الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحكام:
قد قال بكفر تارك الصلاة جماعات كثيرة من الفقهاء والمحدثين سلفاً وخلفاً مستدلين بحديث جابر وحديث بريدة الصريحين في كفره، وذهبت جماعات أخرى كذلك إلى عدم كفره على عظم جرمه، مستدلين بحديث عبادة بن الصامت المتقدم الصريح في جعله في المشيئة، والكافر مقطوع له بدخول النار، ويجيبون عن حديث جابر وبريدة بأن المراد من كفر تارك الصلاة هو الكفر العملي، والكفر قسمان: إعتقادي وهو الذي يضاد الإيمان، وكفر عمل، وهو لا يضاد الإيمان، ومنه كفر تارك الصلاة غير المستحل للترك، وكفر من لم يحكم بما أنزل الله كذلك. وبهذا يجمع بين الأحاديث. وكفى زاجراً للمرء عن ترك الصلاة أن يختلف في إيمانه هذا الإختلاف.
تعليم:
في ربط الصلاة بالأوقات تعليم لنا لنربط أمورنا بالأوقات ونجعل لكل عمل وقته، فللنوم وقته، وللأكل وقته، وللراحة وقتها، ولكل شيء وقته. وبذلك ينضبط للإنسان أمر حياته وتطرد له أعماله، ويسهل عليه القيام بالكثير من الأعمال. أما إذا ترك أعماله مهملة غير مرتبطة بوقت فإنه لا بد أن يضطرب عليه أمره ويتشوش باله، ولا يأتي إلا بالعمل القليل، ويحرم لذة العمل، وإذا حرم لذة العمل أصابه الكسل والضجر، فقل سعيه، وكان ما يأتي به من عمل- على قلته وتشويشه- بعيداً عن أي إتقان. وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم مقسماً لزمانه على أعماله، وفيه القدوة الحسنة. فقد روى عياض رضي الله عنه في (الشفا) عن علي رضي الله عنه قال: كَانَ- صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءًا لِلَّهِ وَجُزْءًا
لِأَهْلِهِ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ، ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ النَّاسِ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ بِالْخَاصَّةِ، وَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا، فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ، وَقِسْمَتُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ، مِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ، وَيَشْغَلُهُمْ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ وَالْأُمَّةَ مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ، وَإِخْبَارِهِمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ، وَيَقُولُ: لِيُبْلِغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغِي حَاجَتَهُ، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. لَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ يَدْخُلُونَ رُوَادًا، وَلَا يَتَفَرَّقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً ا. هـ.
فهكذا ينبغي للمسلم أن يقسم أوقاته على أعماله ويعمرها كلها بالخير. وكما ربط الله له صلاته بالأوقات، وهي من أمور دينه، كذلك يربط هو بالأوقات جميع أمور دنياه والله نسأل لنا ولجميع المسلمين أن يقصرنا على طاعته ويفقهنا في أسرار دينه، ويوفقنا إلى إتباع سنة رسوله عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام (1).
(1) ش: ج 3، م 7، ص 145 - 249 غرة ذي القعدة 1349هـ مارس 1931م.