الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَنَقَل النَّوَوِيُّ عَنِ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ فِيهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ وَحُكُومَةً (1) .
هـ -
الدَّامِغَةُ:
69 -
الدَّامِغَةُ هِيَ الشَّجَّةُ الَّتِي تَتَجَاوَزُ عَنِ الآْمَّةِ فَتَخْرِقُ الْجِلْدَةَ وَتَصِل إِلَى الدِّمَاغِ وَتَخْسِفُهُ (2) .
وَلَمْ يَذْكُرْهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي بَحْثِ الشِّجَاجِ؛ لأَِنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ يَمُوتُ بَعْدَهَا عَادَةً، فَيَكُونُ قَتْلاً، لَا شَجًّا.
فَإِنْ عَاشَ الْمَحْنِيُّ عَلَيْهِ بَعْدَ الدَّامِغَةِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالأَْصَحُّ الْمَنْصُوصُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) إِلَى أَنَّ فِيهَا مَا فِي الآْمَّةِ، وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَجِبُ فِيهَا مَعَ الثُّلُثِ حُكُومَةٌ لِخَرْقِ غِشَاءِ الدِّمَاغِ. وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَجِبُ فِي الدَّامِغَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ (3) .
تَدَاخُل الدِّيَاتِ وَتَعَدُّدُهَا:
70 -
الأَْصْل أَنَّ الدِّيَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ
(1) الروضة 9 / 264.
(2)
المصباح المنير، مادة:" دماغ "، والزيلعي 6 / 130، 131، ومغني المحتاج 4 / 58، والمغني 8 / 47.
(3)
الخرشي 8 / 16، والزرقاني 8 / 17، وجواهر الإكليل 2 / 60، والمواق 6 / 246، والدسوقي 4 / 270، ومغني المحتاج 4 / 58.
وَإِتْلَافِ الأَْعْضَاءِ أَوِ الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ إِذَا لَمْ تُفِضْ إِلَى الْمَوْتِ. فَإِنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ مَعًا وَلَمْ يَمُتِ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ تَجِبُ دِيَتَانِ.
وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَعَقْلَهُ وَجَبَ ثَلَاثُ دِيَاتٍ، وَهَكَذَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي رَجُلٍ رَمَى آخَرَ بِحَجَرٍ فَذَهَبَ عَقْلُهُ وَبَصَرُهُ وَسَمْعُهُ وَكَلَامُهُ فَقَضَى فِيهِ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ وَهُوَ حَيٌّ؛ لأَِنَّهُ أَذْهَبَ مَنَافِعَ فِي كُل وَاحِدَةٍ مِنْهَا دِيَةٌ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ دِيَاتُهَا كَمَا لَوْ أَذْهَبَهَا بِجِنَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ.
أَمَّا إِذَا أَفَضَتِ الْجِنَايَةُ إِلَى الْمَوْتِ فَتَتَدَاخَل دِيَاتُ الأَْطْرَافِ وَالْمَعَانِي فِي دِيَةِ النَّفْسِ فَلَا تَجِبُ إِلَاّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ (1) .
71 -
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الأَْصْل اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ إِذَا لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا الْبُرْءُ وَالاِنْدِمَال وَكَانَتْ مِنْ جَانٍ وَاحِدٍ تَتَدَاخَل مَعَ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ.
فَإِذَا قَطَعَ يَدَيْهِ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً قَبْل الْبُرْءِ لَا يَجِبُ عَلَى الْجَانِي إِلَاّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَكَذَلِكَ إِذَا قَطَعَ سَائِرَ أَعْضَائِهِ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً، أَوْ سَرَتِ
(1) بدائع الصنائع 7 / 303، وفتح القدير 8 / 282، والاختيار 5 / 43، والزيلعي 6 / 135، والمواق 6 / 264، وحاشية الزرقاني 8 / 83، وجواهر الإكليل 2 / 270، ومغني المحتاج 4 / 76، والروضة 9 / 306، والمغني 7 / 685 وما بعدها، و 8 / 38.
