الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واحد منها واتباعه بلا دليل باطل، لأنه ترجيح بلا مرجح فيكون معارضاً بمثله) (1).
لقد سيطرت الطرق الصوفية على الفكر الإسلامي، والمجتمع المغربي في القرن التاسع عشر، سيطرة مذهلة، فبلغ عدد الزوايا في الجزائر 349 زاوية وعدد المريدين أو الإخوان 295000 مريد. والفقهاء الذين عرفوا بمعارضتهم الصوفية أصبحوا بدورهم "طرقيين" فساد الظلام، وخيم الجمود، وكثرت البدع، واستسلم الناس للقدر، وأصبحوا إذا سئل أحدهم عن حاله أجاب:" نَأْكُلْ الْقُوتْ وَنَسْتَنَّى فِي الْمُوتْ "(2) وهذه الظاهرة الإجتماعية أدت إلى تعطيل الفكر وشلِّ جميع الطاقات الإجتماعية الأخرى.
رد الفعل:
أَدَّى انتشار البدع والاعتقاد بالخرافات، وطغيان الطرقية إلى ارتكاس- رد فعل- من طرف جماعة من الفقهاء المسلمين، والعلماء السنيين السلفيين الذين آلمتهم الحال الراهنة، وأقلق ضميرهم سوء الحياة الإجتماعية، وكثرة الضلال، والانحراف إلى الجاهلية، وهؤلاء كانوا هم الرواد الأوائل لحركة الإصلاح الديني والأخلاقي، والإجتماعي في أرض الشهداء.
وهذا الداعي- كما ترى- نبع من صميم المجتمع الجزائري عاملاً مناقضاً للحياة العقلية والإجتماعية المجمدة، وهناك دواعٍ سواه وعوامل أخرى اندفعت من خارج المجتمع وهي النهضة في المشرق وعودة الاتصال الفكري والثقافي بينه وبين الغرب عن طريق الصحافة والكتب والمجلات
(1) ذكرى العاقل ص 6 - 7. طبعة قديمة وصفحة 34 - 35 طبعة حديثة.
(2)
عبارة عامية معناها: نطعم الطعام وننتظر الموت.
والحج الذي تقع فيه مؤتمرات واجتماعات للنظر في أزمة المسلمين (1)، وعن طريق الطلبة الذين يسافرون إلى القرويين والزيتونة ومصر للدراسة ومن أهم العوامل التي أدت إلى وجود حركة أدبية وعلمية إنشاء السيد قدور بن مراد التركي الرودوسي المكتبة الثعالبية سنة 1314هـ - 1896م ثم مطبعته التي طبعت كثيراً من الكتب التاريخية والدينية (2).
من العلماء الذين حاربوا البدع، وحاولوا تحريك المجتمع، وبذروا الحركة الإصلاحية: الشيخ صالح بن مهنا (3) فإن مناجاته للضمير كادت توقظ أهل قسنطينة كلها حوالي سنة 1898م فعملت الحكومة الفرنسية على إبعاده، وصادرت مكتبته التي لا تقدر بثمن (4) وله مؤلفات كثيرة. والأستاذ الشيخ عبد القادر المجاوي (5) الذي ألف كثيراً من
(1) وهو ما كان يخشاه الاستعمار الفرنسي فيراقب الحجاج المسلمين مراقبة شديدة.
(2)
سعد الدين بن أبي شنب، النهضة العربية في الجزائر في النصف الأول من القرن الرابع عشر للهجرة، مجلة كلية الآداب العدد الأول 1964م ص 41 وما بعدها.
(3)
توفي في ربيع الأول 1325هـ وقبره معروف بمقبرة قسنطينة.
(4)
مالك بن نبي، شروط النهضة ومشكلات الحضارة، ترجمة عبد الصبور شاهين وعمر مسقاوي مطبعة دار الجهاد القاهرة: 1957 ص 22.
(5)
ولد سنة 1266هـ أو 1267هـ (1848) م بتلمسان من أب يدعى محمد بن عبد الكريم وهو من الفقهاء والقضاة قرأ المجاوي في كتاب بتلمسان فحفظ القرآن وأتمه بعد ما ارتحل أبوه إلى طنجة وتطاوين ثم فاس وأكمل دراسته بالقرويين أنظر الحفناوي، تعريف الخلف برجال السلف ج 2 ص 449 والتقويم الجزائري لعمر بن دالي لسنة 1329هـ (1911م) ص 105 - 107 وبحث الأستاذ سعد الدين بن شنب المذكور آنفا ص 51، ونهضة الجزائر الحديثة وثورتها المباركة للاستاذ محمد علي دبوز دمشق 1965 ج 1 ص 82 - 105 وشروط النهضة للاستاذ مالك بن نبي ص 23
صورة الشيخ عبد القادر المجاوي هي التي يشير إليها السهم.
ــ
الكتب المدرسية والتربوية مما يدل على أنه ذو اهتمام بالغ بالتربية وعلى أن الإصلاح في نظره إنما يتم عن طريقها. ألف: "إرشاد المتعلمين"(1) و "المرصاد في مسائل الاقتصاد"(2) وشرح منظومة في إنكار الفساد الاجتماعي (3) وقدم لشرحه بمقدمة ذات أهمية في بيان ضرر البدع، وضرورة النهضة العلمية وقرر أن السبب الرئيسي في النهضة إنما هو العلم وتشتمل المقدمة على مبحث في الحكمة والعلم،
(1) طبع مصر.
(2)
طبع بمطبعة فونتانة الشرقية بالجزائر.
(3)
منظومة في إنكار البدع ألفها الشيخ المولود بن الموهوب وشرحها المجاوي بشرح أسماه "اللمع على نظم البدع" مطلعها:
صعود الاسفلين به دهينا
…
لانا للمعارف ما هدينا
طبع بالجزائر سنة 1330هـ (1912م) به 198 ص قرظها محمود كحول وأحمد بن الشيخ باش عدل محكمة سيدي عقبة.
ومبحث في التربية يقول فيه "وما كثر الفساد في أمة إلا بعدم تربية الأولاد فإننا نرى الأولاد مهملين يتعلمون الفساد
…
وإننا نرى الأمم الحية إنما حصل لها الرقي بتربية أولادهم وتعليمهم العلوم النافعة، والمعرفة المفيدة، فيجب التبصر لمثل هذا، وفي الغالب أن إهمال الأولاد من الأمهات الجاهلات أو المتعلمات تعلماً ناقصاً" (1) وتحدث الشيخ عن تعليم المرأة وضرورته (2) لأنه أساس التربية، ووضع أصلاً في هذا الشأن يعتبر من الأصول العلمية في مناهج التربية والتعليم وهو مبدأ دراسة الأخلاق وعلم النفس:(لا بد من دراسة علم الأخلاق وعلم النفس)(3) وتعرض لنقد طرق التعليم في ذلك العهد فقال: (التعليم القديم غير نافع في زماننا لنقصانه إذ تعليم القرآن وحده على الكيفية المألوفة عندنا بهذه الأقطار لا يفيد المتعلم ولا أباه، فلا بد من معرفة العلوم النافعة في الدين والدنيا، أما إذا اقتصرنا على أحد العلمين ضاع ما يفتقر لذلك العلم المجهول، ولكن أهل زماننا تركوا العلمين معاً ولا حول ولا قوة إلا بالله نعم إنه يوجد بعض العلماء ولكن صاروا لقلتهم كالعدم)(4). ولنترك للقارىء أن يستنتج الحياة الثقافية في ذلك العهد من هذا النص. ولم يغفل المصلح عن جانب مهم من الحياة الإجتماعية وهو خطبة الجمعة فدعا لإصلاحها (5) وأشار إلى الحضارة الإسلامية وتاريخها واستشهد بأقوال الأجانب (6) مما يدل على اطلاعه على دراساتهم.
