المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب في صلاة الليل) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٧

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب تفريع صلاة الاستسقاء)

- ‌(باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ)

- ‌ الدعاء في الاستسقاء

- ‌(باب صلاة الكسوف)

- ‌(باب القراءة في صلاة الكسوف)

- ‌(باب الصدقة فيها)

- ‌(باب العتق فيها)

- ‌(باب الصلاة عند الظلمة ونحوها)

- ‌(باب السجود عند الآيات)

- ‌(باب متى يقصر المسافر)

- ‌ المسافر لا يقصر الصلاة إلا إذا فارق بناء البلد

- ‌(باب الأذان في السفر)

- ‌(باب المسافر يصلي وهو يشك في الوقت)

- ‌(باب الجمع بين الصلاتين)

- ‌(باب قصر قراءة الصلاة في السفر)

- ‌(باب التطوع في السفر)

- ‌(باب التطوع على الراحلة والوتر)

- ‌(باب الفريضة على الراحلة من عذر)

- ‌ اقتداء المقيم بالمسافر

- ‌(باب إذا أقام بأرض العدو يقصر)

- ‌ الخوف والعدو في غير جهة القبلة

- ‌ كيفية رابعة لصلاة الخوف والعدو في غير جهة القبلة

- ‌(باب صلاة الطالب)

- ‌(باب ركعتي الفجر)

- ‌(باب في تخفيفهما)

- ‌(باب الاضطجاع بعدها)

- ‌الاضطجاع قبلهما

- ‌(باب إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتي الفجر)

- ‌(باب من فاتته متى يقضيها)

- ‌(باب الأربع قبل الظهر وبعدها)

- ‌(باب الصلاة قبل العصر)

- ‌(باب الصلاة بعد العصر)

- ‌(باب الصلاة قبل المغرب)

- ‌ استحباب التنفل قبل المغرب وغيره

- ‌(باب صلاة الضحى)

- ‌(باب صلاة النهار)

- ‌(باب صلاة التسبيح)

- ‌(باب ركعتي المغرب أين تصليان)

- ‌(باب الصلاة بعد العشاء)

- ‌(باب نسخ قيام الليل)

- ‌(باب قيام الليل)

- ‌(باب النعاس في الصلاة)

- ‌(باب من نام عن حزبه)

- ‌(باب من نوى القيام فنام)

- ‌(باب أي الليل أفضل)

- ‌(باب وَقْتِ قِيَامِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنَ اللَّيْلِ)

- ‌(باب افتتاح صلاة الليل بركعتين)

- ‌الحكمة في تخفيفهما

- ‌(باب صلاة الليل مثنى مثنى)

- ‌(باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل)

- ‌(باب في صلاة الليل)

- ‌(باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة)

- ‌(باب في قيام شهر رمضان)

- ‌(باب في ليلة القدر)

- ‌(باب من روى أنها ليلة سبع عشر

- ‌(باب من روى أنها في السبع الأواخر)

- ‌(باب من قال سبع وعشرون)

- ‌(باب من قال هي في كل رمضان)

الفصل: ‌(باب في صلاة الليل)

ابْنِ مَعْدَانَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ".

(ش)(بجير) بفتح الموحدة (بن سعد" أبو خالد الحمصي تقدم بالجزء الثاني صفحة 173

(قوله الجاهر بالقرآن الخ) أي الرفع صوته بالقرآن كالمعلن بالصدقه في أنه عرضه للرياء، وقارئه سرًا كالمتصدق خفيه في القرب من الإخلاص والسلامة من الرياء فلذا كان الإسرار بالقرآن وإخفاء الصدقه أفضل. وفي الحديث دليل على أن الإسرار بالقرآن أفضل من الجهر به وهذا في القراءة خارج الصلاة وفي صلاة الليل من يخشى رياء أو تشويشًا من الجهر. أما من لم يخش ذلك فالتوسط في حقه أفضل جمعًا بين الأحاديث "قال الطيبى" جاءت آثار بفضيلة الجهر بالقرآن وآثار بفضيلة الأسرار فالجمع بأن يقال الإسرار أفضل لمن يخاف الرياء والجهر أفضل لمن لا يخافه بشرط ألا يؤذى غيره من فصل أو نائم أو غيره وذلك لأن العمل في الجهر يتعدى نفعه إلى غيره من استماع أو تعلم أو ذوق أو كونه شعارًا للدين ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه ويطرد النوم عنه وينشط غيره للعبادة فمتى حضر شيء من هذه النيات فالجهر أفضل اهـ

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي والحاكم والبيهقي ومحمد بن نصر والترمذي وقال حديث حسن غريب، وأخرج الطبراني عن أبي أمامة نحوه وفي إسناده إسحاق بن مالك الحضرمي ضعفه الأزدي ورواه الطبراني أيضًا من وجه آخر وفيه بشر بن نمير وهو ضعيف جدًا

(باب في صلاة الليل)

صلاة الليل تطلق حقيقة على ما يصلي فيه فرضًا كان أو نفلًا إلا أنه خص في عرف الشرع بما عدا المغرب والعشاء

(ص) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى نَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيِ الْفَجْرِ فَذَلِكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً.

ص: 263

(ش)(ابن أبي عدي) محمَّد أبو عمر البصري تقدم بالثالث صفحة 10. وكذا (حنظلة) بن أبي سفيان صفحة 4

(قوله كان يصلي من الليل عشر ركعات) أي بخمس تسليمات لماتقدم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الليل مثنى مثنى ولقول عائشة في الحديث الثالث من الباب يسلم من كل ثنتين

(قوله ويوتر بسجدة) تعنى ركعة فهو من إطلاق اسم الجزء على الكل

(قوله ويسجد سجدتي الفجر) أي يركع ركعتين سنة الصبح بعد طلوع الفجر

(قوله فذلك ثلاث عشرة ركعة) أي كل ما صلاه ثلاث عشرة ركعة. والحديث من أدلة من قال يشترط في صحة الوتر أن يتقدمه شفع وهو قول مالك، ومعتمد المذهب أن ذلك شرط كمال لا شرط صحه وهو مذهب الجمهور، ومن أدلة من قال بصحة الإيتار بركعة واحدة وهو قول الجمهور وسيأتي مزيد لذلك في باب الوتر إن شاء الله تعالى

(والحديث) أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ.

(ش) هذا الحديث كالذى قبله غير أن فيه زيادة الاضطجاع علي شقه الأيمن بعد صلاة الوتر للراحة من طول القيام وتقدم بيانه في باب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي والطحاوي ومحمد بن نصر والترمذي وقال حديث حسن صحيح

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ -وَهَذَا لَفْظُهُ- قَالَا نَا الْوَلِيدُ نَا الأَوْزَاعِيُّ -وَقَالَ نَصْرٌ: عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَالأَوْزَاعِيِّ- عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى أَنْ يَنْصَدِعَ الْفَجْرُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ ثِنْتَيْنِ وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَيَمْكُثُ فِي سُجُودِهِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ

ص: 264

بِالأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ.

(ش)(قوله وهذا لفظه) يعني ما ذكره المصنف لفظ حديث نصر بن عاصم و (الوليد) بن مسلم تقدم بالثاني صفحة 51

(قوله وقال نصر الخ) أي قال نصر بن عاصم في روايته حدثنا الوليد عن ابن أبي ذئب والأوزاعي عن الزهري الخ فزاد ابن أبي ذئب. أما عبد الرحمن بن إبراهيم فقال في روايته حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي عن الزهري الخ فلم يذكر ابن أبي ذئب

(قوله يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء الخ) أي في الوقت الذي بعد فراغه من صلاة العشاء إلى أن ينشق الفجر قبل النوم أو بعده فانصداع الفجر انشقاقه وظهوره يقال صدعته صدعًا من باب نفع شققته

(قوله يسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة) هو حجة على من قال إن الوتر لا يصح إلا بثلاث

(قوله ويمكث في سجوده الخ) أي يطيل السجود بقدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية. وفي مسند أحمد من طريق محمَّد بن عباد عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول في صلاة الليل في سجوده سبحانك لا إله إلا أنت. وعنها أنه يقول في سجوده اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وغير ذلك مما تقدم في "باب الدعاء في الركوع والسجود وباب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده" وكان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يطيل السجود في قيام الليل للاجتهاد في الدعاء والتضرع إلى الله تعالى، والمبالغة في التواضع والتذلل إليه تعالى والشكر على ما أنعم به عليه. وهذا كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يطيل القيام حق تتورم قدماه فقالت له عائشة لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك فقال أفلا أكون عبدًا شكورًا

(قوله فإذا سكت المؤذن بالأولى الخ) أي فرغ من الأذان الأول لصلاة الصبح. فالباء بمعنى من كما في قوله تعالى (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ) أي منها. وتأنيث الأذان باعتبار ما فيه من المناداة، ووصف بالأول باعتبار الإقامة. وقوله من صلاة الفجر أي لصلاة الفجر فمن بمعنى اللام. وفي بعض النسخ الصحيحة فإذا سكب المؤذن بالموحدة وبدون باء الجر يعني فرغ المؤذن الأول. والسكب في الأصل صب الماء وقد يستعمل في القول. قال في النهاية فإذا سكب المؤذن بالأولى من صلاة الفجر. أرادت إذا أذن فاستعير السكب للإفاضه في الكلام كما يقال أفرغ في أذني حديثًا أي ألقى وصب

(والحديث) يدل على استحباب قيام الليل وإطالة السجود فيه ومشروعية الإيتار بركعة واحدة واستحباب التخفيف في ركعتي الفجر

ص: 265

والاضطجاع بعدهما على الشق الأيمن

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه والبيهقي بألفاظ متقاربة ومحمد بن نصر في قيام الليل

(ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ نَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُمْ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ قَالَ: وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَيَسْجُدُ سَجْدَةً قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ. وَسَاقَ مَعْنَاهُ. قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ.

(ش)(قوله أخبرهم بإسناده الخ) أي أن ابن شهاب أخبر ابن أبي ذئب وصاحبيه بإسناده السابق عن عروة عن عائشة بمعنى الحديث السابق، ولفظه عند الطحاوي من طريق عبد الله بن وهب قال أنا يونس وعمرو بن الحارث وإبن أبي ذئب عن أبي شهاب أخبرهم عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي فما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة ويسجد سجدة قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة فيخرج معه

(قوله ويسجد سجدة الخ) تعنى أنصلي الله عليه وآله وسلم كان يمكث في كل سجدة من سجدات الركعات قدر قراءة خمسمين آية كما تشعر به الرواية السابقة. ويحتمل إبقاء الحديث على ظاهره فيكون المعنى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد ما يوتر بركعة يسجد سجدة طويلة بقدر قراءة خمسين آية، ومن هذا قال البيضاوي فيه دليل علي أنه يتقرب إلى الله تعالى بسجدة فردة غير سجدة التلاوة والشكر

(قوله قال وبعضهم الخ أي قال عبد الله بن وهب وبعض مشايخي محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب وصاحبيه يزيد على بعض في هذا الحديث. وفي هذه الرواية زيادة على ما تقدم دليل على استحباب التغليس بأذان الصبح، وحكمته اتساع الوقت ليتمكن الناس من الاستعداد للصلاة. وعلى استجاب الإسفار حتى بسنة الصبح

(والحديث) أخرجه الطحاوي بلفظ تقدم ررواه البيهقي والبخاري من طريق شعيب عن الزهري

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا وُهَيْبٌ نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ

ص: 266

رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْخَمْسِ حَتَّى يَجْلِسَ فِي الآخِرَةِ فَيُسَلِّمَ.

