الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ مَا كَانَ مُعَيَّنًا مِنْ نَذْرٍ أَوْ هَدْيٍ وَاجِبٍ. فَمَنْ عَيَّنَ هَدْيًا فَعَطِبَ أَوْ سُرِقَ أَوْ ضَل عَادَ الْوُجُوبُ إِلَى ذِمَّتِهِ (1) .
ج -
الْعَجْزُ عَنِ الأَْدَاءِ حِينَ الْوُجُوبِ:
6 -
قَال النَّوَوِيُّ وَالسُّيُوطِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ: الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ الْوَاجِبَةُ لِلَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ:
1 -
ضَرْبٌ يَجِبُ لَا بِسَبَبِ مُبَاشَرَةٍ مِنَ الْعَبْدِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ فَلَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ.
2 -
وَضَرْبٌ يَجِبُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى جِهَةِ الْبَدَل كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ وَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ فِي الْحَجِّ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ وَقْتَ وُجُوبِهِ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ تَغْلِيبًا لِمَعْنَى الْغَرَامَةِ لأَِنَّهُ إِتْلَافٌ مَحْضٌ.
3 -
وَضَرْبٌ يَجِبُ بِسَبَبِهِ لَا عَلَى جِهَةِ الْبَدَل كَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْل، فَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ لأَِنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْعَجْزِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ (2) .
(1) المغني 3 / 534، وابن عابدين 2 / 12.
(2)
المجموع شرح المهذب 6 / 309، وأشباه السيوطي ص 361 ط عيسى الحلبي، والمنثور 2 / 59 - 60، ومغني المحتاج 3 / 367 و 1 / 440، 445.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (صَوْم، وَكَفَّارَة، وَقَتْل، وَظِهَار) .
د -
النُّذُورُ الْمُطْلَقَةُ:
7 -
وَهِيَ الَّتِي لَمْ تُعَلَّقْ عَلَى شَرْطٍ أَوْ تُقَيَّدْ بِوَقْتٍ بَل كَانَتْ مُضَافَةً إِلَى وَقْتٍ مُبْهَمٍ كَمَنْ قَال: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا، فَهِيَ فِي الذِّمَّةِ إِلَى أَنْ تُؤَدَّى، وَجَمِيعُ الْعُمْرِ وَقْتٌ لَهَا عِنْدَ مَنْ يَقُول بِأَنَّ الأَْمْرَ الْمُطْلَقَ عَلَى التَّرَاخِي. وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ الْحَجُّ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي كَالْحَنَفِيَّةِ (1) .
وَيَقُول الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ نَذْرِ الْقُرْبَةِ الْمَالِيَّةِ كَالصَّدَقَةِ وَالأُْضْحِيَّةِ الاِلْتِزَامُ لَهَا فِي الذِّمَّةِ أَوِ الإِْضَافَةِ إِلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ (2) .
وَيَقُول الْقَرَافِيُّ: جَمِيعُ الْعُمْرِ ظَرْفٌ لِوُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِإِيقَاعِ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ لِوُجُودِ التَّكْلِيفِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (3) .
النِّيَابَةُ عَنِ الْغَيْرِ فِي أَدَاءِ دَيْنِ اللَّهِ:
8 -
دَيْنُ اللَّهِ الْمَالِيُّ الْمَحْضُ كَالزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ عَنِ الْغَيْرِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَمْ لَا؛ لأَِنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا إِخْرَاجُ الْمَال وَهُوَ يَحْصُل بِفِعْل النَّائِبِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الأَْدَاءُ عَنِ الْحَيِّ أَمْ عَنِ
(1) البدائع 5 / 94.
(2)
مغني المحتاج 4 / 358.
(3)
الفروق 1 / 221 - 222.