(1) اللمع في نظم البدع ص 27.
(2)
اللمع في نظم البدع ص 28 - 29.
(3)
ص 30.
(4)
ص 30.
(5)
ص 173.
(6)
ص 171.
ومن أهم رسائله رسالة في علم الكلام (القواعد الكلامية)(1) فيها مقدمة وعشرة فصول وخاتمة جعلها على حد قوله: نموذجاً كفيلاً (باستفادة القارىء السبيل الذي تتلقى به أصول الدين على الوجه الملائم لروح الوقت، والمساعد لملكات تلامذة هذا الزمن)(2) وهو يرجو بعمله هذا أن ينخرط في "صف السلف" وهذا يبين لنا نزعته السلفية الصافية، وإدراكه روح عصره، ومحاولته تغيير مناهج التأليف تبعاً لمقتضيات نفسية الطلاب من جهة، ولمقتضيات التطور من جهة أخرى، ومن أهم آرائه في نشأة علم الكلام أنه علم قرآني، لأن القرآن ذكر العقائد الأساسية مع أدلتها كالأدلة على وجود الصانع، من خلق السموات والأرض والنفوس وغيرها كما أشار القرآن إلى مذاهب المبطلين، والطبائعيين وإلى الأجوبة عن شبه المبطلين وأول من ألف فيه الإمام مالك ثم توسع فيه أبو الحسن الأشعري، وأبو منصور الماتريدي (3) ويرى أن العقل والدين متفقان (4) وفي كلامه عن تاريخ علم الكلام (5) ما يشير إلى أنه تأثر بابن خلدون في مقدمته وتعرض لنظرية المعرفة (6) ويرى بطلان القول بالحلول والاتحاد (7) اللذين يقول بهما بعض المتصوفين ومما يبين أن له اطلاعاً على كتب الفلاسفة والمتصوفة أنه يستشهد بأقوالهم، استشهد بقول الفارابي في "فصوص
(1) طبعة فونتانة- الجزائر سنة 1329هـ (1911) بها 157 ص، قرظها الشيخ محمود كحول.
(2)
القواعد الكلامية ص 3.
(3)
ص 7.
(4)
ص 28 - 29.
(5)
ص 13 - 19.
(6)
ص 19 - 28،22.
(7)
ص 33.
الحكم": "الذات الأحدية لا سبيل إلى إدراكها" (1) كما أنه استشهد بابن تيمية (3) وهذا له أهمية من حيث النزعة السلفية التي يمثلها محمد بن عبد الوهاب النجدي أول الثائرين المصلحين في العصر الحديث كما يذكر محيي الدين بن العربي (3) ويسميه إمام الصوفية. وقد بين لنا آراء الفلاسفة المختلفة في نظرية المعرفة (4) وتحدث عن مناهج المتكلمين والفلاسفة (5) وعن الحرية أو خلق الأفعال (6) وعن الكسب (7) وما إلى ذلك من المشكلات الميتافيزيقية والكلامية.
وإلى جانب أفكاره النظرية قام عملياً بتطبيق ما يراه من مناهج الإصلاح وطرق التربية فابتدأ التدريس بقسنطينة منذ أن حَلَّ بها سنة 1286هـ (1869م)(8) مدرساً حراً ثم عين مدرساً بجامع سيدي الكتاني بقسنطينة سنة 1290هـ (1873م)(9) وبعد ذلك تولى التدريس بالمدرسة الكتانية سنة 1295هـ (1877م) ثم نقلته الحكومة
(1) ص 34.
(2)
ص 34.
(3)
ص 37.
(4)
ص 78.
(5)
ص 83.
(6)
ص 86.
(7)
ص 90.
(8)
أنظر اللمع على نظر البدع ص 4 ويوجد بهذا الكتاب ترجمته وصورته ص 2، 3.
(9)
ويروى أن ذلك كان في سنة 1287هـ (1870م) أنظر تعريف الخلف ج 2، ص 449 ونهضة الجزائر ج 1 ص 96 ويقول ابن شنب أنه رجع من فاس في سنة 1292هـ (1876م) ولا ندري من أين أخذ هذا أنظر بحثه ص 51.
الفرنسية إلى عاصمة الجزائر في سنة 1898م فدرس في المدرسة الثعالبية (1) التي تم بناؤها سنة 1903 وابتدأت فيها الدراسة سنة 1905 وقد أعجب الناس بطريقته في التدريس وأشربوا حبه لصدق لهجته، وصفاء سريرته، ولوقع تعاليمه في القلوب التي يخاطبها ويربيها واستطاع بذلك أن ينفذ إلى أرواح الطلبة وأن يؤثر فيهم.
توفي بمدينة قسنطينة (2) في شهر ذي القعدة سنة 1332هـ (1913م) ولقد ترك الشيخ عبد القادر المجاوي من يواصل الرسالة الإصلاحية من بعده ممن أخذ عنه وتتلمذ عليه أمثال الشيخ حمدان لونيسي نزيل المدينة المنورة ودفينها وهو أستاذ الشيخ عبد الحميد بن باديس المصلح الكبير، والشيخ أحمد لحبيباتي، والشيخ المولود بن الموهوب مفتي قسنطينة المالكي.
ومن غريب المصادفات أنه في السنة نفسها التي توفي فيها عبد القادر المجاوي ابتدأ عبد الحميد بن باديس حركته التعليمية بمدينة قسنطينة، فاتصلت حلقات الإصلاح متطورةً إلى مرحلة القوة والنضج.
كان عبد القادر المجاوي مصلحاً تقليدياً سلفياً، لم يأت بجديد سوى مقاومة البدع، وإشعار المجتمع بساعة الخطر، وقد لاقى في
(1) التقويم الجزائري السنة الأولى (1911م) ص 4 ونهضة الجزائر ج 1 ص 96 وابن شنب كتب أن ذلك كان بتاريخ 1295هـ (1879م) وفي تعريف الخلف أنه كان في سنة 1292هـ (1876م)
(2)
كتب سعد الدين بن أبي شنب أنه توفي في سنة 1350هـ (1931م) والواقع أن هذا التاريخ هو تاريخ وفاة ابنه مصطفى كما هو مكتوب على قبره بمقبرة سيدي عبد الرحمن الثعالبي وهو كما يلي:- هذا قبر المرحوم المجاوي مصطفى بن المرحوم العلامة سيدي عبد القادر ابن عبد الله المتوفى يوم السبت 11 جمادى 2 - 1350هـ- 24 أكتوبر (1931م) ودفنت هناك أيضاً ابنة مصطفى المجاوي زليخة المتوفاة في 3 أفريل سنة 1951م وعمرها سبعون عاما أنظر بحث ابن شنب ص 51.
سبيل ذلك إهانات من بعض الناس كما لقي مقاومات وصعاباًمن السلطة الاستعمارية التي طفقت تنقله من مكان إلى آخر، حتى قيل أنه مات مسموما (1).
