الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دَوْلَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 -
الدَّوْلَةُ فِي اللُّغَةِ حُصُول الشَّيْءِ فِي يَدِ هَذَا تَارَةً وَفِي يَدِ هَذَا أُخْرَى، أَوِ الْعُقْبَةُ فِي الْمَال وَالْحَرْبِ (أَيِ التَّعَاقُبُ) ، وَالدَّوْلَةُ فِي الْمَال وَالْحَرْبِ سَوَاءٌ، وَقِيل: الدُّولَةُ بِالضَّمِّ فِي الْمَال، وَالدَّوْلَةُ بِالْفَتْحِ فِي الْحَرْبِ.
وَالإِْدَالَةُ مَعْنَاهَا الْغَلَبَةُ، يُقَال: أُدِيل لَنَا عَلَى أَعْدَائِنَا أَيْ نُصِرْنَا عَلَيْهِمْ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ: يُدَال عَلَيْنَا الْمَرَّةَ وَنُدَال عَلَيْهِ الأُْخْرَى (1) . أَيْ: نَغْلِبُهُ مَرَّةً وَيَغْلِبُنَا مَرَّةً، مِنَ التَّدَاوُل، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَتِلْكَ الأَْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ (2) } وَقَوْلُهُ:{كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَْغْنِيَاءِ مِنْكُمْ (3) } أَيْ يُتَدَاوَلُونَ الْمَال بَيْنَهُمْ وَلَا يَجْعَلُونَ لِلْفُقَرَاءِ مِنْهُ نَصِيبًا (4) .
(1) حديث أبي سفيان أخرجه البخاري (الفتح 6 / 110 - ط السلفية) .
(2)
سورة آل عمران / 140.
(3)
سورة الحشر / 7.
(4)
لسان العرب، مادة:" دول "، والكليات 2 / 340، والمصباح المنير.
أَمَّا فِي الاِصْطِلَاحِ فَلَمْ يَشِعِ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا الْمُصْطَلَحِ، وَوَرَدَ اسْتِعْمَالُهُ فِي بَعْضِ كُتُبِ السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالأَْحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ (1) . وَسَارَ الْفُقَهَاءُ فِي الْكَلَامِ عَنِ اخْتِصَاصَاتِ " الدَّوْلَةِ " عَلَى إِدْرَاجِهَا ضِمْنَ الْكَلَامِ عَنْ صَلَاحِيَّاتِ الإِْمَامِ وَاخْتِصَاصَاتِهِ حَيْثُ اعْتَبَرُوا أَنَّ " الدَّوْلَةَ " مُمَثَّلَةٌ فِي شَخْصِ الإِْمَامِ الأَْعْظَمِ، أَوِ الْخَلِيفَةِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ وِلَايَاتٍ وَوَاجِبَاتٍ وَحُقُوقٍ.
إِلَاّ أَنَّ الْمَعْهُودَ أَنَّ " الدَّوْلَةَ " هِيَ مَجْمُوعَةُ الإِْيَالَاتِ (2) تَجْتَمِعُ لِتَحْقِيقِ السِّيَادَةِ عَلَى أَقَالِيمَ (3) مُعَيَّنَةٍ، لَهَا حُدُودُهَا، وَمُسْتَوْطِنُوهَا، فَيَكُونُ الْحَاكِمُ أَوِ الْخَلِيفَةُ، أَوْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، عَلَى رَأْسِ هَذِهِ السُّلُطَاتِ.
وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِاسْتِعْمَال مُصْطَلَحِ " دَوْلَةٍ " عِنْدَ مَنِ اسْتَعْمَلَهُ مِنْ فُقَهَاءِ السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوِ الأَْحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ (4) .
(1) كتاب: " بدائع السلك في طبائع الملك " لمحمد بن الأزرق، وكتاب " تسهيل النظر وتعجيل الظفر " للماوردي.
(2)
الإيالة: السياسة، وأخذت في بعض كتب الأنظمة الإسلامية معنى السلطة، فيقال: إيالة القضاء، إيالة الحسبة، وهكذا (الغياثي 256) .
(3)
ورد استعمال هذا المصطلح عند المالكية في معرض كلامهم عن أمان السلطان (الزرقاني 8 / 122، والدسوقي 2 / 165) عند تعليقهم على كلام خليل (كتأمين غيره إقليمًا) .
(4)
انظر مثلاً بدائع السلك 1 / 108، 114، 115، 134، 143، 148، 151، وانظر كذلك تسهيل النظر ص157، ويقابل كلام الفقهاء عن الدولة في القوانين المعاصرة، القانون الدستوري الذي يحدد شكل الدولة، والسلطات التي تقوم عليها، واختصاص كل سلطة، وعلاقتها بعضها ببعض، وعلاقة المواطنين بها.