(ش)(قوله ثلاث عشرة ركعة) أي غير ركعتي الفجر لما في الحديث بعده

(قوله يوتر منها بخمس الخ) أي يجعل من الثلاث عشرة ركعة، خمس ركعات وترًا لا يجلس للتشهد إلا في آخرها فيصلي الخمس بتشهد وسلام واحد

(وبظاهره) استدل الشافعي على أن الإيتار بخمس ركعات بتسليمة واحدة جائز قال النووي وهذا لبيان الجواز وإلا فالأفضل التسليم من كل ركعتين وهو المشهور من فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمره بالصلاة مثنى مثنى اهـ

وقال في روضة المحتاجين وله في الفصل أن يتشهد بعد كل ركعتين أو أربع مثلًا وإن لم يسلم وفي الوصل ألا يتشهد إلا قبل الأخيرة وبحدها، أو بحدها فقط وهو أولى للنهى عن تشبيه الوتر بالمغرب في وقوع ركعة بين تشهدين اهـ

ولم تأخذ الحنفية بالحديث لاضطرابه فقد أخرح الطحاوي حديث هشام بن عروة عن عروة كان يوتر بخمس سجدات ولا يجلس بينها حتى يجلس في الخامسة ثم يسلم، وحديث محمَّد بن جعفر بن الزبير عن عروة كان يجلس في خمس لا يجلس إلا في آخرهن وقال: فقد خالف ما روى هشام ومحمد بن جعفر عن عروة ما روى الزهري من قوله كان يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة ويسلم بين كل ركعتين فلما اضطرب ما روى عن عروة في هذا عن عائشة من صفة وتر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يكن فيما روى عنها في ذلك حجة ورجعنا إلى ما روى عنها غيره اهـ وهو مما أخرجه الحاكم والطحاوي من طريق زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن اهـ

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه الشيخان وأحمد والنسائي وابن ماجه ومحمد بن نصر في قيام الليل والترمذي وزاد فيه فإذا أذن المؤذن قام فصلى ركعتين خفيفتين وقال حديث حسن صحيح وقد رأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وغيرها الوتر بخمس فقالوا لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن اهـ

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ نَحْوَهُ.

(ش) أي روى نحو حديث وهيب عن هشام عبد الله بن نمير الكوفي عن هشام أيضًا.

"وهذه الرواية أخرجها مسلم" قال حدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ويوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها

ص: 267

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.

(ش)(القعنبي) عبد الله بن مسلمة

(قوله ثلاث عشرة ركعة) منها الوتر كما في الحديث السابق ومنها الركعتان الخفيفتان اللتان كان صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يفتتح بهما صلاة الليل

(قوله إذا سمع النداء الخ) أي إذا سمع أذان الصبح صلى ركعتين خفيفتين هما سنة الصبح

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مالك في الموطأ والطحاوي والطبراني

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَا نَا أَبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَكَانَ يُصَلِّي ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ يُصَلِّي -قَالَ مُسْلِمٌ: بَعْدَ الْوِتْرِ ثُمَّ اتَّفَقَا- رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ وَيُصَلِّي بَيْنَ أَذَانِ الْفَجْرِ وَالإِقَامَةِ رَكْعَتَيْنِ.

(ش)(أبان) بن يزيد العطار تقدم بالأول صفحة 119. وكذا في (يحيى) بن أبي كثير صفحة 62. وكذا (أبو سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن صفحة 23

(قوله وكان يصلي ثماني ركعات الخ) تفصيل لما أجمل قبله. والظاهر أنه كان يصلي الثمان ركعات بأربع تسلمات لحديث صلاة الليل مثنى مثنى. ويحتمل أنه صلاها بسلامين لظاهر الحديث الآتي

(قوله قال مسلم الخ) أي قال مسلم بن إبراهيم في روايته ثم يصلي "النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم" بعد الوتر ركعتين وهو قاعد. أما موسى بن إسماعيل فقال ثم يصلي ركعتين وهو قاعد. فقد انفرد مسلم بقوله بعد الوتر. وصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم هاتين الركعتين بعد الوتر لبيان جواز الصلاة بعده ومنه يعلم أن الأمر للندب في حديث اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا أخرجه الشيخان وسيأتي للمصنف في باب الوتر قبل النوم. ولم يواظب صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على هاتين الركعتين لما ثبت في الروايات الصحيحة عن عائشة وغيرها من أن آخرصلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الليل كانت وترًا، فيبعد مع هذه الأحاديث وأمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بجعل أخر صلاة الليل وترًا أن يداوم على ركعتين بعد الوتر. أما ما ذكره القاضي عياض

ص: 268

من ترجيح الأحاديث المشهورة وردّ رواية الركعتين جالسًا بعد الوتر فغير صحيح لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع بينها تعين وقد علمت الجمع

(قوله فإذا أراد أن يركع الخ) أي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في الركعتين بعد الوتر جالسًا فإذا فرغ من القراءة قام فركع

(وبظاهر الحديث) أخذ الأوزاعي وأحمد في رواية عنه فأباحا ركعتين عقب الوتر. وكره مالك وغيره التنفل بعد الوتر متصلًا به. وقالوا في حديث الباب ونحوه إن هاتين الركعتين من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم لأمره الأمة بأن يجعلوا آخر صلاة الليل وترًا. وفعله لا يعارض القول الخاص بالأمة

(والحديث) أخرجه أيضًا مسلم والنسائي

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ فَقَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً: يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي".

(ش)(قوله كيف كانت صلاة رسول الله الخ) أي كيف كانت صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ليالي رمضان وكم كان عددها بدليل إجابتها بالعدد ثم بيان الصفة. ويحتمل أن السؤال عن الصفة فقط كما هو ظاهر لفظ كيف فأجابت ببيانها. ومن لوازمه بيان العدد. ويحتمل أن السؤال عن العدد فقط فتكون كيف بمعنى كم فأجابت ببيانه ثم أتبعته ببيان الصفة. وخص السؤال عن الصلاة في رمضان لما علم من حثه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الصلاة فيه فظن أبو سلمة أنه كان يخصه بصلاة فأخبرته بأن فعله في رمضان وغيره سواء

(وقوله ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) تعني غير ركعتي الفجر فلا ينافي ما تقدم من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي ثلاث عشرة ركعة.

وأما ما رواه البيهقي وابن أبي شيبة عن ابن عباس

ص: 269

كان رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي في رمضان في غير جماعة عشرين ركعة والوتر فهو ضعيف قال البيهقي تفرد به أبو شيبة إبراهيم بن عثمان وهو ضعيف اهـ فلا يعارض حديث الباب الصحيح

(قوله يصلي أربعًا الخ) أي أربع ركعات بسلام واحد علي الظاهر ويحتمل أنه كان يصليها بتشهدين وسلامين. ويؤيده حديث صلاة الليل مثنى مثنى، وعلى هذا فلا يصلح دليلًا لما قاله أبو حنيفة من أن الأفضل في نفل الليل أن يسلم من أربع ركعات

(قوله فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) يعني أنهن في نهاية كمال الحسن والطول مستغنيات عن السؤال عنهن. ويحتمل أنها نهته عن السؤال عن ذلك لأنها لا تقدر على وصفه

(قوله ثم يصلي أربعًا الخ) عبرت بثم لاحتمال أنه كان يفصل بينها وبين الأربع التي قبلها بنوم لقولها أتنام قبل أن توتر. أولأن الأربع الثانية أقل من الأولى في الحسن والطول وإن أخذت حظها منهما

(قوله ثم يصلي ثلاثًا) أي يوتر بهن بسلام واحد "وهو دليل" لما ذهب إليه الحنفية من أن الوتر ثلاث ركعات وغيرها من صلاة الليل

(قوله أتنام قبل أن توتر الخ) الظاهر أنه كان ينام بعد الأربع الثانية قبل أن يوتر فسألته عن ذلك فأجابها بقوله إن عيني تنامان ولا ينام قلبي أي أنه لا ينام عن مراعاة الوقت. وهذا من خصائص الأنبياء. فقد روى البخاري أن الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، ولذا كان وضوءه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا ينقضه النوم لعلمه بما يكون منه، ولا يعارضه ما تقدم في حديث التعريس عن عمران بن حصين من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نام حتى طلعت الشمس لأن إدراك طلوع الشمس متعلق بالعين لا بالقلب لأنه من المحسوسات

(فقه الحديث) دل الحديث على أن صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالليل كانت متساوية لا فرق بين رمضان وغيره. وهذا لا ينافي ما تقدم من أنه كان يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين ومن أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين خفيفتين لأن ذلك محمول على بعض الأوقات ودل على أن وضوءه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا ينقض بالنوم وهذا من خصائصه

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مالك في الموطأ وأحمد البخاري ومسلم والنسائي والطحاوي والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن صحيح

(ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا هَمَّامٌ نَا قَتَادَةُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِي فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ لأَبِيعَ عَقَارًا كَانَ لِي بِهَا فَأَشْتَرِىَ بِهِ السِّلَاحَ وَأَغْزُوَ فَلَقِيتُ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: قَدْ أَرَادَ

ص: 270

نَفَرٌ مِنَّا سِتَّةٌ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ". فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ وِتْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَدُلُّكَ عَلَى أَعْلَمِ النَّاسِ بِوِتْرِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَأْتِ عَائِشَةَ. فَأَتَيْتُهَا فَاسْتَتْبَعْتُ حَكِيمَ بْنَ أَفْلَحَ فَأَبَى فَنَاشَدْتُهُ فَانْطَلَقَ مَعِي فَاسْتَأْذَنَّا عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: مَنْ هَذَا قَالَ: حَكِيمُ بْنُ أَفْلَحَ. قَالَتْ: وَمَنْ مَعَكَ قَالَ: سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ. قَالَتْ: هِشَامُ بْنُ عَامِرٍ الَّذِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتْ: نِعْمَ الْمَرْءُ كَانَ عَامِرًا. قَالَ قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَدِّثِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَإِنَّ خُلُقَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ الْقُرْآنَ. قَالَ قُلْتُ: حَدِّثِينِي عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) قَالَ قُلْتُ: بَلَى. قَالَتْ: فَإِنَّ أَوَّلَ هَذِهِ السُّورَةِ نَزَلَتْ فَقَامَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ وَحُبِسَ خَاتِمَتُهَا في السَّمَاءِ اثْنَىْ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ نَزَلَ آخِرُهَا فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ. قَالَ قُلْتُ: حَدِّثِينِي عَنْ وِتْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. قَالَتْ: كَانَ يُوتِرُ بِثَمَانِ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ إِلَاّ في الثَّامِنَةِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى لَا يَجْلِسُ إِلَاّ في الثَّامِنَةِ وَالتَّاسِعَةِ وَلَا يُسَلِّمُ إِلَاّ في التَّاسِعَةِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ فَلَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَ اللَّحْمَ أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَجْلِسْ إِلَاّ في السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ وَلَمْ يُسَلِّمْ إِلَاّ في السَّابِعَةِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ فَتِلْكَ هِىَ تِسْعُ رَكَعَاتٍ يَا بُنَيَّ وَلَمْ يَقُمْ رَسُولُ اللهِ

ص: 271

-صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً يُتِمُّهَا إِلَى الصَّبَاحِ وَلَمْ يَقْرَإِ الْقُرْآنَ في لَيْلَةٍ قَطُّ وَلَمْ يَصُمْ شَهْرًا يُتِمُّهُ غَيْرَ رَمَضَانَ وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا وَكَانَ إِذَا غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ مِنَ اللَّيْلِ بِنَوْمٍ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَحَدَّثْتُهُ. فَقَالَ: هَذَا وَاللهِ هُوَ الْحَدِيثُ وَلَوْ كُنْتُ أُكَلِّمُهَا لأَتَيْتُهَا حَتَّى أُشَافِهَهَا بِهِ مُشَافَهَةً. قَالَ قُلْتُ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ لَا تُكَلِّمُهَا مَا حَدَّثْتُكَ.