وإلى القارىء الكريم صورة من خطه يرد فيها على من أهانه وهو في غاية الغيظ والألم (2). ويكفي أنه بث روح الإصلاح، وبذر بذرة النقد الاجتماعي. ومما اشتهر به: الدقة العلمية في الإسناد، والشغف بالعربية وبأصولها، وقوانينها النحوية، يدل هذا على ما قاله فيه الأستاذ المجاهد سليمان الباروني باشا (1359هـ - 1940م) حين التقيا في قسنطينة:
سيبويه العصر من هذبه
…
أدب العلم فأروى من وَرَدْ
ذاك عبد القادر الطود الذي
…
لا يقول القول إلا بسند (3)
وتدلنا الوثيقة التي عثرنا عليها أنه كان يبغض إليهود، ويقاوم العنصر الصهيوني وقد شعر بخطره على المسلمين.
ومن الدوافع التي أدت إلى الإصلاح كذلك وساعدت عليه- إلى جانب المجلات والجرائد والكتب التي كانت تصل إلى الجزائر- زيارة الأستاذ محمد عبده (1905) إلى تونس والجزائر سنة 1321هـ (1903) في الصيف وقد مهد لتأثير هذه الزيارة، مجلة المنار، ومن
(1) في رواية الشيخ المرحوم إبراهيم أطفيش وهو من تلامذته كما أنه صديق الشيخ محمد أطفيش. أنظر نهضة الجزائر الحديثة وثورتها المباركة للشيخ محمد علي دبوز ج 1 ص 105.
(2)
عثرت على ذلك في ورقة من أوائل رسالة الأمير عبد القادر "ذكرى العاقل وتنبيه الغافل" في مخطوط استعرته من الفاضل الشيخ علي بن طبال الإمام بمسجد بو رواقية.
(3)
المصدر السابق ص 95.
قبلها العروة الوثقى، فكان الطلبة والشيوخ يطالعون هذه الصحف ويتداولونها. ففي الجنوب الجزائري عرف الشيخ إبراهيم مكي بقيمة كتب ابن تيمية، وكانت أعداد العروة الوثقى تصل الشيخ علي بن
…
صورة من خط الشيخ عبد القادر المجاوي
…
ناجي الزاهري، والسيد علي بن العابد السنوسي الزاهري يتداولها الطلبة- في عهد صدورها بباريس من منطقة بسكرة على الزاب الغربي (طولقة) إلى الزاب الشرقي (الخنقة واليانة). والشيخ المولود الزريبي (1). العالم الأزهري كان من رواد الإصلاح في منطقة أوراس وقد التجأ إلى حيلة طريفة، حين دوَّن آراءه الإصلاحية في شرحه على عقائد "المرشد المعين" المشهور عند العامة والخاصة ولما له من تأثير ودراسة الناس له لتتسرب أفكاره إليهم عن طريقه وكان له زميل أزهري جزائري هو الشيخ عسول العبيدي يعارضه في فكرته الإصلاحية مما أدى إلى وقوع مناظرات بينهما أمام الشيخ علي بن فاجي وجماعة من طلبة "اليانة" وكان موضوعها "محدثات الأمور في الدين" ولما جاء الشيخ الطيب العقبي إلى الجزائر وقعت بينه وبين المولود الزريبي خصومات وشرح وجهة نظره في الجريدة التي كان يحررها "جريدة الصديق" بينما لم يجد العقبي مجالاً ينازل فيه خصمه (2).
إن زيارة الأستاذ الإمام محمد عبده أكدت الاتصال الفكري السابق لها وزادته رسوخاً وسيأتي الكلام عليها بالتفصيل.
(1) هو المولود بن محمد بن عمر الزريبي نسبة إلى زريبة الوادي وهي قرية تبعد عن بسكرة 82 ميلا. بعد حفظه القرآن ودراسته على الشيخ حامد العبيدي سافر إلى مصر ودرس على الشيخ محمد بخيت ثم رجع إلى الجزائر وعلم في مسقط رأسه. ثم انتقل إلى أوراس ثم إلى العاصمة حيث تولى تحرير جريدة "الصديق" التي يديرها محمد بن بكير الميزابي، تولى التدريس في الجامع الأعظم بالعاصمة ثم التحق ببو فاريك حيث توفي سنة 1925 وله من المؤلفات: كتاب الأخلاق لم يتمه، وشرح على المرشد المعين، وشرح على قدسية الأخضري، وشرح على كتاب البيوع من مختصر خليل. أنظر شعراء الجزائر في العصر الحاضر لمؤلفه الهادي السنوسي الزاهري مطبعة النهضة تونس 1346هـ 1927م ج 2 ص 99 - 104.
(2)
حدثني بهذا الأستاذ الهادي السنوسي.
ولا يمكن بهذا الصدد ان ننسى الحركة الصوفية الإصلاحية الثورية وهي حركة محمد بن علي السنوسي (1843) التي اعتقد صاحبها أن الدعوة الأخلاقية والتجديد الروحي هما الأساس للتحرر من السلطة الأجنبية (1) فلقد تركت أثراً بعيد المدى في المغرب الإسلامي، وهي حركة متصلة بالثورة الوهابية (3) وبتعاليمها رغم أن مؤسسها صوفي، ولكنه ليس كالصوفية الآخرين الذين وجدوا في عصره.
ومن الشيوخ الذين كوَّنوا هذه المدرسة الرائدة في الإصلاح الأستاذ عبد الحليم بن سماية (3) حفظ القرآن ومختلف المتون معتمداً على نفسه وبمساعدة والده وتتلمذ على شيوخ كبار أمثال الشيخ بن عيسى الجزائري، والمكي بن عزوز وأبي القاسم الحفناوي والسعيد بن زكري، وعلم في المدرسة الكائنة بشارع السفراء، بباب الوادي في سنة 1896م مع الشيخ عبد القادر المجاوي وهي مدرسة خاصة بتعليم اللغة العربية (4).
كما أنه علَّم جيلاً من الطلاب في المدرسة الثعالبية حفظوا العربية
(1) لثروب ستودارد حاضر العالم الإسلامي ج 2 ص 105.
(2)
أخذ محمد بن علي السنوسي عن الشيوخ الوهابيين حينما حج بيت الله الحرام وهناك في مكة وضع خطة الإصلاح. المرجع السابق 105
(3)
هو عبد الحليم بن علي بن سماية ولد بالجزائر سنة 1242هـ (1866م) هاجر أبوه مع جده لأمه الشيخ الكبابطي إلى مصر في عهد محمد علي وهناك تكون وأصبح ذا ثقافة واسعة ثم عاد إلى الجزائر مدرساً في الجامع الجديد بالعاصمة. أنظر نهضة الجزائر الحديثة ج 1 ص 118
حفظ عبد الحليم القرآن على الشيخ حسين أبي شاشية وأخذ العربية والفقه والتوحيد عن والده، والمنطق والبلاغة عن الشيخ طاهر تيطوس، والحساب والفرائض عن صهره علي بن حمودة، أنطر مجلة التلميذ العدد 3 - 4 سنة 1351هـ (1933م) ص 10 - 13
(4)
المصدر السابق ص 108 وبحث ابن أبي شنب (سعد الدين) المشار إليه سابقا ص 46 ومجلة التلميذ العدد 3 سنة 1933م.
