الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا ضَمُّ ذِمَّةِ الْكَفِيل إِلَى ذِمَّةِ الأَْصِيل فِي وُجُوبِ الأَْدَاءِ، لَا فِي وُجُوبِ الدَّيْنِ؛ لأَِنَّ ثُبُوتَ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ اعْتِبَارٌ شَرْعِيٌّ لَا يَكُونُ إِلَاّ بِدَلِيلٍ، وَلَا دَلِيل عَلَى ثُبُوتِهِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيل؛ لأَِنَّ التَّوْثِيقَ يَحْصُل بِالْمُشَارَكَةِ فِي وُجُوبِ الأَْدَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى إِيجَابِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ، كَالْوَكِيل بِالشِّرَاءِ يُطَالِبُ بِالثَّمَنِ، وَالثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّل وَحْدَهُ، وَعَلَى هَذَا عَرَّفُوهَا بِأَنَّهَا " ضَمُّ ذِمَّةِ الْكَفِيل إِلَى ذِمَّةِ الأَْصِيل فِي الْمُطَالَبَةِ (1) ".
4 -
وَذَهَبَ ابْنُ أَبِي يَعْلَى وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إِلَى أَنَّ الدَّيْنَ يَنْتَقِل بِالْكَفَالَةِ إِلَى ذِمَّةِ الْكَفِيل - كَمَا فِي الْحَوَالَةِ - فَلَا يَكُونُ لِلدَّائِنِ أَنْ يُطَالِبَ الأَْصِيل (2) .
وَعَلَى أَيَّةِ حَالٍ، فَسَوَاءٌ أَكَانَتْ كَفَالَةُ الدَّيْنِ مَعْنَاهَا ضَمُّ ذِمَّةِ الْكَفِيل إِلَى ذِمَّةِ الْمَكْفُول فِي الاِلْتِزَامِ بِالدَّيْنِ، أَمْ فِي الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ، أَمِ انْتِقَال الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْمَكْفُول إِلَى ذِمَّةِ الْكَفِيل فَإِنَّهَا تَقْتَضِي بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ الْتِزَامَ الْكَفِيل بِأَدَاءِ الدَّيْنِ إِلَى الدَّائِنِ إِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِيفَاؤُهُ مِنَ الأَْصِيل، وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى التَّوْثِيقِ وَفَائِدَتُهُ وَثَمَرَتُهُ.
(1) رد المحتار 4 / 249، تبيين الحقائق 4 / 146، تعريفات الجرجاني (ط. تونس) ، وانظر 839 من مرشد الحيران، وم 612 من مجلة الأحكام العدلية
(2)
المحلى 8 / 111، الشرح الكبير على المقنع 5 / 71.
التَّصَرُّفُ فِي الدَّيْنِ:
التَّصَرُّفُ فِي الدَّيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الدَّائِنِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَدِينِ.
تَصَرُّفُ الدَّائِنِ:
يَنْحَصِرُ تَصَرُّفُ الدَّائِنِ فِي دَيْنِهِ بِتَمْلِيكِهِ لِلْمَدِينِ أَوْ لِغَيْرِهِ بِإِحْدَى طَرَائِقِ التَّمْلِيكِ الْمَشْرُوعَةِ، سَوَاءٌ بِعِوَضٍ أَمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
الْحَالَةُ الأُْولَى: (تَمْلِيكُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ) :
يَخْتَلِفُ حُكْمُ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ بِحَسَبِ حَال الدَّيْنِ وَمَدَى اسْتِقْرَارِ مِلْكِ الدَّائِنِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الدُّيُونَ نَوْعَانِ:
58 -
(النَّوْعُ الأَْوَّل) مَا يَكُونُ الْمِلْكُ عَلَيْهِ مُسْتَقِرًّا:
كَغَرَامَةِ الْمُتْلَفِ، وَبَدَل الْقَرْضِ، وَقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ، وَعِوَضِ الْخُلْعِ، وَثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَالأُْجْرَةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَهْرِ بَعْدَ الدُّخُول، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الدُّيُونِ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ تَمْلِيكِهِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ (1) .