الْجِنَايَةُ عَلَى الأَْطْرَافِ إِلَى النَّفْسِ فَمَاتَ مِنْهَا (1) .
كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ تَتَدَاخَل الأَْعْضَاءُ فِي مَنَافِعِهَا، وَالْمَنَافِعُ فِي الأَْعْضَاءِ إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى نَفْسِ الْمَحَل، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً أَمْ بِدَفَعَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، إِذَا لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا الْبُرْءُ. فَإِذَا قَطَعَ أَنْفَهُ وَأَذْهَبَ شَمَّهُ لَا تَجِبُ إِلَاّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا أَذْهَبَ بَصَرَهُ ثُمَّ فَقَأَ عَيْنَيْهِ لَا تَجِبُ إِلَاّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَهَكَذَا. وَسَوَاءٌ أَحَصَلَتِ الْجِنَايَتَانِ مَعًا أَمْ بِالتَّرَاخِي بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَخَلَّل بَيْنَهُمَا بُرْءٌ.
وَهَذَا إِذَا اتَّفَقَتْ صِفَةُ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَالأَْطْرَافِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَكَانَتِ الْجِنَايَةُ فِي الأَْطْرَافِ بِالْقَطْعِ وَإِتْلَافِ الْمَعَانِي فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَى الْجِنَايَتَيْنِ انْدِمَالٌ.
وَإِذَا طَرَأَ الْبُرْءُ وَالاِنْدِمَال بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ عَلَى الأَْطْرَافِ، أَوْ عَلَى طَرَفٍ وَمَعْنًى مِنْ نَفْسِ الطَّرَفِ تَتَعَدَّدُ الدِّيَاتُ. فَإِذَا قَطَعَ أَنْفَهُ وَانْدَمَل ثُمَّ أَتْلَفَ شَمَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ. وَإِذَا قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَلَمْ يَسْرِ إِلَى النَّفْسِ وَانْدَمَلَتْ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ، وَهَكَذَا (2) .
أَمَّا إِنِ اخْتَلَفَتِ الْجِنَايَةُ صِفَةً، بِأَنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَمْدًا وَالأُْخْرَى خَطَأً، أَوْ لَمْ يَكُنْ مَحَل الْجِنَايَتَيْنِ وَاحِدًا، وَلَمْ يَتَخَلَّل بَيْنَهُمَا بُرْءٌ، أَوْ كَانَتِ
(1) البدائع 7 / 303، وجواهر الإكليل 2 / 270، والروضة 9 / 307.
(2)
نفس المراجع السابقة.
الْجِنَايَةُ عَلَى طَرَفٍ أَوْ مَعْنًى لَكِنَّهَا سَرَتْ إِلَى طَرَفٍ أَوْ مَعْنًى آخَرَ فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِل وَفُرُوعٍ أُخْرَى مِنْ نَوْعِهَا خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ، بَيَانُ ضَوَابِطِهِ فِيمَا يَلِي:
72 -
يَقُول الْحَنَفِيَّةُ: مَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْل أَنْ تَبْرَأَ، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً فَبَرِئَتْ يَدُهُ ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا فَبَرَأَتْ ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالأَْمْرَيْنِ جَمِيعًا.
جَاءَ فِي الْهِدَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ: الأَْصْل فِيهِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجِرَاحَاتِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ تَتْمِيمًا لِلأَْوَّل لأَِنَّ الْقَتْل فِي الأَْعَمِّ يَقَعُ بِضَرَبَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ وَفِي اعْتِبَارِ كُل ضَرْبَةٍ بِنَفْسِهَا بَعْضُ الْحَرَجِ إِلَاّ أَنْ لَا يُمْكِنَ الْجَمْعُ فَيُعْطَى كُل وَاحِدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ فِي هَذِهِ الْفُصُول فِي الأَْوَّلَيْنِ لاِخْتِلَافِ حُكْمِ الْفِعْلَيْنِ وَفِي الآْخَرَيْنِ لِتَخَلُّل الْبُرْءِ، وَهُوَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَخَلَّل وَقَدْ تَجَانَسَا بِأَنْ كَانَا خَطَأَيْنِ يَجْمَعُ بِالإِْجْمَاعِ لإِِمْكَانِ الْجَمْعِ وَاكْتُفِيَ بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ (1) .