- صورة -
الشيخ عبد الحليم بن سماية المتوفى سنة 1351هـ
ــ
في العاصمة الجزائرية فترة من الزمن وتمسكوا بعقائد الإسلام، وكان متصلاً بالحركة السلفية الإصلاحية في العالم الإسلامي، مراقباً الأحداث في الصحف العربية والفرنسية، كان يعتمد الكتب الأصيلة في الدين والعربية في تدريسه، يقريء رسالة التوحيد لمحمد عبده، وهو أول من درس كتابي أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز (1) لعبد القاهر الجرجاني،
(1) طبع الأول سنة 1320هـ والثاني في 1321هـ وحققه الشيخ محمد عبده، والشيخ محمد محمود التركزي "الشنقيطي".
وهذان الكتابان اهتم بهما محمد عبده، لأنهما يمثلان الدراسات الأدبية النقدية التي من شأنها تربية الملكات، وتكوين الأذواق لطلاب الفصحى، في الأزهر وغيره. ولا شك أن الشيخ عبد الحليم الذي درس الموسيقى، وتعلم الضرب على العود، ووعت ذاكرته حظاً وافراً من التوشيحات الجزائرية، لا يفوته أن يختار لطلابه كتب الأدب الرفيع، وأصول النقد العربي وأن يبعد عنهم البلاغة المنطقية الباردة، التي يمثلها السكاكي
.....
- صورة -
يرى الشيخ عبد الحليم بن سماية مع الشيخ محمد عبده حين زيارته للجزائر وما ذكره أحمد أمين في كتابه "زعماء الإصلاح" من أن هذه الصورة مأخوذة من تونس غير صحيح
.....
وأضرابه، ممن أفسدوا البلاغة العربية والأساليب الأدبية فذهب ماؤها، وفقدت جمالها وروعتها.
كان يدرِّس في القسم الرابع من المدرسة الثعالبية ألفية ابن مالك بشرح ابن عقيل أو شرح الأشموني، والعقد الفريد أو نهج البلاغة وديوان الحماسة، وفي القسم الخامس المفصل للزمخشري، وشيئاً من السلّم في المنطق، وأحيانا يدرس التلخيص وقد يستعيض عنه بدلائل الإعجاز أو أسرار البلاغة، كما يستعيض عن "السلّم" بكتاب التهذيب أو البصائر النصيرية، وهما كتابان درَّسهما محمد عبده في الأزهر وعلّق على الثاني منهما ولما أسند إليه تدريس التفسير والتوحيد، كان يدرس كتاب "الإقتصاد في الاعتقاد" للإمام الغزالي و "رسالة التوحيد" لمحمد عبده وكان طلاب الفلسفة أو طلاب المدرسة الثعالبية الذين يحضرون دروسا في الفلسفة بكلية الآداب في جامعة الجزائر، يعرضون عليه بعض الشُبَه بوحي من بعض مدرِّسي الفلسفة، فكان يرد عليها ويدحضها، وهذا ما أدى به إلى تأليف رسالة مهمة في التوحيد والردّ على شبه المبطلين والملحدين (1) - وتوفي الشيخ عبد الحليم في 7 رمضان (1351هـ 4 جانفي 1933م)(2) وكان قد مرض مرضاً عقلياً لشدة
(1) كتب أحد تلاميذه من غير أن يذكر اسمه في مجلة التلميذ العدد 3، 4 السنة الثانية من شهر رمضان- شوال 1351هـ جانفي- فيفري 1933 ص 10 - 13 مقالا أخذت منه هذه المعلومات والجدير بالذكر أنه ذكر في المقال أن للشيخ ابن سماية رسائل جليلة كما وعد بنشر رسالة التوحيد وهذه المجلة مجلة شهرية انتقادية أخلاقية لسان حال الطلبة المسلمين بالجزائر. إدارتها كانت بنادي الترقي كما كتب أحد تلامذته أبو العباس التجاني مقالاً في هذا العدد بعث به من المغرب يرثي به شيخه الراحل.
(2)
كتب على قبره الموجود بمقبرة سيدي عبد الرحمن الثعالبي العبارة التالية: (ضريح المرحوم العلامة سيدي عبد الحليم بن سيدي
>>>
ويلات الاستعمار واضطهاده إياه، كما كانت له نوادر يتناقلها الناس إلى اليوم.
والواقع أنه ألف بعض الكتب منها كتاب "فلسفة الإسلام" وقد قرأ الفصل الأول منه في مؤتمر المستشرقين الدولي الرابع عشر الذي انعقد في الجزائر 1905 وحضره عبد العزيز جاويش ومحمد بن أبي شنب والمستشرق الألماني كارل فولرس (1) وله عدة مقالات كتبها في الصحافة العربية الجزائرية خصوصاً جريدة كوكب إفريقيا للشيخ محمود كحول (1936). ولما زار ملك المغرب عبد العزيز الجزائر سنة 1319هـ استدعى الشيخ عبد الحليم بن سماية للغذاء مع الوفد وهو حين ذلك مدرس بالجامع الجديد، وأستاذ بالمدرسة الثعالبية فاعتذر وكتب أبياتاً من الشعر بعث بها للسلطان منها:
أمولاي شمس الفضل والعلم والنهى
…
واجدر من يجري اللبيب ثناءه
سلام عليكم عاطر متضرع
…
كمسك ذكا بل لايكون بواءه
وأفضل تكريم وأزكى تحية
…
يقيمان للقدر العظيم وفاءه
ويرأب كل منهما نأي عبدكم
…
بغيبته عما إليه دعاءه
علمت بأن المشي عن جفني واجب
…
إليكم ولكن لي اعتذار وراءه (2)
وأغلب الظن أنه لم يرد أن ينضم للسلطة الفرنسية التي كانت تمثل الجزائر وأن يحضر معهم في موقف رسمي.
<<<
علي بن اسماعيل المتوفي في 7 رمضان 1351هـ الموافق 4 جانفي سنة 1933 م) وقد أرَّخ الأستاذ محمد علي دبوز وفاته سنة 1931 أنظر نهضة الجزائرج 1 ص 126.
(1)
أنظر ابن شنب ص 44 - 45.
(2)
وهي 24 بيتا مثبتة في رسالة "عقود الجواهر في حلول الوفد المغربي بالجزائر" التي طبعت سنة 1319هـ (1902م) بمطبعة فونتان الجزائر وبها 16 ص.
كما نظَّم قصيدة بمناسبة زيارة محمد عبده للجزائر (1321هـ) 1903م منها:
وتلوي إلى تلك المجالس (1) فكرتي
…
فتترك قلبي بالخيال ممتعا
محافل كان العلم فيها مجالسي
…
أسامر بدراً بالجلال تقنعا
فأسمع فصلا من حكيم وحكمة
…
إذا ما بدت خرت ذرى الزور ركَّعا
…
لسان متى يوماً تألق برقه
…
يسبِّح رعد السامعين لما دعا
…
أتى بكتاب في الكلام (2) بيانه
…
يغادر من صم الجنادل خشَّعا
براهينه في النفس والكون والحجى
…
وليست لرسطاليس أو من تصنَّعا
يقودك للبرهان غير مقيد
…
يريك حدود العقل مهما تطلعا (3)
ومجلة المنار (4) تعتبر عند ابن سماية ومحمد بن مصطفى بن الخوجة
(1) مجالس محمد عبده أثناء إقامته في الجزائر.
(2)
يقصد رسالة التوحيد لمحمد عبده وهى رسالة أُعجب بها الشيخ عبد الحليم فكان يدرسها في المدرسة الثعالبية وهو هنا يبين مزايا هذه الرسالة التي يأخذ المؤلف براهينها من النفس والكون والعقل غير مقيد بآراء اليونان (ارسطو) بل كان حراً في عقله وبرهنته.
