الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأسس الفرنسيون بالمغرب الأقصى، معهد البحوث العليا المغربية، للدراسات البربرية وخصصوا لذلك مجلة "هيبريس" والواقع أن هذه المحاولات لتمزيق الشعب الواحد لم تقتصر على المغرب الأقصى، بل شملت الجزائر وتونس وطرابلس من طرف ايطاليا- واكتست المحاولات طابعاً علمياً في ظاهرها. ففي تونس قام طبيبان بتأليف كتاب ضخم في مقاييس جماجم البربر وأوصافهم وسماتهم العضوية العرقية،
مع مقارنة بسِمات ومقاييس جماجم الغاليين (1) وفرض الإستعمار على أبناء المدارس المسلمين الجزائريين أن ينشدوا: "كان أجدادنا من الغاليين وكانت بلادنا في القديم تسمى غاليا"، وأن يتشرفوا بالإنتساب إليهم! والغرض من هذه المحاولات إنما هو الإدماج، كما أشرنا إلى ذلك من قبل. وفعلاً فقد نبتت طائفة من هذه المدارس تدعو إليه، وتتحمس له بالرغم من معارضة الغلاة من الإستعماريين لهذا الإدماج الذي يجعل المسلمين متساويين في الحقوق مع الفرنسيبن، وهذا ما لا يمكن أن يتصوروه في عقولهم.
في الربع الأول من القرن العشرين تطورت ردود الأفعال على الأوضاع الإجتماعية والأخلاقية والسياسية التي تحياها الجزائر.
الإتجاهات الإصلاحية:
ظهرت جماعة صغيرة لائيكية "علمانية" مفرنسة بصحافتها وجمعياتها وصداقاتها وبمطالبها التي تعتبرها "تقدمية" واعتمد هؤلاء الشبان الجزائريون على بعض الأحرار من الفرنسيين أمثال بول بورد: Paul Bourde والبان روزي Albin rozet (2) وكانت هذه الفئة لا تطالب
(1) ن. م. ص 134.
(2)
CH. Robert Ageron، Histoire de l'Algérie Contemporaine، Presses
Universitaires de France. Paris، 1964 P. 71 et la Naissance du Nationalisme
.20.Algérien، par André Nousalle P
بمجرد المساواة مع الفرنسيين بل وبالإندماج التام (1) ثم انقسمت هذه الفئة إلى قسمين: قسم يطالب بالمواطنية الفرنسية دون الإرتباط بالقوانين الإسلامية الشخصية، وقسم يطالب بالمساواة السياسية مع بقاء التعامل بالقانون الإسلامي. ويمثل القسم الأخير حفيد الأمير عبد القادر الأمير خالد بن الهاشمي (2) الذي عرض برنامجه في جريدة "الإقدام" وبصفة عامة، فإن هذه النزعة تهدف إلى فصل الدين عن الدولة مقلدة في ذلك تركيا الفتاة التي كان لثورتها صدى في الجزائر، ويقود هذه الحركة ويمثل هذه النزعة معلمون في المدارس الابتدائية وطلبة في المدارس الفرنسية وموظفون لدى الحكومة الفرنسية ومن النواب وغيرهم ممن يجيدون اللغة الفرنسية ويستعملونها وسيلة لصحافتهم. وأشهر الصحف التي تعبر عن أفكارهم هي:
1 -
الصوت الأهلي تصدر في قسنطينة ويديرها ربيع الزناتي: La Voix Indigène.
2-
صوت المتواضعين تصدر في الجزائر العاصمة ويديرها عمر قندوز (3). La voix des humbles
ويحلو للمستشرق ماسينيون أن يذكر لنا أن اللغة الفرنسية أصبحت أداة للفكر الإسلامي لا في الناحية السياسية فحسب بل وفي الناحية
(1) هذه جملة من الكتاب الأخير تصور مطلبهم:
L'assimilation la plus complète، c'est - à - dire l'entrée dans la cité française
(2)
توفي 9 يناير سنة 1936م- 1354هـ بدمشق بعد محاكمته في باريس وخروجه منها رثاه أحمد توفيق المدني وكتب عنه في مجلة الشهاب ج11، م11، ص630 كتب الأمير خالد مقالاً في جريدة النجاح تحت عنوان: مسألة الخلافة في المؤتمر الإسلامي العام عدد 28184 نوفمبر 1924م.
