الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعيداً عنهما تحت تأثير التقليد إلى أن أتيحت فرصة الإتصال بمحمد الطاهر بن عاشور أولاً، ثم مهَّد له فتعرف على محمد النخلي وتأثر به، وذلك في الفترة الأخيرة من دراسته العليا (1).
عوامل تكون شخصيته:
مما تقدم تبين لنا العناصر الأساسية التي أدت إلى تكوين شخصية عبد الحميد بن باديس وقد أكد لنا في كلمة قالها بمناسبة ختمه القرآن (2)
هذه العوامل:
العامل الأول
في تكوينه من الناحية العملية والعلمية وتوجيهه ذاك التوجيه يعود إلى أسرته، وخصوصاً أباه الذي رباه ووجهه وجهة أخلاقية وعلمية وحماه من المكاره صغيراً وكبيراً على حدِّ تعبيره، وكان أبوه من ذوي الفضل والخلق الإسلامي ومن حملة القرآن الكريم ولا يخفى ما لتأثير الأسرة في شخصية الطفل من أهمية بالغة.
و
العامل الثاني
يرجع إلى بيئة الدراسة وتأثير المربين من المعلمين والشيوخ الذين نموا إستعداده وتعهدوه بالتوجيه والتكوين، وابن باديس يطيب له أن يذكر لنا فضل أساتذته عليه، في تخطيط مناهج العمل في الحياة قال: "وأذكر منهم رجلين كان لهما الأثر البليغ في تربيتي وفي حياتي العملية
…
حمدان لونيسي القسنطيني نزيل المدينة المنورة ودفينها، وثانيهما الشيخ محمد النخلي المدرس بجامع الزيتونة المعمور رحمهما الله (3).
(1) اتصل بالشيخ الطاهر بن عاشور مدة ثلاث سنوات وبالشيخ محمد النخلي مدة سنتين دراسة عليهما.
(2)
يجدها القارىء في آخر تفسيره بهذ الكتاب ج 1.
(3)
ج 4 م 14 ص 288 - 291 غرة جمادى الأولى- وربيع الثاني 1357هـ جوان- جويلية 1937 والنص قد أشرنا إلى موضع وجوده آنفاً في هذا السفر.
وله مع كل من هذين المربيين واقعة هي التي جعلته يتجه اتجاهاً معيناً سواء من الناحية العملية أو النظرية وهذا حديثه عن تينك الواقعتين قال:
"وإني لأذكر للأول (حمدان لونيسي) وصية أوصاني بها، وعهداً عهد به إليَّ. وأذكر أثر ذلك العهد في نفسي ومستقبلي وحياتي وتاريخي كله، فأجدني مديناً لهذا الرجل بمنَّة لا يقوم بها الشكر، فقد أوصاني وشدد عليَّ أن لا أقرب الوظيفة ولا أرضاها ما حييت، ولا أتخذ علمي مطية لها، كما كان يفعله أمثالي في ذلك الوقت. وأذكر للثاني (محمد النخلي) كلمة لا يقل أثرها في ناحيتي العلمية عن أثر تلك الوصية في ناحيتي العملية، وذلك أني كنت متبرماً بأساليب المفسرين وإدخالهم لتأويلاتهم الجدلية واصطلاحاتهم المذهبية في كلام الله، ضيق الصدر من اختلافهم فيما لا اختلاف فيه من القرآن، وكانت على ذهني بقية غشاوة من التقليد واحترام آراء الرجال حتى في دين الله وكتاب الله فذاكرت يوماً الشيخ النخلي فيما أجده في نفسي من التبرم والقلق فقال لي: "إجعل ذهنك مصفاة لهذه الأساليب المعقدة، وهذه الأقوال المختلفة، وهذه الأراء المضطربة، يسقط الساقط ويبقى الصحيح، وتستريح .. فوالله لقد فتح بهذه الكلمة القليلة عن ذهني آفاقاً واسعة لا عهد له بها" (1) فهذا النص في غاية الأهمية من حيث دلالته على مدى تأثره في تكوينه بهذين الأستاذين، ومن الأساتذة الذين أثروا فيه وكونوا جانباً من أهم جوانبه، وهو جانب الأدب وتذوق الآثار الفنية الشيخ محمد الطاهر بن عاشور زميل الأستاذ النخلي في نسبتهما إلى البدعة والضلال اللذين كانا يوصفان بهما لأنهما يناضلان عن آراء محمد عبده وينشرانها في صفوف طلابهم، يقول ابن باديس "وإن أنس فلا أنسى دروساً قرأتها من ديوان الحماسة على الأستاذ ابن عاشور
(1) ن. م.