(3)
نهضة الجزائر المباركة ج 1 ص 125 نقلا عن المنار مج 6 ص 917.
(4)
صدر العدد الأول من المنار كصحيفة أسبوعية ذات ثماني صفحات في 22 شوال سنة 1315هـ/17 مارس 1898 وآخر ما طبع منها ج 2 من م 35 في 29 ربيع الثانى 1354هـ/1935 وغرضها نشر الإصلاحات الإجتماعية والدينية والاقتصادية وإقامة الحجة على أن الإسلام باعتباره نظاماً دينياً لا يتنافى مع العصر الحالي ويعتبر المنار خلفاً للعروة الوثقى أنظر كتاب عدد 33 من سلسلة أعلام العرب ص 135 وهو كتاب للدكتور إبراهيم أحمد العدوي طبع سنة 1964م بالقاهرة.
" مَدَد الحياة " وكان بينه وبين الشيخ محمد عبده مراسلات يقول رشيد رضا (1): (ومن خيار العلماء الشيخ محمد بن الخوجة صاحب المصنفات والشيخ عبد الحليم بن سماية وقد عهد هؤلاء الفضلاء إلى الشيخ محمد عبده أن يوصي صاحب المنار بأن لا يذكر في مجلته دولة فرنسا بما يسوؤها لئلا تمنع المنار من الجزائر وقالوا له: ((إننا نعده مَدَد الحياة لنا فإذا انقطع انقطعت الحياة عنا)) (2).
وأما محمد بن مصطفى بن الخوجة (3) فهو أكثر الأساتذة حرصاً على مطالعة كل ما يرد من المشرق من الكتب والجرائد والمجلات (4) وخاصة كتب محمد عبده ورسائله أخذ عليه محمد عبده لبَّه واستولى مذهبه في الإصلاح على نفسه، يطالع العروة الوثقى والمنار وغيرهما، كما يقرأ للشيخ رشيد رضا مقالاته في المجالس ويشرحها. ولما وصله تفسير سورة (والعصر) درسه عشر مرات وشرحه لمن يتتبعون حركات الإصلاح في الجزائر من العلماء والطلبة والأعيان فاستحسنها هؤلاء وأثنوا عليها وكتب بهذا إلى الشيخ محمد عبده يخبره به (5)، ولما عزل
(1) ولد رشيد رضا في قرية القلمون بطرابلس الشام 27 جمادى الأولى سنة 1282هـ/1865م وتوفي في 22 أغسطس سنة 1935م.
(2)
تاريخ الأستاذ الإمام ج 1 ص 871.
(3)
ولد بعاصمة الجزائر في سنة 1281هـ 1865م وتوفي في 7 شوال 1333هـ سبتمبر 1917 كتب في جريدة "المبشر" من سنة 1304 إلى 1319هـ (1886 إلى 1901) درس في مسجد سفير ابتداء من سنة 1312هـ 1895م كما اشتغل وكيلاً لمقام سيدي عبد الرحمن الثعالبى سنة 1332هـ (1919) أنظر بحث سعد الدين بن أبي شنب المذكور سابقاً ص 52 وكتاب صفحات في تاريخ مدينة الجزائر تأليف نور الدين عبد القادر قسنطينة 1965 ص 174.
(4)
المصدر السابق.
(5)
المنار مج 6 ص 917.
من عمله لصلته بمحمد عبده وبمحمد فريد أخذ يلقي الدروس في جامع حي بلكور، قال المرحوم عمر راسم:"الشيخ محمد بن مصطفى شاعر الجزائر في وقته وأفصح علمائها وأعلمهم بتراجم علماء الجزائر كثير الاطلاع وَلُوعٌ بالكتب العصرية شَغُوفٌ بمحبة الشيخ عبده وهو الذي أدخل مذهبه إلى الجزائر وعرف الناس به وبجمال الدين الأفغاني وأصحابهما يعرف الشرق كأنه عاشره مائة سنة، حُلْوُ الكلام، كان إذا خطب يستدل بالآيات والأحاديث كأن القرآن وكتب الآثار مرآة أمام عينيه"(1) إنه شاعر وكاتب وصاحب تجديد ولقد خسر الأدب الجزائري أثراً فنياً رائعاً من آثاره، وهو ديوانه الذي فقد مع مقدمة له، كما أن له رسالة في تراجم علماء جزائريين (2). اهتم بالحياة الإجتماعية والأخلاقية وبوضع المرأة المسلمة الجزائرية فكتب كتاب "الإكتراث في حقوق الإناث"(3) وكتاب "اللباب في أحكام الزينة واللباس والاحتجاب"(4) وكتاب "إقامة البراهين العظام على نفي التعصب الديني في الإسلام"(5)، كما حقق ونشر تفسير عبد الرحمن الثعالبي من أهل القرن التاسع المسمى بالجواهر الحسان مقابلاً له على سبع نسخ (6) وله رسائل أخرى مفيدة في مختلف الموضوعات الإجتماعية والصحية. وأهم ما يسترعي الإنتباه أنه عمل على نشر
(1) محمد علي دبوز المصدر السابق ص 132 نقلاً عن مخطوط، في تراجم علماء الجزائر للشيخ عمر راسم موجود عند الشيخ النعيمى بقسنطينة.
(2)
المصدر السابق ص 132.
(3)
طبعة سنة 1313هـ/1895
(4)
طبع سنة 1325هـ/1907 في الجزائر بمطبعة فونتانا.
(5)
طبع سنة 1319هـ/1902 بمطبعة فونتانا بالجزائر
(6)
أنظر ابن ابي شنب في بحثه المذكور ص 42.
مخطوط نادر يدعو فيه صاحبه إلى الاجتهاد وهو كتاب: "الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض" للشيخ السيوطي. وهذا ينم عن نزعته الاجتهادية ومعارضته التقليد الأعمى. ومما يؤكد هذا الاتجاه لديه أنه كتب لكتاب "مجموع مشتمل على قوانين مفيدة وتنظيمات سديدة "(1) مقدمة في الشريعة وملاءمتها لكل زمان ومكان ومن جملة الآراء التي يؤيدها ما أورده من قوله: "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأيام"(2) ويدعو في هذه المقدمة المهمة إلى الاستفادة من تجارب الآخرين ولو لم يكونوا مسلمين (3). ويضرب لذلك أمثلة تاريخية مستمدة من تفاعل الحضارات فذكر الغزالي الذي أخذ المنطق اليوناني وأدخله في تيار الفكر الإسلامي (4) ونصح في هذه المقدمة بالرجوع إلى كتاب "أقوم المسالك" لخير الدين التونسي المتوفى في سنة 1307هـ وكتاب "السياسة الشرعية" لجمال الدين قاضي مصر، وكتاب "نهاية الايجاز" للشيخ رفاعة، وكتاب "علم الدين" للشيخ علي باشا مبارك.
ولما اطلع ملك المغرب عبد العزيز حين جاء على رأس الوفد المرافق له- في زيارةٍ للجزائر (5) - على كتب محمد بن مصطفى بن الخوجة
(1) كتبه لجلالة عبد العزيز ملك المغرب مترجماً له عن التراتيب الإدارية والعسكرية الفرنسية بطلب منه.
(2)
ص 8 ينسب هذا القول لغيره. وقد وردت هذه الجملة في مقدمة مجلة الأحكام العدلية كأصل من الأصول العامة وقاعدة من القواعد الكلية.