وَنَتِيجَةً لِذَلِكَ يُمْكِنُ الْقَوْل أَنَّ الدَّوْلَةَ تَقُومُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ وَهِيَ: الدَّارُ، وَالرَّعِيَّةُ، وَالْمَنَعَةُ (1)(السِّيَادَةُ) .
2 -
وَلَقَدْ بَحَثَ الْفُقَهَاءُ أَرْكَانَ الدَّوْلَةِ عِنْدَ بَحْثِهِمْ عَنْ أَحْكَامِ دَارِ الإِْسْلَامِ، يَتَّضِحُ هَذَا مِنْ تَعْرِيفَاتِهِمْ لِدَارِ الإِْسْلَامِ:
التَّعْرِيفُ الأَْوَّل: " كُل دَارٍ ظَهَرَتْ فِيهَا دَعْوَةُ الإِْسْلَامِ مِنْ أَهْلِهِ بِلَا خَفِيرٍ، وَلَا مُجِيرٍ، وَلَا بَذْل جِزْيَةٍ، وَقَدْ نَفَذَ فِيهَا حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَهْل الذِّمَّةِ إِنْ كَانَ فِيهِمْ ذِمِّيٌّ، وَلَمْ يَقْهَرْ أَهْل الْبِدْعَةِ فِيهَا أَهْل السُّنَّةِ (2) ".
وَالتَّعْرِيفُ الثَّانِي:
" كُل أَرْضٍ سَكَنَهَا مُسْلِمُونَ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ، أَوْ تَظْهَرُ فِيهَا أَحْكَامُ الإِْسْلَامِ (3) ".
فَالدَّارُ هِيَ الْبِلَادُ الإِْسْلَامِيَّةُ وَمَا تَشْمَلُهُ مِنْ أَقَالِيمَ دَاخِلَةٍ تَحْتَ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ.
(1) لفظ المنعة أو عبارة أمن الرعية بأمن المسلمين، يستخدمها الفقهاء بما يقابل لفظ السيادة. لما يحصل بذلك من حفظ حقوق الدولة من الانتقاص. المواق 6 / 277، فتح القدير 4 / 414، البدائع 7 / 130، نهاية المحتاج 7 / 382.
(2)
أصول الدين ص27 أبو منصور عبد القادر البغدادي.
(3)
حاشية البجيرمي 4 / 220، نهاية المحتاج 8 / 184.
وَالرَّعِيَّةُ هُمُ الْمُقِيمُونَ فِي حُدُودِ الدَّوْلَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْل الذِّمَّةِ. وَالسِّيَادَةُ هِيَ ظُهُورُ حُكْمِ الإِْسْلَامِ وَنَفَاذُهُ. وَعَدَمُ الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَةِ وَلِيِّ الأَْمْرِ، وَعَدَمُ الاِفْتِيَاتِ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى أَيِّ وِلَايَةٍ مِنْ وِلَايَاتِ الدَّوْلَةِ؛ لأَِنَّ الاِفْتِيَاتَ عَلَيْهَا افْتِيَاتٌ عَلَى الإِْمَامِ. وَيَكُونُ الاِفْتِيَاتُ بِالسَّبْقِ بِفِعْل شَيْءٍ دُونَ اسْتِئْذَانِ مَنْ يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ، وَالاِفْتِيَاتُ عَلَى الإِْمَامِ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ، فَإِذَا أَمَّنَ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ كَافِرًا دُونَ إِذْنِ الإِْمَامِ، وَكَانَ فِي تَأْمِينِهِ مَفْسَدَةٌ، فَإِنَّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَنْبِذَ هَذَا الأَْمَانَ، وَلَهُ أَنْ يُعَزِّرَ مَنِ افْتَاتَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا بَاشَرَ الْمُسْتَحِقُّ فَأَقَامَ الْحَدَّ أَوِ الْقِصَاصَ دُونَ إِذْنِ الإِْمَامِ عَزَّرَهُ الإِْمَامُ لاِفْتِيَاتِهِ عَلَيْهِ. وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَاتِ:" أَمَان "" وَافْتِيَات "" وَدَارُ الإِْسْلَامِ ".
3 -
وَتَتَأَلَّفُ الدَّوْلَةُ مِنْ مَجْمُوعَةٍ مِنَ النُّظُمِ وَالْوِلَايَاتِ بِحَيْثُ تُؤَدِّي كُل وِلَايَةٍ مِنْهَا وَظِيفَةً خَاصَّةً مِنْ وَظَائِفِ الدَّوْلَةِ، وَتَعْمَل مُجْتَمِعَةً لِتَحْقِيقِ مَقْصِدٍ عَامٍّ، وَهُوَ رِعَايَةُ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ.
يَقُول الْمَاوَرْدِيُّ: (الإِْمَامَةُ مَوْضُوعَةٌ لِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا)(1) وَالإِْمَامُ هُوَ مَنْ تَصْدُرُ عَنْهُ جَمِيعُ الْوِلَايَاتِ فِي الدَّوْلَةِ.
(1) الأحكام السلطانية ص 5.