(ش)(همام) بن يحيى بن دينار تقدم بالأول صفحة 104

(قوله طلقت امرأتي) لعله فعل ذلك ليتفرغ للجهاد كما يدل عليه السياق

(قوله فأتيت المدينة) يعني من البصرة فإن أباه هشامًا كان نزيلها

(قوله لأبيع عقارًا) بفتح العين وتخلف القاف اسم للأرض ونحوها من كل ملك ثابت

(قوله أن يفعلوا ذلك) أي ما ذكر من الطلاق وبيع العقار والتفرغ للجهاد

(قوله وقال لقد كان لكم في رسول الله الخ) أي قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمن أراد ذلك لكم بي قدوة حسنة فإن من سنته النكاح مع الجهاد وقد قال من رغب عن سنتي فليس مني، فلا حدثوا سعد بن هشام بنهي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أراد أن يفعل مثل فعله راجع امرأته وأشهد على رجعتها كما في رواية مسلم. ولعل النفر الستة هم بعض العشرة الذين اجتمعوا في بيت عثمان بن مظعون بعد أن وعظ النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الناس وخوفهم، فعزموا على الترهب وهم أبو بكر وعمر وعليّ وابن مسعود وأبو ذر وسالم مولى أبي حذيفة والمقداد وسلمان الفارسي ومعقل بن مقرن وعثمان بن مظعون، فتشاوروا واتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفراش ولا يأكلوا اللحم ولا يقربوا النساء ويجبوا مذاكيرهم ويسيحوا في الأرض فبلغ ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آلم وسلم فأتى دار عثمان بن مظعون فلم يجده فلما جاء عثمان أخبرته امرأته بذلك فأتى هو وأصحابه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال ألم أخبر أنكم اتفقتم على كذا وكذا فقالوا بلى يا رسول الله وما أردنا إلا الخير فقال لم أومر بذلك إن لأنفسكم عليكم حقًا فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وآكل اللحم والدسم وآتي النساء فمن رغب عن سنتى فليس مني وفيهم نزلت (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ)

(قوله أدلك على أعلم الناس بوتر رسول الله

ص: 272

صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وفي رواية مسلم ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، قال من؟ قال عائشة فائتها فاسألها ثم ائتني فأخبرني بردها عليك. وكانت أعلم بذلك لأن الوتر صلاة ليلية تؤدي في البيت وأمهات المؤمنين أعلم بذلك. وأولاهن عائشة لشدة حرصها على حفظ آثار النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكان يخصها بما لم يخص به غيرها من نسائه فقد كان يحب المقام عندها كثيرًا وقد تنازلت لها سودة بنت زمعة عن نوبتها

(قوله فاستتبعت حكيم بن أفلح) أي طلبت منه أن يتبعني ويصحبني في الذهاب إليها. وطلب منه ذلك لمعرفة عائشة إياه دون سعد بن هشام كما يدل عليه ما يأتي

(قوله فأبى) أي امتنع حكيم من الذهاب معه إلى عائشة لأنه قد نهاها عن الكلام في شأن علي ومعاوية فأبت إلا الانضمام إلى معاوية كما في رواية مسلم وفيها فأتيت حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها فقال ما أنا بقاربها لأني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئًا فأبت إلا مضيًا

(قوله فناشدته) أي سألته مقسمًا عليه أن يذهب معي. وفي رواية مسلم فأقسمت عليه. و (حكيم بن أفلح) من التابعين حجازي. روى عن ابن مسعود وعائشة. وعنه جعفر بن عبد الله. ذكره ابن حبان في الثقات

(قوله حدثيني عن خلق رسول الله الخ) أي أخبريني عن صفات رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الطبيعية. والخلق بضم الخاء المعجمة واللام وقد تسكن في الأصل ملكة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال بسهولة فإن صدر عنها المحمود عقلًا وشرعًا فهي الخلق الحسن. وإلا فهي الخلق السيئ. والمراد به هنا ما كان عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الآداب والمكارم

(قوله ألست تقرأ القرآن) استفهام إنكاري بمعنى النفي حذف جوابه وقد صرح به في رواية مسلم بقوله قلت بلى

(قوله فإن خلق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان القرآن) مقول القول محذوف قد صرّح به في مسلم بقوله قالت فإن خلق نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان القرآن، أي أنه كان متمسكًا بآدابه وأوامره واقفًا عند حدوده معتبرًا بأمثاله وقصصه. فكان عاملًا بقول الله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) وقوله تعالى حكاية عن لقمان (أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) وقوله (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) وغير ذلك متحليًا بما حث عليه الله تعالى بنحو قوله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) وقوله (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وقوله (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) متجنبًا ما نهى الله عنه بنحو قوله (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ) الخ. وعلى الجملة فكل ما قص الله تعالى في كتابه من مكارم الأخلاق أو حث عليه أو ندب إليه كان صلى

ص: 273

الله تعالى عليه وعلى آله وسلم متخلقًا به، وكل ما نهى الله عنه كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يحوم حوله ولذا أثنى الله تعالى عليه بأعظم الثناء فقال (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)

(قوله فإن أول هذه السورة نزلت) وهو قوله (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا). وأنث الفعل في قوله نزلت مع أن الضمير راجع لأول لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه

(قوله ثم نزل آخرها) وهو قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) الآية

(قوله فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة) أي بعد أن كان فريضة كما في رواية النسائي. وظاهره أنه صار تطوعًا في حق النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو الأصح وكذا في حق الأمة بالإجماع. وأما ما حكاه القاضي عياض عن الحسن وابن سيرين من أن صلاة الليل فريضة عل كل مسلم ولو قدر حلب شاة لقوله تعالى (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) فقد تقدم أنه قول شاذ متروك لإجماع العلماء على خلافه لأن النصوص الصحيحة أنه لا واجب إلا الصلوات الخمس وتقدم بيان ذلك في باب نسخ قيام الليل

(قوله حدثيني عن وتر النبي الخ) أي عن وقته وكيفيته وعدد ركعاته

(قوله كان يوتر بثمان ركعات) هكذا في النسخ ولعل الظاهر كان يوتر بتسع ركعات كما في رواية مسلم ويدل عليه سياق الحديث

(قوله لا يجلس إلا في الثامنة والتاسعة الخ) أي لا يجلس للتشهد إلا في الركعة الثامنة ولا يسلم ويجلس في التاسعة ويسلم فيها، وهو هكذا في بعض النسخ وفي أكثر النسخ لا يجلس إلا في الثامنة ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى لا يجلس إلا في الثامنة والتاسعة. والأولى أصح وأخصر وموافقة لرواية مسلم عن عائشة، وفيها قالت كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ويقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليمًا يسمعنا

(قوله ثم يصلي ركعتين وهو جالس) أي في بعض الأوقات، وتقدم أنهما من خصائصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكان يقرأ في هاتين الركعتين بعد الفاتحة بسورة (إِذَا زُلْزِلَتِ) في الركعة الأولى و (قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ) في الثانية كما رواه أحمد والبيهقي عن أبي أمامة

(قوله فلما أسن وأخذ اللحم) أي كبر سنه وسمن. وفي رواية للنسائي فلما كبر وضعف. وكان ذلك قبل موته بنحو سنة

(قوله ولم يقم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الخ) أي لم يكن من سنته وعادته إحياء الليل كله بالطاعة بل كان يقوم وينام ولم يكن من عادته قراءة القرآن في ليلة بل كان يفرقه. ولم يكن من عادته أيضًا تتابع الصيام شهرًا كاملًا غير رمضان بل كان يصوم ويفطر. وهذا لا ينافي م اورد عن عائشة عند النسائي والترمذي من أنه كان يصوم شعبان كله وما رواه النسائي عن خباب بن الأرتّ أنه راقب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

ص: 274

في ليلة صلاها رسول الله صلى إله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلها حتى كان مع الفجر "الحديث" لأن ذلك كان في بعض الأحيان وكان يفعله تعليمًا للأمة وإرشادًا لها إلى سلوك الطريق الأيسر لئلا تملّ النفس وتسأم

(قوله وكان إذا صلى صلاة داوم عليها) أي كان من عادته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا صلى صلاة تطوع واظب عليها فلا يتركها إلا لعذر أولبيان الجواز كما في هاتين الركعتين اللتين صلاهما بعد الوتر

(قوله وكان إذا غلبته عيناه الخ) تعني أنه إذا منعه من قيام الليل غلبة نوم صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة بدلًا مما فاته من قيام الليل وظاهر اقتصاره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ثنتي عشرة ركعة في القضاء أنه كان إذا طرأ ما يفوّت عليه صلاة الليل بادر بالوتر وأخر غيره

(قوله قال فأتيت ابن عباس الخ) أي قال سعد بن هشام لما سمعت الحديث من عائشة أتيت ابن عباس فحدثته به كما طلبه أولًا فاستحسنه وقال هذا الذي أريد الوقوف عليه ولو كنت أكلمها لذهبت إليها وأخذت عنها الحديث مباشرة. وتقدم أن سبب عدم كلامه إياها انضمامها إلى معاوية في النزاع الذي كان بينه وبين عليّ وقد كان ابن عباس يرى عدم دخولها في هذا النزاع كما رأى ذلك غيره الصحابة "ولا يقال" كيف ترك ابن عباس كلامها وفي الحديث لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام رواه الشيخان عن أبي أيوب الأنصاري "لأنا نقول" ليس المنهي عنه ترك التكلم مطلقًا إنما المنهى عنه الإعراض وترك التكلم عند اللقاء كما يدل عليه قوله يلتقيان الخ وابن عباس لم يترك الكلام عند اللقاء. بل ترك القرب منها والدخول عليها كما في رواية مسلم لو كنت أقربها أو أدخل عليها لأتيتها. أو يقال إنه ترك كلامها لا لغرض نفسي بل لأمر ديني وهو أنه ظن أنها عاصية في تكلمها في الحرب التي جرت بين علي ومعاوية كما في حديث مسلم نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين فأبت فيهما إلا مضيًا. وهجر العاصي لا شك جائز

(قوله قلت لو علمت أنك لا تكلمها ما حدثتك) قاله سعد لابن عباس معاتبًا له على تركه كلامها ليرجع عن مقاطعتها ويكلمها ويحدث عنها

(فقه الحديث) دل الحديث على التنفير من الرهبانية "وهي الانقطاع للطاعة" لما فيها من مخالفة سنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم. وعلى أنه يتأكد الوقوف على ما كان عليه رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الطاعات والمكارم للتأسي به. وعلى أنه يستحب لمن سئل عن شيء ويعلم أن غيره أعلم منه به أن يرشد السائل إليه فإن الدين النصيحة. وعلى مزيد فضل عائشة واعتراف ابن عباس لها بالفضل. وعلى أنه ينبغي للإنسان أن يتأدب بآداب القرآن اقتداء بالنبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم. وعلى أن قيام الليل كان فرضًا ثم نسخ. وعلى مشروعية الإيتار بتسع ركعات وسبع بتشهدين وسلام واحد. وعلى كراهة قيام الليل كله بصلاة أو

ص: 275

قراءة. وعلي كراهة تتابع الصيام شهرًا كاملًا غير رمضان لما يترتب علي ذلك من الملل والسآمة غالبًا. وعلي استحباب المواظبة علي الأوراد وأنها إذا فاتت في الليل تقضى نهارًا

(والحديث) أخرجه أحمد ومسلم والنسائي والطحاوي ومحمد بن نصر في كتاب قيام الليل

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ قَالَ: يُصَلِّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهِنَّ إِلَاّ عِنْدَ الثَّامِنَةِ فَيَجْلِسُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ عز وجل ثُمَّ يَدْعُو ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ فَلَمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَخَذَ اللَّحْمَ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ بِمَعْنَاهُ إِلَى مُشَافَهَةً.