(3)
ص 9.
(4)
ص 10.
(5)
كانت زيارة عبد العزيز العلوي الحسني سلطان مراكش يوم الثلاثاء22 شعبان 1319هـ في باخرة حربية فرنسية قدمت من طنجة
>>>
أهدى إليه ساعة ذهبية فكتب رسالة: "عقود الجواهر في حلول الوفد المغربي بالجزائر"(1).
وحين قضى الإمام محمد عبده رثاه ابن الخوجة بقصيدة رائعة تعتبر نموذجاً جيداً لشعره جاء فيها:
مصاب جسيم عمَّ كلَّ العشائر
…
وأسلمنا قهراً لحكم المقادر
رمينا بخطب لا يقاس بغيره
…
فجئنا برزء ما له من مناظر
وأكبادنا ذابت أسى وكآبة
…
وأعيننا مثل العيون الهوامر
على موت مفتي المسلمين وفخرهم
…
ومن كان للإسلام نور البصائر
بكت مصر والدنيا جميعاً لفقده
…
وأبناؤها من كل بادٍ وحاضر
وأبدى جميع الناس حزناً وحسرة
…
وأجروا دموعاً كالغيوث المواطر
…
مميزات تآليفه:
تآليفه تنسيك ما حيك قبلها
…
وتغنيك عن جلِّ الطروس الكبائر
أفادت من التحقيق كل يتيمة
…
تقاصر عنها كابر إثر كابر
وحلت بتدقيق عويصاً ومشكلاً
…
بحيث غدا كالبدر يبدو لناظر
عليك بها إن رمت تجني هدايةً
…
وتصبح أستاذ العلوم الغزائر
<<<
إلى مرسى الجزائر يتكون هذا الوفد من القباصي وابنه محمد والشيخ محمد بن عبد الواحد والسيد محمد الهواري والزبير اسكرج وأحمد الجبلي وعبد القادر بن غبريط مترجم السفارة الفرنسية بالمغرب وبهذه المناسبة خطب الشيخ عبد القادر المجاوي مساء الثلاثاء29 شعبان سنة 1319هـ وأقرأ أحد التلاميذ الجزائريين درساً في القرآن وهو عبد العزيز الزناقي وحضر الوفد ختم محمد السعيد الزواوي لصغرى السنوسي بجامع سيدي رمضان.
(1)
بتاريخ 18 رمضان 1319هـ ونشرها في 17 شوال سنة 1319هـ قرظها عبد القادر المجاوي وحمو بن احمد الدراجي قاضي الحنفية بالجزائر.
كتابته:
وانشاؤه قد زاد حسنا وبهجة
…
على الدر بل زهر الدراري السوافر
إذا خط أعيا الكاتبين وكم أتى
…
بسحر بيان في معان زواهر
"فعروته الوثقى" تريك بلاغة
…
يدين لها قس وعبد لقاهر
آهاته عليه:
فواها على شمس المعارف والتقى
…
وواها على التذكير فوق المنابر
وواها على التدريس في كل مذهب
…
وواها على الأقلام بعد المحابر
وواها على التوحيد والفقه واللغى
…
وواها على التفسير أصل العناصر
وواها وواها ألف ألفٍ ولن أفي
…
ولو أنني نمَّقت كل الدفاتر
وأنى لنا الصبر الجميل وقد هوى
…
منار الهدى واندك طود المفاخر
ورضى الأماني والمكارم قد زوى
…
وقد كان للعافين إحدى الذخائر
وغيض عباب العلم والجود في الثرى
…
كذا فليكن غيض البحور الزواخر
أعماله:
فمن لكتاب الله يكشف سره
…
ويشرحه وفق الفنون الحواضر
فقدنا إماماً كان حجة عصره
…
وقدوة أرباب النهى والمظاهر
حكيما سما فوق السماك بهمة
…
هماماً جليل القدر حر الضمائر
فيأمر بالمشروع في كل محفل
…
وينهى عن المحظور طبق الأوامر
ويصدع بالقول الصحيحِ نصيحة
…
ولا يرهبنَّ في الحق أقسى الجبابر
وكم ذب عن دين النبي محمد،
…
ودافع عنه بالردود البواتر
فضائله سارت إلى كل وجهة
…
وأخلاقه مثل الرياض النواظر
وما دأبه إلا اتخاذ صنيعة
…
وكسب معال وابتناء مآثر
وانفاق مال في سبيل مبرة
…
واسداء معروف لبرِّ وفاجر
وإرشاد ضلِّيل وإصلاح فاسد
…
وابداء مستورٍ وإحياء داثر
وتقويم منآد وتوضيح منهجٍ
…
موارده مأمونة كالمصادر
مناقب لم يبلغ مداهن ناثر
…
فصيح ولم يستوفها نظم شاعر
عليه سلام الله ما عبرة همت،
…
وما فاه بالتأبين عبد جزائري (1)
..... الخ.
إن هذه المرثية تعبر عن معرفة صاحبها بمحمد عبده وخبرته به خبرة مَن لازَمه، ودرس آثاره وكتبه، وتتبع نشاطه، تتبع المعجب بمن أعجب في خصائص فن الكتابة، ومعالجة القضايا العقلية والشرعية وحل المشكلات وطريقة التدريس والتفسيير وفقاً للحياة العلمية والثقافية المعاصرة:
فمن لكتاب الله يكشف سره
…
ويشرحه وفق الفنون الحواضر
كما أن هذه القصيدة تدل على أن الشاعر درس العروة الوثقى:
فعروته الوثقى تريك بلاغة
…
يدين لها قس وعبد لقاهر
وعلى أنه اطلع على رسالة التوحيد وعلى ما كتبه محمد عبده في اللغة والفقه والتفسير:
وواهاً على التوحيد والفقه واللغى
…
وواهاً على التفسير أصل العناصر
وقرأ أيضاً رده على هانوتو وزير الخارجية الفرنسية الذي طعن في الإسلام:
وكم ذب عن دين النبي محمد
…
ودافع عنه بالردود البواتر.
والحقيقة أن هذه القصيدة أكبر برهان على أن محمد عبده له مدرسة في الجزائر وعلى رأسها محمد بن مصطفى بن الخوجة وهذا عنصر من أهم العناصر في النهضة الإسلامية الحديثة في الجزائر.
(1) رشيد رضا، تاريخ الأستاذ الإمام ط 2 (دار المنار) القاهرة 1367هـ ج 3 ص 349 - 351 تحت عنوان: مرثية الجزائر: من نظم الأستاذ الفاضل الشيخ محمد بن مصطفى بن الخوجة المدرس بجامع سفير بمدينة الجزائر وصاحب التصانيف المشهورة.
ومن أعضاء هذه المدرسة الشيخ محمد بن القائد علي الذي كان إماماً بالجامع الجديد وقصيدته التي بكى بها محمد عبده تشير إلى أنه اطلع على تفسيره وعلى كتابه في التوحيد وعبر فيها أيضاً عن تأثير زيارة الشيخ محمد عبده للجزائر في نفسه وإخوانه الذين كانوا معه.
