الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمال منها، وذلك لثقتهم بموعود الله في الرزق وغروب أنفسهم عن التعلق بغضارة الدنيا. وقد كان أشياخي من ارتقى إلى هذه المنزلة فما ادَّخر قط شيئاً لغد ولا نظر بمؤخر عينه إلى أحد، ولا ربط على الدنيا بيد.
فههنا ثلاثة أصناف من الخلق الأعم الأكثر، وهم أهل الحظوظ البشرية، والقليل وهم الذين ضعفت فيهم حظوظهم، والأقل الأندر وهم الذي زالت منهم تلك الحظوط. وقد أفادتنا السنة العملية المتقدمة في كلام الإمام ابن العربي أن لأهل الصنف الثاني أن يخرجوا عن كثير من أموالهم على مقدار ما بقي من حظوظهم، وأن لأهل الصنف الثالث أن يخرجوا منها كلها، وأما أهل الصنف الأول فلا يخرجون من الوسط الذي ينته الآية.
وقد جاءت الآية الكريمة على مقتضى حال الأعم الأكثر لأنها قاعدة عامة في سياسة الإنفاق، وشأن القواعد العامة أن يعتبر فيها جانب الأعم الغالب ولا يلتفت للنادر. وقد وكل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بيانه، فجاء مبيناً فيما تقدم من سنته. وتقررت القاعدة واستثناؤها من الكتاب والسنة وهما مصدر التشريع.
تَفَاوُتِ الْأَرْزَاقِ مِنْ حِكْمَةِ الْخَلَّاقِ:
لما أرشدنا تعالى إلى السلوك الأقوم في العمل في باب الإنفاق أرشدنا إلى العقد الصحيح في مسألة تفاوت الأرزاق وفي ذلك تمام الهداية إلى الإستقامة في الظاهر والباطن.
(1) 17/ 30 الإسراء.
وأن أحوال العباد في الغنى والفقر والسعة والضيق وتعاقبها عليهم بسرعة وبمهل، وتفاوتهم فيها لما يخفي ولما يظهر من العلل- لأمر عجب عجاب يحير الألباب. فعلَّمنا الله تعالى في هذه الآية أنَّ الربَّ هو الذي يربي المربوب في أحواله وأطواره بمقتضى الإصلاح والصواب هو الذي يبسط ويوسع على من يشاء- ولا يشاء إلَاّ ما هو حق وعدل وصواب وإن خفي علينا وجهه- ويقدر، أي يضيق على من يشاء، وكل أحد هو حقيق بالحال الذي هو فيه. وأنه كان بعباده خبيراً مطلعاً على دواخل أمورهم وبواطن أسرارهم من أنفسهم، ومما يرتبط بهم ومن سوابقهم ومصائرهم بصيراً منكشفة له جميع أمورهم.
وكما أنه بالعمل بآية الإنفاق ينتظم أمر العباد في معاشهم، كذلك بالإيمان بهذه العقيدة تزول حيرتهم وتطمئن قلوبهم فيما يرونه من أحوال الرزق في أنفسهم وفي غيرهم. والله يبصر القلوب ويقوم الأعمال إنه سميع مجيب (1).
..
(1) ش: ج6 م، 6 ص 334
غرة صفر 1349 - جولية 1930