(ش)(سعيد) بن أبي عروبة تقدم بالأول صفحة 69

(قوله بإسناده نحوه) أي روى سعيد عن قتادة بسنده السابق وهو زرارة عن سعد بن هشام نحو الحديث السابق. ولفظ هذه الرواية كما في النسائي بسند المصنف إلى سعد بن هشام أنه لقي ابن عباس فسأله عن الوتر فقال ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال نعم قال عائشة ائتها فسلها ثم ارجع إليّ فأخبرني بردّها عليك فأتيت على حكيم بن أفلح فاستلحقته إليها فقال ما أنا بقاربها إني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئًا فأبت فيهما إلا مضيًا فأقسمت عليه فجاء معي فدخل عليها فقالت لحكيم من هذا الذي معك قلت سعد بن هشام قالت من هشام قلت ابن عامر فترحمت عليه وقالت نعم المرء كان عامرًا قال يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت أليس تقرأ القرآن قلت بلى قالت فإن خلق نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم القرآن فهممت أن أقوم فبدا لي قيام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت يا أم المؤمنين أنبئيني عن قيام نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت ألست تقرأ هذه السورة (يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) قلت بلى قالت فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأصحابه حولًا حتى انتفخت أقدامهم وأمسك الله عز وجل خاتمتها اثنى عشر شهرًا ثم أنزل الله عز وجل التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعًا بعد أن كان فريضة فهممت أن أقوم فبدا لي وتر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت يا أم المؤمنين

ص: 276

أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت كنا نعدّ له سواكه وطهوره فيبعثه الله عز وجل لما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي ثماني ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة

(قوله ثم يسلم تسليمًا يسمعنا) تقدم في رواية همام أنه كان يجلس في الثامنة ولا يسلم فقد خالف سعيد همامًا في ذكر السلام بعد الثامنة. والظاهر أن رواية سعيد وقع فيها وهم بذكر ركعة الوتر بعد الركعتين اللتين صلاهما النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جالسًا والصواب ذكرها بعد الجلوس في الثامنة ثم ذكر السلام بعد التاسعة

(قوله يصلي ركعتين وهو جالس الخ) هذه الرواية تخالف الرواية السابقة وسائر الروايات الواردة في صلاة الليل لأن هذه الرواية أفادت أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي ركعتين وهو جالس ثم يصلي ركعة الوتر بعد الركعتين الخفيفتين. والرواية السابقة وغيرها دلت عل أنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما سلم على رأس التسع وأن الركعتين صلاهما جالسًا بعد الوتر. وهذه هي الصواب لموافقتها سائر الروايات. أما رواية سعيد عن قتادة فقد قال النسائي بعد أن ساقها كذا وقع في كتابي ولا أدري ممن الخطأ في موضع وتره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(قوله بمعناه إلى مشافهة) أي حدثنا سعيد عن قتادة بباقي معنى الحديث السابق إلى قوله حتى تشافهني مشافهة أي لم يذكر هنا قول سعد لو علمت أنك لا تكلمها ما حدثتك. ولفظه عند النسائي فلما أسن وأخذ اللحم أوتر بسبع وصلى ركعتين وهو جالس بعد ما سلم فتلك تسع ركعات يا بني وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم أو مرض أو وجع صلى من النهار اثنتى عشرة ركعة ولا أعلم أن نبي الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ القرآن كله في ليلة وقام ليلة كاملة حتى الصباح ولا صام شهرًا كاملًا غير رمضان فأتيت ابن عباس فحدثته بحديثها فقال صدقت أما إني لو كنت أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني مشافهة

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ نَا سَعِيدٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا كَمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ.

(ش) أي حدث عثمان بن أبي شيبة عن محمَّد بن بشر بسنده بنحو الحديث السابق عن همام عن قتادة إلا أن محمَّد بن بشر قال في روايته عن سعيد يسلم تسليمًا يسمعنا كما قال يحيى "وهذه الرواية" أخرجها مسلم قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمَّد بن بشر ثنا سعيد بن أبي عروبة ثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام أنه قال انطلقت إلى عبد الله بن عباس فسألته عن الوتر وساق الحديث بقصته وقال فيه قالت من هشام قلت ابن عامر قالت نعم المرء

ص: 277

كان عامرًا أصيب يوم أحد. وأخرجها أيضًا ابن ماجه

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ بِنَحْوِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ إِلَاّ أَنَّهُ قَالَ: وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً يُسْمِعُنَا.

(ش)(قوله عن سعيد بهذا الحديث الخ) أي حديث همام عن قتادة غير أن سعيدًا قال في روايته عن قتادة ويسلم تسليمة بدل تسليمًا. وفي نسخة يسلم تسليمًا "وهذه الرواية أخرجها" مسلم والبيهقي ومحمد بن نصر

"والحاصل" أن المصنف روى هذا الحديث عن قتادة من أربع طرق الأول طريق همام. والثلاثة الباقية من طريق سعيد بن أبي عروبة. وكذا رواه مسلم والنسائي مختصرًا ومطولًا من عدة طرق وليس في رواية مسلم وأكثر روايات النسائي الخطأ في محل وتره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المتقدم بيانه في حديث محمَّد بن بشار عن يحيى بن سعيد

(ص) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ الدِّرْهَمِيُّ نَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ نَا زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى: أَنَّ عَائِشَةَ سُئِلَتْ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ فَيَرْكَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ يَأْوِى إِلَى فِرَاشِهِ وَيَنَامُ وَطَهُورُهُ مُغَطًّى عِنْدَ رَأْسِهِ وَسِوَاكُهُ مَوْضُوعٌ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ سَاعَتَهُ الَّتِى يَبْعَثُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَتَسَوَّكُ وَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُومُ إِلَى مُصَلَاّهُ فَيُصَلِّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِيهِنَّ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَمَا شَاءَ اللَّهُ وَلَا يَقْعُدُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى يَقْعُدَ فِي الثَّامِنَةِ وَلَا يُسَلِّمُ وَيَقْرَأُ فِي التَّاسِعَةِ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَدْعُو بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَهُ وَيَسْأَلُهُ وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً شَدِيدَةً يَكَادُ يُوقِظُ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ شِدَّةِ تَسْلِيمِهِ ثُمَّ يَقْرَأُ وَهُوَ قَاعِدٌ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَيَرْكَعُ وَهُوَ قَاعِدٌ ثُمَّ يَقْرَأُ الثَّانِيَةَ فَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَهُوَ قَاعِدٌ ثُمَّ يَدْعُو مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيَنْصَرِفُ فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ

ص: 278

صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدُنَ فَنَقَصَ مِنَ التِّسْعِ ثِنْتَيْنِ فَجَعَلَهَا إِلَى السِّتِّ وَالسَّبْعِ وَرَكْعَتَيْهِ وَهُوَ قَاعِدٌ حَتَّى قُبِضَ عَلَى ذَلِكَ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

(ش)(ابن أبي عديّ) محمَّد أبو عمرو البصري تقدم بالثالث صفحة 10

(قوله سئلت عن صلاة رسول الله) لعل السائل سعد بن هشام كما في الروايات السابقة وكما في رواية النسائي عنه قال قدمت المدينة فدخلت على عائشة قالت من أنت قلت أنا سعد بن هشام بن عامر قالت رحم الله أباك قلت أخبريني عن صلاة رسول الله الخ

(قوله فيركع أربع ركعات) لعلها راتبة العشاء

(قوله وطهوره) بفتح الطاء أي ما يتطهر به

(قوله حتى يبعثه الله الخ) أي يوقظه الله في الوقت الذي شاء أن يوقظه فيه من ساعات الليل

(قوله يقرأ فيهن الخ) أي يقرأ في كل ركعة منهن بأم القرآن وسورة وما شاء الله أن يقرأه من القرآن. وكان ركوعه وسجوده وقيامه سواء كما في الرواية بعد وكما في رواية للنسائي عن عائشة قالت فيصلي ثماني ركعات يخيل إلى أنه يسوّى بينهن في القراءة والركوع والسجود

(قوله ولا يقعد في شيء منها الخ) أي لا يجلس للتشهد في شيء من الركعات حتى يجلس بعد الثامنة فيتشهد ولا يسلم

(قوله ويرغب إليه) يعني يرجوه طامعًا فيما عنده تعالى

(قوله ثم يقرأ وهو قاعد) أي بعد الإحرام بالركعتين اللتين بعد الوتر

(قوله فلم تزل تلك صلاته الخ) أي لم تزل هذه كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم حتى عظم بدنه وكثر لحمه. فبدن بتخفيف الدال وضمها من بابي قعد وضخم ويروى بدّن بتشديد الدال وفتحها أي كبر سنه وفي حديث عائشة السابق ما يؤيد كلا وهو قولها فلما أسن وأخذ اللحم. ولا وجه لمن أنكر الأول وصوّب الثاني مدعيًا أن كثرة اللحم لم تكن من صفته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقد جاء في صفته بادن متماسك أي عظيم البدن. وفي النهاية البادن الضخم

(قوله فنقص من التسع ثنتين الخ) أي نقص من التسع ركعات ركعتين فصيرها إلى الست والسبع وكان يصلي ست ركعات بتشهد بعد السادسة ولا يسلم ثم يصلي السابعة ويتشهد ويسلم

(قوله وركعتيه) عطف على المجرور قبله أي صيرها إلى الست والسبع والركعتين اللتين كان يصليهما بعد الوتر

(فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية إعداد معدّات العبادة قبل وقتها والاهتمام بشأنها. وعلى مشروعية التسوك عند القيام من النوم. وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يوتر بتسع ركعات قبل أن يكبر فلما أسن أوتر بسبع. وعلى مشروعية صلاة أكثر من ركعتين بلا تشهد في أثنائها. وعلى جواز الجلوس في النفل مع القدرة على القيام

ص: 279

(ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: يُصَلِّي الْعِشَاءَ ثُمَّ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ لَمْ يَذْكُرِ الأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ قَالَ فِيهِ: فَيُصَلِّي ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ يُسَوِّى بَيْنَهُنَّ فِي الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ إِلَاّ فِي الثَّامِنَةِ فَإِنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ وَلَا يُسَلِّمُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً يُوتِرُ بِهَا ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ حَتَّى يُوقِظَنَا ثُمَّ سَاقَ مَعْنَاهُ.

(ش)(قوله فذكر هذا الحديث بإسناده الخ) أي ذكر يزيد بن هارون عن بهز بن حكيم الحديث السابق بإسناده عن زرارة غير أنه لم يذكر في هذه الرواية الأربع ركعات بعد العشاء وذكر فيها أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم كان يسوي بين الثمان ركعات في القراءة والركوع والسجود وأنه لم يكن يجلس في شيء منهن إلا في الثامنة وأنه كان يرفع صوته بالسلام حتى يوقظ أهله

(ص) حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ نَا مَرْوَانُ -يَعْنِي ابْنَ مُعَاوِيَةَ- عَنْ بَهْزٍ نَا زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ فَيُصَلِّي أَرْبَعًا ثُمَّ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ: يُسَوِّى بَيْنَهُنَّ فِي الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّسْلِيمِ: حَتَّى يُوقِظَنَا.

(ش)(قوله ثم ساق الحديث بطوله الخ) أي ساق مروان بن معاوية الحديث السابق غير أنه لم يذكر في هذه الرواية التسوية بين الركعات في القراءة والركوع والسجود ولم يذكر قولها في السلام من الوتر حتى يوقظنا

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ -يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ- عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَيْسَ فِي تَمَامِ حَدِيثِهِمْ.

ص: 280

(ش)(قوله وليس في تمام حديثهم) بتنوين تمام ورفع حديث وفي زائدة أي ليس حديث ابن أبي عدي ويزيد بن هارون ومروان بن معاوية تامًا من جهة الإسناد لحذفهم الواسطة بين زرارة بن أوفى وعائشة وهو سعد بن هشام بخلاف حديث حماد بن سلمة فإنه تام لذكره الواسطة ولذا قال المنذري رواية زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة هي المحفوظة.

وفي سماع زرارة من عائشة نظر. قال أبو حاتم الرازي قد سمع زرارة من عمران بن حصين ومن أبي هريرة ومن ابن عباس. قيل له ومن أيضًا قال هذا ما صح لي. وظاهره أنه لم يسمع عنده من عائشة اهـ بتصرف. وقال الحافظ. والمحفوظ أن بين زرارة وعائشة سعد بن هشام اهـ

(والحاصل) أن المصنف روى حديث عائشة عن بهز بن حكيم من أربع طرق. طريق ابن أبي عدي وطريق يزيد بن هارون. وطريق مروان بن معاوية. وطريق حماد بن سلمة وهو أتمها. "وذكر في البذل" ما يفيد أن لفظ تمام مضاف إلى حديث ويكون المعنى عليه أي ليس حديث حماد بن سلمة مساويًا لحديث ابن أبي عدي ويزيد بن هارون ومروان بن معاوية "ولا وجه له"

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى -يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ- نَا حَمَّادٌ -يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ بِسَبْعٍ أَوْ كَمَا قَالَتْ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ وَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ.

(ش)(قوله يوتر بتسع الخ) بتقديم التاء على السين. والظاهر أنه كان يصليها بتشهد في الثامنة والتاسعة بسلام واحد كما تدل عليه الروايات السابقة. ويحتمل أنه كان يسلم من كل ركعتين كما في حديث صلاة الليل مثنى مثنى. وفي بعض النسخ يوتر بسبع بتقديم السين على الموحدة فيكون من الثلاث عشرة ركعة الركعتان الخفيفتان اللتان كان يبدأ بهما صلاة الليل ولذا قال الراوي عن عائشة أو كما قالت

(والحديث) أخرجه البيهقي

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُوتِرُ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ الْوِتْرِ يَقْرَأُ فِيهِمَا

ص: 281

فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ

(ش)(حماد) بن سلمة تقدم بصفحة 26 من الأول

(قوله كان يوتر بتسع الخ) أي قبل أن يسنّ فلما أسنّ أوتر بسبع كما تقدم

(قوله فإذا أراد أن يركع قام فركع الخ) أي إذا أراد الركوع بعد أن قرأ في الركعتين قاعدًا قام فركع وسجد وهو قائم. وهذا في بعض الأحيان فقد تقدم أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ قاعدًا ركع وسجد وهو قاعد

(والحديث) أخرجه البيهقي

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو مِثْلَهُ قَالَ فِيهِ قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ: يَا أُمَّتَاهُ كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ.