وكانت أول ما قرأت عليه فقد حببتني في الأدب والتفقه في كلام العرب وبثت فيَّ روحاً جديداً في فهم المنظوم والمنثور، وأحيت مني الشعور بعزِّ العروبة والاعتزاز بها كما أعتز بالإسلام" (1).
ولم ينس الشيخ عبد الحميد رحمه الله أن يبين لنا عاملاً آخر من أهم العوامل وهو الشعب الجزائري، وما ينطوي عليه من أصول الكمال، واستعدادات عظيمة للخير، وهو ما عمل على تنميته والنضال من أجل تغليبه على جوانب النقص وعوامل السكون، كما سبق أن لوحنا إلى ذلك. ويصف الأمة الجزائرية بأنها أمة معوانة على الخير منطوية على استعدادات الكمال وأنها ذات نسب عريق في المحامد والفضائل (2) ثم يبين عاملاً آخر وهم زملاؤه من العلماء الأفاضل الذين ساعدوه منذ فجر النهضة وشدوا ساعده فورى بهم زناده، وسطع نجمه أمثال الشهيد الشيخ العربي التبسي (3) والشيخ البشير الإبراهيمي (4) والشيخ العقبي في أول أمره والشيخ مبارك الميلي وغيرهم.
والعامل الأخير الذي يفوق جميع العوامل الأخرى والذي كرَّس له ربع قرن من حياته، هو القرآن الكريم الذي صاغ نفسه، وهزَّ كيانه، واستولى على قلبه فاستوحاه في منهجه طوال حياته، وترسم خطاه في دعوته، وناجاه ليله ونهاره يستلهمه ويسترشده، ويتأمله فيعبُّ منه ويستمدُّ علاج أمراض القلوب، وأدواء النفوس، ويذيب نفسه،
(1) البصائر السنة الأولى العدد 16 الجزائر الجمعة 2 صفر 1355 - 24 افريل 1936.
(2)
ن. م.
(3)
اختطفه المستعمرون الفرنسيون في مارس 1957 أثناء الثورة وغاب عن الوجود من ذلك التاريخ رحمه الله.
(4)
توفي في 19 ماي 1965م.
ويبيد جسمه الهزيل في سبيل إرجاع الأمة الجزائرية إلى الحقيقة القرآنية ومنبع الهداية الأخلاقية والنهوض الحضاري. وكان همه أن يكوِّن رجالاً قرآنيين يوجهون التاريخ ويغيرون الأمة، ولذلك فإنه جعل القرآن قاعدة أساسية ترتكز عليها تربيته وتعليمه للجيل قال: "فإننا - والحمد لله- نربِّي تلامذتنا على القرآن من أول يوم، ونوجه نفوسهم إلى القرآن في كل يوم
…
" (1).
ولما رجع الشيخ من تونس عاد شعلة من الحماسة وشهاباً وارياً من الدين، فقصد الجامع الكبير وأخذ في إلقاء الدروس وابتدأ بتدريس كتاب الشفاء للقاضي عياض، ولكن المكائد حيكت له، فعمل أعداؤه على إقلاقه ومنعه وأطفأوا عليه الضوء وهو في الدرس فقرر السفر للحج إلى بيت الله الحرام وللقاء شيخه حمدان لونيسي، فاستأذن أباه وسافر وأتيح له أن يتصل في رحلته هذه بأطراف من العالم الإسلامي في المشرق وبجماعة من المفكرين والعلماء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
ومن الأعمال التي سجلها في الأراضي المقدسة أنه قام بإلقاء درس في الحرم النبوي على مشهد كثير من المسلمين وبحضور شيخه حمدان لونيسي، وعند رجوعه من مهبط الوحي، سلم له حمدان لونيسي رسالة إلى الشيخ بخيت (2) العالم الأزهري المصري زميل الشيخ محمد عبده والمدافع عنه، فاتصل به في منزله بحلوان، ولما بين له أنه مرسل من طرف أستاذه قال له معظماً إياه:"ذاك رجل عظيم! " وحينما توفي ترجم له
(1) ن. م.