وَقَال الْمُوصِلِيُّ الْحَنَفِيُّ: مَنْ شَجَّ رَجُلاً فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ دَخَل فِيهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ؛ لأَِنَّ الْعَقْل إِذَا فَاتَ فَاتَتْ مَنْفَعَةُ جَمِيعِ الأَْعْضَاءِ فَصَارَ كَمَا إِذَا شَجَّهُ فَمَاتَ، وَأَمَّا الشَّعْرُ فَلأَِنَّ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ لِفَوَاتِ بَعْضِ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ نَبَتَ
(1) الهداية مع الفتح 8 / 282، 283.
سَقَطَ الأَْرْشُ، وَالدِّيَةُ تَجِبُ بِفَوَاتِ جَمِيعِ الشَّعْرِ، وَقَدْ تَعَلَّقَا بِفِعْلٍ وَاحِدٍ فَيَدْخُل الْجُزْءُ فِي الْكُل كَمَا لَوْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ فَشُلَّتْ يَدُهُ
وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ كَلَامُهُ لَمْ تَدْخُل، وَيَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ مَعَ ذَلِكَ، لِمَا رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَضَى فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ؛ وَلأَِنَّ مَنْفَعَةَ كُل عُضْوٍ مِنْ هَذِهِ الأَْعْضَاءِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ لَا تَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الأَْعْضَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ، بِخِلَافِ الْعَقْل فَإِنَّ مَنْفَعَتَهُ تَتَعَدَّى إِلَى جَمِيعِ الأَْعْضَاءِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشَّجَّةَ تَدْخُل فِي دِيَةِ السَّمْعِ وَالْكَلَامِ دُونَ الْبَصَرِ؛ لأَِنَّ السَّمْعَ وَالْكَلَامَ أَمْرٌ بَاطِنٌ فَاعْتَبَرَهُ بِالْعَقْل، أَمَّا الْبَصَرُ فَأَمْرٌ ظَاهِرٌ فَلَا يُلْتَحِقُ بِهِ (1) .
وَقَال الزَّيْلَعِيُّ: الْجِنَايَةُ إِذَا وَقَعَتْ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ فَأَتْلَفَتْ شَيْئَيْنِ، وَأَرْشُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ، دَخَل الأَْقَل فِيهِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عُضْوَيْنِ لَا يَدْخُل، وَيَجِبُ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْشُهُ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ لِلأَْوَّل الْقِصَاصُ إِنْ كَانَ عَمْدًا وَأَمْكَنَ الاِسْتِيفَاءُ، وَإِلَاّ فَكَمَا قَال أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَال زُفَرُ لَا يَدْخُل أَرْشُ الأَْعْضَاءِ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنَايَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ
(1) الاختيار للموصلي 5 / 43.
كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ (1) .
73 -
يَقُول الْمَالِكِيَّةُ: تَتَعَدَّدُ الدِّيَةُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ إِلَاّ الْمَنْفَعَةَ بِمَحَلِّهَا، فَلَوْ ضَرَبَ صُلْبَهُ فَبَطَل قِيَامُهُ وَقُوَّةُ ذَكَرِهِ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ أَمْرُ النِّسَاءِ لَمْ يَنْدَرِجْ، وَوَجَبَتْ دِيَتَانِ، كَمَا أَنَّ مَنْ شَجَّ رَجُلاً مُوضِحَةً فَذَهَبَ مِنْ ذَلِكَ سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتَانِ بِجَانِبِ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ.