(ش) أي روى حديثي أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف وعلقمة بن وقاص خالد ابن عبد الله الطحان الواسطي عن محمَّد بن عمرو بن علقمة مثل رواية حماد عنه لكن قال خالد في حديثه قال علقمة بن وقاص يا أمي كيف كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي الركعتين بعد الوتر فقالت كان يصليهما وهو جالس للقراءة فإذا أراد الركوع قام فركع ثم سجد. وفي نسخة روى هذين الحديثين. وقوله يا أمتاه بضم الهمزة وفتح الميم مشددة.

والمثناة الفوقية بدل عن ياء المتكلم والألف زائدة كالألف التي تلحق آخر المنادى المستغاث أو المندوب والهاء للسكت. وفي بعض النسخ يا أمة. وقد وصل هذا التعليق المصنف بقوله حدثنا وهب بن بقية عن خالد كما سيأتي بيانه بعد

(ص) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ. ح وحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الأَعْلَى نَا هِشَامٌ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ: أَخْبِرِينِي عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-. قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْعِشَاءِ ثُمَّ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ فَيَنَامُ فَإِذَا كَانَ جَوْفُ اللَّيْلِ قَامَ إِلَى حَاجَتِهِ وَإِلَى طَهُورِهِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهُ يُسَوِّى بَيْنَهُنَّ فِي الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ثُمَّ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ

ص: 282

يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ يَضَعُ جَنْبَهُ فَرُبَّمَا جَاءَ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ يُغْفِى وَرُبَّمَا شَكَكْتُ أَغَفَى أَوْ لَا حَتَّى يُؤْذِنَهُ بِالصَّلَاةِ فَكَانَتْ تِلْكَ صَلَاتَهُ حَتَّى أَسَنَّ وَلَحُمَ فَذَكَرَتْ مِنْ لَحْمِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ.

(ش)(قوله حدثنا وهب بن بقية عن خالد ح ونا ابن المثنى الخ) هكذا في جميع النسخ الموجودة. وفي النسخة الخطية حدثنا وهب بن بقية عن خالد ثم ابتدأ سندًا آخر فقال حدثنا ابن المثنى وليس في متنها علامة التحويل ولا ونا. بل كتبها بعض النساخ فيها على هامشها فصحفه بعض النساخ فجعلها متنًا.

وكأن "المصنف" لما قال في الحديث السابق روى الحديثين خالد بن عبد الله الواسطي وصله بقوله حدثنا وهب بن بقية عن خالد وتم كلامه ثم أنشأ حديثًا آخر فقال حدثنا ابن المثنى.

ويؤيد هذا صنيع البيهقي سننه الكبرى فإنه قال بعد ما أخرج الحديثين من طريق حماد عن محمَّد بن عمرو روى الحديثين خالد بن عبد الله الخ ثم قال حدثناه وهب بن بقية عن خالد اهـ

فقوله حدثناه وهب بن بقية بالضمير يوضح أنه وصل للتعليق السابق. و (عبد الأعلى) ابن عبد الأعلى تقدم بصفحة 69 من الأول. وكذا (هشام) بن حسان صفحة 243

(قوله قام إلى حاجته) من بول ونحوه

(قوله فتوضأ الخ) وفي نسخة فيتوضأ ثم دخل المسجد. والمراد دخل من الصلاة في البيت لا المسجد الجامع

(قوله يخيل إليّ الخ) بضم المثناة التحتية مبنيًا للمفعول أي يغلب على ظني أنه كان يسوي بين الركعات في القراءة والركوع والسجود

(قوله ثم يغفي) بضم الياء أي ينام نومًا خفيفًا يقال أغفيت إغفاء أي نمت نومًا خفيفًا

(قوله وربما شككت أغفى أولا) المراد أنها كانت تجزم أحيانًا بأن بلالًا يؤذنه قبل النوم وأحيانًا تشك في نومه قبل الإعلام ففي رواية النسائي ثم يضع جنبه وربما جاء بلال فآذنه بالصلاة قبل أن يغفي وربما أغفى وربما شككت أغفي أم لا

(قوله حتى أسن أولحم) وفي نسخة حتى سن بدون همز. والأولى هي المشهورة لغة. ولحم وزان كرم أي كثر لحمه يقال لحم الرجل فهو لحيم إذا كان كثير اللحم أما لحم بكسر الحاء فمعناه اشتهى اللحم وألحمه بفتح الحاء أطعمه اللحم. والأول هو المراد هنا

(قوله وساق الحديث) أي ذكر سعد بن هشام بقية الحديث عن عائشة وهي قصة صلاة الليل بعد ما أسن ولحم من نقص الركعتين منها.

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن عبد الأعلى

هذا وفي بعض النسخ زيادة "حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة" وذكر حديثها المتقدم خامس حديث في الباب ثم ذكر بعده "قال أبو داود إنما كررت هذا

ص: 283

الحديث لأنهم اضطربوا فيه" ثم قال أبو داود أصحابنا لا يرون الركعتين بعد الوتر. قيل وجه الاضطراب فيه أنه رواه وهيب وابن نمير عن هشام وفيه أنه كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بخمس ولا يجلس في شيء من الخمس.

ورواه مالك وجماعة عن هشام وليس فيه الإيتار بخمس اهـ وفيه نظر فإن هذا لا يعد اضطرابًا لأنه لا مخالفة بين ما رواه مالك وغيره عن هشام إلا بالاجمال والتفصيل. فحديث مالك مجمل. وفي حديث وهيب تفصيل وزيادة من ثقة ولذا لم يحكم أحد بضعفه بل قال القسطلاني في المواهب قد صح عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرهن. لكن أحاديث الفصل أكثر وأثبت طرقًا فالأوجه ما في أكثر النسخ من عدم ذكر هذه الرواية هنا. وحديث الإيتار بخمس أخرجه الحاكم من طريق همام عن هشام بن عروة وقال صحيح على شرط الشيخين

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى نَا هُشَيْمٌ أَنَا حُصَيْنٌ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ح وَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ رَقَدَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَرَآهُ اسْتَيْقَظَ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ وَهُوَ يَقُولُ: (إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ ثُمَّ إِنَّهُ انْصَرَفَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِسِتِّ رَكَعَاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يَسْتَاكُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيَقْرَأُ هَؤُلَاءِ الآيَاتِ ثُمَّ أَوْتَرَ -قَالَ عُثْمَانُ: بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَأَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ- وَقَالَ ابْنُ عِيسَى: ثُمَّ أَوْتَرَ فَأَتَاهُ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ - ثُمَّ اتَّفَقَا - وَهُوَ يَقُولُ: "اللهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُورًا وَاجْعَلْ في لِسَانِي نُورًا وَاجْعَلْ في سَمْعِى نُورًا وَاجْعَلْ في بَصَرِى نُورًا وَاجْعَلْ خَلْفِى نُورًا وَأَمَامِى نُورًا وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِى نُورًا وَمِنْ تَحْتِى نُورًا اللهُمَّ وَأَعْظِمْ لِي نُورًا".

ص: 284

(ش)(هشيم) بن بشيرتقدم بالأول صفحة 201. وكذا (حصين) بن عبد الرحمن صفحة 199

(قوله رقد عند النبي الخ) يعني بات عنده وكان ذلك عند خالته ميمونة كما صرح به في رواية مسلم وفيها قال فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأهله في طولها

(قوله فرآه استيقظ) أي انتبه من نومه. وكان ذلك قبل نصف الليل أو بعده بقليل. ففي رواية مالك ورواية لمسلم فنام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ

(قوله وتوضأ وهو يقول الخ) أي أراد الوضوء حالة كونه قائلًا هذه الآيات. لما في رواية مالك ومسلم استيقظ رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ثم قام إلى شنّ معلق فتوضأ منه

(قوله إن في خلق السموات والأرض الخ) أي في إيجاد السموات والأرض وما فيهما دلائل لأولي العقول السليمة على وحدانية الله عز وجل. وقرأ هذه الآيات لما فيها من دلائل التوحيد والثناء على قوّام الليل والتنفير من المعاصي والترغيب في الطاعات التي يترتب عليها الإكرام في دار النعيم وغير ذلك

(قوله ثم قام فصلى ركعتين الخ) يعني بعد أن صلى الركعتين الخفيفتين اللتين كان يفتتح بهما صلاة الليل. وبهذا تتفق هذه الرواية مع الروايات الآتية في عدد الركعات ثلاث عشرة ركعة. ويحتمل تعدد الواقعة

(قوله ست ركعات) بالنصب بدل من ثلاث. ويجوز الرفع على أنه خبر لمبتدإ محذوف أي وهذه ست ركعات

(قوله كل ذلك يستاك الخ) أي في كل مرة من الثلاث يستاك. وقولها بثلاث ركعات متعلق بأوتر. وهذا وقوله فأتاه المؤذن فخرج إلى الصلاة انفرد به عثمان بن أبي شيبة. وقال محمَّد بن عيسى في روايته ثم أوتر فأتاه بلال إلى قوله ثم خرج إلى الصلاة، وغرض المصنف بهذا بيان الفرق بين لفظي شيخيه بأن عثمان ذكر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أوتر بثلاث ركعات ولم يذكر أنه صلى سنة الفجر، وأن محمَّد بن عيسى ذكر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى سنة الفجر ولم يذكر عدد ركعات الوتر وصرح باسم المؤذن وبإعلامه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالصلاة حين طلع الفجر

(قوله ثم اتفقا الخ) أي اتفق عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن عيسى على قوله خرج إلى الصلاة وهو يقول اللهم اجعل في قلبي نورًا الخ. والتنوين للتعظيم أي نورًا عظيمًا. والنور في الأصل ما يتبين به الشيء حسيًا كان أو معنويًا والمراد به هنا ضياء الحق وبيانه. قال في النهاية كأنه قال اللهم استعمل هذه الأعضاء مني في الحق واجعل تصرّفي وتقلبي فيها على سبيل الثواب والخير اهـ

وقيل المراد به العلم والهداية فقد سأل العلم والهداية لقلبه وجميع أعضائه وتصرفاته وجملته في جهاته الست حتى لا يزيغ شيء منها عن الهداية. فالمراد بطلب النور لما ذكر من الأعضاء أن يتحلى كل عضو منها بأنوار المعرفة والهداية ويتخلى عن ظلمة الجهالة والضلالة فإن ظلمات

ص: 285

النفس والجبلة محيطة بالإنسان والشيطان يأتيه من الجهات الست بالوساوس والشبهات التي كالظلمات فرفع كل ظلمة بنور يستأصل تلك الظلمة. والحكمة في تخصيص القلب واللسان والسمع والبصر بقي أن القلب مقر الفكر، واللسان معبر عما في القلب، ومنشأ الثناء والشكر على النعم. والسمع محل آيات الله تعالى المنزلة على أنبيائه. والبصر محل النظر في آيات الله الدالة على قدرته وألوهيته. والحكمة في تجريد خلف وأمام من من الجارة الإشارة إلى تمام الإنارة وإحاطتها

(قوله اللهم وأعظم لي نورًا) أي أسألك ما تقدم وأن تعطينى نورًا عظيمًا. وهو إجمال لما سبق تفصيله. وفي رواية مسلم من طريق واصل بن عبد الأعلى عن محمَّد بن فضيل بسند المصنف اللهم أعطني نورًا

(فقه الحديث) دلّ الحديث علي استحباب التسوك عند القيام من النوم وقراءة الآيات العشر إن في خلق السموات والأرض إلى آخر سورة آل عمران، وعلى جواز النوم قبل صلاة الليل وعلى مشروعية الإيتار بثلاث ركعات، وعلى استحباب الدعاء عقب صلاة الليل بقوله اللهم اجعل في قلبي نورًا الخ

(والحديث) أخرجه مسلم والنسائي

(ص) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ حُصَيْنٍ نَحْوَهُ قَالَ: "وَأَعْظِمْ لِي نُورًا".

