الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعِلْمُ وَالْأَخْلاقُ
ــ
المناسبة:
العلم الصحيح والخلق المتين هما الأصلان اللذان ينبغي عليهما كمال الإنسان. وبهما يضطلع بأعباء ما تضمنته الآيات المتقدمة من أصول التكليف، فهما أعظم مما تقدمهما من حيث توقفه عليهما، فجيء بهما بعده ليكون الأسلوب من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى. ولما كان العلم أساس الأخلاق قدمت آيته على آيتها تقديم الأصل على الفرع.
آية العلم
المفردات والتراكيب:
القفو: إتباع الأثر، تقول: قفوته أقفوه إذا اتبعت أثره. والمتبع للأثر شخص موال في سيره لناحية قفاه، فهو يتبعه دون علم بوجهة ذهابه ولا نهاية سيره. فالقفو إتباع عن غير علم، فهو أخص من مطلق
(1) 17/ 36 - 37 الإسراء.
الإتباع، ولذلك اختيرت مادته هنا. ولكونه اتباعاً بغير علم جاء في كلام العرب بمعنى قول الباطل قال جرير:
وَطَالَ حِذَارِي غُرْبَةَ البَيْنِ وَالنَّوَى
…
وَأُحْدُوثَةٌ مِنْ كَاشِحٍ يَتَقَوَّفُ (1)
أي متقول بالباطن.
والعلم إدراك جازم مطابق للواقع عن بينة. سواء كانت تلك البيتة حساً ومشاهدة أو برهاناً عقلياً، كدلالة الأثر على المؤثر والصنعة على الصانع، فإذا لم تبلغ البينة بالإدراك رتبة الجزم فهو ظن، هذا هو الأصل، ويطلق العلم أيضاً على ما يكاد يقارب الجزم ويضعف فيه احتمال النقيض جداً. كما قال تعالى عن إخوة يوسف عليه السلام:{وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} (3). فسمى القرآن إدراكه لما شاهدوا: علماً. لأنه إدراك كان يبلغ الجزم لأنبيائه على ظاهر الحال، وإن كان ثم احتمال خلافه في الباطن، لأنه احتمال ضعيف بالنسبة لما شاهدوه.
والسمع: القوة التي تدرك بها الأصوات بآلة الأذن. والبصر: القوة التي تدرك بها الأشخاص والألوان بآلة العين. وقدم السمع على البصر لأن به إدراك العلوم وتعلم النطق، فلا يقرأ ولا يكتب إلا من كان ذا سمع وقتاً من حياته. والفؤاد القلب. والمراد به هنا العقل من حيث اعتقاده لشيء ما. وإطلاق لفظ الفؤاد والقلب على العقل مجاز مشهور. وكان: تقيد ثبوت خبرها لاسمها وكونها على صورة الماضي لا يدل على انقضاء ذلك الإرتباط. ومثل هذا التركيب
(1) ديوانه 374. والتقوف: قفو الأثر.
(2)
81/ 12 يوسف.