الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مدخل إلى الحياة العقلية والنهضة الحديثة بالجزائر
-1 -
بوادر النهضة
لا يمكن أن تدرك أبعاد النهضة الحديثة في الجزائر قبل معرفة الأصول النفسية والإجتماعية للنهضة الحديثة في المغرب الإسلامي بعامة، وفي المغرب الأوسط "الجزائر" بخاصة. لقد كانت أبرز الحركات الإصلاحية والثورية، وأكثرها حيوية وأعمقها جذوراً، وأشدها اتصالاً بالفكر الإسلامي، وبمباديء الإسلام والسلفية.
تتسم الحياة الفكرية في المغرب الإسلامي بالتأثر بالأفكار التي تظهر في المشرق الإسلامي عبر التاريخ وهذا دليل على الوحدة الفكرية، والثقافية، واللغوية التي تأصلت جذورها وبقيت حيةً مدى الدهر، بالرغم من عوادي الزمن، وفجائع التاريخ، ومحاولات الفصل، والمحو، وافتعال الفروق.
وما زال الفكر الإسلامي في الجزائر يتطلب الدراسة والتنقيب، ولا شك في أن البحث عنه يكشف عن كنوز يمكن الافتخار بها.
وتعتبر محاولة الأمير عبد القادر (1) الفكرية من أهم المحاولات
(1) ولد في سنة 1222 - 1300هـ (1807 - 1883م).
الجزائرية الحديثة في ميدان النهضة، وهذا ما حمل جرجي زيدان على أن يجعله في كتابه "بناة النهضة العربية" من القادة والساسة، بل كان أول شخصية تحدث عنها في كتابه هذا (1). والواقع أن الأمير عبد القادر أول من أثار الضمير الشعبي الجزائري، وبذر بذوراً بقيت تنمو في القلوب، وتمتد جذورها في الأرض الطيبة التي يجدر بالعالم الإسلامي أن يفخر بها، ويسميها بحق "أرض الشهداء" وبجانب ما للأمير من ثورة سياسية فإنه أضاف إليها ثورة فكرية، تتمثل في تلك الأبحاث الدينية والتاريخية والفلسفية والكلامية (2) والصوفية (3) التي قام بها، وحاول أن يفسر قول الإمام الغزالي (505هـ - 1111م) (ليس في الامكان أبدع مما كان) يقول:"إن الآثار الكونية دلت على المعاني الإلهية، والحقائق الربانية، والمعاني الإلهية دلت على وجود ذات الإله المعبود، فما في العالم حقيقة كونية كلية أو جزئية تقابلها هي مستندها وعمدتها، والحقيقة الكونية هي معينها ومظهرها، فالنسخة الكونية مقابلة للنسخة الإلهية، ولا يلزم من تقابل النسختين واستناد إحداهما إلى الأخرى المساواة في الحقيقة والنسبة، ومن علم هذا علم صحة قول حجة الإسلام الغزالي رضي الله عنه"(4).
(1) جرجي زيدان: "بناة النهضة العربية"، دار الهلال، القاهرة (دون تاريخ) [ص:12 - 22].
(2)
"ذكرى العاقل وتنبيه الغافل" ألفه في سنة 1271هـ طبع للمرة الأولى بدمشق (وبدون تاريخ) وجاء في 132 صفحة.
(3)
كتاب "المواقف" في التصوف نحا فيه منحى ابن عربي يقف عند آيات قرآنية- معينة ويفسرها تفسيراً رمزياً صوفياً فيه نزعة افلاطونية محدثة على غرار المواقف للنفري. أنظر تعليق شكيب أرسلان على حاضر العالم الإسلامي القاهرة 1343هـ، ج1، [ص:73 - 79]
(4)
حسن صعب، الوعى العقائدي، دار العلم للملايين، بيروت 1959 [ص:102].
وبعد إخفاق الأمير في معاركه ضد المستعمرين وخروجه من الوطن عاد الفكر الجزائري إلى جموده، وتحجر، وتحنطت الأخلاقية الإسلامية، والجهاد، في صورة زوايا وطرق، وأصنام.
ورغم بعد الأمير عن الوطن فإنه كان يقوم بنشاط في سبيل الإصلاح والنهضة بدليل انتسابه إلى الجمعية السرية السياسية التي أسسها جمال الدين الأفغاني (1254 - 1314هـ / 1839 - 1897م) والتي تسمى بالعروة الوثقى (1) وهو نفس اسم الجريدة المعبرة عن آرائها. يقول رشيد رضا: (وقد كان من أعضائها الأمير عبد القادر الجزائري ومن اختار من انجاله ورجاله)(2). كما أنه انضم إلى الجمعية الماسونية في الاسكندرية سنة 1864م (3)، وكان جمال الدين الأفغاني نفسه عضواً فيها ثم انسحب منها. ودعا الأمير إلى رفض التقليد واستعمال النظر فقال: (والمتبوعون من الناس على قسمين: قسم عالم مسعد لنفسه، ومسعد لغيره، وهو الذي عرف الحق بالدليل لا بالتقليد، ودعا الناس إلى معرفة الحق بالدليل لا بأن يقلدوه، وقسم مهلك لنفسه ومهلك لغيره، وهو الذي قلد آباءه وأجداده فيما يعتقدون ويستحسنون وترك النظر بعقله، ودعا الناس لتقليده، والأعمى لا يصلح أن يقود العميان، وإذا كان تقليد الرجال مذموماً غير مرضي في الاعتقادات، فتقليد الكتب أولى وأحرى بالذم وإن بهيمة تقاد أفضل من مقلد ينقاد، وأن أقوال العلماء والمتدينين متضادة متخالفة في الأكثر، واختيار
(1) صدر العدد الأول منها في 5 جمادى الأولى سنة 1301 - 13 مارس سنة 1884. صدر منها 18 عدداً آخرها صدر في 16 أكتوبر 1884م.
(2)
تاريخ الأستاذ الإمام مطبعة المنار 1350 - 1931 ج 1 ص 283.
(3)
جرجى زيدان، بناة النهضة العربية ص 22.