(ش) أي حدثنا وهب عن خالد بن عبد الله الطحان الواسطي عن حصين بن عباس الرحمن نحو الحديث السابق غير أنه قال في روايته وأعظم لي نورًا بإسقاط لفظ اللهم "وهذه الراوية" أخرجها محمَّد بن نصر وفيها اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي لساني نورًا واجعل في بصري نورًا واجعل أمامي نورًا وخلفي نورًا واجعل عن يميني نورًا وعن شمالي نورًا واجعل فوقي نورًا وتحتي نورًا اللهم اجعلنى نورًا

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ عَنْ حَبِيبٍ فِي هَذَا

(ش) أي قال يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد عن حبيب بن أبي ثابت في هذا الحديث وأعظم لي نورًا كما قال خالد عن حصين

(ص) وَكَذَلِكَ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي رِشْدِينَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

(ش) أي قال سلمة عن كريب أبي رشدين "بكسر فسكون فكسر" مولى ابن عباس عنه في هذا الحديث وأعظم لي نورًا كما قال أبو خالد الدالاني. وفي بعض النسخ وكذلك قال في هذا الحديث وقال سلمة بتكرار قال. ولعله تصحيف من النساخ. وعلى فرض صحتها فتكون قال

ص: 286

الثانية للتأكيد والواو زائدة "وهذه الروايه أخرجها مسلم" قال حدثني أو الطاهر ثنا ابن وهب عن عبد الرحمن بن سلمان الحجري عن عقيل بن خالد أن سلمة بن كهيل حدثه أن كريبًا حدثه أن ابن عباس بات ليلة عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى القربة فسكب منها فتوضأ ولم يكثر من الماء ولم يقصر في الوضوء وساق الحديث وفيه قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم اللهم اجعل لي في قلبي، نورًا وفي لساني نورًا وفي سمعي نورًا وفي بصري نورًا ومن فوقي نورًا ومن تحتي نورًا. عن يميني نورًا وعن شمالي نورًا ومن بين يدي نورًا ومن خلفي نورًا واجعل في نفسي نورًا وأعظم لي نورًا. هذا وغرض المصنف بذكر هذه التعاليق تقوية ما وقع في حديث محمَّد بن عيسى وعثمان بن أبي شيبة بلفظ وأعظم لي نورًا فقد قواه برواية وهب بن بقية عن خالد عن حصين ثم بمتابعة أبي خالد الدالاني عن حبيب بن أبي ثابت ثم بحديث سلمة ابن كهيل عن أبي رشدين غير أن هذه الثلاثة ليس فيها لفظ اللهم "وعلى الجملة" فقد وقع الاختلاف في هذا اللفظ. ففي رواية مسلم من طريق واصل السابقة اللهم أعطني نورًا.

ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان عن سلمة بن كهيل وعظم لي نورًا من باب التفعيل ومن طريق سعيد بن مسروق وعقيل بن خالد عن سلمة بن كهيل وأعظم لي نورًا من باب الإفعال. وهي ما رجحها المصنف بما تقدم وفي رواية الترمذي من طريق ابن أبي ليلى عن داود بن على عن أبيه عن جده ابن عباس اللهم أعظم لي نورًا وأعطني نورًا

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نَا أَبُو عَاصِمٍ نَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لأَنْظُرَ كَيْفَ يُصَلِّي فَقَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قِيَامُهُ مِثْلُ رُكُوعِهِ وَرُكُوعُهُ مِثْلُ سُجُودِهِ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ ثُمَّ قَرَأَ بِخَمْسِ آيَاتٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) فَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ هَذَا حَتَّى صَلَّى عَشْرَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى سَجْدَةً وَاحِدَةً فَأَوْتَرَ بِهَا وَنَادَى الْمُنَادِى عِنْدَ ذَلِكَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ مَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ فَصَلَّى سَجْدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ

ص: 287

ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: خَفِىَ عَلَيَّ مِنِ ابْنِ بَشَّارٍ بَعْضُهُ.

(ش)(أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل تقدم بالأول صفحة 131

(قوله قيامه مثل ركوعه الخ) يعني أنه سوّى في الطول بين القيام والركوع والسجود

(قوله واستن) أي تسوك.

وفي نسخة واستنثر على وزن استفعل من نثر ينثر بالكسر إذا امتخط. وفي النهاية واستنثر أي استنشق الماء ثم استخرج ما في الأنف فينثره اهـ

(قوله ثم قرأ بخمس آيات الخ) الباء زائدة. وفي بعض النسخ الصحيحة ثم قرأ من آل عمران بدون قوله بخمس آيات وهي الموافقة للحديث السابق ونحوه من الأحاديث الكثيرة الصريحة في أنه قرأ عشر آيات من قوله تعالى إن في خلق السموات الخ السورة. وعلى فرض صحة النسخة الأولى فتحمل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يقتصر في بعض الأوقات على خمس آيات

(قوله فلم يزل يفعل هذا الخ) أي استمر ينام فيستيقظ ويتوضأ ويقرأ الآيات المذكورة ويصلي ركعتين يسوى فهما بين القيام والركوع والسجود حتى تمت صلاته عشر ركعات

(قوله فصلى سجدة واحدة الخ) يعني صلى ركعة واحدة أوتر بها ما صلى وأذن المؤذن عند فراغه من الوتر فقام صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم فصلى ركعتين خفيفتين سنة الصبح وجلس بعدهما ولم يضطجع حتى صلى الصبح. فالمراد بالسجدتين سنة الصبح

(قوله خفي عليّ الخ) أي لم أتمكن من سماع بعض الحديث من محمَّد بن بشار فاقتصرت على ذكر ما سمعت

(فقة الحديث) دل الحديث على حرص ابن عباس رضي الله عنهما على معرفة ما كان عليه النبي صلى الله وتعالى عليه وعلي آله وسلم من قيام الليل ليقتدى به. وعلي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يسلم في صلاة الليل من كل ثنتين. وبه استدل من جوّز الإيتار بركعة واحدة. وفيه دليل على إباحة ترك الاضطجاع بعد الوتر وبعد سنة الصبح

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه محمَّد بن نصر عن الفضل بن عباس قال بت ليلة عند النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم انظر كيف يصلي فقام إلى قربة معلقة فتوضأ ثم صلى ركعتين ركعتين حتى صلى عشر ركعات ثم سلم ثم قام فصلى سجدة فأوتر بها ونادى المنادى عند ذلك. قال محمَّد بن نصر فجعل "يعني كريبًا مولى ابن عباس" هذه الرواية عن الفضل بن عباس والناس إنما رووا هذا الحديث عن عبد الله بن عباس وهو المحفوظ عندنا اهـ

ورواه مسلم وغيره بذكر ابن عباس. وهو عند الإطلاق ينصرف إلى عبد الله. ولم يذكر رواية كريب عن الفضل إلا المصنف ومحمد بن نصر وعلى فرض صحتها فيحمل على أن القصة وقعت لكل منهما

ص: 288

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ نَا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ الأَسَدِيُّ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ مَا أَمْسَى فَقَالَ: "أَصَلَّى الْغُلَامُ". قَالُوا: نَعَمْ. فَاضْطَجَعَ حَتَّى إِذَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ قَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى سَبْعًا أَوْ خَمْسًا أَوْتَرَ بِهِنَّ لَمْ يُسَلِّمْ إِلَاّ فِي آخِرِهِنَّ.

(ش)(رجال الحديث)(محمَّد بن قيس) أبو نصر وقيل أبو الحكم. روى عن الشعبي وأبي عون الثقفي وحميد الطويل والحكم بن عتيبة وعطاء بن السائب وغيرهم. وعنه الثوري وشعبة وعلي بن مسهر ووكيع وأبو نعيم وآخرون. قال أحمد ثقة لا يشك فيه ووثقه ابن معين وعلي بن المديني والنسائي وقال أبو حاتم لا بأس به صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من المتقين وقال ابن عدي لا بأس به. روى له مسلم وأبو داود والنسائي

(معنى الحديث)

(قوله بعد ما أمسى) أي دخل في المساء دخولًا بينًا

(قوله صلى سبعًا أو خمسًا الخ) الشك من ابن عباس أو من راو قبله. وفي هذا دليل كما تقدم على جواز نوم الرجل مع امرأته من غير مواقعة بحضرة بعض محارمها وإن كان مميزًا. وعلى مشروعية الإيتار بسبع ركعات أو خمس بسلام واحد

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه محمَّد بن نصر مختصرًا ولفظه عن ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أوتر بخمس وبسبع ليس يينهن سلام

(ص) حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى نَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ فَصَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الْعِشَاءَ ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى أَرْبَعًا ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَدَارَنِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَصَلَّى خَمْسًا ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ -أَوْ خَطِيطَهُ- ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْغَدَاةَ.

ص: 289

(ش)(ابن أبي عدي) هو محمَّد تقدم بصفحة 10 من الثالث. و (شعبة) بن الحجاج تقدم بالأول صفحة 32. (الحكم) بن عتيبة تقدم بصفحة 125 من الثاني

(قوله فصلى أربعًا الخ) قال الحافظ في الفتح قد حمل محمَّد بن نصر هذه الأربعة على أنها سنة العشاء لكونها وقعت قبل النوم. لكن يعكر عليه ما رواه هو من طريق المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله ابن عباس وفيه فصلى العشاء ثم صلى أربع ركعات بعدها حتى لم يبق في المسجد غيره ثم انصرف فإنه يقتضي أنه صلى الأربعة في المسجد لا في البيت اهـ

وقد يقال إن هذا لا يعكر على حملها على سنه العشاء لاحتمال تعدد الواقعة وأن رؤية ابن عباس الأربع التي صلاها في المسجد كانت في ليلة غير الليلة التي نام فيها عند خالته ميمونة. ويحتمل أن يراد بالأربع أربع شفعات أي ثمان ركعات فتكون من قيام الليل

(قوله فصلى خمسًا الخ) أوتر بهن بتشهد وسلام واحد كما تدل عليه الرواية الآتية ومقتضى هذه الرواية أنه اقتصرعلي الخمس بعد النوم. ومقتضى الرواية السابقة أنه اقتصر على خمس أوسبع، وهو مشكل فإن أكثر الروايات على أن صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالليل إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة. ويمكن دفع الإشكال بأن الرواية السابقة عن الحكم ابن عتيبة عن سعيد وقع فيها اختصار لما رواه النسائي من طريق يحيى بن عباد عن سعيد بن جبير فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثمان ركعات ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن. وهو الحديث الآتي للمصنف. ويوافقه ما في هذا الحديث "حديث شعبة عن الحكم" أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى العشاء ثم جاء فصلى أربعًا ثم نام ثم قام يصلي فصلى خمسًا إن أريد من قوله فصلى أربعًا أربع شفعات أي ثمان ركعات. وبضمها إلى الخمس تكون ثلاث عشرة ركعة وقوله سمعت غطيطه أو خطيطه بالشك فيهما.

والخطيط بفتح الغين المعجمة وكسر الطاء المهملة الصوت الذي يخرج مع نفس النائم. والخطيط بالخاء المعجمة كالغطيط وزنًا ومعنى قاله الداودي. وفي العباب وخط في نومه خطيطًا غطّ اهـ

وقال في النهاية الخطيط قريب من الغطيط اهـ

وبهذا تعلم بطلان قول القاضي أنه بالخاء المعجمة وهم. ولعله تبع في ذلك قول ابن بطال لم أجده بالخاء في كتب اللغة

(قوله فصلى ركعتين الخ) الظاهر أنهما سنة الصبح. وقوله فصلى الغداة أي صلاة الصبح

(والظاهر) أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج لصلاة الصبح بلا إعادة وضوء بعد النوم. ويؤيده ما في رواية للشيخين من طريق مخرمة عن كريب عن ابن عباس من قوله ثم نام حتى نفخ وكان إذا نام نفخ ثم أتاه المؤذن فخرح فصلى ولم يتوضأ اهـ

وذلك لأن نومه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا ينقض وضوءه. وهذا من خصائصه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأن عينيه تنامان ولا ينام قلبه فلو خرج منه حدث لأحسّ به بخلاف غيره

(فقه الحديث) دل الحديث علي فضل ابن عباس وحرصه مع صغر سنه علي معرفة أحوال

ص: 290

النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم طول ليلته ليقف على عمله بالليل. وقد روى الطحاوي ومحمد بن نصر أن أباه العباس أرسله لذلك. وعلى جواز الجماعة في نافلة الليل. وعلى جواز الصلاة خلف من لم ينو الإمامة. وعلى أن موقف المأموم الواحد يكون عن يمين الإِمام. وأنه إذا وقف عن يساره حوّله الإِمام إلى يمينه. وأن مثل ذلك جائز في الصلاة. وعلى مشروعية الإيتار بخمس ركعات (والحديث) أخرجه البخاري والنسائي والبيهقي وأخرجه الطحاوي من عدة طرق.