الْمَيِّتِ، إِلَاّ أَنَّ الأَْدَاءَ عَنِ الْحَيِّ لَا يَجُوزُ إِلَاّ بِإِذْنِهِ بِاتِّفَاقٍ وَذَلِكَ لِلاِفْتِقَارِ فِي الأَْدَاءِ إِلَى النِّيَّةِ لأَِنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَسْقُطُ عَنِ الْمُكَلَّفِ بِدُونِ إِذْنِهِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ فَلَا يُشْتَرَطُ الإِْذْنُ إِذْ يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ عَنِ الْمَيِّتِ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ الْمَحْضَةُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَلَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهَا حَال الْحَيَاةِ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِْنْسَانِ إِلَاّ مَا سَعَى} (1) وَقَوْل عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ (2) .
قَال الْكَاسَانِيُّ: أَيْ فِي حَقِّ الْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ لَا فِي حَقِّ الثَّوَابِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ بَعْدَ الْمَمَاتِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
وَهَذَا الْحُكْمُ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِقَضَاءِ الْعِبَادَةِ نَفْسِهَا عَنِ الْمَيِّتِ. أَمَّا فِدْيَةُ الصِّيَامِ وَكَفَّارَةُ الإِْفْطَارِ فَيَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَتَبَرَّعُوا بِهَا عَنِ الْمَيِّتِ إِذَا لَمْ يُوصِ. أَمَّا إِذَا أَوْصَى فَقَال الْحَنَفِيَّةُ فَتُؤَدَّى مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ (3) . وَلِغَيْرِهِمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ
(1) سورة النجم / 39.
(2)
الأثر عن ابن عباس: " لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم. . . " أخرجه النسائي في الكبرى 2 / 314 - ط المكتبة القيمة، وصححه ابن حجر في التلخيص (2 / 209 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(3)
البدائع 2 / 41، 53، 103، 118، 212، 5 / 96، وابن عابدين 1 / 491 - 493، والزيلعي 6 / 230، ومنح الجليل 1 / 375، 383، 404، والحطاب 2 / 543 - 544، والفروق 2 / 205 و 3 / 188.
يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَصِيَّة) .
أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَنِ الْمَيِّتِ عَمَّا تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ صَلَاةٍ فَاتَتْهُ وَمَاتَ دُونَ قَضَائِهَا. وَأَمَّا الصَّوْمُ فَمَا تَرَتَّبَ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ مِنْهُ فَفِي الْجَدِيدِ لَا يَصِحُّ الصَّوْمُ عَنْهُ لأَِنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي حَال الْحَيَاةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا يُكَفَّرُ عَنْهُ بِإِخْرَاجِ مُدٍّ مِنْ طَعَامٍ عَنْ كُل يَوْمٍ فَاتَهُ، وَفِي الْقَدِيمِ يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ وَلِيُّهُ عَنْهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ (1) ، وَهَذَا هُوَ الأَْظْهَرُ، قَال السُّبْكِيُّ وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُخْتَارَ وَالْمُفْتَى بِهِ، وَالْقَوْلَانِ يَجْرِيَانِ فِي الصِّيَامِ الْمَنْذُورِ إِذَا لَمْ يُؤَدَّ.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ فَصَلُوا بَيْنَ الْوَاجِبِ بِأَصْل الشَّرْعِ مِنْ صَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَبَيْنَ مَا أَوْجَبَهُ الإِْنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ نَذْرِ صَلَاةٍ وَصِيَامٍ. فَقَالُوا: مَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ لَمْ تُؤَدَّ، أَوْ صِيَامُ رَمَضَانَ لَمْ يُؤَدَّ، فَلَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ عَنِ الْمَيِّتِ فِي ذَلِكَ؛ لأَِنَّ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ حَال الْحَيَاةِ فَبَعْدَ الْمَوْتِ كَذَلِكَ. أَمَّا مَا أَوْجَبَهُ الإِْنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَتَمَكَّنَ مِنَ الأَْدَاءِ وَلَمْ يَفْعَل حَتَّى مَاتَ سُنَّ لِوَلِيِّهِ فِعْل النَّذْرِ
(1) حديث: " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 192 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 803 - ط الحلبي) من حديث عائشة.