أَمَّا إِذَا ذَهَبَتِ الْمَنْفَعَةُ بِمَحَلِّهَا فَتَنْدَرِجُ الْجِنَايَتَانِ، فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَمَحَلِّهَا مَعًا (2) .
وَكَذَا إِذَا جَنَى عَلَى لِسَانِهِ فَأَذْهَبَ ذَوْقَهُ وَنُطْقَهُ أَوْ فَعَل بِهِ مَا مَنَعَ بِهِ وَاحِدًا مِنْهُمَا، أَوْ هُمَا مَعَ بَقَاءِ اللِّسَانِ إِذَا ذَهَبَ كُلُّهُ بِضَرْبَةٍ أَوْ بِضَرَبَاتٍ فِي فَوْرٍ. وَأَمَّا بِضَرَبَاتٍ بِغَيْرِ فَوْرٍ فَتَتَعَدَّدُ بِمَحَلِّهَا الَّذِي لَا تُوجَدُ إِلَاّ بِهِ. فَإِنْ وُجِدَتْ بِغَيْرِهِ وَبِهِ وَلَوْ أَكْثَرَهَا، كَأَنْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَأَقْعَدَهُ وَذَهَبَتْ قُوَّةُ الْجِمَاعِ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ لِمَنْعِ قِيَامِهِ، وَدِيَةٌ لِعَدَمِ قُوَّةِ الْجِمَاعِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهَا فِي الصُّلْبِ.
وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَال الْمَالِكِيَّةِ فِي الأُْذُنِ وَالأَْنْفِ، فَقَدْ نَقَل أَكْثَرُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ فِي الشَّمِّ دِيَةً وَيَنْدَرِجُ فِي الأَْنْفِ كَالْبَصَرِ مَعَ الْعَيْنِ وَالسَّمْعِ مَعَ الأُْذُنِ. وَهَذَا مُطَابِقٌ لِقَاعِدَةِ: إِنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَتَعَدَّدُ بِمَحَلِّهَا، كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ خَلِيلٍ: (وَتَعَدَّدَتِ الدِّيَةُ بِتَعَدُّدِهَا إِلَاّ الْمَنْفَعَةَ
(1) الزيلعي 6 / 135.
(2)
المواق 6 / 264.
بِمَحَلِّهَا) ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، كَمَا قَال الْبُنَانِيِّ (1) .
وَقَال الزَّرْقَانِيُّ: وَلَا يَشْمَل قَوْلُهُ (بِمَحَلِّهَا) الأُْذُنَ وَالأَْنْفَ، وَإِنِ اقْتَضَاهُ كَلَامُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ، بَل فِي قَطْعِ الأُْذُنِ أَوِ الأَْنْفِ غَيْرِ الْمَارِنِ حُكُومَةٌ، وَالدِّيَةُ فِي السَّمْعِ وَالشَّمِّ؛ لأَِنَّ السَّمْعَ لَيْسَ مَحَلُّهُ الأُْذُنَ، وَالشَّمَّ لَيْسَ مَحَلُّهُ الأَْنْفَ بِدَلِيل تَعْرِيفَيْهِمَا (2) .