(2)
ولد بقرية المطايعة بمحافظة أسيوط بعد أن حفظ القرآن أرسل إلى الأزهر سنة 1282هـ فدرس الفقه الحنفي والفلسفة على الشيخ حسن الطويل وعلى جمال الدين الأفغانى، نال شهادة العالمية سنة 1292 وتقلب في مناصب كبيرة إلى أن عين مفتياً للديار المصرية في 31 دسمبر 1914 له مكتبة عظيمة (8000 مجلد) توفي في سنة 1935.
عبد الحميد بن باديس في مجلة الشهاب (1) وكان قد أجازه. ومرَّ كذلك على الشام (دمشق ولبنان) وهكذا فإن ابن باديس أتم دراسته بالرحلة في البلاد الإسلامية ومحادثة العلماء وهو ما يعتبر من شروط العالم المتمكن من التقاليد العلمية، والمناهج التربوية الإسلامية، وبالطبع فإن هذه الرحلة أطلعته على الأوضاع الإجتماعية والسياسية والثقافية، وفيها خبر أحوال الناس مما وسع أفقه وبصَّره بطريق الخلاص والثورة الفكرية التي تعتمد على التربية في تكوين القادة من النخبة أو الصفوة المبدعة.
ولما نزل قسنطينة سنة 1332هـ (1913) شرع في العمل التربوي (2) وأخذ يعلم صغار الصبيان الذين يقرأون القرآن في الكتاتيب وخصوصاً كتاب سيدي فتح الله.
وحوالي سنة 1922م تبلورت في الأوساط الإصلاحية فكرتان تختلفان في المنهج، وتتفقان في الهدف، الفكرة الأولى ترى أن السبيل هو توجيه الطاقات والجهود نحو ناحية التربية والتعليم وتكوين نخبة من الدعاة مدربة على مناهج الدعوة، مسلحة بالعلم والمعرفة، مطلعة على أصول الدين وعقائده، وكان من أصحاب هذه الفكرة في ذلك الوقت الشيخ البشير الإبراهيمي (3) وكان الرأي الثاني يقوم على أساس
(1) ش: ج 11 م 11 ص 606 - 607 غرة ذي القعدة 1354هـ - فيفري 1936م.
(2)
قمت بمحاضرة عالجت فيها عمله التربوي بقاعة المحاضرات الجامعية في 16 أفريل 1966 بالجزائر.
(3)
مقال للشيخ البشير الإبراهيمي في"سجل مؤتمر جمعية العلماء قسنطينة (1935) ص 43 رجع الإبراهيمي إلى الجزائر من الحجاز حوالي 1920 بعد ما مكث فيه سنوات فدرس في المدينة المنورة على الشيخ حسين بن أحمد الفيض آبادي الهندي صحيح مسلم ودرس
>>>
ثوري عنيف يزلزل سلطان البدع المستحكمة، ويهدم العادات المتمكنة، وهذا الرأي يمثله الشيخ عبد الحميد بن باديس ونخبة من الشبان وهكذا رجح الرأي الثاني ودخل في مرحلة التطبيق العملي، فأسس عبد الحميد جريدة "المنتقد" التي يبين اسمها عن معنى النقد الذي كانت تخشاه أرباب الطرقية وتقاومه في مناهج تربيتها للمريدين وللجمهور بتلك العبارة المعروفة "إعتقد ولا تنتقد" وأول مقال في الصفحة الأولى عنوانه: خطتنا: مبادئنا وغايتنا وشعارنا "افتتح بهذه العبارة":
" باسم الله ثم باسم الحق والوطن ندخل عالم الصحافة العظيم شاعرين بعظمة المسؤولية التي نتحملها فيه مستسهلين كل صعب في سبيل الغاية التي نحن إليها ساعون، والمبدأ الذي نحن عليه عاملون
…
" (1).
ثم تأتي ثلاثة عناوين أخرى:
1 -
مبدؤنا السياسي.
2 -
مبدؤنا التهذيبي.
