الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْخَطَأِ، فَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَاتِل قَصَدَ الْفِعْل يُشْبِهُ الْعَمْدَ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ الْقَتْل يُشْبِهُ الْخَطَأَ، وَلِهَذَا رُوعِيَ فِي عُقُوبَتِهِ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ مَعًا، فَتُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِيهِ مِنْ نَاحِيَةِ أَسْنَانِ الإِْبِل، وَتُخَفَّفُ مِنْ نَاحِيَةِ وُجُوبِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمِنْ نَاحِيَةِ التَّأْجِيل فَتُؤَدَّى مِنْ قِبَل الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي آخِرِ كُل سَنَةٍ ثُلُثُهَا. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لَا أَعْلَمُ فِي أَنَّهَا تَجِبُ مُؤَجَّلَةً خِلَافًا بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم (1) .
وَلَا تُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي غَيْرِ الإِْبِل عِنْدَ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّهَا مُقَدَّرَةٌ، وَلَمْ يَرِدِ النَّصُّ فِي غَيْرِ الإِْبِل فَيُقْتَصَرُ عَلَى التَّوْقِيفِ (2) .
وَاخْتَلَفَ الْجُمْهُورُ فِي أَسْنَانِ الإِْبِل الْوَاجِبَةِ فِي دِيَةِ الْقَتْل شِبْهِ الْعَمْدِ:
فَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْل مُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّهَا مُثَلَّثَةٌ، ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا. وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: هِيَ مِائَةٌ مِنَ الإِْبِل أَرْبَاعًا: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً،
(1) مغني المحتاج 4 / 55، والمغني لابن قدامة 7 / 766، 767.
(2)
اللباب 2 / 44، وكشاف القناع 6 / 19.
وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً (1) .
وَفِي بَيَانِ مِقْدَارِ مَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ: (ر: عَاقِلَة) .
الثَّالِثُ: الْقَتْل الْعَمْدُ:
17 -
الأَْصْل أَنَّ الْقَتْل الْعَمْدَ مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُْنْثَى بِالأُْنْثَى. . .} الآْيَةَ (2) .
فَمَنْ قَتَل شَخْصًا عَمْدًا عُدْوَانًا يُقْتَل قِصَاصًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الدِّيَةَ لَيْسَتْ عُقُوبَةً أَصْلِيَّةً لِلْقَتْل الْعَمْدِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالصُّلْحِ (بِرِضَا الْجَانِي) ، كَمَا هُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ أَوْ بَدَلاً عَنِ الْقِصَاصِ، وَلَوْ بِغَيْرِ رِضَا الْجَانِي، كَمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. فَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ لِسَبَبٍ مَا وَجَبَتِ الدِّيَةُ عِنْدَهُمْ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِلَى أَنَّ الدِّيَةَ عُقُوبَةٌ أَصْلِيَّةٌ بِجَانِبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْل الْعَمْدِ. فَالْوَاجِبُ عِنْدَهُمْ فِي الْقَتْل الْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: الْقَوَدُ أَوِ الدِّيَةُ، وَيُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَهُمَا وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْجَانِي (3) .
(1) اللباب شرح الكتاب 3 / 44، 71، ومغني المحتاج 4 / 55، والمغني 7 / 765 - 767.
(2)
سورة البقرة / 178.
(3)
البدائع 1 / 241، والدسوقي 4 / 239، ومغني المحتاج 4 / 48، وكشاف القناع 5 / 543 - 545.