74 -
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَال الشِّرْبِينِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ: إِذَا أَزَال الْجَانِي أَطْرَافًا تَقْتَضِي دِيَاتٍ كَقَطْعِ أُذُنَيْنِ، وَيَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ، وَلَطَائِفَ (مَعَانِي) تَقْتَضِي دِيَاتٍ، كَإِبْطَال سَمْعٍ، وَبَصَرٍ وَشَمٍّ، فَمَاتَ سِرَايَةً مِنْهَا، وَكَذَا مِنْ بَعْضِهَا وَلَمْ يَنْدَمِل الْبَعْضُ كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ، وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ إِذَا كَانَ قَبْل الاِنْدِمَال لِلْبَعْضِ الآْخَرِ فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَسَقَطَ بَدَل مَا ذَكَرَهُ؛ لأَِنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا، أَمَّا إِذَا مَاتَ بِسِرَايَةِ بَعْضِهَا بَعْدَ انْدِمَال بَعْضٍ آخَرَ مِنْهَا لَمْ يَدْخُل مَا انْدَمَل فِي دِيَةِ النَّفْسِ قَطْعًا، وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا خَفِيفًا لَا مَدْخَل لِلسِّرَايَةِ فِيهِ ثُمَّ أَجَافَهُ (أَصَابَهُ بِجَائِفَةٍ) فَمَاتَ بِسِرَايَةِ الْجَائِفَةِ قَبْل انْدِمَال ذَلِكَ الْجُرْحِ فَلَا يَدْخُل أَرْشُهُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ
(1) جواهر الإكليل شرح مختصر خليل 2 / 270، والتاج والإكليل بهامش الحطاب 6 / 264، وحاشية البناني على الزرقاني 8 / 43.
(2)
شرح الزرقاني على مختصر خليل 8 / 43.
الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، أَمَّا مَا لَا يُقَدَّرُ بِالدِّيَةِ فَيَدْخُل أَيْضًا كَمَا فُهِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ بِالأَْوْلَى، وَكَذَا لَوْ حَزَّهُ الْجَانِي أَيْ قَطَعَ عُنُقَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَبْل انْدِمَالِهِ مِنَ الْجِرَاحَةِ يَلْزَمُهُ لِلنَّفْسِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الأَْصَحِّ الْمَنْصُوصِ؛ لأَِنَّ دِيَةَ النَّفْسِ وَجَبَتْ قَبْل اسْتِقْرَارِ مَا عَدَاهَا فَيَدْخُل فِيهَا بَدَلُهُ كَالسِّرَايَةِ. وَالثَّانِي تَجِبُ دِيَاتُ مَا تَقَدَّمَهَا؛ لأَِنَّ السِّرَايَةَ قَدِ انْقَطَعَتْ بِالْقَتْل فَأَشْبَهَ انْقِطَاعَهَا بِالاِنْدِمَال. وَمَا سَبَقَ هُوَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْفِعْل الْمَجْنِيِّ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُخْتِلَفًا كَأَنْ حَزَّ الرَّقَبَةَ عَمْدًا وَالْجِنَايَةُ الْحَاصِلَةُ قَبْل الْحَزِّ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ عَكْسَهُ كَأَنْ حَزَّهُ خَطَأً وَالْجِنَايَاتُ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَلَا تَدَاخُل لِشَيْءٍ مِمَّا دُونَ النَّفْسِ فِيهَا فِي الأَْصَحِّ، بَل يَسْتَحِقُّ الطَّرَفَ وَالنَّفْسَ لاِخْتِلَافِهِمَا وَاخْتِلَافِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ عَمْدًا، أَوْ قَطَعَ هَذِهِ الأَْطْرَافَ عَمْدًا ثُمَّ حَزَّ الرَّقَبَةَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَعَفَا الأَْوَّل فِي الْعَمْدِ عَلَى دِيَتِهِ وَجَبَتْ فِي الأُْولَى دِيَةُ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ وَدِيَةُ عَمْدٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ دِيَتَا عَمْدٍ وَدِيَةُ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ، وَالْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ تَسْقُطُ الدِّيَاتُ فِيهِمَا، وَلَوْ حَزَّ الرَّقَبَةَ غَيْرُهُ أَيِ الْجَانِي الْمُتَقَدِّمِ تَعَدَّدَتْ، أَيِ الدِّيَاتُ؛ لأَِنَّ فِعْل الإِْنْسَانِ لَا يَدْخُل فِي فِعْل غَيْرِهِ، فَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا مَا أَوْجَبَتْهُ جِنَايَتُهُ (1) .
(1) مغني المحتاج 4 / 76، 77، ونهاية المحتاج 7 / 324، وانظر الروضة 9 / 306، 307.