3 -
مبدؤنا الانتقادي.
ومما جاء في مبدأ النقد أنه لا يتعرض للأشخاص، فيما يختص بأحوالهم الشخصية وإنما يتوجه إلى سلوكهم، الذي يمس شؤون الأمة وعدَّد مَن يتعرض للنقد، وبين أصنافه من الطبقات الإجتماعية فقال:
" فننقد الحكام والمديرين والنواب والقضاة والعلماء والمقاديم وكل من
<<<
على الشيخ الوزير التونسي كتاب الموطأ للإمام مالك كما درس في مصر لمدة ثلاثة أشهر وجالس العلماء والأدباء والشعراء أمثال الشيخ محمد بخيت المطيعي والشيخ يوسف الدجوى، والشيخ سليم البشري وحافظ إبراهيم وأحمد شوقي
…
أنظر مقال "محمد البشير الإبراهيمي في ذمة الله" في المجلة: سجل الثقافة الرفيعة، السنة التاسعة العدد 106 اكتوبر 1965 ص 94.
(1)
المنتقد العدد الأول ص 1
يتولى شأناً عاماً من أكبر كبير إلى أصغر صغير من الفرنسيين والوطنيين، ونناهض المفسدين والمستبدين من الناس أجمعين، وننصر الضعيف والمظلوم بنشر شكواه، والتنديد بظالمه كائناً من كان، لأننا ننظر من الناس إلى أعمالهم، لا إلى أقدارهم، فإذا قمنا بالواجب فلأشخاصهم منَّا كل احترام" (1) والتزم صاحب المقال بأن يكون النقد هادفاً إلى الحقيقة المجردة، صادقاً، مخلصاً، نزيهاً وبأن يكون الكلام الذي يؤديه نظيفاً.
وشعار هذه الجريدة شعار جريء خصوصاً في تلك الفترة العسيرة التي أبغض ما كان فيها للإستعمار الفرنسي كلمة "الحق" وكلمة "الوطن" وهما الكلمتان الأساسيتان في الشعار: "الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء" والحقيقة أن صدور مثل هذه الصحيفة في مثل تلك اللهجة الصريحة الصادقة العنيفة لتعتبر مغامرة في ذلك العهد القاسي المظلم. والطريف أنه مهَّد لهذا الشعار بعبارة غير رسمية عنده وهي: "سعادة الأمة الجزائرية بمساعدة فرنسا الديمقراطية" وجاء بعدها مباشرة ما يلي: "صارخين دائماً بشعارنا الرسمي" ثم ذكر الشعار المتقدم فالعبارات دقيقة في هذا المقال دقة متناهية. ولما كان هذا العدد صادراً في وقت كانت فيه الثورة الريفية التي قام بها الأمير عبد الكريم الخطابي على قدم وساق فإننا وجدنا كلمة في الصفحة الثانية تحت عنوان: "الحرب الريفية" ومما جاء فيها: "وهو (عبد الكريم) في الحقيقة صاحب الحق الشرعي، في أرض الريف"(2)، وكتب الشيخ محمد النجار الحركاتي مقالاً في الصفحة الثانية تحت عنوان "حسن التعليم على أساس كل تقدم"(3) كما نقل فيه مقالاً لمنصور فهمي المصري
(1) ن. م. ن. ص.
(2)
ن. م. ص 2 ع 2.
(3)
ن. م. ن. ص. ع. ع.
