الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتصير بالتوبة والعمل الصالح منيرة خيرة فالتبديل في الكتب والعمل وحالة النفس.
مسألتان أصوليتان:
الأولى:
هل يخرج غير التائب من النار: استثنى الله التائب من مضاعفة العذاب والخلود فيه مهانا، فبقي غير التائب للخلود. والخلود كما قدمنا في الآية السابقة طول البقاء، ولا يقتضي التأييد فقد يكون معه التأييد وقد لا يكون، فمع التأييد لا خروج ومع عدمه الخروج. وغير التائب الذي بقي للخلود المطلق في الآية هو المشرك والقاتل والزاني، فأما المشرك فلا خروج له من النار لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} وأما القاتل والزاني إذا كانا من أهل الإيمان فإنهما يخرجان بعد شديد العذاب بما معهما من الإيمان لأحاديث صحيحة منها ما رواه الشيخان البخاري والمسلم عن أنس- رضي الله عنهم:
"يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ذرة"، زاد البخاري في رواية قتادة عن أنس:"من إيمان" مكان "خير". وهذا من عدل الله ورحمته، فإنه أذاقهم من العذاب الشديد والهوان المخزي جزاءهم، ثم أخرجهم من النار وما أضاع عليهم إيمانهم. إن الله بالناس لرؤوف رحيم.
الثانية:
هل لقاتل النفس ظلما وعدوانا من توبة: ذهب ابن عباس
في المشهود عنه الذي رواه الشيخان وغيرهما أنه لا توبة له، وقال في هذه الآية إنها نزلت في المشركين، وذكر سبب نزولها كما تقدم وقال- إثره-: فأما من دخل في الإسلام وعقله ثم قتل فلا توبة له
وقال في هذه الآية أنها آية مكية نسختها آية مدنية وهي آية الفرقان (1): {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} . ومراده بالنسخ التخصص، يعني أن لفظة من في {إِلَّا مَنْ تَابَ} عامة تشمل القاتل فتقتضي بعمومها أن له توبة وأن آية الفرقان (النساء) التي جاءت في القاتل خصصتها وأخرجته من عمومها. قال ابن رشد- بنقل الابي-: وإلى هذا ذهب مالك لأنه قال: "لا يؤم القاتل وإن تاب" قال ابن رشد: وهذا لأن القتل فيه حق لله وحق للمقتول، وشرط التوبة من مظالم العباد رد التبعات أو التحلل، وهذا لا سبيل للقاتل إليه إلا بأن يعفو عنه المقتول قبل القتل. وذهب جمهور السلف وأهل السنة إلى أنَّ للقاتل توبة، ونظروا في هذه الآية إلى عموم لفظها لا إلى خصوص سبب نزولها، وجعلوا عموم {وَمَنْ يَقْتُلْ} في آية الفرقان (النساء) مخصصا بمن تاب المستثنى في هذه الآية فابن عباس خصص من تاب بمن يقتل، وهم عكسوا فخصصوا من يقتل بمن تاب، ويرجح تخصيصهم العمومات الدالة على قبول التوبة من كل مذنب مثل قوله تعالى:{وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} (2) وقوله: {يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} (3) وقوله: {قَابِلِ التَّوْبِ} (4).
(1) كذا في الأصل ولكنها آية "النساء".
(2)
109/ 4 النساء.
(3)
42/ 25 الشورى.
(4)
3/ 40 المؤمن وتمام الآية: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} .