الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ الْمَأْكُول بَرِّيًّا ذَا نَفْسٍ سَائِلَةٍ فَهُوَ صَالِحٌ لِلذَّكَاةِ.
وَلَهَا فِيهِ ثَلَاثَةُ آثَارٍ:
الأَْوَّل: بَقَاءُ طُهْرِهِ، وَالثَّانِي: حِل الاِنْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ وَشَعْرِهِ دُونَ دِبَاغٍ، وَالثَّالِثُ: حِل أَكْلِهِ (1) .
تَقْسِيمُ الذَّكَاةِ:
10 -
سَبَقَ أَنَّ الذَّكَاةَ لَهَا أَثَرٌ فِي الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ الطَّاهِرِ الَّذِي لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ سَوَاءٌ أَكَانَ مَأْكُولاً أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (2) . وَالْحَيَوَانُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ كَالْمُسْتَأْنَسِ مِنَ الدَّوَابِّ وَالطُّيُورِ، أَوْ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَوْحِشِ مِنْهَا.
وَلِهَذَا كَانَتِ الذَّكَاةُ نَوْعَيْنِ:
(الأَْوَّل) : الذَّبْحُ أَوِ النَّحْرُ عَلَى حَسَبِ نَوْعِ الْحَيَوَانِ إِنْ كَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ. (الثَّانِي) : الصَّيْدُ بِالرَّمْيِ أَوْ بِإِرْسَال الْجَارِحَةِ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْحَيَوَانِ وَتَوَحُّشِهِ بِالطَّيَرَانِ أَوِ الْعَدْوِ،
(1) الدر المختار بحاشية ابن عابدين 5 / 186، ونهاية المحتاج 8 / 105، 107، والمقنع 3 / 534، والخرشي على خليل بحاشية العدوي 2 / 323.
(2)
إنما قيد بالبري؛ لأن السمك لا ذكاة له عند الجمهور. وقيد بالطاهر؛ لأن النجس كالخنزير لا ذكاة له إجماعًا. وقيد بالذي له نفس سائلة؛ لأن ما لا نفس سائلة له إن كان غير مأكول فلا ذكاة له اتفاقًا، وإن كان مأكولاً كالجراد فلا ذكاة له عند الجمهور. وقد علم هـ
وَهُوَ كَالْبَدَل عَنِ الأَْوَّل، إِذْ لَمْ يُجِزْهُ الشَّارِعُ إِلَاّ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ رَحْمَةً بِالنَّاسِ وَرِعَايَةً لِحَاجَاتِهِمْ.
وَمِنْ هُنَا انْقَسَمَتِ الذَّكَاةُ إِلَى " اخْتِيَارِيَّةٍ " وَهِيَ النَّوْعُ الأَْوَّل " وَاضْطِرَارِيَّةٍ " وَهِيَ النَّوْعُ الثَّانِي. وَقَدِ انْفَرَدَ الْحَنَفِيَّةُ بِتَسْمِيَةِ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ بِهَذَيْنِ الاِسْمَيْنِ (1) . وَسَمَّى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ النَّوْعَ الأَْوَّل ذَكَاةَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَالنَّوْعَ الثَّانِيَ ذَكَاةَ غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ (2) .
وَمَضَى أَنَّ هُنَاكَ نَوْعًا آخَرَ مِنَ الذَّكَاةِ (3) هُوَ ذَكَاةُ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَبَقِيَ نَوْعٌ يَقُول بِهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ
فَجُمْلَةُ الأَْنْوَاعِ اتِّفَاقًا وَاخْتِلَافًا أَرْبَعَةٌ هِيَ: الذَّكَاةُ الاِخْتِيَارِيَّةُ، وَالذَّكَاةُ الاِضْطِرَارِيَّةُ، وَذَكَاةُ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، وَذَكَاةُ الْجَنِينِ تَبَعًا لأُِمِّهِ.
النَّوْعُ الأَْوَّل مِنْ أَنْوَاعِ الذَّكَاةِ:
الذَّكَاةُ الاِخْتِيَارِيَّةُ:
أ -
حَقِيقَتُهَا
.
11 -
حَقِيقَةُ الذَّكَاةِ الاِخْتِيَارِيَّةِ الذَّبْحُ فِيمَا يُذْبَحُ وَهُوَ مَا عَدَا الإِْبِل مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهَا،
(1) البدائع 5 / 40.
(2)
الإقناع بحاشية البجيرمي 4 / 246، 247.
(3)
ر: ف / 9.
