الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن كل ما نسبه إليه المبطلون وتخيله المتخيلون، وهو معنى قوله {وَسُبْحَانَ اللَّهِ} . فهو يدعوهم إلى الله الذي قد عرفوا وجوده بفطرتهم وعرفوا أنه هو خالق الكون وخالقهم، لا يسميه إلا بما سمى به نفسه، ولا يصفه إلا بما وصف به نفسه، ويعرفهم بآثار قدرته ومواقع رحمته ومظاهر حكمته وآيات ربوبيته وألوهيته ووحدانيته في جلاله وسلطانه وينزهه عن المشابهة والمماثلة لشيء من مخلوقاته، لا في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله.
وهذا التنزيه- وإن كان داخلاً في الدعوة إلى الله- فإنه خصص بالذكر لعظم شأنه، فإنه ما عرف الله من شبهه بخلقه أو نسب إليه ما لا يليق بجلاله أو أشرك به سواه. وإن ضلال أكثر الخلق جاءهم من هذه الناحية، فمن أعظم وجوه الدعوة وألزمها تنزيه الله- تعالى- عن الشبيه والشريك وكل ما لا يليق. والمسلمون المتبعون لنبيهم صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله على بصيرة متبعون له في هذا التنزيه عقداً وقولاً وعملاً واعلاناً ودعوة.
مباحث لفظية:
(سبحان) منصوب بفعل محذوف تقديره، أسبح، أي أنزه. والجملة معطوفة على جملة أدعو، فهي من بيان القبيل.
البراءة من المشركين:
الأمة التي بعث منها النبي صلى الله عليه وسلم وهي أول أمة دعاها إلى الله هي الأمة العربية، وهي أمة كانت مشركة تعرف أن الله خلقها ورزقها وتعبد مع ذلك أوثانها، تزعم أنها تقربها إلى الله وتتوسط لها لديه. فكان النبي صلى الله عليه وسلم كما يدعو إلى الله وينزهه يعلن ببراءته من المشركين وأنه ليس منهم براءة من عقيدتهم وأقوال وأعمال شركهم، فهو مباين لهم في العقد والقول والعمل مباينة
الضد للضد. فكما باين التوحيد الشرك باين هو المشركين وذلك معنى قوله: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} .
وهذه البراءة والمباينة، وإن كانت مستفادة من أنه يدعو إلى الله وينزهه فإنها نص عليها بالتصريح لتأكيد أمر مباينة المشركين (والبعد عن الشرك بجميع وجوهه وصوره جلية وخفيه) في جميع مظاهر شركهم حتى في صورة القول كما شاء الله وشاء فلان. فلا يقال هكذا ويقال: ثم شاء فلان، كما جاء في حديث بيناه في جزء من الأجزاء الماضية، أو في صورة الفعل، كأن يسوق بقرة أو شاة مثلاً إلى ضريح من الأضرحة ليذبحها عنده فإنه ضلال كما قاله (الشيخ الدرديري في باب النذور). فضلاً عن عقائدهم كاعتقاد أن هنالك ديواناً من عباد الله يتصرف في ملك الله، وأن المذنب لا يدعو الله وإنما يسأل من يعتقد فيه الخير من الأموات، وذلك الميت يدعو له الله.- لتأكيد أمر المباينة للمشركين، في هذا كله نص عليها بالتصريح كما قلنا، وللبعد عن الشرك بجميع وجوهه وصوره جليه وخفيه.
والمباينة والتَّبري لازمة من كل كفر وضلال، وذلك مستفاد من الدعوة إلى الله وتنزيهه. وإنما خصص المشركين لما تقدم، ولأن الشرك هو شر الكفر وأقبحه. ولما كانت هذه المباينة والبراءة داخلة في الدعوة إلى الله وتنزيهه، فالمسلمون المتبعون لنبيهم صلى الله عليه وسلم كما يدعون إلى الله على بصيرة وينزهونه، يباينون المشركين في عقائدهم وأعمالهم وأقوالهم ويطرحون الشرك بجميع وجوهه ويعلنون براءتهم وانتفاعهم من المشركين. والحمد لله رب العالمين (1).
(1) ش: ج 1، م 11 ص4 - 10، محرم 1354هـ - افريل 1935م.