الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنْ يَدْفِنَ كَافِرًا وَلَوْ قَرِيبًا إِلَاّ لِضَرُورَةٍ، بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُوَارِيهِ غَيْرَهُ فَيُوَارِيهِ وُجُوبًا.؛ لأَِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أُخْبِرَ بِمَوْتِ أَبِي طَالِبٍ قَال لِعَلِيٍّ رضي الله عنه: اذْهَبْ فَوَارِهِ (1) وَكَذَلِكَ قَتْلَى بَدْرٍ أُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ، أَوْ لأَِنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِهِ وَيَتَغَيَّرُ بِبَقَائِهِ. وَلَا يُسْتَقْبَل بِهِ قِبْلَتَنَا لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَا قِبْلَتَهُمْ؛ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهَا، فَلَا يُقْصَدُ جِهَةٌ مَخْصُوصَةٌ، بَل يَكُونُ دَفْنُهُ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ السُّنَّةِ.
وَكَذَلِكَ لَا يُتْرَكُ مَيِّتٌ مُسْلِمٌ لِوَلِيِّهِ الْكَافِرِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ، إِذْ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ دَفْنِهِ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ وَاسْتِقْبَالِهِ قِبْلَتَهُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ (2) .
كَيْفِيَّةُ الدَّفْنِ:
8 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْخَل الْمَيِّتُ مِنْ قِبَل الْقِبْلَةِ بِأَنْ يُوضَعَ مِنْ جِهَتِهَا، ثُمَّ يُحْمَل فَيُلْحَدَ، فَيَكُونَ الآْخِذُ لَهُ مُسْتَقْبِل الْقِبْلَةِ حَال الأَْخْذِ.
(1) حديث: " اذهب فواره " أخرجه أبو داود (3 / 547 - تحقيق عزت عبيد دعاس)، وقال الرافعي:" حديث ثابت مشهور "، كذا في التلخيص لابن حجر (2 / 114 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(2)
ابن عابدين 1 / 597، وجواهر الإكليل 1 / 117، 118، وحاشية الدسوقي 1 / 403، وأسنى المطالب 1 / 314، وروضة الطالبين 2 / 119.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه. وَقَال النَّخَعِيُّ: حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى أَهْل الْمَدِينَةِ فِي الزَّمَنِ الأَْوَّل يُدْخِلُونَ مَوْتَاهُمْ مِنْ قِبَل الْقِبْلَةِ، وَأَنَّ السَّل شَيْءٌ أَحْدَثَهُ أَهْل الْمَدِينَةِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُدْخَل الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ مِنْ أَيِّ نَاحِيَةٍ كَانَ وَالْقِبْلَةُ أَوْلَى (2) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ السَّل، بِأَنْ يُوضَعَ الْمَيِّتُ عِنْدَ آخِرِ الْقَبْرِ ثُمَّ يُسَل مِنْ قِبَل رَأْسِهِ مُنْحَدِرًا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الأَْنْصَارِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُل مِنْ قِبَل رَأْسِهِ سَلًّا (3) .
وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ هُنَا خِلَافٌ فِي الأَْوْلَى، وَعَلَى هَذَا فَإِنْ كَانَ الأَْسْهَل عَلَيْهِمْ أَخْذَهُ مِنَ الْقِبْلَةِ أَوْ مِنْ رَأْسِ الْقَبْرِ فَلَا حَرَجَ؛ لأَِنَّ
(1) البدائع 1 / 318، وابن عابدين 1 / 600، والمغني 2 / 496.
(2)
القوانين الفقهية / 94.
(3)
حديث ابن عمر وابن عباس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلا " حديث ابن عباس أخرجه الشافعي، وعنه البيهقي في سننه (4 / 54 - ط دائرة المعارف العثمانية) وفي إسناده جهالة. وأما حديث ابن عمر فقد ذكر ابن حجر في التلخيص (2 / 128 - ط شركة الطباعة الفنية) أن أبا البركات ابن تيمية عزاه إلى أبي بكر النجاد.