(3)
وجهة الإسلام (إفريقيا لماسينيون) القاهرة ص 60
الدينية. ويضرب لنا مثلاً بما قام به الأستاذ أحمد ليميش من ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية ترجمة يحوطها التقديس والشعور الإسلامي الصادق رغم أنها لم تبلغ غايتها من الجودة كأنه يعد هذا انتصاراً للحضارة الأوروبية. ومنهم من كتب قائلاً: "الجزائر أرض فرنسية. نحن فرنسيون مع الإحتفاظ بقانون الأحوال الشخصية الإسلامي
…
لا يوجد في الكتاب المقدس ما يمنع جزائرياً مسلماً من أن تكون جنسيته- فرنسية- .. الخ (2) بل إنه عبر عن الوحدة الوجودية بينه وبين فرنسا فقال: "أنا فرنسا"!
كما كان هناك أتباع الطرق الصوفية وترجع في أغلبها إلى طوائف ثلاث (3):
أ- الطائفة العليوية التي يرأسها الشيخ أحمد بن عليوه في مستغانم. وهي طائفة متشعبة عن الطريقة الدرقاوية، ولهذه الحركة الصوفية صحيفة تعبر عن أفكارها المعارضة للحركة الإصلاحية التي يمثلها الشيخ عبد الحميد بن باديس وهي جريدة "البلاغ".
ب- طائفة درقاوية أخرى يرأسها غلام الله في مدينة تيارت يدعو صاحبها إلى سياسة الإتفاق الديني بين الإسلام وفرنسا (4).
(1) م. ن.
(2)
هو السيد فرحات عباس الذي كتب، "الشباب الجزائري":
" L'Algérie est terre française. Nous sommes des français avec le Statut Personnel musulman (......) Il n'y a rien dans le Livre Saint qui puisse empêcher un algérien musulman d'être nationellements un français، aux bras forts، à l'intelligence éveillée، au coeur loyal conscient de la solidarité nationale. Il n'y a rien، sinon la colonisation.» voir Ia Naissance du Nationalisme algérien، P.63
(3)
وجهة الإسلام ص 61.
(4)
وضع "الاتفاق الديني"، سنة 1930
جـ- طائفة التيجانية تتكون من كبار الموظفين والأغنياء والتجار وقامت بدعاية بلغ نشاطها باريس وأقامت هناك مسجداً، والواقع أن هذا الفرع قوي في مراكش أكثر من الجزائر. وأما الطريقة السنوسية (1) فقد أضعفتها المجازر التي سلطتها عليها إيطاليا وكادت أن تودي بها. والحقيقة أن الحركة الأساسية التي تمثل آمال الشعب الجزائري وتعبر عن شخصيته هي الحركة السلفية. التي يمثلها ابن باديس وزملاؤه ويصفها المستشرق ماسينيون بأنها حركة متشددة نصف وهابية ويعتبرها فرعاً أو شعبة من الحركة التي تمثلها "المنار" في القاهرة. ويذكر أن ابن باديس وثيق الصلة بالحركة في مصر مترسم لخطاها ويعترف بأن لهذه الحركة السلفية تأثيراً لما ينطوي عليه برنامجها من الرجوع إلى تعاليم القرآن بالرغم من أنه يقلل من شأنها من ناحية أخرى فيقول:"إن هذا الحزب لا ينتمي إليه حتى الآن إلا شرذمة قليلة في مدن المغرب" والظاهرة التي تلفت النظر أنه يذكر لنا وهو المتتبع لحركات المسلمين وسكناتهم أن حركة ابن باديس لها أتباع في الرباط من أعمال مراكش فيقول: (ومن أتباع هذا الحزب جرثومة صغيرة ولكنها مترعرعة في رباط من أعمال مراكش)(2) ولسان حال هذا الحزب أو هذه الحركة هو مجلة "الشهاب" الصادرة بقسنطينة ويديرها الشيخ عبد الحميد بن باديس. وسيأتي تفصيل القول في ذلك.
(1) وكان للسنوسية في الجزائر ألف تابع. وأكبر الطرق عدداً هي الطريقة الرحمانية التي أسسها سيدي محمد بن عبد الرحمن واتباعها 156 ألف رجل و13 ألف امرأة. وأتباع التيجانية التي يقيم شيخها في عين ماضي 26 الف. والطريقة الدرقاوية المشهورة بالشدة والإشتراك في جميع الثورات التي ثارت على الفرنسيين لها 9 آلاف. والشيخية أولاد سيدي الشيخ 10 آلاف.
(2)
وجهة الإسلام ص 60 - 61.