(1) المجموع شرح المهذب 9 / 274، فتح العزيز 8 / 434 وما بعدها، المهذب 1 / 269، 270، نهاية المحتاج 4 / 88، أسنى المطالب 2 / 84، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 331، رد المحتار 4 / 166، 244، تبيين الحقائق للزيلعي 4 / 82، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 358، المغني لابن قدامة 4 / 134، شرح منتهى الإرادات 2 / 222، كشاف القناع 3 / 293، المبدع شرح المقنع 4 / 198، بدائع الصنائع (مطبعة الإمام) 7 / 3103، وانظر م 424 من مرشد الحيران.
غَيْرَ أَنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ اسْتَثْنَوْا مِنْ قَاعِدَةِ جَوَازِ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ لِمَنْ عَلَيْهِ بِعِوَضٍ بَدَل الصَّرْفِ وَرَأْسِ مَال السَّلَمِ، فَلَمْ يُجِيزُوا التَّصَرُّفَ فِي أَيٍّ مِنْهُمَا قَبْل قَبْضِهِ لأَِنَّ فِي ذَلِكَ تَفْوِيتًا لِشَرْطِ الصِّحَّةِ، وَهُوَ الْقَبْضُ فِي بَدَلَيِ الصَّرْفِ وَرَأْسِ مَال السَّلَمِ قَبْل الاِفْتِرَاقِ (1) .
كَمَا اشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِصِحَّةِ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ لِمَنْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُوَ الْعَقْدُ مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ، فَلَوْ بَاعَ الدَّائِنُ دَيْنَهُ مِنَ الْمَدِينِ بِمَا لَا يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ أَوْ حِنْطَةٍ بِشَعِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الأَْمْوَال الرِّبَوِيَّةِ، فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إِلَاّ إِذَا قَبَضَ الدَّائِنُ الْعِوَضَ قَبْل التَّفَرُّقِ مِنَ الْمَجْلِسِ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَال: كُنْتُ أَبِيعُ الإِْبِل بِالْبَقِيعِ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، وَأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، فَأَتَيْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَال: لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا
(1) تبيين الحقائق وحاشية الشلبي عليه 4 / 82، 118، 136، رد المحتار 4 / 166، 209، 244، بدائع الصنائع 7 / 3102 وما بعدها، 7 / 3188، أسنى المطالب 2 / 85، القواعد لابن رجب ص 82، وانظر م 559 من مرشد الحيران
شَيْءٌ (1) . فَقَدْ شَرَطَ صلى الله عليه وسلم الْقَبْضَ قَبْل التَّفَرُّقِ (2) .
وَعَلَى ذَلِكَ فَإِذَا قَبَضَ الدَّائِنُ الْعِوَضَ فِي الْمَجْلِسِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الدَّيْنِ وَتَمْلِيكُهُ لاِنْتِفَاءِ الْمَانِعِ، إِذْ يَصْدُقُ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ تَقَابُضٌ، لِوُجُودِ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ فِي الْعِوَضِ الْمَدْفُوعِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ، وَالْحُكْمِيِّ فِيمَا فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ؛ لأَِنَّهُ كَأَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْهُ وَرَدَّهُ إِلَيْهِ (3) .
وَكَذَلِكَ اشْتَرَطَ جَمْعٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ انْتِفَاءَ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لِصِحَّةِ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ، حَيْثُ نَقَل أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ رُشْدٍ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمْ إِجْمَاعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ غَيْرُ جَائِزٍ (4) .