عنوانه "الكرامة"(1) وبه قصيدة بعنوان: "حديث الأدب وروضة الشعر، من المنتقد إلى الشعب المقدس" مطلعها:
أتيتك بالبشرى تهيا لاقبال
…
وكبر على التشريق تكبير إجلال
بإمضاء: "شاعر المنتقد"(2) ويحمل هذا العدد إعلاناً بإنشاء مطبعة جزائرية إسلامية للشعب الجزائري وأن المؤسس لها نخبة من الشبيبة الجزائرية لنشر العلم والعربية وفن الطباعة بين أبناء الوطن (3) ولكن "المنتقد" لسان الفكر الثوري المعبر عن إرادة التغيبر، لم يلبث أن توقف (4) ومنعته الحكومة الفرنسية. ومن الإتفاقات الغربية أنه صودر بعد ثمانية عشر عدداً منه كما وقع ذلك للعروة الوثقى التي صودرت بعد صدور ثمانية عشر عدداً أيضاً. والواقع أن الجريدتين تتشابهان في اللهجة الثورية، وتوجيه النقد للأوضاع الإجتماعية والسياسية ويصدران عن روح واحدة وإرادة قوية، وحماسة يقظة تؤدي رسالة اليقظة والوعي، ولا نستطيع أن نقارن بينهما مقارنة كاملة لأننا لا نملك جميع أعداد "المنتقد" ولم نطلع إلا على بعضها. ولم تتوقف الحركة باستشهاد "المتنقد" بل استمرت وأصدر الشيخ جريدة "الشهاب" التي تعتبر خلفاً له، وجاء في العدد الواحد والثلاثين (5) مقال للشيخ الشهيد العربي التبسي عنوانه: "أزفت
(1) ن. م. ص 3 ع 1 و2 و3.
(2)
وهو الشاعر العربي الأصيل الهادي السنوسي الزاهري نظمها بطلب من الشيخ عبد الحميد يبين فيها برنامج المنتقد ومنهجه.
(3)
ن. م. ص4 ومديرها ابن القشي خليل بن محمد وشعارها النظام والإتقان.
(4)
يبدو أنه توقف في شهر نوفمبر 1925.
(5)
بتاريخ الخميس 6 ذي القعدة 1344هـ 17 جوان 1926م.
ساعة الجماعة وتصرم عصر الفرد" وذُكِر فيه أنه آخر الأعداد للسنة الأولى منه وأنه "والمنتقد" (صنوان أنشئا على مبدأ واحد، ولغاية واحدة، قضت طوارق الزمن على أحدهما فخلفه الآخر) (1) وفي العدد 75 منه مقدمة للتفسير الذي كتبه المرحوم عمر راسم الصنهاجي يوم كان في السجن سنة 1916 (2) وفي العدد 128 مسابقة في كتابة مقال في موضوع "كيف يكون إصلاحنا"، دعا إليها الكاتب السيد شلابي عبد القادر من مدينة تلمسان وكانت الجائزة المخصصة للفائز مبلغ مائتي ألف فرنك (200000ف) أو (2000 د) ونال الجائزة كاتب اسمه (ابن آدم) من أبناء حواء بلا شك!! (3) ونشر هذا المقال الذي نال الجائزة بالعدد الموالي (4) وبالعدد الأربعين مقال عن الوهابية (5) وفي العدد 164 (6) مقال عنوانه: "الدعوة الإصلاحية هنا وهناك" يتحدث فيه صاحبه عن الدعوة الوهابية ونقل فيه أيضاً مقال عن مجلة المنار، ورسالة عبد الوهاب النجدي إلى عبد الله الصنعاني. وبصفة عامة فإن "الشهاب" ومن قبله "المنتقد" يمثلان لسان الشباب الناهض بالوطن الجزائري واستمر "الشهاب" في صورة جريدة إلى غاية رمضان 1347 هـ فيفري 1929م وفي هذه السنة تحول إلى مجلة شهرية علمية تبحث في كل ما من شأنه أن "يرقي المسلم الجزائري" ومبدؤها في الإصلاح
(1) ص 5 ع 2.
(2)
ص 7.
(3)
صدر العدد 128 في 5 رجب 1346هـ 29 ديسمبر 1927م
(4)
عدد 129 صدر في 12 رجب 1346 هـ 5 جانفى 1928م
(5)
صدر العدد 4 الخميس 12 محرم 1345 - 22 جويلية 1926 والمقال المذكور في ص 2، ع،32
(6)
صدر في 6 ربيع الثاني 1347هـ 20 سبتمبر 1928.
