الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَوْلُ الْحَسَنُ
{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
…
} (1)
ــ
اللسان أداة البيان، وترجمان القلب والوجدان، والكلام به يتعارف الناس ويتقاربون، وبه يتحاجون ويتفاصلون، ولولاه لما ظهرت ثمرات العقول والمدارك، ولما تلاقحت الأفكار والمشاعر، ولما تزايدت العلوم والمعارف، ولما ترقى الإنسان في درجات أنواع الكمالات، ولما امتاز على بقية الحيوانات.
فهو رابطة أفراد النوع الإنساني وعشائره، وأممه، وبريد عقله وواسطة تفاهمه. فإذا حسن قويت روابط الألفة، وتمكنت أسباب المحبة، وامتد رواق السلام بين الأفراد والعشائر والأمم. وتقاربت العقول والقلوب بالتفاهم، وتشابكت الأيدي على التعاون والتآزر، وجنى العالم من وراء ذلك تقرر الأمن واطراد العمران. وإذا قبح كان الحال على ضد ذلك. فالكلام السيء قاطع لأواصر الأخوة، باعث على البغضاء والنفرة، يبعد بين العقول فتحرم الإسترشاد والإستمداد والتعاون بين القلوب فتفقد عواطف المحبة وحنان الرحمة. وهما أشرف ما تتحلى به القلوب، وإذا بطلت الرحمة والمحبة بطلت الألفة والتعاون، وحلت القساوة والعداوة، وتبعهما التخاصم والتقاتل، وفي ذلك كل الشر، لأبناء البشر.
فالمحصل للناس سعادتهم وسلامتهم، والمبعد لهم عن شقاوتهم
(1) 17/ 53 - 54 الإسراء.
وهلاكهم- هو القول الحسن، ولهذا أمر الله تعالى نبيه - صلى الثه عليه وآله وسلم - أن يرشد العباد إلى قول التي هي أحسن فقال تعالى:{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .
والعباد المأمورون هنا هم المؤمنون لوجهين: الأول أنهم أضيفوا إليه، وهذه إضافة شرف لا يكون إلا للمؤمنين به. الثاني: أن الذين يخاطبون بهذا الإرشاد ويكون منهم الإمتثال إنما هم من حصلوا على أصل الإيمان.
والتي هي أحسن: هي الكلمة الطيبة والمقالة التي هي أحسن من غيرها فيعم، ذلك ما يكون من الكلام في التخاطب العادي بين الناس حتى ينادي بعضهم بعضاً بأحب الأسماء إليه، وما يكون من البيان العلمي فيختار أسهل العبارات وأقربها للفهم، حتى لا يحدث الناس بما لا يفهمون، فيكون عليهم حديثه فتنة وبلاء، وما يكون من الكلام في مقام التنازع والخصام فيقتصر على ما يوصله إلى حقه في حدود الموضوع المتنازع فيه، دون إذاية لخصمه ولا تعرض لشأن من شؤونه الخاصة به- وما يكون من باب إقامة الحجة وعرض الأدلة، فيسوقها بأجلى عبارة وأوقعها في النفس، خالية من السب والقدح، ومن الغمز والتعريض، وأدنى تلميح إلى شيء قبيح.
وهذا يطالب به المؤمنون سواء كان ذلك فيما بينهم أو بينهم وبين غيرهم، وقد جاء في الصحيح أن رهطاً من إليهود دخلوا على النبي - صله الله عليه وآله وسلم - فقالوا السام عليكم، ففهمتها عائشة رضي الله عنها فقالت: وعليكم السام واللعنة. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مهلاً يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله. فقالت: ألم تسمع ما قالوا؟ فقال: قد قلت: وعليكم. فكان الرد عليهم بمثل قولهم بأسلوب العطف على كلامهم، وهو قوله: وعليكم، أحسن من الرد عليهم باللعنة. فقال- صلى الله عليه وآله