الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علماً وعملاً فقد استكمل حظه من مقام هذا الأساس العظيم، ومن أخلَّ بشيء من ذلك كان ذلك نقصاً في دينه بقدر ما أخل، حتى ينتهي الأمر إلى خلص المشركين. نعوذ بالله من الشرك جليه وخفيه إنه سميع عليم.
بيان واستدلال:
يكون الذل بمعنى ضعف الحال، وهذا قد يكون لأهل التوحيد والإيمان كما في قوله تعالى:
{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} (1) ويكون بمعنى اللين المشوب بالعطف، وهذا من صفات المؤمنين الممدوحة إذا وقعت في محلها كما في قوله تعالى:{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (2).
ويكون الذل بمعنى خنوع القلب وخضوعه وانكساره للضعف والإفتقار، وهذا هو الذي لا يكون من المؤمن الموحد إلا لربه كما في حديث دعاء القنوت «ونخنع لك» أي نذل ونخضع لك، وهذا الخنوع هو أساس العبادة القلبية، فلذلك لا يكون إلا الله، وإن من أسرار كلمة "الله أكبر" التي يأتي بها المؤمن مرات كثيرة في صلواته وغيرها من أحواله حفظ القلب من الخضوع للخلق باستشعار عظمة الخالق التي يصغر عندها كل مخلوق.
فلا يزال المؤمن لهذا قوي القلب عزيز النفس بالله لا ينتظر قوة ضعفه إلا به ولا سد مفاقره إلا منه، ولقلب المؤمن الموحد أمام من يحب في الله ويعظم بتعظيم الله خضوع أيضاً، ولكنه خضوع هيبة
(1) 3/ 123 آل عمران.
(2)
57/ 5 المائدة.
وتوقير وإجلال، لا خضوع ذل وخنوع وضعف وافتقار، إذ هذا - كما قدمنا- لا يكون إلا للغني القوي العزبز القهار.
من مظاهر هذا الخنوع الذي لا يكون إلا لله الطاعة والإنقياد، وهي أيضاً لا تكون إلا له وقد قال تعالى:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (1) أي أطاعه واتبعه كما قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} فمن تبع مخلوقاً وأطاعه فيما يأمره وينهاه دون أن يكون في طاعته مراعياً طاعة الله فقد عبده واتخذه رباً فيما أطاعه فيه. وفي حديث عدي بن حاتم الذي رواه الترمذي وغيره لما جاء للنبي- صلى الله عليه وآله وسلم وسمعه يتلو قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (2) فقال عدي: يا رسول الله إنهم لم يكونوا يعبدونهم؟ قال: أليس كانوا إذا حرموا عليهم شيئاً حرموه، وإذا أحلوا لهم شيئاً أحلوه. قال: قلت نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فتلك عبادتهم إياهم، فالمؤمن الموحد لا تكون طاعته إلا لله أو لمن طاعته طاعة لله.
ومن مظاهر ذلك الخنوع: الدعاء والسؤال والتضرع والجؤار "رفع الصوت بالدعاء والإستغاثة إليه" قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} (3){أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} (4){إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} في آيات كثيرة. وقال - صلى الله
(1) 45/ 22 الجاثية.
(2)
32/ 9 التوبة.
(3)
53/ 16 النحل.
(4)
162/ 27 النمل.
(5)
8/ 9 الأنفال.
عليه وآله وسلم:- من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن الترمذي-: "إذا سألت فسل الله" في أحاديث كثيرة. فلا يدعو المؤمن الموحد غير الله ولا أحداً مع الله إذ الدعاء عبادة، كما في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه يرفعه "الدعاء هو العبادة"، رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة. وكما في حديث أنس رضي الله عنه يرفعه "الدعاء مخ العبادة" رواه الترمذي وكل عبادة لا تكون إلا لله فالدعاء لا يكون إلا لله، وإنما كان من العبادة هاته المنزلة لأن حقيقة العبادة هي التذلل والخضوع، وهو حاصل في الدعاء غاية الحصول، وظاهر فيه أشد الظهور.
ألهمنا الله رشدنا وأعاذنا من شرور أنفسنا إنه سميع قريب مجيب (1).
(1) ش: ج 3، م 6، ص 138 - 143 غرة ذي ا! لقعدة 1348هـ افريل 1930