الديني والدنيوي هو: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)(1) و: (الحق والعدل والمؤاخاة في إعطاء جميع الحقوق للذين قاموا بجميع الواجبات) وكُتِب هذا على غلاف المجلة، كما كتب على أركانها الأربعة أربع كلمات:(الحرية، العدالة، الأخوة، السلام)، وكُتِب في أعلى الصفحة الأولى آيتان قرآنيتان هما:
ورد في أول مقال له (تستطيع الظروف تكييفنا ولا تستطيع بإذن الله إتلافنا) ونلاحظ أن هناك مبدأ من هذه المبادىء طرأ عليه تغيير وتطور بسبب المؤتمر الإسلامي الجزائري، واليأس من وعود فرنسا والجبهة الشعبية بصفة خاصة وهو "الحق والعدل والمؤاخاة في إعطاء جميع الحقوق للذين قاموا بجميع الواجبات" فأصبح مكانه شعار آخر يؤمن بأن الحقوق لا تعطى وإنما تؤخذ غلاباً: "لنعول على أنفسنا ولنتكل على الله (4) وكان هذا التغيير في سنة 1356هـ 1937م (5) وصمدت المجلة تؤدي رسالتها مصدرة في الغالب بتفسير آيات من
(1) قول ينسب إلى الإمام مالك أنظر كتابه الموطأ.
(2)
12/ 108 يوسف.
(3)
16/ 125 النحل. أنظر مثلا ج 11 م 6.
(4)
جاء في ج 9 م 13 ص 406 (فإزاء هذا رأينا أن من الواجب علينا أن نعلن لشعبنا أن لا نعتمد إلا على أنفسنا ونتكل على الله).
(5)
أنظر ج8 م13
القرآن الكريم، وبشرح بعض الأحاديث إلى آخر عدد منها الصادر في شعبان 1358هـ سبتمبر 1939م (1).
وخلال هذه المدة التي كانت تصدر فيها مجلة "الشهاب" كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (2) تقوم بنشاط صحفي، يتمثل في جرائد أسبوعية فتأسست صحيفة:"السنة" في يوم الاثنين 8 ذي الحجة 1351هـ (1933 م) ثم منعتها الحكومة الفرنسية، وآخر عدد منها صدر في 10 ربيع الأول 1352هـ 3 جويلية 1933م فخلفتها جريدة "الشريعة" بتاريخ 24 ربيع الأول 1352هـ 17 جويلية 1933م ولم تلبث أن صودرت وصدر آخر عدد منها في 7 جمادى الأولى 1352هـ 28 أوت 1933م وخلفتها صحيفة أخرى سميت بـ:"الصراط" الصادرة بتاريخ يوم الإثنين 21 جمادى الأولى 1352هـ 11 سبتمبر 1933م فأصابها بعد مدة ما أصاب أخواتها من قبل، فلقيت حتفها.
وصدر العدد الأخير منها في 22 رمضان 1352هـ جانفي 1934م وبعد هذا أسست جمعية العلماء جريدة أخرى تسمى: "البصائر" وصدر أول أعدادها في يوم الجمعة 1 شوال 1354هـ 27 ديسمبر 1935م ثم انقطعت سلسلتها الأولى عند اقتراب الحرب العالمية الثانية وظهرت سلسة ثانية بتاريخ يوم الجمعة 7 رمضان 1366هـ 25 جويلية 1947م (3) واستمرت إلى أن توقفت أثناء الثورة الكبرى ثورة أول
(1) لم نعثر منه إلا على الملزمة الأولى أثناء زيارتنا لقسنطينة سنة 1386هـ 1966م ويبدو أنه لم يطبع من العدد الأخير إلا ملزمة واحدة ولم تكن مجلة الشهاب تابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
(2)
تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين 5 ماي 1932 برئاسة الشيخ عبد الحميد بن باديس.
(3)
بالعدد الأول مقال للأستاذ الإبراهيمي عنوانه "استهلال" وقصيدة للشيخ أحمد بن سحنون بعنوان: "البصائر تتكلم" مطلعه:
>>>
نوفمبر سنة 1954م وذلك في 6 افريل سنة 1956م. ومن هنا تتبين لنا حقيقة من الضروري أن نصرح بها وهي أن الشيخ عبد الحميد بن باديس يجمع بين النهضة الثقافية الإجتماعية، وبين النهضة السياسية، بين التربية الإسلامية وبين الصحافة، ومما يؤكد لنا هذه الحقيقة أنه صرح في محاضرة ألقاها في تونس في ذكرى البشير صفر فقال:"لا بدَّ لنا من الجمع بين السياسة والعلم، ولا ينهض العلم والدين حق النهوض إلا إذا نهضت السياسة بحق"(1).
