذ قد ذهب بصره فذهب الخادم ثم رجع فقال قد انصرف الناس من الصبح فقام عباس الله بن عباس فأوتر ثم صلى الصبح

"ولما رواه" أنه بلغه أن عبد الله بن عباس وعبادة بن الصامت والقاسم بن محمد وعبد الله بن عامر بن ربيعة قد أوتروا بعد الفجر

"وما رواه" عن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن مسعود قال ما أبالي لو أقيمت صلاة الصبح وأنا أوتر

"وما رواه" عن يحيى بن سعيد أنه قال كان عبادة بن الصامت يؤمّ قومًا فخرج يوما إلى الصبح فأقام المؤذن صلاة الصبح فأسكته عبادة حتى أوتر ثم صلى بهم الصبح

"وما رواه" عن عبد الرحمن بن القاسم أنه قال سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول إني لأوتر وأنا أسمع الإقامة أو بعد الفجر. يشك عبد الرحمن أيّ ذلك

"وما رواه" عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع أباه القاسم بن محمد يقول إني لأوتر بعد الفجر "ففي هذا كله" دلالة على أن الوتر تصلى بعد الفجر وقبل صلاة الصبح

"قال في النيل" والحديث "يعني حديث الباب" يدل على كراهة التطوع بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر قال الترمذي وهو مما أجمع عليه أهل العلم كرهوا أن يصلي الرجل بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر قال الحافظ في التلخيص دعوى الترمذي الإجماع على الكراهة لذلك عجيب فإن الخلاف في ذلك مشهور حكاه ابن المنذر وغيره وقال الحسن البصري لا بأس به وكان مالك يرى أن يفعله من فاتته صلاة بالليل وقد أطنب في ذلك محمد بن نصر في قيام الليل اهـ

وطرق حديث الباب يقوّى بعضها بعضًا فتنتهض للاحتجاج بها على الكراهة. وقد أفرط ابن حزم فقال الروايات في أنه لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر ساقطة مطروحة مكذوبة اهـ

فالراجح القول بكراهة التنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من سنته

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد وابن ماجه والدارقطني والترمذي وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث قدامة بن موسى. ورواه أبو يعلى والطبراني من وجهين آخرين عن ابن عمر نحوه. ورواه الدارقطني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. وفي سنده الإفريقي ورواه الطبراني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وفي سنده روّاد بن الجرّاح ورواه البيهقي من حديث سعيد بن المسيب مرسلًا قال وروى موصولًا عى أبي هريرة ولا يصح اهـ

ص: 179

(ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ قَالَا نَشْهَدُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ مَا مِنْ يَوْمٍ يَأْتِي عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَاّ صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ.

(ش)(الأسود) بن يزيد النخعي تقدم بصفحة 127 من الجزء الأول. و (مسروق) هو ابن الأجدع تقدم بصفحة 254 من الجزء الثاني

(قوله نشهد على عائشة) يعني نخبر عنها وليس المراد شهادة الحكم

(قوله ما من يوم يأتي الخ) أي ما من يوم يمر على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد أن وفد عليه عبد القيس وشغلوه عن الركعتين بعد الظهر إلا صلى بعد صلاة العصر ركعتين. وكانت صلاته لهما يوم الوفد قضاء ثم داوم عليهما فإنه كان إذا صلى صلاة داوم عليها

(وبالحديث) استدل جماعة على استحباب صلاة ركعتين بعد العصر وقد فهمت عائشة من مواظبته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الركعتين بعد العصر أن نهيه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم عن الصلاة بعدها حتى تغرب الشمس مختص بمن قصد الصلاة عند غروب الشمس وليس النهي على إطلاقه ولذا قالت. والذى ذهب به ما تركهما حتى لقي الله وما لقي الله حتى ثقل عن الصلاة وكان يصلي كثيرًا من صلاته قاعدًا تعنى الركعتين بعد العصر وكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصليهما ولا يصليهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمته وكان يحب ما يخفف عنهم أخرجه البخاري من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن عائشة. قال الحافظ في الفتح وكانت تتنفل بعد العصر وقد أخرجه المصنف "يعني البخاري" في الحج من طريق عبد العزيز بن رفيع قال رأيت ابن الزبير يصلي ركعتين بعد العصر ويخبر أن عائشة حدثته أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يدخل بيتها إلا صلاهما وكأن ابن الزبير فهم من ذلك ما فهمته خالته عائشة

(وأجاب الجمهور) عن حديث الباب ونحوه بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما صلى الركعتين بعد العصر قضاء لسنة الظهر البعدية التي فاتته يوم وفد عبد القيس وكان إذا فعل فعلًا واظب عليه وهذا من خصوصياته صلى الله تعالى على آله وسلم كما تقدم

(والحديث) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والطحاوي والبيهقي

(ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ نَا عَمِّي نَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-

ص: 180