وَعَلَى ذَلِكَ:
أ - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ صَرْفِ مَا فِي الذِّمَّةِ. فَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ فِي ذِمَّةِ رَجُلٍ
(1) حديث ابن عمر: " كنت أبيع الإبل بالبقيع. . . " أخرجه أبو داود (3 / 650 - 651 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، ونقل البيهقي عن شعبة أنه حكم عليه بالوقف، كذا في التلخيص الحبير (3 / 26 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(2)
نهاية المحتاج 4 / 88، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 331، شرح منتهى الإرادات 2 / 222، المغني لابن قدامة 4 / 54، 134، المبدع 4 / 198، الشرح الكبير على المقنع 4 / 172، كشاف القناع 3 / 294، فتح العزيز 8 / 436، المجموع شرح المهذب (مطبعة التضامن الأخوي) 9 / 274
(3)
حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج 4 / 89، كشاف القناع 3 / 257، شرح منتهى الإرادات 2 / 200، المغني 4 / 54
(4)
تكملة المجموع للسبكي (مطبعة التضامن الأخوي) 10 / 107، المغني 4 / 53، بداية المجتهد 2 / 162
دَنَانِيرُ، وَالآْخَرُ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ، فَاصْطَرَفَا بِمَا فِي ذِمَّتَيْهِمَا، فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ (1) . قَال الشَّافِعِيُّ فِي " الأُْمِّ ":" وَمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ لِرَجُلٍ، وَلِلرَّجُل عَلَيْهِ دَنَانِيرُ، فَحَلَّتْ أَوْ لَمْ تَحِل، فَتَطَارَحَاهَا صَرْفًا فَلَا يَجُوزُ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ بِدَيْنٍ (2) ".
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَتَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَتَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَقَالُوا: بِجَوَازِ صَرْفِ مَا فِي الذِّمَّةِ؛ لأَِنَّ الذِّمَّةَ الْحَاضِرَةَ كَالْعَيْنِ الْحَاضِرَةِ غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنَانِ قَدْ حَلَاّ مَعًا، فَأَقَامُوا حُلُول الأَْجَلَيْنِ فِي ذَلِكَ مَقَامَ النَّاجِزِ بِالنَّاجِزِ (3) .
(1) شرح منتهى الإرادات 2 / 200، المبدع 4 / 156، المغني 4 / 53، تكملة المجموع للسبكي 10 / 107، كشاف القناع 3 / 257
(2)
الأم 3 / 33 (ط. دار المعرفة بلبنان 1393 هـ) .
(3)
بداية المجتهد 2 / 224 (ط. دار الكتب الحديثة بمصر) ، تبيين الحقائق للزيلعي 4 / 140، شرح الخرشي 5 / 234، الزرقاني على خليل 5 / 232، منح الجليل 3 / 53، اختلاف الفقهاء للطبري ص 60، إيضاح المسالك للونشريسي ص 141، 328، طبقات الشافعية لابن السبكي (ط. الحلبي) 10 / 231، مواهب الجليل 4 / 310، الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية للبعلي ص 128، رد المحتار 4 / 239، تكملة المجموع للسبكي (مطبعة التضامن الأخوي) 10 / 107، القوانين الفقهية لابن جزي ص 320، مجموع فتاوى ابن تيمية (ط. الرياض) 20 / 512، نظرية العقد لابن تيمية ص 235
ب - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ جَعْل الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ رَأْسَ مَال سَلَمٍ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (1) .
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ الْقَيِّمِ وَقَالَا: بِجَوَازِهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ - وَهُوَ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، أَيِ الدَّيْنِ الْمُؤَخَّرِ بِالدَّيْنِ الْمُؤَخَّرِ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (2) .
ج - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ عَلَى أَنَّ الدَّائِنَ إِذَا بَاعَ الدَّيْنَ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ ذَلِكَ أَنْ يَقْبِضَ الدَّائِنُ الْعِوَضَ قَبْل التَّفَرُّقِ مِنَ الْمَجْلِسِ، كَيْ لَا يَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ (3) .
أَمَّا إِذَا بَاعَ الدَّيْنَ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ قَبْضُ الْمُشْتَرِي،
(1) رد المحتار 4 / 209، تبيين الحقائق 4 / 140، فتح العزيز 9 / 212، الشرح الكبير على المقنع 4 / 336، بدائع الصنائع 7 / 3155 (مطبعة الإمام) ، نهاية المحتاج 4 / 180، المغني / 329، شرح منتهى الإرادات 2 / 221
(2)
أعلام الموقعين 2 / 9
(3)
البدائع 7 / 3230، شرح منتهى الإرادات 2 / 222، كشاف القناع 3 / 294، المغني 4 / 134، المبدع 4 / 199، المجموع شرح المهذب (مطبعة التضامن الأخوي) 9 / 274، فتح العزيز 8 / 437