يقول:
غاض بحر العلوم أين العزاء
…
وعيون الأنام سحب دماء
فبكى المسلمون حزناً عليه
…
وبكى الدين والتقى والحياء
…
عبده الفيلسوف أحيا قلوباً
…
ميتات أماتها العلماء
حجة الله والرسول بعصر
…
جاء يهدي أقوامه فأساؤوا
فسَّر الذكر الحكيم بفهم
…
عجزت عن أدائه البلغاء
وكتاب التوحيد فهو لدينا
…
مغنطيس القلوب بل كهرباء
…
ومنها:
عبده كنت بالجميل تربي
…
صبية العلم والعلوم غذاء
عبده كانت المحافل تزهو
…
والنوادي وأنت فيها سماء
عبده أين من يروم صلاحاً
…
لأناس غووا وعزَّ الدواء
قال مشيراً إلى زيارة محمد عبده للجزائر:
قد سعدنا بزورة منه جاءت
…
بسعود يفر منها الشقاء
كم سهرنا ومنه نلنا علوماً
…
ما سمعنا بها ولا الآباء (1)
فمحمد عبده عنده فيلسوف، محي القلوب الميتة، وحجة العصر،
(1) المصدر السابق ج 3 ص 304 تحت عنوان: وقال معدن الإخلاص والفضل الأستاذ الشيخ محمد ابن القائد علي الإمام بالجامع الجديد في مدينة الجزائر.
ومفسر القرآن بما يعجز عنه البلغاء، ومربي الشبان، وزينة المحافل، وسماء النوادي، وكتابه التوحيد مغنطيس القلوب وكهرباؤها وأنه سهر معه الليالي ونال منه علوماً ما كان يسمع بها وهذا أكبر برهان على مدى تأثير محمد عبده في الحياة العلمية والعقلية بالجزائر والغريب أن إمام مسجد يعبر عن محمد عبده بأنه فيلسوف كما وصفه محمد بن مصطفى ابن الخوجة بالحكيم. وهذا الوصف كان يعتبر- عند الفقهاء مرادفاً للالحاد والكفر. والظاهرة التي تلفت النظر أن الشاعر الجزائري ينسب موت القلوب للعلماء باعتبارهم مسؤولين عن خمودها وموتها وبذلك أشار إلى محور مذهب محمد عبده في الإصلاح وهو "النفس". ورثاه أحد الجزائريين نثراً ولكنه لم يصرح باسمه وإنما رمز له بـ (ع. ز) وصفه بأنه فيلسوف الإسلام ومما جاء فيها:"وها نحن حامدون الله حمداً لا غاية لحدِّه، ولا حصر لعدِّه على أن منَّ الله علينا برؤية حضرته الغراء وطلعته الزهراء في السنة الماضية في أيام الراحة في فصل الصيف ومكث عندنا عشرة أيام وحاضرناه وشافهناه وظللنا معه في تلك الأيام كل يوم، وسامرناه ومسارح الأشباح نابغة بالفرح والسرور، ومخاوف القلوب يانعة بالابتهاج والحبور، ونلنا منه في تلك الأيام القلائل ما شاء الله أن ننال، وخاطبنا بخطاب أشهى من طعم الضَرَب بأفصح كلام العرب، ترى الدر يقطر من عذوبة لسانه فيبريء الإنسان من أحزانه، وكشف لنا عن دقائق المسائل والناس من حوله بين مصغ وسائل"(1) وتعرض لأثر موت محمد عبده في الجزائر فوصفه قائلاً: "حتى كاد يقع لبعض الجزائريين ما وقع لسيدنا عمر بن الخطاب في موت خير الأنام حيث قال للناس: " مَن قال منكم مات محمد أضرب عنقه" (2).
(1) تاريخ الأستاذ الإمام ج 3 ص 297 - 298.
(2)
ن. م. ص 298.
وذكر أن بعض العلماء الجزائريين ينكر موته لغاية إرسال التعزية وفي آخر الرسالة اقترح: "أن تنشر محرراته وجميع ما فَاهَ به في حياته لتتم فائدة الجميع"(1) ولم يكن تأثير محمد عبده مقتصراً على الجزائر من بين أقطار المغرب الإسلامي بل ربما كان تأثيره على تونس أكثر، ويعتبر الشيخ محمد النخلي القيرواني رائد النهضة الثقافية وأحد مدرسي جامع الزيتونة الناقذ الذكي المتوفى في رجب من سنة 1342هـ والشيخ الطاهر بن عاشور من أبرز ممثلي آرائه في الإصلاح. ولما توفي محمد عبده رثته صحافة تونس ومن بينها جريدة "الحاضرة" (2) للسيد علي بوشوشة كتب فيها محمد بن الخوجة المتوفى 1325هـ مقالاً يرثيه وما ورد في هذا المقال يدل على وجود صلات شخصية بينه وبين أتباعه في تونس قال:"كنا على وجل الإشفاق من أخبار صحته التي أخذت في الانحطاط من أربعة أشهر فارطة واضطرته للاتتقال من القاهرة للإسكندرية بنية السفر لتغيير الهواء خارج القطر المصري فكنا نستطلع أحواله آناً فآناً ونجدد معه عهود المودة الوثيقة ونستمد من أنوار علومه على بعد الدار فكان الرشيد المرشد لمن قرب أو نأى، وآخر العهد به ورود مكتوب منه على أحد أصحابنا ممن لهم معه علقة علمية ورابطة وداد"(3) ويقول صاحب المقال: "ولدينا في الحوادث العرابية رسالة من إنشائه كنا أخذناها منه عند زيارته الأولى لتونس"(4) ومحمد عبده زار تونس وألقى بها محاضرة في التربية والتعليم كان لها
(1) ن. م. ن. ص.
(2)
تأسست تحت إشراف سالم بو حاجب في ذي القعده سنة 1305 - 1888م وهي أول جريدة عربية غير رسمية بتونس أنظر كتاب أركان النهضة الأدبية بتونس للأستاذ الفاضل بن عاشور ص 036
(3)
رشيد رضا تاريخ الأستاذ الإمام ج 3 ص 120.
(4)
ن. م.
أثرها البالغ. ورثته صحيفة أخرى تونسية تدعى "الصواب" يصدرها السيد محمد الجعايبي (1) وكتب أحد أساطين الزيتونة الشيخ الأكبر الأستاذ الطاهر بن عاشور تعزية إلى الشيخ رشيد رضا (2) يقول فيها: "عرفت الأستاذ الإمام معرفة شهود بتونس في سنة 1321هـ فعرفت من ملاقاته الأولى رجل العزم والإرادة والفكر وبلاغة القول وشدة الفراسة وتكافئى القوى العملية والفكرية حتى لقد كان من سكون نفسي إليه والفتها به واعتلاق صداقته في أمدٍ وجيز ما يكون مثله في السنين الطوال فصارت ذكراه تفعل في نفسي فعل ذكرى والد رحيم
…
يقابلني تمثال الأستاذ في منزلي مرات وأذكر كلماته وتفسيره مهما قرأت سورة في صلاتي" (3) واقترح فيها على الأستاذ رشيد رضا أن يجمع آثار محمد عبده ويطبع جميع تآليفه ورسائله الأدبية والعمرانية، كما سأله عن وجود أعداد جريدة العروة الوثقى في مصر لأنه لا يملك إلَاّ عدداً واحداً منها ويود جمع بقية الأعداد. وطلب منه أن يخبره هل كتب الشيخ محمد عبده شيئاً عن رحلته إلى الجزائر وتونس والآستانة وغيرها من البلاد (4). وأرسل الشيخ محمد شاكر من صفاقس إلى الشيخ رشيد رضا رسالة تعزية أخرى وصف فيها محمد عبده بالحكيم، والمصلح وأنه هو الذي "زحف بجيش اقدامه على البدع والأوهام" (5).