وَالنَّحْرُ فِيمَا يُنْحَرُ وَهُوَ الإِْبِل خَاصَّةً، وَتَخْصِيصُ الذَّكَاةِ الاِخْتِيَارِيَّةِ بِالذَّبْحِ أَوِ النَّحْرِ وَاجِبٌ فَلَا يَجُوزُ الْعُدُول عَنْهَا فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ.
قَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ لِمَنْ قَدَرَ، وَذَرِ الأَْنْفُسَ حَتَّى تَزْهَقَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: " الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ (1) . وَالْمَقْصُودُ بِالذَّكَاةِ فِي كَلَامِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم ذَكَاةُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ لِغَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ صِفَةً أُخْرَى ذُكِرَتْ فِي أَحَادِيثِ الصَّيْدِ.
وَتَخْصِيصُ الإِْبِل بِالنَّحْرِ وَمَا عَدَاهَا بِالذَّبْحِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لَا وَاجِبٌ، وَوَجْهُ اسْتِحْبَابِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ فِي الإِْبِل النَّحْرَ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحَ فَقَال:{فَصَل لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2) . وَقَال: {إِنَّ اللَّهَ
(1) أثر عمر بن الخطاب وابن عباس أخرجهما عبد الرزاق في المصنف (4 / 495 - ط المجلس العلمي) . وورد في معناهما حديث مرفوع، فعن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى: ألا إن الذكاة في الحلق واللبة وأورده الزيلعي في نصب الراية (4 / 185 - ط المجلس العلمي)، ونقل عن ابن الهادي في التنقيح أنه قال:" هذا إسناد ضعيف بمرة ".
(2)
سورة الكوثر / 2.
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} (1) . وَقَال: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (2) . وَالذِّبْحُ - بِكَسْرِ الذَّال - بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ وَهُوَ الْكَبْشُ الَّذِي فُدِيَ بِهِ إِسْمَاعِيل عليه السلام؛ وَلأَِنَّ الأَْصْل فِي الذَّكَاةِ إِنَّمَا هُوَ الأَْسْهَل عَلَى الْحَيَوَانِ، وَمَا فِيهِ نَوْعُ رَاحَةٍ لَهُ فَهُوَ أَفْضَل، وَالأَْسْهَل فِي الإِْبِل النَّحْرُ لِخُلُوِّ لَبَّتِهَا عَنِ اللَّحْمِ وَاجْتِمَاعِ اللَّحْمِ فِيمَا سِوَاهَا، وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَنَحْوُهَا جَمِيعُ عُنُقِهَا لَا يَخْتَلِفُ (3) .
وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيَّةُ بِالإِْبِل سَائِرَ مَا طَال عُنُقُهُ كَالإِْوَزِّ وَالْبَطِّ وَمَا قُدِرَ عَلَيْهِ مِنَ النَّعَامِ (4) . وَأَوْجَبَ الْمَالِكِيَّةُ النَّحْرَ فِي الإِْبِل لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصَل لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} وَقَاسُوا عَلَى الإِْبِل مَا قُدِرَ عَلَيْهِ مِنَ الزَّرَافِيِّ وَالْفِيَلَةِ.
وَأَجَازُوا الذَّبْحَ وَالنَّحْرَ - مَعَ أَفْضَلِيَّةِ الذَّبْحِ - فِي الْبَقَرِ لِوُرُودِ الذَّبْحِ فِيهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} ، وَأَمَّا النَّحْرُ فَقَدْ قِيل فِي تَعْلِيلِهِ عِنْدَهُمْ: إِنَّ عُنُقَ الْبَقَرَةِ لَمَّا كَانَ فَوْقَ الشَّاةِ وَدُونَ عُنُقِ الْبَعِيرِ جَازَ فِيهَا الأَْمْرَانِ جَمِيعًا الذَّبْحُ وَالنَّحْرُ؛ لِقُرْبِ خُرُوجِ الدَّمِ مِنْ جَوْفِهَا بِالذَّبْحِ، وَالنَّحْرُ فِيهِ أَخَفُّ، وَلَمْ يَجُزِ الذَّبْحُ فِي الْبَعِيرِ لِبُعْدِ خُرُوجِ الدَّمِ مِنْ جَوْفِهَا بِالذَّبْحِ.
(1) سورة البقرة / 67.
(2)
سورة الصافات / 107.
(3)
البدائع 5 / 40، 41، والمقنع 3 / 538.
(4)
الإقناع بحاشية البجيرمي 4 / 249، 250.