الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو يلقي للإنسان كلمة الشر والسوء ويهيج غضبه ليقوله، ويهيج السامع ليقول مثلها، وهكذا حتى يشتد المراء ويقع الضر والفساد. ولون آخر من نزغه، وهو أنه يحسن للمرء قول الكلمة التي يكون فيها احتمال السوء، ويلح عليه في قولها، ويبالغ في تحسين الوجه السالم منه، وفي تهوين أمر وجهها القبيح، حتى يقولها، فإذا قالها عاد لسامعه بالنزغ يطمس عنه الوجه السالم منها، ويكبر له الوجه القبيح، ولا يزال به يثير نخوته ويهيج غضبه حتى يثور فيقع الشر والفساد بينه وبين صاحبه.
فحذر الله تعالى عباده من كيده حتى يحترسوا منه إذا تكلموا وإذا سمعوا فيتباعدون عمَّا فيه احتمال السوء فضلاً عن صريحة ويحملون الكلام على وجهه الحسن عند احتماله له ويتجاوزون عن سيئه الصريح ما أمكن التجاوز.
المحاسنة على الحال والظاهر- والتفويض إلى الله تعالى في العواقب والسرائر:
أقوى الأحوال مظنة لكلمة السوء هي حالة المناظرة والمجادلة، وأقرب ما تكون إلى ذلك إذا كان الجدال في أمر الدين والعقيدة، فما أكثر ما يضلل بعض بعضاً أو يفسقه أو يكفره فيكون ذلك سبباً لزيادة شقة الخلاف اتّساعاً، وتمسك كل برأيه ونفوره من قول خصمه. دع ما يكون عن ذلك من البغض والشر. فذكر الله تعالى عباده بأنه هو العالم ببواطن خلقه وسرائرهم وعواقب أمرهم، فيرحم من يشاء ويعذب من يشاء بحكمته وعدله. فلا يقطع لأحد بأنه من أهل النار لجهل العاقبة سواء كان من أهل الكفر أو كان من أهل الفسق
أو كان من أهل الإبتداع كما لا يقطع لأحد بالجنة كذلك. إلا من جاء النص بهم.
فلا يقال للكافر عند دعوته أو مجادلته إنك من أهل النار، ولكن تذكر الأدلة على بطلان الكفر وسوء عاقبته، ولا يقال للمبتدع يا ضال، وإنما تبين البدعة وقبحها، ولا يقال لمرتكب الكبيرة يا فاسق ولكن يبين قبح تلك الكبيرة وضررها وعظم إثمها، فتقبح القبائح والرذائل في نفسها وتجتنب أشخاص مرتكبيها. إذ ربّ شخص هو اليوم من أهل الكفر والضلال، تكون عاقبته إلى الخير والكمال، ورب شخص هو اليوم من أهل الإيمان ينقلب- والعياذ بالله تعالى- على عقبه في هاوية الوبال.
وخاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لم يرسله وكيلاً على الخلق حفيظاً عليهم كفيلاً بأعمالهم. فما عليه إلا تبليغ الدعوة ونصرة الحق بالحق والهداية والدلالة إلى دين الله وصراطه المستقيم - خاطبه بهذا ليؤكد لخلقه ما أمرهم به من قول التي هي أحسن، للموافق والمخالف فلا يحملنهم بغض الكفر والمعصية على السوء في القول لأهلهما، فإنما عليهم تبليغ الحق كما بلغه نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، ولن يكون أحد أحرص منه على تبليغه، فحسبهم أن يكونوا على سنته وهديه، أحيانا الله عليهما، وأماتنا عليهما، وحشرنا في زمرة أهلهما آمين (1).
..
(1) ش: ج11، م 6، ص 654 - 658 غرة رجب 1349هـ - ديسمبر 1930م.