الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَمَا اشْتُرِطَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ إِذَا كَانَ بِمَا لَا يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً - كَالرِّبَوِيَّاتِ بِبَعْضِهَا - فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ كَذَلِكَ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ.
وَالرَّابِعُ لِلْمَالِكِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ الْمَدِينِ بِشُرُوطٍ تُبَاعِدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرَرِ، وَتَنْفِي عَنْهُ سَائِرَ الْمَحْظُورَاتِ الأُْخْرَى، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ ثَمَانِيَةٌ (1) :
1 -
أَنْ يُعَجِّل الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ؛ لأَِنَّهُ إِذَا لَمْ يُعَجِّل فِي الْحِينِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ.
2 -
أَنْ يَكُونَ الْمَدِينُ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ؛ لِيَعْلَمَ مِنْ فَقْرٍ أَوْ غِنًى؛ لأَِنَّ عِوَضَ الدَّيْنِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَال الْمَدِينِ، وَالْمَبِيعُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولاً.
3 -
أَنْ يَكُونَ الْمَدِينُ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا لَهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ دَيْنِهِ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ حَسْمًا لِلْمُنَازَعَاتِ.
4 -
أَنْ يُبَاعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، أَوْ بِجِنْسِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهُ.
5 -
أَلَاّ يَكُونَ ذَهَبًا بِفِضَّةٍ وَلَا عَكْسَهُ، لاِشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي صِحَّةِ بَيْعِهَا.
6 -
أَلَاّ يَكُونَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالْمَدِينِ عَدَاوَةٌ.
(1) منح الجليل 2 / 564 وما بعدها، الزرقاني على خليل 5 / 83، البهجة شرح التحفة 2 / 47 وما بعدها، الموطأ (ط. عيسى الحلبي) 2 / 675، شرح الخرشي 5 / 77، التاودي على التحفة 2 / 48
7 -
أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْل قَبْضِهِ، احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ كَانَ طَعَامًا، إِذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْل قَبْضِهِ.
8 -
أَلَاّ يَقْصِدَ الْمُشْتَرِي إِعْنَاتَ الْمَدِينِ وَالإِْضْرَارَ بِهِ.
تَصَرُّفُ الْمَدِينِ:
63 -
يَنْحَصِرُ تَصَرُّفُ الْمَدِينِ فِي الدَّيْنِ الثَّابِتِ فِي ذِمَّتِهِ فِي أَمْرَيْنِ: الْحَوَالَةِ، وَالسَّفْتَجَةِ.
الْحَالَةُ الأُْولَى: الْحَوَالَةُ. (ر: حَوَالَة) .
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: السَّفْتَجَةُ. (ر: سَفْتَجَة) .
الدَّيْنُ فِي ظِل تَغَيُّرَاتِ النُّقُودِ:
64 -
يُفَرِّقُ الْفُقَهَاءُ فِي أَحْكَامِ الدَّيْنِ مِنَ النُّقُودِ عِنْدَ طُرُوءِ التَّغَيُّرَاتِ عَلَى النَّقْدِ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ نَقْدًا بِالْخِلْقَةِ (أَيْ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ) وَمَا إِذَا كَانَ ثَابِتًا بِالاِصْطِلَاحِ (بِأَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَجَرَى الاِصْطِلَاحُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ اسْتِعْمَال النَّقْدَيْنِ) كَالْفُلُوسِ الرَّائِجَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْعُمُلَاتِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
تَغَيُّرُ النُّقُودِ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ نَقْدًا بِالْخِلْقَةِ:
65 -
إِنَّ الدَّيْنَ الثَّابِتَ فِي الذِّمَّةِ إِذَا كَانَ عُمْلَةً ذَهَبِيَّةً أَوْ فِضِّيَّةً مُحَدَّدَةً مُسَمَّاةً فَغَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ عِنْدَ حُلُول وَقْتِ الأَْدَاءِ، فَلَا يَلْزَمُ الْمَدِينَ أَنْ
يُؤَدِّيَ غَيْرَهَا؛ لأَِنَّهَا نَقْدٌ بِالْخِلْقَةِ، وَهَذَا التَّغَيُّرُ فِي قِيمَتِهَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ عَلَى الدَّيْنِ أَلْبَتَّةَ (1) . وَقَدْ جَاءَ فِي (م 805) مِنْ مُرْشِدِ الْحَيْرَانِ. " وَإِنِ اسْتَقْرَضَ شَيْئًا مِنَ الْمَكِيلَاتِ أَوِ الْمَوْزُونَاتِ أَوِ الْمَسْكُوكَاتِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَرَخُصَتْ أَسْعَارُهَا أَوْ غَلَتْ، فَعَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِهَا، وَلَا عِبْرَةَ بِرُخْصِهَا وَغُلُوِّهَا ".