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ: فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ لَمْ يَجْلِسْ بَيْنَهُنَّ.

(ش)(رجال الحديث)(قتيبة) بن سعيد تقدم بصفحة 98 من الأول. و (عبد المجيد) بن سهيل كما في البيهقي. وقيل ابن سهل بن عبد الرحمن بن عوف أبو وهب. وقيل أبو محمَّد القرشي المدني. روى عن عمه أبي سلمة بن عبد الرحمن وابن عمه صالح بن إبراهيم وسعيد بن المسيب وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء بن أبي رباح وأبي صالح السمان وغيرهم. وعنه مالك وعبد العزيز بن محمَّد الدراوردي والمغيرة بن عبد الرحمن وابن أبي الزناد وشيبان بن بلال.

وثقه ابن معين والنسائي وابن البرقي وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم صالح الحديث.

روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. و (يحيى بن عباد) بن شيبان بن مالك الأنصاري السلمي الكوفي أبوهبيرة. روى عن أبيه وجده وأنس وجابر وأم الدرداء وسعيد ابن جبير. وعنه سليمان التيمي وعبد المجيد بن سهيل وإسماعيل السدي ومجالد بن سعيد. وثقه النسائي ويعقوب بن سفيان وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي والبخاري في الأدب

(معنى الحديث)

(قوله حدثه في هذه القصة الخ) أي حدث ابن عباس سعيد بن جبير في قصة نومه في بيت خالته ميمونة فقال قام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى ركعتين ثم ركعتين إلى أن صلى ثمان ركعات كان يسلم من كل ركعتين ثم أوتر بخمس لم يتشهد إلا في آخرهن

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي ومحمَّد بن نصر وزاد في آخره ثم قعد فأثنى على الله بما هو له أهل فأكثر من الثناء. وأخرجه البيهقي من طريق إبراهيم بن حمزة قال حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمَّد حدثني عبد المجيد بن سهيل عن يحيى بن عباد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن العباس بن عبد المطلب بعثه إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

ص: 291

في حاجة وكانت ليلة ميمونة بنت الحارث خالة ابن عباس فدخل عليها فوجد رسول الله علي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المسجد قال ابن عباس فاضطجعت في حجرته فجعلت في نفسي أن أحصي كم يصلي رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فجاء وأنا مضطجع في الحجرة بعد أن ذهب ثلث الليل ثم قال ارقد ثم تناول ملحفة على ميمونة فارتدى ببعضها وعليها بعضها ثم قام فصلى ركعتين حتى صلى ثمان ركعات ثم أوتر بخمس لم يجلس بينهن ثم قعد فأثنى على الله بما هو أهله فأكثر من الثناء ثم كان آخر كلامه أن قال اللهم اجعل لي نورًا في قلبي واجعل لي نورًا في سمعي واجعل لي نورًا في بصري واجعل لي نورًا عن يميني ونورًا عن شمالي واجعل لي نورًا بين يدي ونورًا خلفي وزدني نورًا وزدني نورًا

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيْهِ قَبْلَ الصُّبْحِ: يُصَلِّي سِتًّا مَثْنَى مَثْنَى وَيُوتِرُ بِخَمْسٍ لَا يَقْعُدُ بَيْنَهُنَّ إِلَاّ فِي آخِرِهِنَّ.

(ش) المعنى أنه صلى الله تعالى عليه وسلم آله وسلم كان يقوم الليل بإحدى عشرة ركعة يصلي ستًا يسلم فيها من كل ركعتين ثم يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرها ثم يصلي ركعتي الفجر. وهذه كيفية لصلاته صلى الله عليه وآله وسلم بالليل. ولها كيفيات أخر تقدم بعضها

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه البيهقي ومحمَّد بن نصر والترمذي من طريق عبد الله ابن نمير قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كانت صلاة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن فإذا أذن المؤذن قام فصلى ركعتين خفيفتين وقال حديث حسن صحيح. وقد رأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وغيرهم الوتر بخمس فقالوا لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ نَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ.

ص: 292

(ش) الظاهر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصلي عشر ركعات بخمس تسليمات ثم يوتر بواحدة ويصلي ركعتي الفجر. ويحتمل غير ذلك من الكيفيات السابقة

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه مسلم والبخاري من طريق القاسم بن محمَّد عن عائشة قالت كان النبي صلي الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر

(ص) حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ وَجَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الْمُقْرِئَ أَخْبَرَهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ قَائِمًا وَرَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الأَذَانَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ يَدَعُهُمَا. قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ فِي حَدِيثِهِ: وَرَكْعَتَيْنِ جَالِسًا بَيْنَ الأَذَانَيْنِ زَادَ: جَالِسًا.

(ش)(قوله عن عراك بن مالك عن أبي سلمة) هكذا في سند البخاري. وقد رواه الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر بن ربيعة عن أبي سلمة بإسقاط عراك كما في سند أحمد والنسائي. فكأن جعفرًا أخذه عن أبي سلمة بواسطة عراك وبدونه. لكن الأول هو الأصح فقد قال الطحاوي لا نعلم لجعفر عن أبي سلمة سماعًا

(قوله ثم صلى ثماني ركعات قائمًا) لم يذكر في الحديث الوتر والركعتين اللتين كان يصليهما صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعد الوتر. ولعل ذلك سقط من بعض الرواة فقد روى مسلم والنسائي من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أنه سأل عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالليل قالت كان يصلي ثلاث عشرة ركعة يصلي ثمان ركعات ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس فإذا أراد أن يركع قام فركع ويصلي ركعتين بين الأذان والإقامة في صلاة الصبح. وفي رواية البخاري بإسقاط الوتر وإثبات الركعتين بعده

(قوله وركعتين بين الأذانين الخ) أي بين الأذان والإقامة وهما سنة الصبح ولم يكن يتركهما أبدًا كما في رواية البخاري. وهو يدل على تأكدهما ولذا قيل بوجوبهما كما تقدم

(قوله زاد جالسًا) أي زاد جعفر في روايته قوله جالسًا أي صلى ركعتين بين الأذانين جالسًا. أما نصر بن علي فلم يذكر في روايته جالسًا. وليس أيضًا في رواية البخاري ومسلم والنسائي كما علمت. فزيادته وهم من جعفر. ولعل الأصل كما في رواية البخاري وصلى ثمان ركعات وركعتين جالسًا وركعتين بين النداءين فاشتبه الأمر علي جعفر.

ص: 293

وعلي فرض صحة الرواية فيكون جلوسه في سنة الصبح لبيان الجواز أو أن ذلك كان لعذر

(والحديث) أخرجه البخاري وأخرج مسلم والنسائي والطحاوي عن يحيى بن أبي كثير نحوه

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ قَالَا نَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: بِكَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُوتِرُ قَالَتْ: كَانَ يُوتِرُ بِأَرْبَعٍ وَثَلَاثٍ وَسِتٍّ وَثَلَاثٍ وَثَمَانٍ وَثَلَاثٍ وَعَشْرٍ وَثَلَاثٍ وَلَمْ يَكُنْ يُوتِرُ بِأَنْقَصَ مِنْ سَبْعٍ وَلَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ زَادَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: وَلَمْ يَكُنْ يُوتِرُ بِرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ.

قُلْتُ: مَا يُوتِرُ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ يَدَعُ ذَلِكَ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحْمَدُ: وَسِتٍّ وَثَلَاثٍ.

(ش)(قوله بكم كان رسول الله الخ) أي بكم ركعة كان صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم يصلي الوتر. ومراده السؤال عن صلاة الليل التي تختم بالوتر بدليل جواب عائشة كان يوتر بأربع وثلاث أي بسبع ركعات. وفصلت بالعاطف لبيان أنه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم كان يصلي الأربع بتسليمة واحدة أو بتسليمتين. أما الثلاث فإن يصليها بسلام واحد وكذا يقال فما بعده. وبإطلاقها علي الكل وترًا استدل من قال إن الوتر لا يختص بركعة ولا بثلاث بل يكون بسبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة

(وأجاب عنه) من خص الوتر بثلاث بأن في إتيانها بالثلاث بعد كل عدد دليلًا ظاهرًا على أن الوتر هو الثلاث. وما وقع قبله من الأربع والست والثمان والعشر تهجد ونفل مطلق وليس من الوتر. وإنما أطلقت على الكل وترًا مجازًا قال الترمذي قال إسحاق بن إبراهيم معنى ما روي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يوتر بثلاث عشرة قال إنما معناه أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر فنسبت صلاة الليل إلى الوتر. وروى في ذلك حديثًا عن عائشة واحتج بما روى عن النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال أوتروا يا أهل القرآن. قال إنما عني به قيام الليل. يقول إنما قيام الليل علي أصحاب القرآن اهـ

ولعل الحديث الذي رواه إسحاق في ذلك عن عائشة هو حديث الباب

(قوله ولم يكن يوتر بأنقص من سبع الخ) مرادها أنه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم لم يكن يصلي ليلًا أقل من سبع ولا أكثر من ثلاث عشرة ركعة بالوتر والركعتين الخفيفتين

ص: 294

اللتين كان يبدأ بهما صلاة الليل. وهذا محمول على بعض الأوقات وإلا فقد ثبت أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى من الليل خمس عشرة ركعة وفيها الركعتان اللتان كان يصليهما بعد الوتر.

قال النووي في شرح مسلم أما الاختلاف في حديث عائشة فقيل هو منها. وقيل من الرواة عنها، فيحتمل أن إخبارها بإحدى عشرة ركعة هو الأغلب وباقي روايتها إخبار منها بما كان يقع في بعض الأوقات. فأكثره خمس عشرة ركعة بركعتي الفجر، وأقله سبع وذلك بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت أو ضيقه بطول قراءة كما جاء في حديث حذيفة وابن مسعود. أولنوم أو عذر مرض أو غيره. وفي بعض الأوقات عند كبر السنن كما قالت فلما أسنّ صلى سبع ركعات. أو تارة تعدّ الركعتين الخفيفتين في أول قيام الليل وتعدّ ركعتي الفجر تارة وتحذفهما تارة. أو تعدّ إحداهما، وقد تكون عدّت راتبة العشاء مع ذلك تارة وحذفتها تارة.

قال القاضي ولا خلاف أنه ليس في ذلك حدّ لا يزاد عليه ولا ينقص منه وأن صلاة الليل من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد الأجر، وإنما الخلاف في فعل النبي صلى الله عليه، آله وسلم وما اختاره لنفسه اهـ

(قوله زاد أحمد الخ) أي زاد أحمد بن صالح في روايته قول عائشة ولم يكن يوتر ركعتين قبل الفجر تعني لم يتركهما، ولم يذكر هذه الزيادة محمَّد بن سلمة. ويوتر بفتح الياء وكسر التاء مضارع وتر كوعد يقال وترت زيدًا حقه أتره نقصته. فإثبات الواو مخالف للقياس. وقولها ركعتين مفعول يوتر. وما في أكثر النسخ من جره بالباء فخطأ من النساخ

(قوله قلت ما يوتر الخ) أي قال عبد الله بن أبي قيس لعائشة ما معنى لم يكن يوتر ركعتين فقالت لم يكن يترك صلاتهما

(قوله ولم يذكر أحمد الخ) أي لم يذكر أحمد بن صالح في روايته قول عائشة وست وثلاث وإنما هو من رواية محمَّد بن سلمة

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه أحمد والبيهقي وكذا الطحاوي من طريق ابن وهب ولم يذكر وست وثلاث ولا ما زاده أحمد بن صالح في رواية المصنف وقال ففي هذا الحديث ذكرها لما كان يصليه صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الليل من التطوع وتسميتها إياه وترًا إلا أنها قد فصلت بين الثلاث وبين ما ذكرت معها وليس ذلك إلا لأن الثلاث كان لها معنى بائن من معنى ما قبلها

(ص) حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَسَأَلَهَا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِاللَّيْلِ. فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ

ص: 295

رَكْعَةً مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَتَرَكَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُبِضَ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قُبِضَ وَهُوَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ وَكَانَ آخِرُ صَلَاتِهِ مِنَ اللَّيْلِ الْوِتْرَ.