اسْتِحْبَابَ أَخْذِهِ مِنْ أَسْفَل الْقَبْرِ إِنَّمَا كَانَ طَلَبًا لِلسُّهُولَةِ عَلَيْهِمْ وَالرِّفْقِ بِهِمْ، فَإِنْ كَانَ الأَْسْهَل غَيْرَهُ كَانَ مُسْتَحَبًّا، قَال أَحْمَدُ رحمه الله: كُلٌّ لَا بَأْسَ بِهِ (1) .
ثُمَّ يُوضَعُ عَلَى شِقِّهِ الأَْيْمَنِ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْقِبْلَةِ، وَيَقُول وَاضِعُهُ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُول اللَّهِ؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَدْخَل الْمَيِّتَ فِي الْقَبْرِ، قَال مَرَّةً: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُول اللَّهِ. وَقَال مَرَّةً: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (2)
وَمَعْنَى بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُول اللَّهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَضَعْنَاكَ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُول اللَّهِ سَلَّمْنَاكَ.
وَقَال الْمَاتُرِيدِيُّ: هَذَا لَيْسَ دُعَاءً لِلْمَيِّتِ؛ لأَِنَّهُ إِنْ مَاتَ عَلَى مِلَّةِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَدَّل حَالُهُ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُبَدَّل أَيْضًا، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنِينَ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، فَيَشْهَدُونَ بِوَفَاةِ الْمَيِّتِ عَلَى الْمِلَّةِ، وَعَلَى هَذَا جَرَتِ السُّنَّةُ.
(1) روضة الطالبين 2 / 133، وكشاف القناع 2 / 131، والمغني 2 / 496، 497.
(2)
حديث عبد الله بن عمر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أدخل الميت. . . " أخرجه الترمذي (3 / 355 ط الحلبي)، وابن ماجه (1 / 495) وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
وَفِيهَا أَقْوَالٌ أُخْرَى ذُكِرَتْ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ (1) .
ثُمَّ تُحَل عُقَدُ الْكَفَنِ لِلاِسْتِغْنَاءِ عَنْهَا، وَيُسَوَّى اللَّبِنُ عَلَى اللَّحْدِ، وَتُسَدُّ الْفُرَجُ بِالْمَدَرِ وَالْقَصَبِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَيْ لَا يَنْزِل التُّرَابُ مِنْهَا عَلَى الْمَيِّتِ، وَيُكْرَهُ وَضْعُ الآْجُرِّ الْمَطْبُوخِ إِلَاّ إِذَا كَانَتِ الأَْرْضُ رَخْوَةً؛ لأَِنَّهَا تُسْتَعْمَل لِلزِّينَةِ، وَلَا حَاجَةَ لِلْمَيِّتِ إِلَيْهَا، وَلأَِنَّهُ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ. قَال مَشَايِخُ بُخَارَى: لَا يُكْرَهُ الآْجُرُّ فِي بِلَادِنَا لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِضَعْفِ الأَْرَاضِي، وَكَذَلِكَ الْخَشَبُ.
وَيُسْتَحَبُّ حَثْيُهُ مِنْ قِبَل رَأْسِهِ ثَلَاثًا: لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ فَحَثَى عَلَيْهِ مِنْ قِبَل رَأْسِهِ ثَلَاثًا (2) . وَيَقُول فِي الْحَثْيَةِ الأُْولَى:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} ، وَفِي الثَّانِيَةِ:{وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} ، وَفِي الثَّالِثَةِ:{وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} .
وَقِيل: يَقُول فِي الأُْولَى: اللَّهُمَّ جَافِ الأَْرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ، وَفِي الثَّالِثَةِ: اللَّهُمَّ زَوِّجْهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَلِلْمَرْأَةِ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهَا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ.
(1) ابن عابدين 1 / 600، والبدائع 1 / 319، والزرقاني 2 / 99، وروضة الطالبين 2 / 134، والمغني 2 / 500.
(2)
حديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة. . . " نجده من حديث أبي هريرة، وإنما ورد من حديث أبي أمامة بلفظ مقارب، أخرجه أحمد (5 / 254 - ط الميمنية) وضعفه النووي في المجموع (5 / 294 - ط المنيرية) .