وَحَتَّى لَوْ زَادَتِ الْجِهَةُ الْمُصْدِرَةُ لِهَذِهِ الْعُمْلَةِ سِعْرَهَا أَوْ نَقَصَتْهُ، فَلَا يَلْزَمُ الْمَدِينَ إِلَاّ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْعَقْدُ (2) .
يَقُول ابْنُ عَابِدِينَ: " ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَدَّدَ فِي زَمَانِنَا وُرُودُ الأَْمْرِ السُّلْطَانِيِّ بِتَغْيِيرِ سِعْرِ بَعْضٍ مِنَ النُّقُودِ الرَّائِجَةِ بِالنَّقْصِ، وَاخْتَلَفَ الإِْفْتَاءُ فِيهِ. وَالَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَال الآْنَ دَفْعُ النَّوْعِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا، كَمَا إِذَا اشْتَرَى سِلْعَةً بِمِائَةِ رِيَالٍ إِفْرِنْجِيٍّ أَوْ مِائَةِ ذَهَبٍ عَتِيقٍ (3) ".
وَلَوْ أَبْطَلَتِ السُّلْطَةُ الْمُصْدِرَةُ لِهَذِهِ الْعُمْلَةِ التَّعَامُل بِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَدِينَ سِوَاهَا وَفَاءً بِالْعَقْدِ، إِذْ هِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا، وَهِيَ الثَّابِتَةُ فِي الذِّمَّةِ دُونَ غَيْرِهَا. وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي
(1) تنبيه الرقود على مسائل العقود لابن عابدين (مطبوع ضمن رسائل ابن عابدين) 2 / 14
(2)
منح الجليل لعليش 2 / 534، قطع المجادلة عند تغيير المعاملة للسيوطي (مطبوع ضمن كتاب الحاوي للفتاوى) 1 / 97 وما بعدها
(3)
تنبيه الرقود 2 / 66
" الأُْمِّ " وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ (1) . قَال الشَّافِعِيُّ: " وَمَنْ سَلَّفَ فُلُوسًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ بَاعَ بِهَا، ثُمَّ أَبْطَلَهَا السُّلْطَانُ، فَلَيْسَ لَهُ إِلَاّ مِثْل فُلُوسِهِ أَوْ دَرَاهِمِهِ الَّتِي سَلَّفَ أَوْ بَاعَ بِهَا (2) ". وَقَال بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إِذَا أُبْطِلَتْ هَذِهِ الْعُمْلَةُ وَاسْتُبْدِل بِهَا غَيْرُهَا، فَيُرْجَعُ إِلَى قِيمَةِ الْعُمْلَةِ الْمُلْغَاةِ مِنَ الذَّهَبِ، وَيَأْخُذُ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْقِيمَةَ ذَهَبًا (3) .
أَمَّا إِذَا عُدِمَتْ تِلْكَ الْعُمْلَةُ أَوِ انْقَطَعَتْ أَوْ فُقِدَتْ فِي بَلَدِ الْمُتَدَايِنَيْنِ، فَتَجِبُ عِنْدَئِذٍ قِيمَتُهَا مِمَّا تَجَدَّدَ وَتَوَفَّرَ التَّعَامُل بِهِ مِنَ الْعُمُلَاتِ (4) .
وَلَوْ قَلَّتْ أَوْ عَزَّ وُجُودُهَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَيْرُهَا لإِِمْكَانِ تَحْصِيلِهَا مَعَ الْعِزَّةِ، بِخِلَافِ انْقِطَاعِهَا وَانْعِدَامِهَا وَفَقْدِهَا (5) . قَال الْهَيْثَمِيُّ:" وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَعَيَّنَ شَيْئًا مَوْجُودًا، اتُّبِعَ وَإِنْ عَزَّ (6) ".
وَتَجْدُرُ الإِْشَارَةُ فِي هَذَا الْمَقَامِ إِلَى أَنَّ الْحَنَابِلَةَ قَيَّدُوا الْقَوْل بِإِلْزَامِ الدَّائِنِ بِقَبُول مِثْل النَّقْدِ الَّذِي ثَبَتَ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ، وَإِلْزَامِ الْمَدِينِ بِأَدَائِهِ إِذَا كَانَ
(1) حاشية الرهوني 5 / 118، 119، منح الجليل 2 / 534، حاشية المدني على كنون 5 / 118
(2)
الأم 3 / 33 (ط. دار المعرفة ببيروت) .
(3)
حاشية الرهوني 2 / 119
(4)
منح الجليل 2 / 535
(5)
نهاية المحتاج 3 / 397
(6)
تحفة المحتاج 4 / 255