(ش)(رجال الحديث)(منصور بن عبد الرحمن) الأشلّ النضري. روى عن الشعبي وأبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني والحسن البصري. وعنه شعبة بن الحجاج والحكم بن عبد الله وبشر بن المفضل وإسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية. وثقه أبو داود وابن معين وقال النسائي ليس به بأس وقال أبو حاتم ليس بالقوي يكتب حديثه ولا يحتج به. روى له مسلم وأبو داود

(معنى الحديث)

(قوله كان يصلي ثلاث عشرة ركعة الخ) منها الركعتان اللتان كان يصليهما بعد الوتر جالسًا وقد تركهما بعد وصار يصلي إحدى عشرة ركعة ولما كبر سنه ترك ركعتين منها فصار يصلي تسع ركعات آخرهن الوتر. ولم تذكر في هذا الحديث سنة الفجر لأنها غير داخلة في صلاة الليل. هذا "وقد وقع" الاختلاف في روايات عائشة التي ذكرت فيها أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة. ففي بعضها ذكرت أن منها ركعتي الفجر. وفي بعضها لم تذكرهما. وفي بعضها ذكرت أنه كان يصلي ركعتين جالسًا بعد الوتر. ويجمع بينها بحملها على أوقات وأحوال مختلفة بحسب النشاط وبيان الجواز

(فقه الحديث) فيه دليل على استحباب جعل آخر صلاة الليل وترًا. وعلى أنه صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ترك الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الوتر. وتقدم عن جماعة أنهما من خصوصياته صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(من أخرج الحديث أيضًا) أخرجه النسائي والترمذي والبيهقي وأخرج مسلم طرفًا منه وهو قول عائشة كان رسول الله صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصلي من الليل حتى يكون أخر صلاته الوتر

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّى عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّ كُرَيْبًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-

ص: 296

بِاللَّيْلِ قَالَ: بِتُّ عِنْدَهُ لَيْلَةً وَهُوَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ فَنَامَ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفُهُ اسْتَيْقَظَ فَقَامَ إِلَى شَنٍّ فِيهِ مَاءٌ فَتَوَضَّأَ وَتَوَضَّأْتُ مَعَهُ ثُمَّ قَامَ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى يَسَارِهِ فَجَعَلَنِي عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِى كَأَنَّهُ يَمَسُّ أُذُنِي كَأَنَّهُ يُوقِظُنِي فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قُلْتُ: فَقَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى حَتَّى صَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً بِالْوِتْرِ ثُمَّ نَامَ فَأَتَاهُ بِلَالٌ فَقَالَ: الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى لِلنَّاسِ.

(ش)(قوله عن جدي) هو الليث بن سعد الإِمام تقدم بصفحة 58 من الثاني

(قوله فقام إلى شنّ) بفتح الشين المعجمة أي قربة قديمة وجمعه شنان مثل سهم وسهام

(قوله ثم وضع يده على رأسي الخ) كان يفعل ذلك حين يراه يغلب عليه النوم. ففي رواية مسلم فأخذ بيدي فجعلني عن شقه الأيمن فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني. وفي رواية لمحمد بن نصر ثم وضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها فجعل يمسح بها أذني فعرفت أنه إنما صنع ذلك ليؤنسني بيده في ظلمة البيت. فيؤخذ من هذه الرواية أنه كان يفعل ذلك لإزالة الخوف عنه. وهذا لا ينافي أنه كان يفعله للإيقاظ عند غلبة النوم كما في رواية المصنف

(قوله قلت قرأ فيهما الخ) أي ظن ابن عباس في نفسه أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قرأ فيهما بالفاتحة فقط لما وقع من تخفيفهما أو عدم الجهر بالقراءة فيهما. وفي بعض النسخ فصل ركعتين خفيفتين قد قرأ فيهما بأم القرآن. وهذا محمول على أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جهر في الركعتين بالقراءة. وهو الأقرب

(قوله ثم صلى حتى صلى إحدى عشرة ركعة) يعني غير الركعتين الخفيفتين على الظاهر. ويؤيده ما في بعض النسخ ثم صلى إحدى عشرة ركعة فيكون كل صلاته ليلًا ثلاث عشرة ركعة

(والحديث) أخرجه الجماعة والبيهقي مختصرًا ومطولًا

(ص) حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ وَيَحْيَى بْنُ مُوسَى قَالَا نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ حَزَرْتُ قِيَامَهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِقَدْرِ (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) لَمْ يَقُلْ نُوحٌ: مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ.

ص: 297

(ش)(رجال الحديث)(نوح بن حبيب) القومسي بضم القاف وفتح الميم أبو محمَّد. روى عن عباس الله بن إدريس وحفص بن غياث وأبي بكر بن عياش وابن مهدي ووكيع وجماعة. وعنه أبو داود والنسائي وموسى بن هارون وأبو حاتم وأبو زرعة وآخرون.

قال أبو حاتم صدوق وقال أحمد بن سيار المروزي كان ثقة صاحب سنة وجماعة وقال النسائي لا بأس به ووثقه الخطيب ومسلمة بن قاسم. توفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين. و (ابن طاوس) هو عبد الله تقدم بصفحة 331 من الثالث

(معنى الحديث)

(قوله فصلى ثلاث عشرة ركعة الخ) ليس منها الركعتان الخفيفتان اللتان ذكرهما في الحديث السابق. وهذا على رواية يحيى بن موسى التي فيها منها ركعتا الفجر. أما على رواية نوح التي ليس فيها ذكر ركعتي الفجر فقد عدّ من الثلاث عشرة ركعة الركعتين الخفيفتين أو أنها محمولة على أن ركعتي الفجر من الثلاث عشرة. ورواية نوح أوفق بسائر روايات ابن عباس فإنه لم يجعل فيها ركعتي الفجر من صلاة الليل. وقوله حزرت قيامه الخ أي قدرت قيامه للقراءة في كل ركعة فكان قدر سورة (يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ)

(والحديث) أخرجه النسائي والبيهقي

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ -قَالَ- لأَرْمُقَنَّ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- اللَّيْلَةَ قَالَ: فَتَوَسَّدْتُ عَتَبَتَهُ أَوْ فُسْطَاطَهُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ أَوْتَرَ فَذَلِكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً.

(ش)(رجال الحديث)

(قوله عن أبيه) هو أبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم تقدم بصفحة 92 من السادس. و (عبد الله بن قيس بن مخرمة) بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشي. روى عن أبيه وابن عمر وأبي هريرة وزيد بن خالد. وعنه إسحاق بن يسار وأبو بكر بن محمَّد وابناه محمَّد والمطلب. وثقه النسائي وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي

(معنى الحديث)

(قوله لأرمقن صلاة رسول الله الخ) أي لأنظرن صلاته صلى الله

ص: 298

تعالى عليه وعلى آله وسلم لأعرف كيف وكم يصلي. يقال رمقه بعينه رمقًا من باب قتل أطال النظر إليه. والظاهر أنه قال ذلك نهارًا ثم رمق صلاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلًا وأخبر بما رأى. وعليه فالمضارع على حاله. ويحتمل أنه أخبر بذك بعد وقوفه على الكيفية فيكون المقام للماضي وعبر بالمضارع استحضارًا لتلك الحالة لتقررها في ذهنه وقوله فتوسدت عتبته أي جعلت عتبة بيته كالوسادة تحت رأسي. والفسطاط بضم الفاء وكسرها البيت من الشعر. ولعل هذا هو الصواب وكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في سفر وكان ذك بإذنه

(قوله ثم صلى ركعتين طويلتين الخ) كررها ثلاثًا لتأكيد التطويل أي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلى ركعتين بالغ في تطويلهما ثم صلى ركعتين أقصر منهما وهكذا إلى أن صلى عشرًا غير الركعتين الخفيفتين

(قوله فذلك ثلاث عشرة ركعة) أي كل ما صلى ثلاث عشرة ركعة فيكون أوتر بواحدة. ويحتمل أن يكون المشار إليه ما عدا الركعتين الخفيفتين فيكوت أوتر بثلاث. والأول هو الظاهر

(والحديث) أخرجه مالك في الموطأ ومسلم وابن ماجه وابن نصر والترمذي والنسائي والبيهقي

(ص) حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَهِىَ خَالَتُهُ -قَالَ- فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ - أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ - اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِى فَأَخَذَ بِأُذُنِي يَفْتِلُهَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ قَالَ الْقَعْنَبِيُّ: سِتَّ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ

ص: 299

ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ.

(ش)(قوله بات عند ميمونة) وكان ذلك لأن أباه العباس أرسله في حاجة إليه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم بعد العشاء فلما بلغه إياها قال له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أي بنيّ بت عندنا هذه الليلة فبات عنده. ذكره محمَّد بن نصر في رواية له عن ابن عباس

(قوله في عرض الوسادة) بفتح العين المهملة ضد الطول. ورواه الداودي بالضم بمعنى الجانب والصحيح الأول. والوسادة بكسر الواو المخدّة المعروفة. وفي رواية محمَّد بن نصر وتوسدت وسادة لهما من أدم محشوّة ليفًا وبتّ عليها معترضًا عند رأسهما

(قوله حتى انتصف الليل الخ) غاية لنومه صلى الله عليه وآله وسلم. وفي رواية البخاري حتى انتصف الليل أو قريبًا منه. وفي رواية له الجزم بثلث الليل الأخير. وفي رواية محمَّد بن نصر فهبّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الليل فتعارّ ببصره إلى السماء ثم تلا هؤلاء الآيات من آل عمران (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) حتى انتهى إلى خمس آيات منها ثم عاد لمضجعه فنام هويًا من الليل ثم ذهب فتعارّ ببصره في السماء فتلاهن ثم قام إلى شن الخ

(قوله فجلس يمسح النوم عن وجهه الخ) أي يزيل أثر النوم عن وجهه دفعًا للكسل ثم قرأ العشر الآيات أواخر سورة آل عمران ثم قام إلى شنّ معلقة. وأنثها لأنها بمعنى القربة. وفي رواية لمسلم فقام إلى شنّ معلق بالتذكير على معنى السقاء والوعاء. وزاد محمَّد بن نصر في روايته ثم استفرغ منها في إناء ثم توضأ فأسبغ الوضوء

(قوله فقمت إلى جنبه) أي الأيسر فأداره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى جنبه الأيمن كما في كثير من الروايات. وقوله فأخذ بأذني يفتلها بكسر المثناة الفوقية أي يدلك أذنه لتركه أدب القيام عن يمين الإِمام، وليستحضر أفعال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم.: ولإيناسه في ظلمة الليل وإيقاظه من النوم كما تقدم

(قوله فصلى ركعتين ثم ركعتين الخ) ظاهره أنه سلم من كل ركعتين. ويؤيده ما تقدم عن علي بن عبد الله عن ابن عباس من أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فصل بين كل ركعتين بالنوم والقراءة والسواك والوضوء. وقد وقع التصريح بالسلام من كل ركعتين عند ابن خزيمة من رواية طلحة بن نافع عن ابن عباس وفيها يسلم من كل ركعتين. وقد ذكر الركعتين ست مرات فتكون ثنتى عشرة ركعة

(قوله ثم أوتر الخ) أي بواحدة فيكون كل صلاته ثلاث عشرة ركعة. وقد صرح بذلك في رواية لمسلم عن سلمة عن كريب وفيها قال فتكاملت صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثلاث عشرة ركعة. وفي رواية لمحمد بن نصر ثم صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثلاث عشرة ركعة من الليل وركعتيه بعد طلوع الفجر. وفي رواية للبخاري

ص: 300