والواقع أن الأستاذ الإمام زار تونس مرتين الأولى كانت سنة 1300هـ ودامت أربعين يوما، والثانية كانت سنة 1321هـ. ومن الذين عرفوا
(1) العدد 61 الصادر في 25 جمادى الأولى 1323هـ 1905م
(2)
مؤرخة في 23 جمادى الأولى سنة 1323هـ 1905م أنظر تاريخ الأستاذ الإمام ج 3 ص 294.
(3)
المصدر السابق ج 3 ص 294 - 295.
(4)
ن. م. ص 295 - 296.
(5)
ن. م. ص 296.
الأستاذ محمد عبده البشير صفر والشيخ سالم بو حاجب (1243 - 1342) والشيخ محمد بيرم 1342م يعتبر من أعضاء الجمعية السرية الإسلامية العالمية التي أسسها جمال الدين الأفغاني وهي جمعية العروة الوثقى (1) وكتب الشيخ سالم بوحاجب تقريظاً لرسالة التوحيد أرسله إلى محمد عبده بتاريخ 7 شوال 1317هـ (2).
وأما المغرب الأقصى، فإنه وجدت فيه بذور الإصلاح منذ محمد بن كنون (1302هـ -1884م). وتأثر أيضاً بالحركة الإصلاحية العبدوية. ذكر لنا شكيب أرسلان أن الشيخ إبراهيم التادلي من أكابر علماء المغرب حينما أدى فريضة الحج مر على بيروت والأستاذ الإمام بها فذهب شكيب ومحمد عبده والشرتوني (3) لزيارته والسلام عليه، ومن بين الأسئلة التي وجهها إليه محمد عبده: هل في المغرب اليوم مؤلفون في أصناف العلوم المختلفة؟ فأجابه التادلي: نعم يوجد مؤلفون في المغرب إلا أن العلم لا ينتشر بقوة التأليف وإنما ينتشر بقوة التدريس وكثرة المذاكرة الشفوية. وعلق الأستاذ الإمام على قوله: بأنه أحسن ما سمعه من كلامه. ولكن يبدو أن الشيخ التادلي عالم تقليدي لم يكن مطلعاً على أحوال عصره لأنه- فيما يقص شكيب أرسلان ألقى درساً في الجامع العمري الكبير في البسملة وما تتضمنه من العلوم والمعارف والفنون (4) وكان الناس ينتظرون منه أن يلقي محاضرة في أمراض العالم الإسلامي ووسائل علاجه.
(1) الفاضل بن عاشور، أركان النهضة الأدبية بتونس، مطبعة النجاح، بتونس (دون تاريخ) ص 24.
(2)
تاريخ الأستاذ الإمام ج 1 ص 784.
(3)
هو سعيد الخوري الشرتوني لبناني مسيحي قرظ رسالة التوحيد لمحمد عبده وكتب إليه في ذلك بتاريخ 6 ربيع الأول سنة 1316هـ.
(4)
تاريخ الأستاذ الإمام ج 1 ص 411 - 412
ولا شك أن المنار أثر في الحياة الثقافية في المغرب الأقصى مما جعل بعض وزراء مولاي عبد العزيز سلطان المغرب يكتبون إلى السيد رشيد رضا طالبين منه أن يرسل إليهم رجلاً مصلحاً يجمع بين الشريعة والسياسة ويعرف شؤون الإدارة ليكون وسيلة لإقناع السلطان بضرورة الإصلاح السياسي والاجتماعي والديني الذي يدعو إليه المنار. وأخبر رشيد رضا أستاذه محمد عبده بالأمر فمال إلى السفر بنفسه ولكنه عرف الصعوبات التي تحول بينه وبين الاتصال بالسلطان لأن الإنكليز والفرنسيين والأوربيين بصفة عامة يعارضون ذلك ويتربصون الدوائر بالمغرب الأقصى وهم قد شرطوا أن يكون الأمر سراً فقرر السيد رشيد رضا إرسال السيد عبد الحميد الزهراوي ولكن لم ينفذ شيء من ذلك (1). ومن المغاربة الذين لهم صلة بالشيخ محمد عبده: الشيخ إدريس بن عبد الهادي، والمهدي الوزاني وأكثرهم تأثراً بمحمد عبده إنما هو الشيخ شعيب الدكالي الذي زار الشرق ورجع لقيادة الشبان نحو الدعوة الإصلاحية سنة 1325هـ (2) وواصل العمل الإصلاحي من بعده الشيخ المجاهد محمد بن العربي العلوي (1964م) الممثل الحي للسلفية في المغرب الأقصى.
وهناك نوع آخر من خدمة المجتمع يعتبر من عوامل الإصلاح الثقافي ونشر الوعي بماضي الأمة وهو يتمثل في عمل أبي القاسم الحفناوي (3) الذي قام بتأليف كتاب يحوي تراجم العلماء الجزائريين
(1) م. س. ص 870.
(2)
أنظر "التعاشيب" لعبد الله كنون.
(3)
ولد سنة 1269هـ (1852) كان من محرري الجريدة الحكومية الرسمية (المبشر) ومدرساً بالجامع الأعظم بالجزائر كما تولى منصب الإفتاء توفى 1361هـ (1942) أنظر بحث بن شنب ص 48 نقلاً عن التقويم الجزائري لسنة 1330هـ (1912) ص 169 - 170
فرغم أن هذا الكتاب ليست له صبغة علمية فإنه مفيد لأنه جمع مادة غزيرة يمكن للباحث أن يدرسها دراسة علمية.
وأهم شخصية خدمت اللغة العربية والثقافة الإسلامية وتاريخ الحضارة الإسلامية في المغرب الأوسط إنما هو العلامة الدكتور محمد بن أبي شنب (1) وعمله يتسم بطابع علمي مما جعله ينتخب للتدريس بكلية الآداب بجامعة الجزائر ولعضوية المجتمع العلمي العربي بدمشق ويمتاز بمعرفته عدة لغات حية وميتة من لاتينية وألمانية وفرنسية وإيطالية وإسبانية وفارسية وتركية (2).
من الكتب التاريخية التي حققها ونشرها كتاب "الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية" لأبي العباس أحمد الغبريني (3). وكتاب "البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان"، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد الملقب بابن مريم الشريف المليتي المديوني التلمساني (4) ومن أهم الآثار التي أخرجها الأستاذ ابن أبي شنب كتاب "طبقات علماء إفريقيا" لأبي العرب التميمي (5) مع كتاب "طبقات علماء تونس" لمحمد الخشني (6) كل ذلك في مجلد واحد. ومنها
(1) ولد سنة 1286هـ بمدينة المدينة كان مدرساً بالمدرسة الثانوي بقسنطينة وبالمدرسة الثعالبية.
(2)
سعد الدين ابن ابي شنب بحثه المذكور سابق ص 55 وأنظر "ذكرى الدكتور محمد ابن أبي شنب" تأليف عبد الرحمن الجيلالي.
(3)
توفي في 12 ذي القعدة سنة 714هـ.
(4)
لا نعرف تاريخ وفاته وإنما نعلم أنه اتم كتابه المذكور سنة 1014هـ أنظر شجرة النور الزكية في طبقات المالكية تأليف محمد بن محمد مخلوف طبع القاهرة 1350 - ص 296.
(5)
توفي بالقيروان سنة 333هـ (945م)
(6)
توفي 360هـ (981م).