فاتخذ النشاط الصحفي وسيلة للسياسة وللتهذيب، كما اتخذ المؤسسات التربوية للتعليم والتربية، وتكوين القادة، وبث الوعي، والواقع أننا لا نستطيع أن نفصل بين نشاطه العلمي والسياسي فهما متداخلان متكاملان في نظره وعمله.
وفكرة المؤتمر الإسلامي الجزائري هو الذي دعا إليها واقترحها وبثها على صفحات جريدة "الدفاع" La Défense التي كان يصدرها الأمين العمودي باللغة الفرنسية (2) وفي أوائل سنة 1940م قبل وفاته كان قد صرح في اجتماع خاص مقسماً فقال: (والله لو وجدت عشرة
<<<
طال صمتي تحت أعباء ثقال
…
وعوادٍ أخرست كلَّ مقال
ويلاحظ أنه حذفت الآية التي كانت في السلسلة الأولى شعاراً لها وهى: (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) 104/ 6 (الانعام) وحذفها كان في أواخر السلسلة الأولى.
(1)
أنظر البصائر ع 71 من السنة الثانية من السلسلة الأولى الصادر في 9 ربيع الثاني 1356هـ- 18 جوان 1937 م ص 4.
(2)
جريدة الدفاع La Défense العدد الثاني جانفي 1936 أنظر مقال (مع عبد الحميد بن باديس في ذكراه للأستاذ حمزة بوكوشة في مجلة المعرفة التي تصدرها وزارة الأوقاف الجزائرية العدد 20 ذو الحجة 1383 أفريل 1964 ص 18 ثم تغير إسم هذه المجلة وأصبحت تسمى "القبس" صدر العدد الأول منها في ذي القعدة 1385 ومارس 1966م
من عقلاء الأمة الجزائرية يوافقونني على إعلان الثورة لأعلنتها) (1) وكان يرمي من وراء ثورته وعمله إلى تحقيق الإستقلال فبمناسبة رجوع رئيس حزب الشعب "مصالي" من باريس وإعلانه طلب الإستقلال التام سنة 1936م كان جماعة من أنصار حركته جالسين معه فقال: (وهل يمكن لمن شرع في تشييد منزل أن يتركه بدون سقف، وما غايتنا من عملنا إلا تحقيق الإستقلال)(3) وحينما حمي وطيس الحرب العالمية الثانية إجتمع به جماعة من أنصار حركته ومريديه فقال: "عاهدوني".
فلما أعطي له العهد بالمصافحة قال: "إني سأعلن الثورة على فرنسا عندما تشهر عليها إيطاليا الحرب"(3) وروى تلميذ آخر من تلامذته أنه كان يريد الخروج على فرنسا إلى جبال أوراس ليعلنها ثورة على فرنسا لو وجد رجالاً يساعدونه (4) وأكثر من ذلك فإنه أعلن رأيه في الإستقلال وتنبأ به في رده على أحد "الزعماء" الذين تنكروا لوجود الأمة الجزائرية والوطن الجزائري وتاريخه، واختاروا لأنفسهم الوطنية الفرنسية واتحدوا مع الوجود الفرنسي، ولم يتحرج ولم يخش الحديث عن الإستقلال فقال: "إن الإستقلال حق طبيعي لكل أمة من أمم الدنيا، وقد استقلت أمم كانت دوننا في القوة والعلم، والمنعة والحضارة، ولسنا من الذين يدعون علم الغيب مع الله، ويقولون إن حالة الجزائر
(1) في سهرة في بيته بمبنى جمعية التربية والتعليم الإسلامية بحضور الأستاذ علي مرحوم وعبد الحفيظ جنان.
(2)
روى هذه الكلمة الأستاذ المعاصر للحركة: علي مرحوم.
(3)
اجتمع به الأستاذ محمد الصادق الجندلي إمام ووكيل ضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي بالجزائر والشيخ حمزة بوكوشة أنظر مقال الأخير في المعرفة المصدر السابق ذكره.
(4)
قال ذلك في محاضرة بمناسبة ذكرى الشيخ عبد الحميد بن باديس (25) بقاعة ابن خلدون سنة 1385 - 1965م والمحاضر هو الشيخ أحمد حماني